القاهرةـ لم تعلق مصر رسميا حتى الآن على قيام دولة جنوب السودان بالمصادقة رسميا على اتفاقية عنتيبي الإطارية لدول حوض النيل، لتُصبح الدولة السادسة التي تُقرّ بالاتفاقية، مما يُتيح المجال لتأسيس "مفوضية حوض النيل" خلال 60 يوما.

وتمثل هذه المصادقة مفاجأة لمراقبين، لأن مصر اعتادت الوقوف إلى جانب دولة جنوب السودان، كما تقيم العديد من المشاريع وتقدم مساعدات للدولة الناشئة حديثا، وهو ما دعا معلقين للقول إن مصر -بصمتها الرسمي- لا تريد أن توصد الباب تماما مع جنوب السودان بتصريحات قد تنهي ما تبقى من حسن العلاقات.

ورفض مسؤولون بالخارجية المصرية -تواصلت معهم الجزيرة نت- التعليق على خطوة جنوب السودان، رغم إبداء مسؤولين سابقين القلق من الاتفاقية، التي تُعارضها مصر والسودان بشدة، خوفا من إعادة توزيع حصص المياه بشكل غير عادل يُهدد الأمن المائي للبلدين.

وبحسب بيانات رسمية، يتلخص موقف مصر الرسمي في التأكيد على تمسك مصر بحصصها التاريخية في مياه النيل، المُقررة باتفاقيات 1902 و1929 و1959، وتُطالب باتفاق ملزم قانونيا يُنظم عملية ملء وتشغيل سد النهضة الإثيوبي، الذي تعتبره مصر تهديدا مباشرا لمواردها المائية، مما يجعل من انضمام جنوب السودان لـ"عنتيبي" مدعاة لمزيد من المخاوف تتلخص في الآتي:

فقدان الحصص التاريخية. سيطرة دول المنبع. احتمال إقامة مشروعات مائية جديدة على طول النيل دون علم أو موافقة من قبل مصر. محمد نصر الدين علام طالب بموقف مصري واضح باعتبار أن "الحرب على مصر أصبحت واضحة" (مواقع التواصل) "إجراءات خشنة"

يقدم وزير الموارد المائية والري السابق محمد نصر الدين علام تفسيرا لإقدام جنوب السودان على هذه الخطوة، رغم علاقاتها الجيدة بمصر، مفاده أن "هناك دورا واضحا لكل من الولايات المتحدة وإسرائيل وإثيوبيا وأطراف إقليمية ودولية في دفع جنوب السودان لهذه الخطوة".

ويطالب علام بموقف مصري واضح، لا سيما أن "الرغبة في حصار مصر وتجويعها وتعطيش شعبها أمر لا تخطئه عين"، بحسب قوله.

ولفت إلى أن مساعي إثيوبيا وحلفائها لـ"تسريع تصديق دول حوض النيل على الاتفاقية" يهدف إلى "شرعنة سد النهضة وتفريغ الاعتراضات المصرية والسودانية على السد ومطالبتها باتفاق قانوني ملزم من مضمونه".

ومن ثم "تكريس رأي عام عالمي داعم لحق إثيوبيا في بناء السدود على النهر دون العودة إلى مصر والسودان، فضلا عن تحقيق هدف إستراتيجي متمثل في إفشال السد العالي وإخراجه من الخدمة"، وحذر علام من أن مصر "لن تسمح بمرور هذه المؤامرات"، رغم تأكيده أن توقيع الدول العشر لا يلزم مصر بأي شيء.

وبين انتقاده إبعاد القضية عن الرأي العام، وإبقاءها تحت رعاية أجهزة الدولة فقط، يرى علام في حديثه للجزيرة نت أن القاهرة التي لجأت سابقا لمؤسسات دولية لإدانة الإجراءات الأحادية فيما يتعلق بسد النهضة، تحتاج إلى "التفكير خارج الصندوق هذه المرة".

ويضع في مقدمة ذلك حسب قوله "الرهان على إجراءات خشنة يجب على مؤسسات الدولة القيام بها سريعا، لأن مصالحها العليا في خطر بالغ، في ظل ضغوط على مصر لتغيير مواقفها تجاه قضايا رئيسية بالمنطقة".

انحياز للأكثر دعما

ويرى مستشار وزير الموارد المائية والري المصري السابق ضياء القوصي أن "الخطوة الغريبة" التي اتخذتها جمهورية جنوب السودان، و"ضربت فيها بعلاقاتها الوثيقة بمصر عرض الحائط"، تعود إلى اقتصار مشروعات مصر في جوبا على المشاريع التنموية فقط.

فيما تقدم كل من واشنطن وتل أبيب وأديس أبابا خدمات استخباراتية ودفاعية وعسكرية "تحافظ على بقاء نظام سلفا كير الهش وتقوي وجوده بالسلطة"، وهو ما جعل جوبا تنحاز لهذا الفريق وتتجاهل مصر.

ولفت المتحدث إلى أن إثيوبيا "لا تترك مناسبة للإضرار بأمن مصر المائي إلا أقدمت عليها"، و"لا تدخر جهدا للإضرار بحصص مصر التاريخية في مياه النيل"، مطالبا بعدم تفويت هذه الفرصة للحفاظ على حقوق مصر وعدم إضاعتها.

ويستشهد بما جرى في عهد الرئيس الأميركي دونالد ترامب، حينما لاحت "فرصة تاريخية" لتوجيه ضربة عسكرية لسد النهضة بضوء أخضر أميركي، يوم أن تساءل ترامب عن أسباب عزوف الجيش المصري عن توجيه ضربة للسد.

ويُؤكد القوصي، في حديث للجزيرة نت، أن مصر غير ملزمة بأي قرارات لمفوضية دول حوض النيل التي ستدخل حيز التنفيذ بتصديق عدد من دول الحوض على الاتفاقية، إلا أن إثيوبيا التي تراكم الضغوط على مصر بهذه الاتفاقية وبسد النهضة، باعتبارهما سبيلين مهمين للنيل من حصص مصر التاريخية في مياه النيل.

ويرى المستشار أن إثيوبيا قد تحاول تمرير قرارات تضر بمصر حال وجود القاهرة أو مقاطعتها، وهذا ما سيصعب من قدرات مصر على المناورة في المستقبل.

وينبه المستشار الأسبق لوزير الري إلى أن الرهان على اللجوء لمجلس الأمن والاتحاد الأفريقي والجهات المانحة "لم يعد يردع أحدا"، مما يفرض على القاهرة التلويح بالورقة العسكرية، "وهذا لا يعني الدخول في حرب، بل التأكيد على أننا لن نقبل المساس بحقوقنا، ناهيك عن اتخاذ خطوات غير مسبوقة ضد الدول التي تضر بأمننا المائي، تحددها الجهات السيادية".

شراقي اعتبر أن الاتفاقية لا قيمة لها ولكن لا بد لمصر من الانتباه (مواقع التواصل) اللجوء لمنظمات دولية

واعتبر أستاذ الموارد المائية والجيولوجيا بجامعة القاهرة، عباس شراقي، أن تصديق جنوب السودان على اتفاقية عنتيبي من الناحية القانونية لا قيمة له، ولن يترتب عليه أي التزامات قانونية على دولتي المصب مصر والسودان، كونهما غير معينتين بالاتفاقية شكلا وموضوعا، إلا أنه ينم عن أزمة سياسية كبيرة بين القاهرة والخرطوم من ناحية، وجوبا من ناحية أخرى.

واستغرب شراقي إقدام جنوب السودان على توقيع هذه الاتفاقية في هذا التوقيت، كونها دولة غير معنية بهذا الأمر كثيرا، حيث إنها دولة عبور لنهر النيل، كما أنها مطيرة طوال العام، "بل إنها ولعدم حاجتها للمياه لم تطالب بنصيبها في حصة السودان التاريخية، فضلا عن كون حالتها شبيهة بعدة دول مثل إريتريا والكونغو الديمقراطية، لا تحقق لها اتفاقية عنتيبي أي فائدة".

وتساءل كيف تضحي جنوب السودان بهذا التوقيع، "الذي يعد لا قيمة له مقارنة بعلاقاتها مع القاهرة، في ظل حاجة جوبا الشديدة للدعم المصري"، ذاكرا أن علاقات القاهرة بها جيدة، بل إن وزيرة الموارد المائية المصرية كانت تزور جنوب السودان الشهر الماضي لافتتاح عدد من المشروعات التي تمولها مصر وتقدم لها الدعم الفني.

وأكد شراقي أيضا أن "هذه الاتفاقية، سواء صدقت عليها جنوب السودان أو حتى 11 دولة، فإنها غير ملزمة لمصر"، وقال إن القاهرة والخرطوم لن تلتزما الصمت، حيث ستطلبان من الأمم المتحدة والجهات المانحة منع تقديم أي تمويل لأي مشروعات تابعة لمفوضية حوض النيل.

واعتبر أن ذلك سيساهم في إظهار مدى الاختلافات بين دول المنبع نفسها، وليس دول المصب فقط، وإظهار "عدم قانونية هذه الاتفاقية، التي تشكل عدوانا على حقوق تاريخية لدول المصب، بشكل يجعلها عديمة القيمة"

وتساءل شراقي "ماذا تريد إثيوبيا من ورائها؟ فقد تمكنت من بناء الهيكل الخرساني، وقامت بالتخزين لـ4 مرات، وتستعد للملء الخامس"، وأضاف أن "الخطوة تبدو واضحة، فالاتفاقية والسد وسيلتان للضغط على مصر، لتجويعها مائيا، وانتزاع تنازلات منها في ملفات شديدة الأهمية".

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: حراك الجامعات حريات الموارد المائیة اتفاقیة عنتیبی هذه الاتفاقیة جنوب السودان حوض النیل على مصر

إقرأ أيضاً:

رئيس الدولة ورئيس الكونغو يشهدان توقيع اتفاقية الشراكة الاقتصادية الشاملة بين البلدين

 شهد صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، رئيس الدولة، حفظه الله، وفخامة دينيس ساسو نغيسو، رئيس جمهورية الكونغو، اليوم، توقيع اتفاقية الشراكة الاقتصادية الشاملة بين البلدين.
وقع الاتفاقية،  خلال المراسم التي جرت في قصر البحر بأبوظبي،  معالي الدكتور ثاني بن أحمد الزيودي، وزير دولة للتجارة الخارجية، ومعالي كريستيان يوكا، وزير المالية والميزانية والشؤون العامة في جمهورية الكونغو.
وأكد صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، بهذه المناسبة، أهمية الاتفاقية في دفع مسار العلاقات الاستراتيجية مع الدول الصديقة، وتعزيز آفاق التعاون الاقتصادي المشترك، وذلك في إطار رؤية الدولة تجاه توسيع قاعدة شركائها التجاريين حول العالم، مشيراً إلى أن البلدين تجمعهما رؤية مشتركة تجاه تحقيق التقدم والتنمية المستدامة مع التركيز على تنويع الاقتصاد، وتعزيز فرص النمو والازدهار.
وأعرب سموه عن تطلعه إلى أن تسهم الاتفاقية في إطلاق مرحلة نوعية جديدة لعلاقات التعاون بين البلدين في مختلف المجالات الاقتصادية والتجارية.
من جانبه، رحب الرئيس دينيس ساسو نغيسو بتوقيع اتفاقية الشراكة الاقتصادية الشاملة، مؤكداً أهميتها في تعزيز رؤية البلدين وتطلعاتهما تجاه التنمية والازدهار الاقتصادي المستدام لشعبيهما، مشيراً إلى حرص بلاده على توسيع آفاق شراكتها الاقتصادية مع دولة الإمارات لما فيه الخير لشعبيهما.
وتعد اتفاقية الشراكة الاقتصادية الشاملة بين دولة الإمارات والكونغو الخامسة عشرة ضمن برنامج الشراكة الاقتصادية الشاملة للدولة، الذي يهدف إلى تعزيز العلاقات مع الأسواق الاستراتيجية حول العالم، في إطار الجهود الوطنية لمضاعفة حجم الاقتصاد الإماراتي بحلول عام 2031.
ومن المتوقع أن تدعم اتفاقية الشراكة الاقتصادية الشاملة بين الإمارات وجمهورية الكونغو هذه الجهود، من خلال إلغاء أو تخفيض الرسوم الجمركية، وإزالة العوائق غير الجمركية أمام التجارة، وتعزيز فرص تصدير الخدمات، وتوفير قنوات جديدة للاستثمار.
وبموجب الاتفاقية، ستلغى الرسوم الجمركية تدريجياً على مدى خمس سنوات، بحيث تشمل 99.5% من السلع الإماراتية المصدرة إلى الكونغو، و98% من سلع الكونغو المصدرة إلى الإمارات.
ومن المتوقع أن تؤدي الاتفاقية إلى زيادة التجارة غير النفطية بين البلدين من 3.1 مليار دولار خلال 2024 إلى 7.2 مليار دولار في عام 2032.
  وتعزز الاتفاقية العلاقات المتنامية بين دولة الإمارات والكونغو، حيث شهدت التجارة غير النفطية بين البلدين نمواً بنسبة 4.2% خلال 2024 مقارنة بعام 2023، و44.4% مقارنة بعام 2022، و52% مقارنة بعام 2021، ونحو الضعف مقارنة بعام 2019.
كما تأتي بعد توقيع ثلاث اتفاقيات استراتيجية بين البلدين خلال عام 2023، شملت اتفاقية تجنب الازدواج الضريبي، واتفاقية تشجيع وحماية الاستثمار، واتفاقية النقل الجوي.
وتظل التجارة الخارجية إحدى الركائز الأساسية في أجندة الاقتصاد الإماراتي، حيث بلغ إجمالي التجارة غير النفطية للإمارات 817 مليار دولار خلال عام 2024، بزيادة 14.6% عن عام 2023، و56.8% مقارنة بعام 2021.وتعد اتفاقيات الشراكة الاقتصادية الشاملة عنصراً أساسياً في تحقيق مستهدف 1.1 تريليون دولار في إجمالي التجارة غير النفطية بحلول عام 2031.

أخبار ذات صلة رئيس الدولة يستقبل رئيس غينيا بيساو رئيس الدولة ورئيس الكونغو يبحثان علاقات البلدين المصدر: وام

مقالات مشابهة

  • سوريا تعلن توقيع اتفاقية إقامة علاقات دبلوماسية مع كوريا الجنوبية
  • رئيس جامعة الأقصر: توقيع اتفاقية لفتح فرع للجامعة المصرية للتعلم الإلكتروني الأهلية
  • السفيرة الأمريكية بالقاهرة تشارك في توقيع اتفاقية بقيمة 230 مليون دولار لتطوير سكك حديد مصر
  • توقيع اتفاقية بين حكومتي رأس الخيمة وموسكو
  • مقال بهآرتس: أطفال غزة أمام 3 خيارات أحلاها مر
  • رئيس الدولة ورئيس الكونغو يشهدان توقيع اتفاقية الشراكة الاقتصادية الشاملة بين البلدين
  • بعد انهيار أسعار النفط.. خيارات محدودة أمام الحكومة العراقية
  • توقيع 12 اتفاقية بين مصر وفرنسا بقطاعات الصناعة والنقل والطاقة والصحة والرياضة
  • كامل الوزير يشهد توقيع اتفاقية لبناء وتشغيل محطة متكاملة لإنتاج الهيدروجين الأخضر ومشتقاته
  • توقيع اتفاقية تعاون مع فرنسا لتمويل محطة لإنتاج الهيدروجين الأخضر برأس شقير