يقام مهرجان مونترو لموسيقى الجاز من 5 إلى 20 يوليو/تموز كل صيف على ضفاف بحيرة جنيف في سويسرا، ويستضيف ما يقرب من 250 ألف زائر سنويا للاستمتاع بأجواء تحبس الأنفاس وحفلات موسيقية يحييها أشهر الفنانين في شرفات على مد البصر.

ووسط جبال الألب المهيبة وعلى طول ضفاف البحيرة، تلتقي أبرز الأسماء في عالم الموسيقى في "فيرمونت لو مونترو بالاس" لتجاذب أطراف الحديث حول هذا الفن المستوحى من جذور موسيقى الراجتايم والبلوز، والممتد تاريخه إلى أواخر القرن الـ19.

وخلال 16 يوما، تصبح مدينة مونترو السويسرية الوجهة المثلى لعشاق الموسيقى حيث يكتشف روادها تجربة موسيقية فريدة من نوعها في 11 مسرحا، 6 منها مجانية، و380 حفلة موسيقية، منها 250 حفلة مجانية.

من مشكلة إلى فرصة

ولأن مركز المؤتمرات الذي يضم قاعة أميرال كبيرة تسمى "سترافينسكي وورد" الأسطورية لا تزال قيد الإنشاء، تم تحويل المنتزه الواقع على ضفاف البحيرة في بلدة مونترو الصغيرة إلى منطقة مهرجانات نابضة بالحياة يتوافد عليها الآلاف يوميا.

وقال المدير التنفيذي لمهرجان مونترو لموسيقى الجاز ماثيو جاتون إن "هذه النسخة تختلف عن سابقاتها بالفعل، فقد كان علينا نقل المهرجان بأكمله إلى قلب مدينة مونترو وإعادة ابتكار جميع المساحات والمسارح، وخاصة المسرح الموجود أمام البحيرة".

وأضاف جاتون في حديثه للجزيرة نت أن التحدي الحقيقي الذي واجهه فريقه كان يتمثل في تحويل المشكلة إلى فرصة وإقامة مسرح على بحيرة ليمان، الشهيرة ليعيش الفنانون والجمهور تجربة فريدة من نوعها يزيد من سحرها منظر غروب الشمس على مياه ليمان المتلألئة.

كما سمح هذا الحل في إعادة رونق الكازينو الذي اشتهر بكونه مكان الحفلات الموسيقية الرئيسي للمهرجان حتى عام 1993، فضلا عن تركيب مسرح كبير فوق البحيرة مباشرة لتجربة خارجية، مع مناظر طبيعية مطلة على بانوراما الجبال المقابلة لساحل مونترو.

لكل الأذواق

ويتميز برنامج المهرجان، وهو مجاني بشكل أساسي، بمستوى عالٍ على كل الأصعدة، وتختلف الأنماط الموسيقية التي يقدمها الفنانون، من موسيقى الجاز والفانك والبوب، مرورا بإيقاعات الأفرو والهارد روك والهيب هوب.

ولنحو 6 عقود، يستضيف مهرجان مونترو لموسيقى الجاز عروضا تاريخية لأشهر الأسماء، بمن فيهم نينا سيمون، ومايلز ديفيس، وأريثا فرانكلين، وإيلا فيتزجيرالد، ومارفين جاي، وبرنس، وليونارد كوهين، وديفيد باوي، وإلتون جون، وستيفي ووندر.

وفي لحظة تاريخية تجمع بين الماضي والحاضر وبحضور 5 آلاف متفرج، اعتلت فرقة "ديب بوربل" (Deep Purple) البريطانية المسرح بمقطوعات الجيتار المذهلة لتقديم أغنية "سموك أون دا واتر" (Smoke On The Water). وبينما يفتح المغني إيان جيلان ذراعيه متأثرا بكلمات الأغنية، تظهر في الجزء الخلفي من المسرح أعمدة الدخان فوق البحيرة.

ويرتبط هذا المشهد الفني بعام 1971 حيث اشتعلت النيران في كازينو مونترو خلال حفل فرانك زابا بسبب إطلاق رجل النار على السقف الخارجي، متسببا باحتراق المكان بأكمله. وكانت الفرقة البريطانية موجودة في المدينة آنذاك لتسجيل ألبوم، وعند مشاهدتها للدخان وهو ينجرف فوق بحيرة جنيف، كتبوا أغنية عن الحادث بعنوان "سموك أون ذا ووتر".

موعد مع التاريخ

وتأسس المهرجان في عام 1967 على يد كلود نوبس الذي كان يعمل في مكتب السياحة الخاص بمدينة مونترو الصغيرة، ليصبح على مر السنين حدثا موسيقيا لا يمكن تفويته لعشاق فن الجاز.

وفي مقابلة حصرية للجزيرة نت، أوضح المدير التنفيذي للمهرجان أن فكرة تأسيس هذا المهرجان كانت تهدف أساسا إلى جعل بلدة مونترو السويسرية علامة تجارية يعرفها الجميع في كل أنحاء العالم.

وتابع ماثيو جاتون قائلا "قرر صاحب الفكرة كلود نوبس تسجيل جميع حفلات المهرجان بأعلى معايير جودة التلفزيون المتوفرة في ذلك الوقت، ثم أعطى التسجيلات المصورة -التي كتِب عليها: مباشرة من مونتروـ إلى الفنانين، مما أسهم في انتشارها بشكل سريع وجعل أسطورة مونترو تبرز بقوة على الساحة العالمية".

وقد تم إدراج الأرشيفات التي تحتوي على مجموعة فريدة من المقطوعات السمعية والبصرية في سجل ذاكرة العالم لليونسكو. وبالشراكة مع المعهد الفدرالي السويسري للتكنولوجيا في لوزان (EPFL)، تمت رقمنة هذا الأرشيف الذي يضم أكثر من 11 ألف ساعة من الموسيقى الحية بالكامل منذ عام 2017.

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: حراك الجامعات حريات

إقرأ أيضاً:

مهرجان الفن الفلسطيني في نيروبي.. الفن أداة للمقاومة والصمود

نظمت مجموعة "الفن والمقاومة والصمود" في العاصمة الكينية نيروبي، بين 17 و25 يناير/كانون الثاني 2025، حدثا ثقافيا فريدا بعنوان "مهرجان الفن الفلسطيني". وكان المهرجان، الذي امتد أسبوعا، فرصة لإبراز الثقافة الفلسطينية الغنية وتسليط الضوء على النضال الفلسطيني من خلال السينما والموسيقى والمأكولات التقليدية.

المهرجان ووقف إطلاق النار

تزامن المهرجان مع إعلان وقف إطلاق النار في غزة وبدء صفقة التبادل بين المقاومة الفلسطينية وإسرائيل. وقد ركز منظمو المهرجان على استخدام الفن وسيلة للتواصل ونقل المعاناة الفلسطينية في غزة من خلال برامج متنوعة استهدفت جميع الفئات العمرية والخلفيات الثقافية. واستقطبت الفعالية جمهورا متنوعا من سكان نيروبي، بما في ذلك الأجانب المقيمون في كينيا والفنانون والصحفيون والكينيون أنفسهم.

فيلم الافتتاح: "من المسافة صفر"

افتُتح المهرجان بعرض فيلم "من المسافة صفر"، وهو مجموعة من الأفلام القصيرة التي أخرجها مبدعون فلسطينيون من غزة تحت إشراف المخرج الفلسطيني رشيد مشهراوي. وتناولت هذه الأفلام الحياة اليومية في القطاع خلال الحرب، مسلطة الضوء على ثنائية الأمل واليأس، الحياة والمقاومة. وشكّل الفيلم نافذة للجماهير للاطلاع على معاناة الفلسطينيين، لكنه في الوقت نفسه أبرز قدرتهم على الإبداع والابتكار رغم قسوة الظروف التي يواجهونها.

إعلان

وعقب عرض الفيلم، نُظمت حلقات نقاشية مفتوحة شارك فيها أحد مخرجي العمل مباشرة من غزة عبر تقنية الفيديو. وتناولت النقاشات تأثير الاحتلال الإسرائيلي على الحياة اليومية للفلسطينيين، وناقش الحضور سبل الانتقال من التعاطف مع القضية الفلسطينية إلى اتخاذ خطوات عملية لدعمها.

إيزابيل، وهي أميركية تدير شركة ناشئة في نيروبي، تحدثت عن تأثير الفيلم عليها في مقابلة مع الجزيرة نت. وأعربت عن شعورها بالثقل والمسؤولية تجاه الحرب على غزة، مشيرة إلى أن جنسيتها الأميركية تجعلها ترى بلادها شريكة في الجرائم التي ترتكبها إسرائيل بحق المدنيين، من خلال الدعم الأميركي المستمر. وقالت: "رغم أن النظام العالمي يبدو غاشما وعصيا على التغيير، أعتقد أن الفن يمكن أن يكون نافذة لخلق عالم أفضل".

خلال أسبوع المهرجان، تخللت الفعاليات ورش عمل مخصصة للأطفال (الجزيرة) فعاليات لتعزيز التواصل الثقافي

خلال أسبوع المهرجان، تخللت الفعاليات ورش عمل مخصصة للأطفال، هدفت إلى تعريف الأجيال الناشئة بالثقافة الفلسطينية من خلال أنشطة تعليمية وترفيهية. وتضمنت هذه الورش تعليم الأطفال كيفية إنشاء أفلام قصيرة باستخدام الصور المتحركة، حيث تم عرض أعمالهم في إحدى قاعات السينما في نيروبي، مما أضاف بعدا إبداعيا وتجربة فريدة لهم.

إلى جانب ذلك، نظمت المجموعة عشاء فلسطينيا قُدّمت فيه أطباق تقليدية مثل المسخن، مما أتاح للحضور فرصة مميزة للتعرف على التراث الفلسطيني من خلال المطبخ. وعبر الزوار عن إعجابهم بالنكهات الغنية التي قدمتها الأطباق، وأشاروا إلى أن الطعام يعكس جزءا جوهريا من الهوية الفلسطينية، مما جعل التجربة تجمع بين المذاق الثقافي والتاريخي.

وكان الفنان الفلسطيني المقيم في فرنسا، رسمي دامو، من أبرز ضيوف المهرجان. دامو، الذي كان أحد المشرفين على إخراج فيلم "من المسافة صفر"، شارك في محاضرات وجلسات نقاشية حول أهمية الفن في توثيق الذاكرة الفلسطينية وتعزيز الصمود. كما أجاب عن تساؤلات الحضور المتعلقة بحياة الفلسطينيين اليومية، وخاصة في غزة. وقال دامو خلال إحدى مداخلاته: "الفن ليس مجرد وسيلة للتعبير، بل هو جسر يصلنا بالعالم. إنه وسيلة لتسليط الضوء على المعاناة، لكنه يعبر أيضا عن الأمل الذي ينبض في داخلنا. من الضروري أن نستمر في إنتاج أعمال فنية تروي قصتنا للعالم".

إعلان

ولم يكن المهرجان مجرد سلسلة من الفعاليات الثقافية، بل كان تجربة إنسانية عميقة تركت أثرا واضحا في نفوس المشاركين. الصحفية والكاتبة الكينية آنا موشيكي، التي شاركت في المهرجان، وصفت تجربتها بقولها: "تأثرت برؤية الأطفال في الفيلم وهم يواجهون الألم من دون أن يفقدوا أحلامهم. شعرت بالذهول حين علمت أن سكان غزة يعيشون تحت الضجيج المستمر للطائرات المسيرة. الفن لديه القدرة على معالجة أي قضية، فهو يذكرنا دائما بأن خلف كل صراع سياسي هناك وجوه إنسانية تحمل آمالا وأحلاما. أعتقد أن تنظيم هذا المهرجان كان خطوة شجاعة، وآمل أن يصل تأثيره إلى العالم".

نقاش مع الفنان رسمي دامو إثر عرض الفيلم (الجزيرة)

أثار المهرجان أيضا نقاشات حول دور الإعلام في تغطية القضية الفلسطينية، حيث أكد المشاركون على انحياز بعض التغطيات الإعلامية وأشاروا إلى أهمية الفن في تقديم روايات بديلة تظهر الجوانب الإنسانية للصراع. ماريا، وهي كولومبية تعيش في نيروبي، قالت للجزيرة نت: "أؤمن بفلسطين الحرة وأدعمها. لكن مع وجود تغطية إعلامية غير متوازنة، يصبح من الضروري الاستماع إلى القصص الفلسطينية ومشاهدتها." وأضافت: "الفن أداة قوية للتواصل مع العالم. إنه وسيلة للتحدث إلى قلوب الناس ومنفذ للفلسطينيين للتعبير عن أنفسهم، ولذلك أعتقد أنه جزء أساسي من دعم القضية الفلسطينية".

بهذه الفعاليات والنقاشات، نجح المهرجان في الجمع بين الثقافة والتوعية، وساهم في إيصال الرسائل الإنسانية الفلسطينية إلى جمهور أوسع.

المهرجان أثار نقاشات حول دور الإعلام في تغطية القضية الفلسطينية (الجزيرة) الفن أداة للتغيير

على مدار أسبوع كامل، أعاد المهرجان صياغة مفهوم المقاومة من خلال الفن، مشددا على أن الثقافة والفنون ليست فقط وسيلة للتعبير عن المعاناة، بل هي أيضا وسيلة لتغيير الروايات وتحدي الصور النمطية. فقد علق شيسلي، وهو مواطن من موريسيوش مقيم في نيروبي، قائلا: "الفن الفلسطيني أظهر لي كم نحن متشابهون كبشر. ومع ذلك، فمن الأفضل أن يتجاوز الفن مجرد ربط الناس بالقضية، وأن يحفز الأشخاص الذين يشعرون بالعجز أو يعتقدون أنه ليس بوسعهم فعل الكثير للمساعدة".

إعلان رسالة إنسانية تتجاوز الحدود

أثبت "مهرجان الفن الفلسطيني" في نيروبي أن الفن هو أكثر من مجرد وسيلة للتعبير بل أيضا وسيلة فعالة للتواصل، والمقاومة، وإبراز المعاناة الإنسانية. إذ لم يكن هذا المهرجان، بأفلامه وورش عمله وتجربته الثقافية مجرد فعالية عابرة، بل كان تأكيدا على أن التضامن الإنساني يبدأ بفهم القضية، وأن الفن هو أقوى الجسور التي يمكن أن تربط القلوب والعقول، مهما كانت الجنسية أو المعتقد.

مقالات مشابهة

  • قتلى وجرحى في تدافع خلال مهرجان بالهند ..فيديو
  • مهرجان «سكة للفنون والتصميم 13» ينطلق 31 الجاري
  • مقتل 15 شخصاً في تدافع خلال مهرجان بالهند
  • برعاية محمد بن راشد.. الدورة الـ17 من مهرجان طيران الإمارات للآداب تنطلق غداً
  • برعاية محمد بن راشد.. مهرجان طيران الإمارات للآداب ينطلق غداً
  • الإعلان عن الخيول المشاركة في كأس دبي العالمي
  • 173 خيلاً «نجوم مضيئة» في النسخة الـ29 من أمسية كأس دبي العالمي
  • انطلاق مهرجان الطيور المهاجرة في جامعة دمياط
  • مهرجان الفن الفلسطيني في نيروبي.. الفن أداة للمقاومة والصمود
  • احتفاء بالموسيقار محمد القصبجي.. فعاليات ختام النسخة الرابعة لمهرجان كتارا لآلة العود