حكايات أطفال يهجرون المدارس في نيجيريا لإعالة أسرهم
تاريخ النشر: 18th, July 2024 GMT
كشف موقع "أفريكا ريبورت" أن معدل الأطفال غير الملتحقين بالمدارس في نيجيريا يعد من أعلى المعدلات في العالم، مبرزا أن الجهود الحكومية لمحاربة الظاهرة لا تبدو قادرة على مواجهة هذا التحدي الكبير.
وأضاف الموقع في تقرير أن أرقام منظمة الأمم المتحدة للطفولة (يونيسيف) تشير إلى أن 63% فقط من الأطفال المتمدرسين يذهبون إلى المدارس بانتظام، بينما لا يذهب نحو 10.
ويضطر ما لا يقل عن 43% من الأطفال إلى العمل لإعانة أسرهم، في ظل ارتفاع عدد المواليد.
ونقل التقرير عن التوأمين حسينة وحسنة أنهما تستيقظان منذ السابعة صباحا لتحضير مأكولات خفيفة وبيعها للمارة لمساعدة أسرتهما. ويجني التوأم نحو 12 ألف نيرة يوميا (نحو 7 دولارات)، وقالتا لأفريكا ريبورت إنهما تعطيان كل ما تجنيانه لأمهما.
كما نقل الموقع قصة الطفلة مريم أبو بكر (13 عاما) التي كانت تتابع دراستها بشكل عادي، وتقول إنها اضطرت لمغادرة مقاعد المدرسة العام الماضي لمساعدة أسرتها التي تضم 7 أحفاد وجدة كفيفة تبلغ من العمر (80 عاما).
الزي المدرسيولا يستطيع والد حسينة وحسنة، الذي يبلغ من العمر (70 عاما) ويعمل في قطاع البناء توفير حاجيات تعليم ابنتيه، وهو الذي يجني ما بين 4 آلاف و5 آلاف نيرة يوميا، ومتزوج من سيدتين ولديه 10 أطفال، وزوجته الثانية حامل في الطفل رقم 11.
واعترف الأب في حديث مع أفريكا ريبورت بأنه لا يستطيع شراء الزي المدرسي لأطفاله، مضيفا "هناك الكثير منهم".
وقال الموقع إن هناك منظمات إنسانية كثيرة تساعد على توفير الزي المدرسي للتلاميذ العاجزين عن توفيره. وأكد مدير المدرسة أدامو لاوان (56 عاما) أن مدرسته تتبع سياسة الباب المفتوح، وتسمح لكل الأطفال الذين لا يستطيعون توفير الزي المدرسي بالدخول ومتابعة الدراسة بشكل عادي.
وبحسب الموقع، فقد وضعت الحكومة في 2018 برنامجا لتشجيع الأطفال على التمدرس، يتمثل في تقديم وجبات غذائية للأطفال، مما ساهم برفع نسبة التمدرس بشكل غير مسبوق. لكن عندما أنهي هذا البرنامج العام الماضي، انخفض عدد الطلاب المتمدرسين بشكل كبير.
عدد الأطفال المنتظمين في الدراسة بنيجيريا يقل بنسب ملحوظة (رويترز) جهود قاصرةويذكر الموقع أن نسبة الأطفال غير المتمدرسين تصل في المناطق الريفية إلى 90%، وإلى جانب الفقر المدقع، ساهم ضعف الأمن في منع الكثير من الأطفال من التمدرس.
ويقول المسؤولون إنه على الرغم من أن الجهود الحكومية لم تحل المشكل بشكل جذري، فإنها تسير في الاتجاه الصحيح، إذ ارتفع عدد المدارس الابتدائية من 1041 إلى 1198، بينما ارتفع عدد المدارس الإعدادية من 168 إلى 202، وذلك بين عامي 2012 و2024.
ونقل الموقع عن بوكار آجي بوكار، السكرتير الدائم لوزارة التعليم الأساسي والثانوي في ولاية يوبي، قوله إن الأمور تتغير في الولاية، بما في ذلك موقف الناس تجاه التعليم الرسمي. وقال خلال مقابلة مع الصحفيين "في الوقت الحاضر، يعرف الجميع، سواء في المناطق الريفية أو الحضرية، قيمة التعليم".
وتابع "في الماضي، كان حكام القرى يجبرون آباءنا على إرسالنا إلى المدرسة، لكننا الآن نسجل أطفالنا بأنفسنا".
ويقول بوكار إن الحكومة تتكفل بدفع الرسوم الدراسية ورسوم الامتحانات للطلاب في المدارس الابتدائية والثانوية ولا تطلب من أولياء الأمور توفير الزي الرسمي لأطفالهم.
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: حراك الجامعات حريات ترجمات الزی المدرسی
إقرأ أيضاً:
حكايات من قلب غزة
مديرة مدرسة الشجاعية الثانوية: فقدنا منازلنا في الحرب وسنبنيها من جديدسكان غزة: شكرًا لمصر على عدم تنفيذ مخطط التهجيرآن لغزة أن تستريح.. بعدما لوّح حديث الهدنة بالأفق كفصل جديد في مُجلّد الألم، على أرضٍ اختلط فيها غبار الركام بدماء الشهداء، وبين أنقاض بيوتٍ كانت يومًا مأوى للأحبة، والآن تحكي صمتًا أشدّ وقعًا من الكلام، وفي سماءٍ لم تعرف سوى دخان القذائف، وفي ظلال أيامٍ أثقلتها أوجاع الحصار والدمار.. فقد وقف شعبها منهكًا بين أملٍ لا يجرؤ على التصديق، وخوفٍ من سلامٍ هش لا يحمل سوى خيبة جديدة في بُقعةٍ أبيّة لا تُستقبل الهُدن كوعودٍ بالسلام، بل كتوقفٍ مؤقت عن نزيفٍ لا ينقطع ودماء تُراق على مرأى ومسمع من العالمِ أجمع، وجثث متناثرة كفُتات وجبة دسمة على مائدة افترشها الجوعى.. آن لغزة أن تهدأ من صراخ الجرحى وأنين الثكالى وبكاء اليتامى ونوح الطيور المحاصرة وهي تموت علانية بلا رحمة أو شفقة.. آن لغزة أن تُوقف آلة حصد الضحايا الذين لا ذنبَ لهم سوى أنهم تشبّثوا بوطنٍ وُلدوا وعاشوا فيهِ.
استمعت "محررة الوفد" إلى أصواتٍ اختبرتها المآسي، حملت وجع وطنٍ جريح، عبّرت عن نبض شعبٍ يعيش بين الحصار والموت، ولا يزال ينتظر، بقلوبٍ متعبة، عدالةً غابت عن أرضه طويلًا.. ومع بدء تطبيق الهدنة عاد الأمل في غدٍ أفضل يُداعب مخيلاتهم، فرحين بحلم العودة.
حكايات أهل غزة من رماد الحرب إلى شمس الإعمارهذا الملف يسرد حكايات أهل غزة من رماد الحرب إلى شمس الإعمار وينقل معاناة البداية وآمال المستقبل ليكون شاهدًا على قصص صمود وإصرار في وجه التدمير والتحديات.
"ستظل غزة معجزة في الصبر ومعجزة في الأمل ومعجزة في العودة إلى الحياة من جديد".. بكلمات تنم عن إرادة فولاذية وعزيمة لا تُقهر أعربت أمل عايد البطنيجي، مديرة مدرسة الشجاعية الثانوية، والتي تقيم بمنطقة دير البلح، عن سعادتها باتفاق الهدنة قائلة: «استقبلنا خبر الهدنة بقلوب مليئة بالفرح والسعادة والأمل، بعد أن عشنا معاناة قاسية وطويلة استمرت أكثر من عام وثلاثة أشهر من الحرب والدمار، وسعدنا بعودة أسرانا الأبطال، كانت الأيام ثقيلة، والشهور مرهقة، لكننا رغم ذلك لم نفقد الأمل في أن يأتي يوم ينقلب فيه الحال وتتحقق رغباتنا في السلام والاستقرار. اليوم، ونحن نرى أن الهدنة قد تحققت، نأمل أن تكون بداية لعهد جديد من الاستقرار الحقيقي والدائم، وأن تفتح أمامنا أبواب الأمل لبناء ما تهدم واستعادة ما فقدناه».
أمل عايد البطنيجيبصوتٍ مبحوحٍ نالَ منه ألمٌ جمٌّ استكلمت صاحبة الـ57 ربيعًا حديثها لـ"الوفد" قائلة: «الحرب أفقدتني أخي وأقاربي وأصدقائي وأعز الجيران، فقدت بيتي وكل ما أملك، ورغم كل هذا الألم، أحتسب ما فقدته عند الله، وأعلم أن شهداءنا أحياء عند ربهم يرزقون.. فكل ما مررنا به كان أكثر من مجرد فقدان، بل كان عبارة عن ألم عميق يعصف بالروح. نحاول أن ننسى ونتصالح مع الواقع، لأن ما مضى لا يمكن استرجاعه، وكل ما تبقى هو المحاولة للبقاء واقفين رغم كل شيء. بعد كل هذه التضحيات، وبصعوبة بالغة، نبدأ في الاستعداد لما هو قادم، فلا أحد يستطيع تخيل حجم الدمار والخراب الذي سنعود إليه. العودة إلى غزة ستكون بمثابة العودة إلى نقطة الصفر، بل تحت الصفر، فالوضع يتطلب قوة وصبر، بل يحتاج إلى ما يفوق القدرة على الاحتمال، ويبقى في قلوبنا أمل كبير بأن البيوت والأملاك التي تهدمت ستُعاد، وأن الأجر الذي ننتظره عند الله هو أعظم مما نتصور».
أفصحت "البطنيجي" عن معاناة أهل غزة في الحرب قائلة: «لقد انقلبت حياتنا رأسًا على عقب بعد السابع من أكتوبر، حين تحولت أيامنا التي كانت هادئة ومليئة بالأمان إلى كابوس مرير لا ينتهي. اضطررنا لترك بيوتنا وأرضنا، وشرعنا في رحلة نزوح شاقة نحو الجنوب، حيث عاشرنا ظروفًا قاسية تكاد لا تُحتمل، فقد فقدنا أبسط مقومات الحياة، لا ماء، ولا كهرباء ولا غاز، حياة بدائية بكل معنى الكلمة، وكان الإجرام قد بلغ أقصى درجاته حين قطعوا عنّا حتى مصادر المياه التي هي حقنا الطبيعي. أما الأوضاع الأمنية، فقد كانت في غاية القسوة، إذ كانت أصوات القصف تتردد في كل مكان، وتحاصرنا من كل حدب وصوب. ومع كل هذه التحديات، نجونا من هذه الحرب اللعينة بأعجوبة؛ لا يمكن تلخيص ما عانيناه في سطور، فكل لحظة مرت علينا كانت تحمل في طياتها المزيد من الألم والمصاعب. ربما تكشف صفحاتنا بعضًا من معاناتنا التي عشناها طوال هذه الفترة، لكن الكلمات تبقى عاجزة عن نقل الصورة الكاملة لما عايشناه. ومع ذلك، وبرغم كل ما عانيناه، لا يمكن إنكار أن هناك شعورًا بالارتياح قد بدأ يلوح في الأفق بعد الهدنة، على الرغم من الحذر والترقب الدائمين اللذين لا يفارقانا. فالأمل، وإن كان هشًا، بدأ يعود شيئًا فشيء، لكن الجراح التي تركتها هذه الحرب ما زالت تؤلمنا».
وأضافت: «واجهنا الكثير من التحديات، أصعبها وجودنا في الجنوب بعيدًا عن بيوتنا وأرضنا، حيث لا نزال نعيش في ظروف قاسية ومؤلمة. ومع الإعلان عن الهدنة، أصبح لدينا أمل ضئيل في العودة بعد أسبوع من سريانها، ولكن يبقى الأمل في أن تكون هذه العودة آمنة، رغم التحديات الكبيرة التي قد تواجهنا. وأبرزها توفير وسائل النقل التي تساعدنا في العودة، فنحن نعلم أن هناك صعوبة كبيرة في تأمينها في ظل هذه الظروف الصعبة. والأصعب من ذلك هو أن العودة ستكون إلى بيوت مدمرة، وإلى شوارع محطمة، حتى المدارس والجامعات والمؤسسات التعليمية أصبحت خرابًا، ما يجعلنا ندرك أن مشوارنا في إعادة بناء حياتنا سيكون طويلًا وشاقًا».
واستطردت: «ستكون الهدنة خطوة مهمة نحو أماننا واستقرارنا، سنُحاول استعادة حياتنا الطبيعية، والبدء من جديد في السعي لكسب الرزق والعودة إلى العمل. لكن في ظل الوضع الراهن، تبقى لنا احتياجات كبيرة وعاجلة للغاية، ولا يمكن التغلب عليها أو تلبية متطلباتها دون دعم ومساندة حقيقية من الأطراف الدولية الداعمة. إن إعادة الإعمار أصبحت أمرًا لا بد منه، وهي ضرورة ملحة وعاجلة بالنظر إلى حجم الدمار الهائل والشامل الذي لحق بالبنية التحتية والمنازل والاقتصاد. نأمل أن يكون هذا المشروع إعادة إعمار شاملة وعاجلة، ليس فقط من حيث الموارد المالية واللوجستية، بل من حيث الثقة في قدرة المجتمع الدولي على الوفاء بوعوده. نحن نواجه أوضاعًا صعبة للغاية، تفوق القدرة على التحمل، ولا تحتمل المزيد من التأجيل أو الانتظار. لذا، نعلق أملنا على الله أولًا ثم على دعم العالم بأسره لإعادة بناء ما تهدم، وتخفيف معاناة الناس الذين لا يزالون يُصارعون في انتظار فجر جديد».
أمل عايد مع حفيديهاوواصلت: «من بواطن المحن تُولد المنح، حيث إنني رُزقت بأول حفيدين في هذه الحرب، فتُوِّجت حياتنا بقدوم حفيدتي من جهة ابني وحفيدي من جهة ابنتي. ورغم كل الظروف الصعبة، يبقى لدينا أمل بالله. حفيدي، الذي عمره الآن عشرة أشهر، لم يرَ والده بعد، لأن والده لا يزال في غزة، ولم يجتمع به بعد. ولكننا نثق أن الله سيجمع شملنا قريبًا، بإذنه ورعايته. أما حفيدتي، فهي الآن في عامها الأول وشهرها الثاني، وقد كانت ثمرة من ثمرات الحرب، رمزًا للأمل والحياة في ظل الصعاب.. فكان يوم ولادتها مغامرة حرب، ففي منتصف الليل، وبينما كانت أصوات القصف والضرب تملأ الأجواء، اضطررنا للخروج بأمها في وقت لا يرحم، وكانت المستشفى في منطقة النصيرات وسط قطاع غزة، ونحن في حالة من العجز التام عن الحصول على أي وسيلة اتصال. كان كل شيء محاطًا بالظلام والضباب، ولا ندري كيف سنتمكن من الوصول. لم يكن هناك إسعاف ولا وسيلة نقل، وكان الخوف يعترينا في كل لحظة. ومع كل هذه الصعوبات سلمنا ووصلنا إلى بر الأمان بألطاف الله ورعايته، ومرت تلك اللحظات التي كانت أقرب إلى المعجزة، تاركة في قلوبنا ذكرى لا يمكن أن تُنسى، تذكرنا دائمًا برحمات الله التي تحيط بنا في أشد اللحظات قسوة».
وعن دور المؤسسات الإنسانية والإغاثية خلال فترة التصعيد أشارت إلى أنها لعبت دورًا محوريًا في تقديم الدعم للناس، ساعية بكل جهد لتوفير احتياجاتهم الضرورية في ظل تلك الظروف القاسية. ورغم كل ما بذلته هذه المؤسسات من جهود، إلا أن خدماتها لم تكن بمستوى المعاناة الكبيرة التي كان يواجهها الناس، حيث كانت الأوضاع بالغة الصعوبة، وتضاعفت التحديات بسبب غياب الأمن في بعض المناطق، مما جعل من المستحيل إيصال المساعدات بسلام، سواء بسبب حصار الاحتلال أو بسبب تفشي ظاهرة اللصوصية التي ظهرت بقوة في هذه الحرب. تلك الظاهرة التي استغلت غياب رجال الشرطة وتعرضهم للقصف، مما زاد من صعوبة الوضع وأدى إلى إعاقة عمليات الإغاثة والإمداد، ليصبح الأمل في النجاة شبه معدوم».
وواصلت: « مستقبل غزة هو بين يدي أبنائها الأبطال، الذين سيصنعون لها مجدًا في السّلم كما صنعوه في الحرب. غزة التي لم تهن يومًا في مواجهة التحديات، ولن تهون مهما كانت الظروف أو المحن، ستظل شامخة صامدة، عصية على الانكسار.. إيماننا وثباتنا في مواجهة الصعاب كان وما زال ركيزتنا في الصمود. وسنمضي قدمًا نحو الحياة، متحدين كل محاولات الإضعاف، لنصنع للأجيال القادمة مستقبلًا يستحق الحياة؛ مستقبلًا مشرقًا يعكس صبرنا وقوتنا، ويُؤكد أن غزة ستظل دائمًا في طليعة من يسعى للحرية والكرامة».
اختتمت "أمل" حديثها: «بكل حب وإخلاص، نًثمن جهود الرئيس عبدالفتاح السيسي، في دعم قضيتنا وحفظ حقنا الثابت في أرضنا ومقدساتنا، فقد كانت المفاوضات في غاية الصعوبة، واستدعت جهدًا كبيرًا من قيادات مصر العظيمة، الذين تحملوا مسؤولية الوساطة ببراعة وحكمة. ونأمل أن يستمروا في المتابعة ومواصلة الضغط لضمان أن يتم تنفيذ ما تم الاتفاق عليه.. ونوجه رسالتنا إلى شعب مصر العظيم الذي تعاطف معنا بشكل لا يوصف، نشكركم من أعماق قلوبنا على وقفتكم إلى جانبنا في هذه الأوقات العصيبة، ونرجوا أن تواصلوا دعم صمودنا وتضحياتنا في مواجهة الاحتلال. نناشدكم ألّا تنخدعوا بمحاولات الالتفاف على حقوقنا أو التهاون في قضيتنا العادلة، لأن دماء شهدائنا وآلام جرحانا، ومعاناة شعبنا، يجب أن تبقى في ذاكرة كلّ من يسعى إلى العدل والحرية. أنتم الأخ الأكبر لنا والأقرب إلينا، الجار الذي لطالما وقف معنا.. فلسطين ليست قضية شعبنا وحده، بل هي قضية كل عربي حر، ودماء الشهداء التي روت الأرض هي أمانة في أعناقنا جميعًا، ولن نسمح بأن تهدر هذه التضحيات تحت أي ظرف».
هدنة حقيقيةبينما قالت هبة حمدان، أحد سكان قطاع غزة، والتي تبلغ من العمر 37 عامًا: «نأمل بصدق أن تكون هذه الهدنة، حقيقية وفعّالة على أرض الواقع، بحيث لا تُخترق ولا يتعرض أي من بنودها للتلاعب أو التراجع. فقد عشنا تجارب مريرة مع اتفاقات سابقة، حيث تم الإعلان عن هدنة لفترة قصيرة، وفي بعض الأحيان، بعد مرور أسبوع فقط، تم اختراقها من جديد، ما ألحق بنا مزيدًا من المعاناة. فكلما أعلنا عن هدنة، كان الهدوء يخيم لفترة قصيرة، ثم يعقبه تصعيد يستهدف المدنيين في غزة، ليبقى الأمل هشًا والوعود بلا قيمة. لذلك، ندعو الله في كل لحظة أن يكون وقف إطلاق النار دائمًا، وليس جزئيًا أو مؤقتًا، وأن تكون هذه الهدنة ملزمة لجميع الأطراف، بحيث لا نشهد بعد اليوم أي اختراق أو تراجع يعيدنا إلى دائرة العنف. معاناتنا كبيرة، ولا نريد أن يتكرر ما حدث في الماضي، نريد حلاً حقيقيًا يوقف نزيف الدماء ويمنحنا الفرصة للعيش بسلام بعيدًا عن أي تهديد، ونعلق آمالنا على أن تكون هذه اللحظات محطة للسلام الدائم، وأن تُسهم في وضع حدٍ لمعاناتنا التي طال أمدها».
وتابعت: «لا أحد يستطيع تخيل حجم المعاناة التي يعيشها الناس هنا، فالمعاناة لا تتوقف عند مجرد فقدان الأمان، بل تتعداها إلى أسس الحياة اليومية. حمامات غير موجودة، ومياه شرب نظيفة غائبة تمامًا، وحتى الصرف الصحي أصبح في الشوارع، في مشهد لا يمكن تصوره في القرن الواحد والعشرين. الكثير من الناس يعيشون في خيام بالية في ظروف غير إنسانية، ولا تكاد تجد غذاءً كافيًا لتلبية حاجاتهم الأساسية، فقد ضربت المجاعة غزة من شمالها إلى جنوبها. الوضع يتطلب تدخلًا عاجلًا، مثل إدخال المعدات الثقيلة لرفع الركام عن الطرقات لكي يتمكنوا من الوصول إلى جثامين الشهداء الذين لا يزالون تحت الأنقاض. معسكر جباليا، مثل العديد من المناطق الأخرى، يعاني من دمار هائل، حيث الشهداء مدفونون في الشوارع، في الأسواق، وفي ساحات المستشفيات والمدارس. لكم أن تتخيلوا المدة الطويلة التي تحتاجها فرق الإنقاذ لنقل رفات الشهداء من هذه الأماكن العامة إلى مثواهم الأخير.. فالناس هنا يعيشون في جحيم لا يمكن تحمله».
وأكلمت: «في حال استمرّت الهدنة، ستوفر نطاقًا من الأمان لم يكن موجودًا في ظل القتال المستمر، مما سيسمح للناس بالتحرك بحرية وأمان. فالأمان، الذي نعتبره اليوم من أكبر النعم، هو شيء لا يدرك قيمته إلا من فقده. أن تستيقظ يومًا وأنت تشعر بالأمان، أن تتحرك في الشوارع دون خوف، أن تقضي حاجاتك اليومية دون قلق، وأن ترى أهلك وأحباءك وأنت مطمئن على حياتهم، كل هذا لا يقدر بثمن، ستمنحنا الهُدنة فرصة لاستعادة بعض من إنسانيتنا المفقودة في ظل الحرب، فنتمكن أخيرًا من دفن أبنائنا وأحبائنا الذين قضوا في هذا الصراع بطريقة لائقة، دون الحاجة إلى الخوف من القصف أو الموت المفاجئ. ستتيح لنا الهدنة أيضًا أن نتنفس قليلًا، وأن نعيش لحظات حزننا بطريقة أكثر إنسانية، فنستطيع التواجد مع جيراننا وأصدقائنا لنواسي بعضنا بعضًا.. الهدنة هنا ليست مجرد وقف لإطلاق النار، بل هي فرصة حقيقية لاستعادة جزء من الأمل والحياة».
وأنهت: «نأمل أن تكون الهدنة فرصة يتنبه فيها الجميع إلى ضرورة التحرك الفوري لتقديم الدعم والمساعدة لشعب فلسطين في هذه اللحظات العصيبة. فالعالم الآن أمام اختبار حقيقي، والفرصة سانحة لتوصيل المساعدات الطارئة إلى أهل غزة، بدءًا من فرق الأطباء المختصين الذين يحتاجهم المصابون في مختلف المجالات الطبية، مرورًا بإدخال المعدات الثقيلة التي يحتاجها الدفاع المدني لرفع الأنقاض وإنقاذ ما يمكن إنقاذه. كما أن هناك حاجة ماسة لتوفير البركسات والخيام بشكل عاجل لإيواء الناس الذين فقدوا منازلهم، إلى جانب المواد التموينية الأساسية ومواد النظافة الحيوية.. هذه مسؤولية تقع على عاتق العالم العربي والإسلامي بأسره، لأن هذه البقعة الجغرافية التي طالما دافعت عن شرف الأمة، تستحق منا جميعًا وقفة حقيقية لرد الجميل وتقديم الدعم في وقتها الأكثر حاجة. فالكلمات وحدها لن تكون كافية لتخفيف الألم، ولكن العمل الجاد والمستمر هو ما سيبعث في نفوس أهل غزة الأمل ويعطيهم القوة للوقوف من جديد».
عهد جديدتبادلت محررة الوفد أطراف الحديث مع الصحفي سائد أبو محسن، عضو نقابة الصحفيين الفلسطنيين، حيث قال: «صباح الأحد هو بداية عهد جديد، خالٍ من المجازر والدمار والتطهير العرقي، فقد آن لشمس الحرية أن تُشرق دون ويلات الاحتلال، بعد مرور ٤٦٨ يومًا من الألم والحزن والفقد والدمار.. إنه قرار صائب تحقق بفضل مفاوضين مخلصين ومثابرين، ونحن نرفع أكف الدعاء إلى الله أن يفتح لنا بابًا جديدًا من الأمل والاستقرار».
سائد أبو محسنبحديث عن الفقدان ينخَرُ في سُويداء قلب مكلوم أضاف "سائد": «فقدت معظم أصدقائي وأحبتي، وأبناء عائلتي وأنسبائي، في هذه المحنة العصيبة التي مرت بنا. ولكنني أسأل الله العلي القدير أن تكون المرحلة القادمة مرحلة خيرٍ وبركةٍ لغزة، مرحلة إعمار وعودة الأمل. مرحلة تعم فيها بشائر الأمل والتعافي وتلتئم فيها شمل العائلات التي فرقتها الحرب وتزدهر الأرض من جديد، حيث إننا – حتى اللحظة - نعيش بكرامة وعزة دون خيام، ونسعد بحياة مستقرة ومزدهرة على أرضنا الطاهرة، وعلى أنقاض بيوتنا التي كانت يومًا ملاذًا لنا وشاهدًا على صمودنا، ولكنها اليوم أملٌ ننتظر إعادة بنائه».
سائد أبو محسنوفي ختام حديثه قال الصحفي سائد أبو محسن: «نوجه كل كلمات الشكر والحب والامتنان للرئيس المصري عبدالفتاح السيسي، على وقفته الجريئة والشجاعة في التصدي لمحاولات تهجير الشعب الفلسطيني إلى سيناء، ودعمه المتواصل واللامحدود لفلسطين وشعبها، ليس فقط خلال أيام الحرب، بل وقبلها أيضًا. لقد كانت مصر دائمًا، وستظل، الحاضن الأول للحق الفلسطيني، والمساند الأمين في أحلك الظروف. مصر وفلسطين هما يد واحدة، جسد واحد وروح واحدة، بإذن الله. تحيا مصر، رئيسًا وحكومة وشعبًا، على مواقفها الشجاعة والمبدئية في الوقوف إلى جانب الحق».
طوق نجاة"الهدنة أتت كطوق نجاة للمكلومين".. بهذه الكلمات بدأ الفلسطيني "خالد خليل"، 32 عامًا، من معسكر جباليا تل الزعتر، حديثه لـ"الوفد" قائلًا: "منحتنا الهُدنة فُرصة للراحة بعد معاناة استمرت طويلًا، وبعثت في نفوسنا شيئًا من الأمل في غدٍ أفضل. ونحن على يقين بأنها ستكون بداية لمرحلة من الاستقرار، بفضل الجهود المخلصة التي بذلتها الدول الصديقة والشقيقة مثل قطر ومصر، التي لم تدخر جهدًا في دعم قضيتنا والعمل على ضمان تحقيق الأمان والهدوء في منطقتنا. إن دعمهم المستمر وسعيهم نحو تعزيز التفاهم بين الأطراف المعنية يعطينا الأمل في أن تكون هذه اللحظة بداية لإعادة بناء ما تم تدميره، وأن نعيش في أمن واستقرار، بعيدًا عن ويلات الحروب وآلامها».
الفلسطيني خالد خليل وأولاده من قلب غزةوواصل: «تنتظرنا تحديات كبيرة في ظل غلاء الأسعار وقلة البضائع المتوفرة في الأسواق، ولكننا نأمل أن تُساهم المساعدات القادمة من دولة مصر في تحسين الوضع قليلًا، فالحرب التي استمرت طويلًا ضغطت على الجميع وأثرت على حياتنا بشكل كبير، حيث أدت إلى تفشي العديد من المشاكل الأسرية والاجتماعية بين الأصدقاء والأهل، حيث أصبح الناس يعانون من التوتر والضغط النفسي الشديد بسبب الظروف المعيشية الصعبة. والحقيقة أن الهدنة جاءت متأخرة جدًا، فنحن نعاني ونموت منذ أكثر من عام، قضيناه تحت وطأة القصف والدمار، في ظل غياب أي بصيص أمل للحل. ومع ذلك، ورغم كل المعاناة، نأمل أن تكون الهدنة تكون بداية لاستقرار طال انتظاره.. ولكننا نعيش الآن حالة من الترقب الحذر، فخوفنا من عودة العدوان يبقى قائمًا، فلا يمكننا الوثوق بعدوٍ لا يُؤتمن».
واستكمل: «أن الأضرار المادية التي خلفتها الحرب كانت ضخمة للغاية، فالوضع أصبح أشبه بكارثة اقتصادية شاملة، فلا توجد مصادر دخل كافية، وبالتالي لا يوجد أي أمل في جمع المال لإعادة بناء البيوت التي دُمرت بفعل العدوان. خسرتُ مصدر رزقي الذي كان يعيل أسرتي، كما خسرتُ منزلي بالكامل، الذي كان يمثل الأمان والملاذ لعائلتي. مع كل هذه الخسائر، أصبحت الأولوية بالنسبة لي هي النجاة بحياتي وحياة أولادي، إذ أصبحنا نعيش في ظروف صعبة للغاية، يسودها الخوف من المستقبل والقلق من المجهول. لكننا في الوقت ذاته نحتفظ بالأمل أن يكون في المستقبل فرصة للبدء من جديد».
وأضاف: «بارك الله في الأشقاء في مصر وقطر، فقد كانت جهودهم المخلصة هي التي أسهمت في تحقيق هذه الهدنة، وما كانت لتتم لولا دعمهم الكبير والمستمر. ولولا تضامنهم ووقوفهم بجانبنا، لما توقف القتل والدمار الذي عانينا منه طيلة فترة الحرب. إنهم كانوا السند الذي احتجنا إليه، فبفضلهم تحقق بعض الأمل في وقت كانت فيه الإنسانية قد غابت، واستطاعت جهودهم أن تضع حدًا لتلك المعاناة. فمساندتهم لهذه القضية كانت حاسمة، وكان لهم دورٌ محوري في إيقاف آلة الحرب، ونأمل أن يسهم الاتفاق في حماية المدنيين وتحقيق الأمان، فنحن نثق أن مصر، بصفتها الجهة الضامنة للاتفاق، ستظل دائمًا الحامي لشعبنا، وستعمل على ضمان عدم تكرار العدوان والجرائم بحق الأبرياء. هذا الاتفاق يعد فرصة حقيقية لبناء مستقبل يسوده السلام والكرامة، نحلم بعيشٍ آمن ومستقر بعيدًا عن صراع لا نهاية له».
الشاب الفلسطيني خالد خليل"سيتم إعمار غزة بجهود مصرية".. بهذه الكلمات اختتم الشاب الثلاثيني حديثه قائلًا: «ستظل جهود مصر هي القوة الدافعة لإعادة إعمار غزة، حيث ستنطلق من أرض مصر الحبيبة إشراقة الأمل، لتبني من جديد ما دمرته يد العدوان. مصر، بتعاونها المستمر والمخلص، ستكون دائمًا حاضرة لإعادة بناء غزة وتوفير بيئة آمنة ومستقرة لأهلها، لتعود إلى مجدها من جديد.. كلمة حق يجب أن تقال، لولا موقف الرئيس عبدالفتاح السيسي الصامد والحازم منذ بداية الحرب على غزة، لما كانت الأرض الفلسطينية قد بقيت، ولما كانت غزة قد صمدت.. كل الشكر والتقدير موصول للحكومة المصرية والشعب المصري الصادق، ولرئيس مصر البطل، الذي أثبت في هذه المحنة أنه الحامي والمدافع عن القضية الفلسطينية، ومنع محاولات تهجير شعبنا أو التفريط في حقوقه.
تحدياتمن جانبها قالت الشابة الفلسطينية لجين الرخاوي لـ"الوفد": «لقد مررنا بأحداث شديدة التأثير على مدار عام وثلاثة أشهر، فقدنا فيها أحباءً تركوا في قلوبنا فراغًا لا يُسد أبدًا.. والآن جاءت الهدنة ولا يمكن للكلمات أن تعبر عن مقدار الألم الذي عايشناه. كم روحًا فقدنا، كم أحبة رحلوا ولم يعودوا، وكم من الأيام مرّت علينا وكأنها سنوات طويلة، في ظل قسوة الفقد والحرمان. كم من قلوب تحطمت لرحيل أغلى الناس، وكم من أحلام تمزقت وتبددت بسبب حربٍ سلبت منا الكثير؛ سلبت أرواحًا وأعمارًا، وحياةً ومستقبلًا.. الحقيقة أننا لم نصدق الهدنة بسهولة بسبب محاولات التفاوض الكثيرة التي فشلت كل مرة، وجاءت لتُجدد فينا الأمل المخذول. لكن رغم كل هذا فإن إيماننا بالله لا يتزعزع، ويقيننا بأنه سيعوضنا عن كل ما عانيناه من صبر وألم، ويمنحنا جبرًا واستقرارًا بعد مشقة طويلة وتعب لا يوصف».
وأضافت: «إبان الحرب كل لحظة مررنا بها كانت بمثابة تحدٍ بحد ذاته؛ وما تحملناه من أعباء ومسؤوليات كان فوق طاقتنا.. ورغم أننا نشعر ببعض الراحة مع تنفيذ الهدنة، إلا أننا ما زلنا نواجه تحديات عصيبة يومًا بعد يوم، ولا يمكن حصرها بالكلمات، ولا يزال صمودنا يختبر في كل مرحلة جديدة. لكننا مستمرون، رغم كل الصعاب، في مسيرتنا نحو استعادة الأمن والاستقرار».
واختتمت لجين حديثها بكلماتٍ أفاضت ألمًا وأفاقت المدامعٌ وانهملت لها العيون قائلة: «قلوبنا مفجوعة من فقدان الأحبة، من فقدان المنازل التي كانت يومًا ملاذًا للسكينة، ومن فقدان العائلات التي تمزقت جراء الحرب، فكل لحظة تمر تزيد من شعورنا بالعجز أمام هذا الوجع الذي يعم الأرجاء، ولا نعلم إلى أين سنذهب أو كيف سنواجه غدًا في ظل هذا الظرف الذي لا يحتمل».
8 شهداء"قصفوا البيت على رؤوسنا، وبينما كُنّا نحاول النجاة، سقط منا ثمانية شهداء".. بهذه الكلمات المفعمة بالحزن والأسى بدأ الدكتور منذر إسماعيل العامودي، 46 عامًا، من سكان شمال غزة، حديثه للوفد قائلًا: "إن الهدنة قرار تاريخي سيظل خالدًا في ذاكرة الأجيال، إذ جاء لحقن الدماء وحفظ الأعراض، وحفظ الأرض والإنسان. صحيح أننا فقدنا الكثير من الأرواح البريئة، وتهدمت البيوت، وتعرضت الممتلكات للدمار، لكننا ما زلنا نحمل في قلوبنا حب الوطن، الذي ظل لنا رغم كل المحن. لقد كان القرار بمثابة صفعة لكل المخططات الصهيونية الرامية إلى تهجيرنا وطردنا، ولبناء مستوطنات على أنقاض مدننا وقُرانا. فقد أفسد كل محاولات العدو لفرض أمر واقع جديد على أرضنا. إنه القرار الذي انتظره الشعب الفلسطيني والمسلمون في كل مكان طويلًا، وكان وقت تنفيذه قد حان. والحكمة الإلهية شاءت أن تكون ليلة الأحد بداية عمر جديد، فقد نِمناها من عِشائها، دون قلق أوخوف أو فزع».
د. منذر إسماعيل العامودي وأولاده في غزةوتابع بانتفاضة: «عن أي معاناة أتكلم؟ الجوع قد وصل بنا إلى حدود لم نكن نتخيلها، حيث أصبحنا نعيش على الأعلاف التي كانت تُقدم للدواب، بينما مضينا ليالٍ طويلة ونحن نواجه جوعًا قاتلًا، دون طعام يُسكت الجوع ويُنعش الجسد. أما الخوف، فقد كان يطوقنا من كل جانب، محاصرين في بيوتنا ومنازلنا، حيث سقط من حولنا الشهداء والمصابون، ودماء الأبرياء سالت بغزارة لتسقي الأرض التي احتضنت آلامنا. قتل الأبرياء كان يوميًا، رجالًا ونساءً، كبارًا وصغارًا، سقطوا ظلمًا وقهرًا على يد طغاة لا يعرفون للرحمة سبيلًا.. والفقر كان رفيقنا الدائم، فقد ضاعت أعمالنا ومصادر رزقنا، حتى أصبحنا نمد يدينا في وقت شهدنا فيه ارتفاعًا جنونيًا للأسعار. أما المأوى، فقد دُمرت البيوت فوق رؤوس ساكنيها، فاضطررنا للنزوح إلى الخيام بعد أن كنا نعيش في بيوتنا الآمنة، أما فالمطر فأصبح اليوم كابوسًا يطاردنا. فقد تحولت الأمطار التي كانت تروي الأرض إلى أداة تعذيب، تغرق خيامنا وتبلل أجسادنا الضعيفة، والبرد بات مضاجعنا ويقرص أبداننا بشكل قاسٍ، فالخيام التي كنا نأمل أن تحمينا من قسوة الحياة أصبحت عاجزة عن توفير الحماية في وجه هذا الطقس الصعب. فما الذي تستطيع الخيمة أن تفعله أمام قوة الطبيعة؟ وكيف تحمي أرواحنا من برد لا يُحتمل، ومطر لا يرحم؟».
وكشف "منذر" عن أصعب المواقف التي تعرّض لها قائلًا: «تعرضنا لقصف شرس ومروع دمر كل ما نملك، فبيتنا الواقع في حي الشيخ رضوان بغزة على حدود جباليا لم يُستثنَ من هذا التدمير، وكذلك بيت جيراننا الذي لحق به الدمار. لم تسلم أماكننا المقدسة، فقد طال القصف مسجدنا أيضًا، لتظل الشوارع والمنازل والقلوب مليئة بالخراب والمأساة. كانت القذائف تتساقط علينا عشوائيًا، غير مبالية بحياة الأبرياء أو منازلهم.. ففي تلك الأوقات العصيبة، توفيت والدتي أمام أعيننا، بعد أن أصابتها جلطة قلبية، ولكن لم يكن هناك من سبيل لإنقاذها. عجزنا عن الوصول إلى المستشفى بسبب الحصار المفروض علينا وقلة الإمكانات، وتزايدت معاناتنا بغياب الرعاية الصحية حيث كانت الأوضاع هناك أشبه بالجحيم، ولم يكن أمامنا سوى العجز والألم أمام هذا الفقد الكبير».
د. منذر إسماعيل العامودي"كل التحية والتقدير لشعب مصر العظيم إخوتنا في النسب والدين والذين كانوا خير سندٍ لنا فى أصعب أوقاتنا".. بهذه الكلمات اختتم "منذر" حديثه قائلًا: «جزيل الشكر لشعب مصر ورئيسه على موقفهم الثابت والرافض للتهجير، الذي أعلنوه بكل حزم منذ اليوم الأول، مؤكدين أنهم لا يقبلون أبدًا بتهجير الشعب الفلسطيني من أرضه. فكانوا خير سندٍ لنا في أصعب أوقاتنا.. ونثمّن جهودهم الكبيرة في إدارة مفاوضات الهدنة حتى حققوا النجاح، ورسموا بيدهم طريق الأمل في أحلك الظروف، ونحن على ثقة تامة بأن مصر العظيمة ستظل تسير على درب المسؤولية بكل جدارة، لتكون عونًا وسندًا لنا في كافة المراحل القادمة.. وفي النهاية، تظل جميع الأثمان رخيصة في سبيل الحفاظ على أوطاننا ومقدساتنا، ونحن على استعداد لبذل الغالي والنفيس من أجل حماية أرضنا وعرضنا، مهما كانت التضحيات جسيمة. نأمل أن تكون أولى خطوات إعادة البناء هي رفع الأذان في سماء غزة، وفتح أبواب المساجد التي طالما كانت معقلًا للعبادة والصمود، والعمل على إعادة بنائها ولو من الجريد، فالمساجد هي سر قوتنا ومنبع عزيمتنا، ومنها تنطلق قوافل الرجال الذين لا يهابون التحديات».
نماذج مشرفة
"أمل وهبة ولجين وخالد وسائد ومنذر".. نماذج مشرفة من شعب غزة الذين ترقّبوا هلال الهُدنة كـ عطشى طاردهم سراب الماء في صحراء الألم، تشبّثوا بأمل الحياة كتشبث قلب محتضر بآخر نبضاته فانتظروا الفجر بعد ليلٍ لا يرحم سرق من العيون مدامعها ومن القلوب سكينتها.. لتكون الحقيقة قائمة وهي أن أبناء غزة أبطال صنعوا المجد من قلب المعاناة، ورسموا على جدران الزمن قصة مقاومة لن يطويها النسيان، فنقشوا التاريخ بدمائهم الزكية على جبين الأرض، وكتبوا فصوله بصبرٍ يُعانق المستحيل، فكانت أرواحهم مشاعل لا تنطفئ، وصاروا رمزًا لصرخة الأرض التي لا تُسكت.