بوابة الوفد:
2025-03-10@09:18:20 GMT

خصائص الخطاب النبوى (1)

تاريخ النشر: 18th, July 2024 GMT

ألفاظ القرآن ألفاظ حقائق، وليست ألفاظ لغة، أى ليست مُجَرَّد عبارات وضِعَتْ فى قوالب لُغويّة وكفى. وكذلك جاءت خصائص الخطاب النبوي. والفرق بين لفظ الحقيقة ولفظ اللغة، هو فرق بين الحق والباطل. فأنت مثلاً حين تقول لفظة التاريخ، مطلق التاريخ قلت حقيقة. وحين تقول كلمة التجربة، مطلق التجربة قلت حقيقة. ولكن الذى ينقصك التَّحقق بالتجربة والثبوت فى التاريخ؛ فإذا تحققتَ بالتجربة وثبتَّ فى التاريخ بلغت الحقيقة.

لكنك حين تقول: (التاريخ المصرى ليس هو التاريخ الذى يُدرَّس الآن فى المدارس والجامعات!)، قلت لغة، ولم تقل حقيقة، أو قلت لفظاً بلا معنى وبلا حقيقة. هذه اللغة يصدق عليها الخطأ كما يصدق عليها الصواب، يصدق عليها الباطل كما يصدق عليها الحق. 
وحين تقول: (تجربتى عن هذه الحياة إنها عابثة، وكل من فيها يعبث!) قلت «لغة»، ولم تقل «حقيقة» أو قلت لفظاً بلا معنى وبلا حقيقة، هذه اللغة تقبل الكذب كما تقبل الصدق: «وقيل: منها لغِى ولغَى إذا هَذَى، ومصدره اللَّغا». و«لغا يلغو» أتى باللغو من الكلام، وهو ما لم يعتد به، ولا يحصل منه على نفع ولا فائدة.  
والخطاب النبوى ليس كذلك، ولكنه خطاب حقائق، صحيح على الدوام، صادق على الدوام، حق على الدوام. غير أن هذه الخَاصَّة النبوية الفريدة تتمثل فى قوله عليه السلام: «أوتيتُ جَوَامع الكَلِم فاختُصرَ لى الكلام اختصاراً»؛ فلكأنما يُشير من قريب إلى أن ألفاظه صلوات الله وسلامه عليه، إنما هى ألفاظ حقائق مادام قد أُعطىَ جوامع الكَلِم، وليست مُجَرَّد لغة تتردد على الألسنة دون أن تنفذ بين شغاف القلوب، فتحولها من حال فى الحياة إلى حال. 
بيد أنها تعبيرٌ عن حقيقة ربما يجهلها المرء لكونه ممّن لا يدركون من الكَلِم سوى شكله البَرَّانى لا حقيقته الخبيئة، لكنه من المؤكد يعلمها فيما لو كان داخل رحاب المعيّة الإلهية لا خارجها. 
وبما أن الكلام لا يكون إلا على ضَرْبين: ضرب أنت تصِل منه إلى الغرض بدلالة اللفظ وحده؛ كقولك: خرج زيد، وانطلق عمرو. وضرب آخر أنت لا تصل منه إلى الغرض بدلالة اللفظ وحده، ولكن يَدُلك اللفظ على معناه الذى يقتضيه موضعه فى اللغة، ثم تجد لذلك المعنى دلالة ثانية تصل بها إلى الغرض، ومدار هذا على الكناية والاستعارة والتمثيل كما يقول الجرجانى صاحب دلائل الإعجاز؛ فقد جرت العادة بأن يُقال فى الفرق بين الحقيقة والمجاز: إن الحقيقة، أن يُقَرَّ اللفظ على أصله فى اللغة. والمجاز أن يُزَال عن موضعه، ويستعمل فى غير ما وُضِعَ له؛ فيقال أسدٌ، ويُرَاد شجاع، وبحر ويُرَادُ جواد؛ فلئن كان الأمر بهذه المثابة فهو تجوّز فى معنى اللفظ لا اللفظ نفسه، وإنّما يكون اللفظ مُزَالاً بالحقيقة عن موضوعه، ومنقولاً عما وضِع له، فإن مآل الأمر إلى القصد فيه هو المعنى. 
غير أن هذا المعنى لا بدّ أن يؤدى إلى حقيقة. مع ملاحظة أن هذه الحقيقة التى يؤدى إليها المعنى غير الحقيقة الأولى التى تعطيها دلالة اللفظ وحده ممّا يقرّه اللفظ على أصله فى اللغة، فإذا كانت الحقيقة الأولى حسيّة منظورة؛ فالحقيقة الثانية التى يؤديها المعنى روحية مغيبة، باقية ثابتة، ذات دلالات ووجوه متصلة بالعطاءات الإلهية وتجلياتها.        
ومن جانب آخر، يصف الأديب الكبير مصطفى صادق الرافعى فى كتابه «إعجاز القرآن والبلاغة النبوية»، هذه البلاغة النبويّة وصفاً يمنع عنها اللغة بالمفهوم السلبى للغة، ويضفى عليها لفظ الحقيقة، فيقول: لقد رأينا هذه البلاغة النبويّة قائمة على أن كل لفظ فيها هو لفظ الحقيقة لا لفظ اللغة، فالعناية فيها بالحقائق، ثم هى تختار ألفاظها اللغوية على منازلها، وبذلك يأتى الكلام كأنه نطق الحقيقة المُعَبّر عنها. ومعلوم أنه عليه السلام لا يتكلف ولا يتعمّل ولم يكتب ولم يؤلف، ومع هذا لا تجد فى بلاغته موضعاً يقبل التنقيح، أو كلمة تقبل التغيير، كأنما بين الألفاظ ومعانيها فى كل بلاغته مقياسٌ وميزان. 
ولكن السؤال الذى يتبادر إلى الذهن من أول وهلة: هل هذا يكفي؟ هل كل ما كان «الرافعي» ذكره، يكفى لإماطة اللثام عن الفرق بين لفظ الحقيقة ولفظ اللغة؟ 
عندى أن ذلك وحده لا يكفي، ولا يُقرِّر غور هذا الفرق فى واقعه المُقرَّر فى التاريخ وفى التجربة؛ فألفاظ الحقيقة توضحها التجارب ويثبتها التاريخ؛ بل تثبت بالتجربة وتثبت للتاريخ. فنحن هنا بإزاء ثلاثة مستويات: مستوى اللفظ، ومستوى المعنى، ومستوى الحقيقة. والحقائق فى عظمتها وجبروتها لا تدرك كل الإدراك ولا يُحاط بها كل الإحاطة، وليس يشم منها أحد رائحة سوى بمقدار ما تتجلى به عليه. هنالك معانى لها، هذا صحيح، لكنها معانٍ تقريبية للحقيقة، أو هى صور ضئيلة جداً للحقائق تماماً كما أن الألفاظ فى مستواها إنْ هى إلا صور ضئيلة جداً للمعاني؛ فاللفظ فى ذاته يصور جزءاً من المعنى، ولا تصور الألفاظ المعانى كلها. والمعانى فى مستواها كذلك لا تصوّر الحقائق من جميع أطرافها وجوانبها؛ ولا تدركها كل الإدراك ولا تحيط بها كل الإحاطة. 
(وللحديث بقية)
 

المصدر: بوابة الوفد

كلمات دلالية: د مجدى إبراهيم الخطاب النبوي یصدق علیها الذى ی

إقرأ أيضاً:

العلماء يكشفون عن تشابه مذهل بين لغة البشر والحيتان

كشفت دراسة حديثة نُشرت في دورية "ساينس" أن الحيتان الحدباء تغني بطريقة تتبع نفس القوانين الإحصائية التي تحكم اللغات البشرية، مما يثير انتباه العلماء إلى الترابط بين لغات الكائنات الحية.

اعتمدت هذه الدراسة على تحليل تسجيلاتٍ لأغاني الحيتان الحدباء، استمرت ثماني سنوات في جزيرة كاليدونيا الجديدة الفرنسية الواقعة شرق أستراليا، واستخدم الباحثون طرقًا مستوحاة من الطرق التي يتعلم بها الأطفال لغتهم.

رغم التعقيد الهائل الموجود في اللغات البشرية، لكنها تخضع لنمط إحصائي غريب، إذ إن الكلمات الأكثر شيوعًا في أي لغة بشرية تُستخدم ضعف عدد المرات مقارنة بالكلمات التي تليها في الترتيب، وثلاثة أضعاف مقارنة بالكلمات التي تليها بعد ذلك، وهكذا.

هذا النمط يخلق توزيعًا تكون فيه بعض الكلمات شائعة جدًا ومكررة آلاف المرات، بينما هناك عدد كبير من الكلمات التي لا تتكرر إلا نادرًا. عُرف هذا النمط الإحصائي علميًا باسم "قانون زيف".

على سبيل المثال، إذا قمت بتحليل جميع الكتب الموجودة في مكتبتك، وعددت جميع الكلمات، ستجد أن أكثر كلمة شيوعا قد تكررت مليار مرة، في حين أن الكلمة التي تليها ستتكرر نصف مليار مرة فقط وهكذا.

يقول مدير مركز تطور اللغة "سايمون كيربي"، في جامعة إدنبره في أسكتلندا، والمشارك في الدراسة، في تصريحات خاصة للجزيرة نت: "لقد عرفنا عن هذا النمط (نمط زيف) في اللغات البشرية منذ ما يقرب من 100 عام، وهو ما دفع العديد من الباحثين إلى التساؤل عمّا إذا كان من الممكن العثور على نمط مماثل في طرق الاتصال الخاصة بالأنواع الأخرى. والمثير للدهشة أنه على الرغم من حقيقة أن جميع الكائنات الحية تتواصل، فقد ثبت، حتى الآن، أن هذا النمط من الصعب العثور عليه في أي مكان آخر في الطبيعة".

إعلان تحليل أغاني الحيتان

كان التحدي الأساسي في إيجاد هذا النمط، هو تحديد الوحدات "الشبيهة بالكلمات" في أغاني الحيتان. الأمر نفسه في اللغات البشرية، فإذا كنت شخصًا مبتدئًا في اللغة الفرنسية وخاطبت شخصًا فرنسيًا بالصدفة، سيصعب عليك تحديد أين تبدأ الكلمات وأين تنتهي، فحديثه مسترسل والكلمات تنزل على أذنك كخيط متصل دون فواصل. لذا، ستحتاج إلى أن تخبره بضرورة التحدث ببطء أو كتابة ما يريد كي تفهم الكلمات التي ينطقها.

الأمر ذاته مع الباحثين، الذين واجهوا المشكلة ذاتها عند محاولتهم تقسيم تسلسلات الأغاني الطويلة للحيتان إلى وحدات صغيرة قابلة للقياس والعد لمعرفة مدى مطابقتها قانون زيف من عدمه.

يقول كيربي: "كان لزاماً علينا أن نتوصل إلى كيفية تقسيم هذه الأغاني إلى تسلسلات فرعية. واتضح أن الأطفال الرضع يواجهون هذه المشكلة بالضبط عندما يستمعون إلى الكلام البشري. فإذا استمعت إلى الكلام فستلاحظ أن الكلمات تأتي بلا فترات توقف بينها، ولا يوجد تكافؤ بين مسافات الكلمات، كما تجد في أغلب اللغات المكتوبة. فكيف إذن يستطيع الأطفال الرضع أن يحددوا أين تبدأ الكلمات وأين تنتهي؟"

لحل هذه المشكلة، استخدم الباحثون برنامجًا حاسوبيًا يحاكي الطريقة التي يستخدمها الأطفال الرضع في تعلم اللغة، حيث يعتمد على التنبؤ بالصوت التالي بناءً على التسلسل الحالي. عند تطبيق هذا البرنامج على تسجيلات أغاني الحيتان، تمكن الباحثون من تقسيم الأغاني إلى وحدات إحصائية متماسكة تشبه الكلمات البشرية.

كان التحدي الأساسي للعلماء في إيجاد هذا النمط هو تحديد الوحدات "الشبيهة بالكلمات" في أغاني الحيتان (بيكساباي) هل فككنا شفرة لغة الحيتان؟

إن وجود هذه الأجزاء المتماسكة إحصائياً، وتوزيعها على نمط زيف، يكشف عن قواسم مشتركة عميقة بين الحيتان الحدباء والبشر، على الرغم من أننا منفصلون بعشرات الملايين من السنين من التطور. يضيف كيربي: "يشير استخدامنا لطريقة مستوحاة من الأطفال إلى أن الحيتان قد تتعلم أغانيها أيضًا بطريقة مماثلة لتعلم البشر للغة. نحن نعلم أن الحيتان الحدباء تنقل أغانيها ثقافيًا، تمامًا كما ينقل البشر لغتهم ثقافيًا".

إعلان

رغم هذا الاكتشاف المثير، إلا أن هذا لا يعني أننا سنتمكن من "التحدث بلغة الحيتان" أو فهم معاني أصواتها مباشرة. فبينما تتبع أغاني الحيتان نفس الأنماط الإحصائية الموجودة في اللغة البشرية، إلا أنه لا يوجد دليل على أن الحيتان تستخدمها لنقل معانٍ معقدة كما نفعل نحن.

يضيف كيربي: "إذا وجدنا أنماطًا مماثلة في الأنواع الأخرى، مثل الطيور، التي تنقل أغانيها ثقافيًا، فإن هذا من شأنه أن يدعم فكرة، أن البنية في الاتصالات المعقدة المكتسبة عبر الأنواع هي حالة من التطور المتقارب. لقد خلق التطور إشارات متسلسلة معقدة ومتطورة ثقافيًا عدة مرات في تاريخ الحياة، وربما في كل مرة فعل فيها ذلك، كان هذا النوع من البنية هو النتيجة الحتمية".

يؤكد الباحثون، أن هذا العمل المتعدد التخصصات لا يساعدنا فقط في فهم الحيتان، بل يسهم أيضًا في فهم أصول اللغة البشرية، فبمقارنة أنظمة الاتصال عبر الأنواع، يمكننا معرفة المزيد عن كيفية نشوء وتطور اللغة لدينا.

مقالات مشابهة

  • الرد على الوليد آدم مادبو- بين أزمة الخطاب وامتحان العقل
  • الاحتلال يحرق مسجدا يعود تاريخه إلى عهد عمر بن الخطاب في نابلس
  • الذكرى الـ11 لاختفاء الطائرة الماليزية.. عودة البحث عن الحقيقة مع غياب الحطام
  • طفلة العاشر من رمضان تُثير الجدل .. ورئيس الجهاز يتدخل لكشف الحقيقة ودعم أسرتها
  • الخطاب الطائفي يتصاعد بعد المجازر بحق العلويين.. والعراق يراقب حدوده مع سوريا
  • تكريم 85 طفل من حفظة القرآن الكريم بمسجد عمر بن الخطاب بأسوان
  • العلماء يكشفون عن تشابه مذهل بين لغة البشر والحيتان
  • درغام ينوه بدور الإعلام في نقل الحقيقة خلال حفل الإفطار في عكار
  • الحقيقة مرة و صارمة
  • أهمية اللسان في تبليغ رسالة الخالق إلى الإنسان.. دراسة علمية