لجريدة عمان:
2024-09-01@00:40:27 GMT

محمود شقير وسرّ العبقرية المدهشة

تاريخ النشر: 18th, July 2024 GMT

محمود شقير وسرّ العبقرية المدهشة

أن نكون في القدس، وفي صحبة الكاتب الكبير محمود شقير، فلا أظن أن هناك ما هو أجمل من ذلك، ولا أكثر إبداعا. مدينة وكاتب، أو كاتب ومدينة، ففي كل الصفات نحن إزاء ظاهرة فريدة غير مكررة في الأدب الفلسطيني، بل والعربي أيضا.

لا أجمل من أن تقرأ نصوص محمود شفير، ولا أجمل من سماعه، أما الكتابة عنه، فهي التفكير والشعور، إزاء كاتب الأجيال بدون منازع، فهو منذ الستينيات حتى الآن الكاتب الوحيد الذي استطاع في كافة مراحله العمرية أن يواكب اهتمامات الأجيال جميعا.

هذا على مستوى المضامين، أما على مستوى الشكل الأدبي، واللغة تحديدا، فأية لغة هي لغة هذا الأديب القاص التي ولدت متحررة، واستمرت؛ بما يحقق مفهوم الأدب، بأن المضمون الأدبي الإنساني يخلق شكله ولغته.

فمنذ مجموعتي «خبز الآخرين» والولد الفلسطيني، اللتين صدرتا في منتصف السبعينيات، (ولربما كتب جزءا منهما في عقد الستينيات)، حتى الآن وغدا، والكاتب المقدسي العريق يفاجئنا قراء وكتابا ونقادا بل ومؤرخي الأدب بما بدأ به الكاتب من لغة تعدّ من أهم روافع الإبداع لديه، كونها انطلقت حرة منسابة متحررة من ثقل اللغة والجماليات البلاغية القديمة، فلا تقليد ولا محاكاة بل إبداع نقي خالص بما يبعث على الدهشة، فكيف اعتدى لتلك اللغة منذ البدء علما أن معظم الكتاب يحتاجون زمنا للتخلص من أثقال اللغة وصولا للغة الإبداعية.

في شارع صلاح الدين بالقدس، ونحن نسير، كانت أجواء سردياته عن المكان تحضر، وهو من عايش المدينة على مدار سنوات العمر، ما عدا تلك التي قضاها خارج الوطن منفيا من قبل الاحتلال كمناضل صلب عريق. بحت له بما استخلصته من لغته الفريدة، فتحدث بتواضع جميل قلّ أن نجده اليوم، عن قراءاته لنجيب محفوظ ويوسف إدريس، ككاتبين استخدما لغة إبداعية غير متكلفة ولا مثقلة، ولعلي أضيف هنا أن الكاتب شقير هو أصلا كاتب متحرر وناقد اجتماعي، اختط طريقه الإنساني والوطني والأيديولوجي بعيدا عن التقليد، قد دفع كمناضل ثمنا لمواقفه وصولا إلى إبعاده عن الوطن. بمعنى أن هناك ارتباطا بين اللغة الإبداعية المتحررة وفكره النقدي المتحرر أيضا، إلى جانب اختياراته الأدبية في القراءة والاطلاع.

ولعل المدهش أيضا، أن الكاتب في ظل ميوله الأيديولوجية، المرتبطة بفكره نحو العدالة والتحرر من جهة، وبسلوكه النضالي سياسيا، ووطنيا ضد الاحتلال فيما بعد، لم يكن يوما محددا بفكر محدد، بل إنه وظّف معارفه وأفكاره للتعبير الإنساني الخالص عن الذات والمجموع، وتلك عبقريته الفريدة، التي ارتقت بالأدب عن قيود الالتزام المذهبي.

لذلك يحقّ لنا أن نصفه بكاتب الأجيال والكاتب المجمع على قراءته من مختلف الأطياف الفكرية، بسبب الصدق الفني من جهة، ومواكبة الحياة لا تقف عند اليوم ولا الأمس.

قبل عشرين عاما، تعمق لدي ما أراه من قدرة الكاتب على معايشة الأجيال. بالطبع كنا قد قرأنا للكاتب ما كتبه في الثمانينيات والتسعينيات، وقد كان فيها أيضا مبدعا وتجديديا ورائدا كما في كتابة القصة القصية جدا، مثل طقوس المرأة الشقية عام 1986، والتي وما كتبه من بعدها، حيث نزعم أن القصة القصيرة جدا في فلسطين قد تمت بلورتها على يديه وعلى أيدي آخرين. لكن بعد قراءة «صورة شاكيرا» عام 2003 و«ابنة خالتي كوندليزا» 2004، تعمق لديّ ما قلته، حين وجدت الكاتب يختار مضامين جديدة، ربما تشكل مجالا للكتاب الشباب مثلا، لكن ولأنه ظل كاتبا شابا، فقد وجدناه يظهر لنا مدى اندماجه في المجتمع معايشا للحياة، غير محدد بما مضى. أي أن الكاتب هنا لم يقف عند حدود ما أبدعه، بل تجاوز ذلك كون الأدب من الحياة التي نعيشها أيضا.

لقد أحب الكاتب بلده جبل المكبر، كما أحب مدينته الأولى: القدس، ليست كمدينة مثقلة بالتاريخ بل كمدينة عادية أيضا بالنسبة لطفل يزورها وفتى يدرس فيها، وشاب يعمل فيها ويناضل ويكتب الأدب، فوجدناه، وهو الكاتب الذي تجول في بلاد العالم والتي كتب عنها أيضا «مدن فاتنة وهواء طائش» نشر عام 2005، أقول وجدناه كاتبا أصيلا وصادقا في الاهتمام بالتكوين، حيث وجدنا حياته قد انتقلت إلى السرد، فكان خير سارد عن القدس وتحولاتها المتعددة، فكانت مجموعاته ونصوصه الإبداعية في السيرة: ظل آخر للمدينة1998، والقدس وحدها هناك 2010، وقالت لنا القدس في العام نفسه، ومديح لمرايا البلاد 2012، بل «وأنا والكتابة 2018 السيرة الأدبية للكتابة»، ما يدلل على حب الكاتب للمكان، والذي لم يكتف بوصفه فقط، بل دوما كانت له رسالة تطوير وتغيير اجتماعي وثقافي وسياسي.

ولعلنا هنا نمرّ على علاقة الكاتب بالميلودراما، والتي عرفه الجمهور في الأردن وفلسطين وفي بلاد الشام بشكل عام والدول التي كانت تعرض فيها المسلسلات الأردنية، ولنأخذ هنا المسلسل الشهير «حدث في المعمورة».

لقد أحدث المسلسل في الأردن وفلسطين المحتلة أثرا عظيما يعرفه من عاشه في تلك المرحلة، سواء في التعبير عن المكان والبيئة، أي توطين الأدب، أو في رمزيته الوطنية الذكية، فكانت دراما «حدث في المعمورة» دراما مقاومة، سرعان ما دفعت الجمهور لتحليل أحداث المسلسل والذي كانت فكرته فلسطين المحتلة.

لقد تضافرت عدة عوامل في ظهور كاتب فلسطين المميز محمود شقير، كان من ضمنها وعيه الفكري، ودراسته للفلسفة وعلم الاجتماع، وعمله في الصحافة والتحرير، ونضاله ومطاردة الاحتلال له، ووعيه على اختيار قراءاته فتى وكبيرا. ولعل من حسن الطالع حينما عاد شقير إلى فلسطين كان من أهم مؤسسين وزارة الثقافة الفلسطينية، التي بدأت عملية استعادة التنوير الثقافي من عام 1994 حتى عام 2000.

يمشي محمود شقير في شوارع القدس، هابطا من جبل المكبر الذي ظل وفيا له، لبلدته وأهله، وللقدس المحتلة، يواصل رحلة الأدب كرحلة أمل.

المصدر: لجريدة عمان

إقرأ أيضاً:

مع الإجهاض أم ضده.. ترامب يثير حيرة أنصاره وخصومه أيضاً

تقلبت مواقف المرشح الجمهوري للانتخابات الرئاسية الأميركية دونالد ترامب 180 درجة خلال الساعات الماضية حول مسألة الإجهاض التي شكلت إحدى القضايا الرئيسية في هذا السباق.
فبعد أن سئل خلال مقابلة مع شبكة أن بي سي إن كان سيصوت بالموافقة على تعديل قانون الإجهاض في ولاية فلوريدا، أجاب “سأصوت على أننا بحاجة إلى أكثر من ستة أسابيع”.
ما فهم أن المرشح الجمهوري الذي انتقد مرارا في السابق السماج بالإجهاض، عدل رأيه.

اتهامات بالخيانة
فثارت الثائرة من أنصاره قبل خصومة، إذ اتهمه العديد من المحافظين بخيانة الحركة المناهضة للإجهاض من خلال تعديل موقفه للتصدي لهجمات منافسته الديمقراطية، كامالا هاريس.

إلا أن حملته سرعان ما أصدرت بيانا أوضحت فيه أن الرئيس السابق لم يدلِ بدلوه في ما خص التصويت في تلك المسألة بعد، واكتفت بالتذكير بمواقفه السابقة المعارضة للإجهاض.
ليطل بعدها ترامب في تصريح جديد، موضحا أنه لن يصوت لصالح هذا التعديل الدستوري في فلوريدا، معتبرا أنه سيفتح الباب لقتل الأجنة حتى في الشهر التاسع من الحمل. وقال: “كل هذه الأمور غير مقبولة، لذا سأصوت بالرفض”.

والتقلب أيضا
رغم ذلك لم يسلم من نار الانتقادات، لكن هذه المرة شنت حملة ضده من قبل الديمقراطيين الذين اتهموه بالتذبذب والتقلب، وهي نفس التهمة التي وجهت من قبل أنصار ترامب للمرشحة الديمقراطية كامالا هاريس سابقا.
إذ لطالما تفاخر ترامب بأن تعيينه ثلاثة قضاة محافظين في المحكمة العليا أتاح في حزيران/يونيو 2022 إلغاء الضمانة الدستورية للحق في الإجهاض.
كما اتهم ترامب مرارا منافسته الديمقراطية بالرغبة في “إعدام” الأطفال.
لكنه حاول خلال الفترة الماضية تليين موقفه لمواجهة الانتقادات المتكررة من الديمقراطيين، وتأييد غالبية الرأي العام الأميركي الحق في الإجهاض.
فألمح الأسبوع الماضي على شبكته الاجتماعية الخاصة “تروث سوشيال” إلى أن “إدارته ستكون عظيمة بالنسبة إلى النساء وحقوقهن الإنجابية”.
ثم أعلن يوم الخميس الماضي أنه يؤيد سداد تكاليف التلقيح الصناعي حتى يتمكن الأميركيون من إنجاب “مزيد من الأطفال”، وهي قضية حساسة جدا وتتخذ طابعا سياسيا في الفترة التي تسبق الانتخابات المقررة في 5 تشرين الثاني/نوفمبر.
ليلمح أمس الجمعة تأييد السماح بتعديل القوانين في فلوريدا والسماح بإجهاض الجنين قبل الستة أسابيع. ثم تراجع لاحقا مؤكداً أنه سيصون بـ “لا” .
يذكر أن قضية حماية الحق في الإجهاض ستشكل محورا أساسيا في المناظرة المرتقبة يوم العاشر من سبتمير بين ترامب وهاريس التي تواصل التنديد بتقلب مواقف منافسها الجمهوري.

العربية نت

إنضم لقناة النيلين على واتساب

مقالات مشابهة

  • «أبشاق الغزال».. رواية عبر ثنائية الشعر والنثر
  • هل يستبدلون «الآلة» بـ«الإلهام»؟
  • فورين أفيرز: سقوط محمود عباس وفشل السلام الوطني
  • مع الإجهاض أم ضده.. ترامب يثير حيرة أنصاره وخصومه أيضاً
  • مراسل «القاهرة الإخبارية»: أعداد المهاجرين في فرنسا تتزايد رغم تضييقات الحكومة
  • الكاتب والسيناريست حسن .م. يوسف: هناك مثقفون انتهازيون مستعدون لأن يبيعوا أنفسهم للشيطان مقابل حفنة دولارات!
  • أستاذ أدب عربي: أعمال نجيب محفوظ ستظل خالدة
  • نجيب محفوظ.. شمس لا تغيب في سماء الأدب العربي والعالمي
  • سرايا القدس ترد على اغتيال قائدها بطولكرم
  • أمير مغربي: حرب غزة تعيد تشكيل النظام الإقليمي بالشرق الأوسط