فتاوى يجيب عنها فضيلة الشيخ د. كهلان بن نبهان الخروصي مساعد المفتي العام لسلطنة عُمان
تاريخ النشر: 18th, July 2024 GMT
في الفترة الأخيرة انتشرت مسابقات في أحد برامج التواصل الاجتماعي كأن يقوم صاحب المسابقة بجمع مبالغ الجوائز من الشركات، ويقول للناس حتى تفوزوا بالسيارة تابعوا حساب الشركات وأرسلوا ما يثبت أنكم قمتم بهذه المتابعة. فما حكم هذه المسابقات؟ وما حكم الفوز بهذه الجوائز؟
أما بالنسبة للمتسابق فلا يظهر إشكال؛ لأنه لم يدفع شيئا من المال، فالجوائز مقدمة من الشركات التي تسعى من وراء ذلك إلى كثرة المتابعين، لأنها تحصل على عوائد من هذه المتابعات، كأن تروج لمنتجاتها، فلا يظهر لنا مانع شرعي، ونحن نتحدث عن شركات نشاطها موافق لشرع الله تبارك وتعالى متقيدة بأحكام الشرع ولا نتحدث عن شركات تقدّم منتجات محرمة، أو أنها في تقديمها لمنتجات مباحة لا تدعو إلى الإغراء بالإسراف والتبذير، وإنما هو تعريف في حدود المنافسة المشروعة، إذن هذه الضوابط لا بد أن تكون معلومة حتى لا يعمم الجواب على أي شركة كانت وبقطع النظر عن نشاطها وأعمالها وطريقة ترويجها لتلك الأعمال.
وألا تكون لهذه الشركات علاقة بالصهيونية. فبعض هذه المنصات مهمة لأن لديها ملايين المتابعين الذين يجب تعريفهم بقضايا الأمة وبالشركات الداعمة والشركات الأخرى البديلة. كما أن استخدام هذه المنصات في الترويج ينبغي أن يقتصر على الحد الأدنى وفي عموم الترويج، وإلا فينبغي التقليل من استعمالها. والله تعالى أعلم.
انتشرت في الآونة الأخيرة مسابقات تقوم على المنافسة في موضوعات معينة، كأفضل خطيب أو أفضل منشد أوغيرها، وتقوم المسابقة في تقييمها على شقين، الشق الأول لجنة تقييم المتسابقين، والشق الثاني يقوم على التصويت من المتابعين، ويكون التصويت برسائل نصية، وتكون الرسالة بسعر أعلى من المعتاد، فمثلا سعر الرسالة العادية بعشر بيسات ورسالة التصويت بخمسمائة بيسة أو بريال فما حكم هذا التصويت وهل يدخل في باب القمار والميسر؟ وهل هناك فرق فيما إذا كانت الأموال المتحصلة تدخل في جوائز الفائزين أو لا تدخل؟ وهل لمشاركة الفائز في التصويت أثر في الحكم أيضا؟
يظهر لنا أن هذا النوع من المسابقات وبهذا الوصف به شبه شديد بالقمار والميسر؛ ذلك أن هؤلاء المتسابقين في حقيقة الأمر سيدعون أقاربهم وإخوانهم وأسرهم، وستقوم أسرهم بدعوة الناس إلى التصويت لمرشحهم المتقدم لهذه المسابقة فيبذلون الأموال في سبيل الحصول على الجائزة، ومن هنا يأتي الشبه بالقمار؛ فكل المتسابقين يفعلون ذلك، ولن تجد للأسف الشديد إنصافا أو تحريا للأمانة في تقييم المتسابقين، فتقوم حملات التصويت هذه على دفع الأموال في سبيل الحصول على الفوز، وهذا المحذور الأول.
والمحذور الثاني في مثل هذا النوع من المسابقات هو أن المصوّت لاختيار الأفضل ينبغي أن يكون شاهدا، والشهادة لا بد أن تؤدى بكل أمانة وإنصاف وعدالة؛ فينبغي عليه التصويت للأصلح المستحق للفوز حسب المعايير العلمية المعمول بها في المسابقة، وعليه أيضا أن يتحرى الأفضل بقطع النظر عن كونه قريبا له؛ فهو يؤدي شهادة وعليه أن يشهد لمن يرى أنه الأفضل بناء على أسس ومعايير ومستند يستند إليه، لا لأنه فرد في أسرته أو لأنه قريب له أو لأنه من قبيلته أو غير ذلك من الأسباب.
لكن الحاصل وما هو قائم في هذه المسابقات فتجد أن الناس تدعو إلى من يمثلها بقطع النظر عن مستواه بالنظر إلى غيره، ففي هذا تعويل على مخالفة أسس أداء الشهادة وفي مثل هذه القضايا قد يحصل في النفوس ما يحصل من جراء ذلك، فإذا كان هناك دفع للمال، فهو مخالفة لأسس العدالة؛ لأنه لو كانت مسألة الشهادة للمستحق فعلا فلا حاجة إلى أن يتولى الداخلون في المسابقة أو كما قلت من يمثلهم من أسرهم وأقاربهم، الترويج والإعلان وحث الآخرين على الدفع والتصويت، ولعلهم يدفعون أموالا في مقابل تحمل قيمة الرسالة التي قد تصل إلى آلاف الريالات، وقد تكون بعض المسابقات في بداياتها ويُدفع فيها أموال طائلة، فننظر ما الذي سيحصل فيما بعد.
ولذلك فإن القول الأسدّ الذي نراه هو منع مثل هذا الدفع، ويمكن أن يلجأ إلى لجنة التحكيم أو أن يكون التصويت وآراء الناس منصفة، ولا حاجة إلى أن تكون قيمة رسائل التصويت مختلفة عن قيمة الرسائل العادية حتى نزيل هذه الشبهة، وأن يصحب تلك الدعوة تحري الدقة والأمانة في اختيار من يصوتون له. والله تعالى أعلم.
ما صحة هذا الحديث: «لا يأتي عام إلا والذي بعده شر منه حتى تلقوا ربكم»؟
الرواية الشهيرة عند الإمام البخاري، والحديث عن طريق أنس بن مالك، قال: «لا يأتي زمان إلا والذي يأتي بعده شر منه حتى تلقوا ربكم» وفي رواية «لا يأتي عليكم زمان إلا والذي بعده شر منه» وفي رواية «أشر منه» بالهمزة حتى تلقوا ربكم، فالحديث صحيح واختلف أهل العلم في توجيهه اختلافا كبيرا، فمنهم من قال: إن المقصود بذلك هو ما يتعلق بالعلم والعلماء، فالله تعالى يقبض العلماء فينتشر الجهل فيكون كل زمان أسوأ مما قبله لقلة العلماء وندرتهم فيه، ولكن سياق الحديث يردّ هذا المعنى مع أن أكثر شراح الحديث ينصّون على هذا المعنى، وظني أنهم ينصّون على هذا المعنى فرارا متعمدا من السياق الذي ورد فيه، فإن السياق ورد أن نفرا اشتكوا إلى أنس بن مالك رضي الله عنه مما يلقونه عن الحجاج، فقال لهم: اصبروا فإنه «لا يأتي عليكم زمان إلا والذي بعده شر منه حتى تلقوا ربكم» فالحديث يتعلق بالولاة والحكام فلا ينبغي أن يخرج عن سياقه، أو على أقل تقدير ألا يلتفت إلى المناسبة التي وردت فيه. وأفضل الوجوه التي يمكن أن يحمل عليها الحديث بأي معنى من المعاني سواء قلنا إن المقصود ما يتعلق بالولاة والحكام أو أن المقصود هو ما يتعلق بالعلم والعلماء أو أن المقصود هو ما يتعلق بعموم أحوال الناس، فأفضل الوجوه أن يقال إن هذا الوصف وصف أغلبي، فهو وصف للمجموع لا للجميع، فهذا هو الشأن في عموم أحوال الناس عموما، لكن لا يعني ألا يظهر في زمان متأخر من هو أفضل أو أن يكون الحال أفضل ممن تقدمه، فتوجد في الأفراد صور مستثناة تحصل لعموم هذه الأمة، وضربوا لذلك مثالا حتى فيما يتعلق بمناسبة الحديث أن عمر بن عبدالعزيز رضي الله عنه خير ممن تقدمه من حكام بني أمية، وهو متأخر عن الحجاج، فلما سئل أنس عن ذلك، قال: لا بد للناس من تنفيس، فهذا التنفيس يكون خيرا مما قبله.
إذن الوجه الأول هو أن هذا الوصف هو وصف أغلبي للمجموع فلا يلزم منه أن يكون الحال كذلك في كل مكان وفي كل وقت، فقد يوجد مكان فيه جيل يكون خيرا ممن قبله، من حيث الصلاح والهدى والرشد والعلم والإقبال على طاعة الله تبارك وتعالى، وإن كان في محيط يغلب عليه الشر، أو أن يكون زمان - يعني قد يكون الاستثناء لا في المكان وإنما في الزمان - توجه المسلمين وصحوتهم وإقبالهم خيرا مما قبله تنفيسا للمسلمين، وهذا الوجه الأول الأشهر في حمل ما جاء عليه الحديث، كذلك الحال إذا قيل فيما يتعلق بالعلم والعلماء فيجري عليه ما قيل فيما تقدم.
لكن هناك ملحظ وهو أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لم ينف الخيرية عن هذه الأمة؛ ففي بعض الروايات أنه عليه الصلاة والسلام قال: «أمتي كالغيث لا يدرى أوله خير أم آخره» وفي رواية أخرى والرواية حسنها كثير من أهل العلم بل صححها بعضهم، قال: «إن الله ليبعث على هذه الأمة على رأس كل مائة سنة من يجدد لها دينها» فإن الحال يستمر من سيء إلى أسوأ. يخالف ما يدل عليه هذا الحديث أن الله تبارك وتعالى يبعث على رأس كل مائة سنة من يجدد في هذه الأمة أمر دينها. فغاية ما يمكن أن يوجه له الحديث هو ما تقدم، أن هذا باعتبار المجموع وأنه في عموم أحوال المسلمين وفي الحكام والولاة على وجه الخصوص، وأن ذلك لا ينفي أن يوجد في مكان ما أو في زمان ما جيل يكون خيرا ممن تقدمه، وأن توجد أحوال خيرا مما تقدمها، وفي كلٍ فإن على المسلمين أن يجدّوا ويجتهدوا ويقبلوا على الله تبارك وتعالى وأن يأمروا بالمعروف وأن ينهوا عن المنكر وأن يستبشروا. والله تعالى أعلم.
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: الله تبارک وتعالى هذه الأمة إلا والذی ما یتعلق أن یکون لا یأتی
إقرأ أيضاً:
حكم صيام يوم الشك قبل رمضان .. مختار جمعة يجيب
أوضح الدكتور محمد مختار جمعة، وزير الأوقاف السابق، أن يوم الشك هو اليوم الثلاثون من شهر شعبان في حال إعلان ثبوت رؤية الهلال، وهو يومٌ منهي عن صيامه بشكل قاطع، مع اختلاف العلماء حول كون النهي للتحريم أو للكراهة. وأكد أن من صام يوم الشك فقد خالف هدي النبي صلى الله عليه وسلم وسنته، حيث قال: "فمن صام يوم الشك فقد عصا أبا القاسم صلى الله عليه وسلم."
وأضاف "جمعة" في تصريحاته أن صيام اليومين الثامن والعشرين والتاسع والعشرين من شعبان فيه تفصيل، وذلك استنادًا إلى حديث النبي صلى الله عليه وسلم: "لا يتقدمن أحدكم رمضان بصوم يوم أو يومين، إلا أن يكون رجل كان يصوم صومه، فليصم ذلك اليوم."
وأشار إلى أن المقصود من حديث النبي "لا تَقدَّموا الشَّهرَ" هو النهي عن صيام يوم أو يومين قبل رمضان، سواء بقصد التقرب أو الاحتياط، خشية أن يكون ذلك اليوم من رمضان. واستثنى الحديث من كان معتادًا على صيام أيام معينة، مثل من اعتاد صيام الاثنين أو الخميس، فوافق آخر يوم من شعبان، أو من كان عليه قضاء أو نذر، ففي هذه الحالات لا حرج في الصيام.
وبيّن الوزير السابق أن الحكمة من هذا النهي هي عدم وصل شعبان برمضان، وذلك تكريمًا لشهر الصيام، مستشهدًا بحديث النبي صلى الله عليه وسلم: "صُومُوا لِرُؤْيَتِهِ وأَفْطِرُوا لِرُؤْيَتِهِ، فإنْ غُبِّيَ علَيْكُم فأكْمِلُوا عِدَّةَ شَعْبَانَ ثَلَاثِينَ."
حكم صيام يومي الخميس والجمعة قبل رمضان
وفيما يخص صيام يومي الخميس والجمعة القادمين قبل رمضان، أكد "جمعة" أنه لا حرج في صيام يوم الخميس وحده، خاصة لمن اعتاد صيامه، لأنه لا يُعد وصالًا بين شعبان ورمضان. أما صيام يوم الجمعة وحده، أو صيام الخميس والجمعة معًا بنية الاحتياط لاستقبال رمضان، فهو منهي عنه.
أما من كان عليه قضاء أو نذر، فله أن يصوم أيًا من اليومين، أو يصومهما معًا بنيّة القضاء أو الوفاء بالنذر، لأن ذلك واجب عليه.