سواليف:
2024-08-31@16:46:26 GMT

تأملات قرآنية

تاريخ النشر: 18th, July 2024 GMT

#تأملات_قرآنية د. #هاشم غرايبه

يقول تعالى في الآية 111 من سورة التوبة: “إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُم بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْدًا عَلَيْهِ حَقًّا فِي التَّوْرَاةِ وَالإِنجِيلِ وَالْقُرْآنِ وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنَ اللَّهِ فَاسْتَبْشِرُواْ بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بَايَعْتُم بِهِ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ”.


في وصف العلاقة بين المؤمن وربه، استخدم الله تعالى صورة مألوفة لقريش، وهي العلاقة التجارية التي تثمر ربحا يتحقق من الفارق بين قيمة البضاعة المشتراة والقيمة الأعلى المتحققة من بيعها.
البضاعة التي يبيعها المؤمن لله هي ماله ونفسه، والثمن المقبوض هو الجنة.
المؤمن فقط هو من يوقن بأن هذه المقايضة ستحقق له ربحا هائلا، وأضعافا كثيرة لما دفعه، لأنه يعلم أن حياته الدنيوية مؤقتة ومحددة، وفيها أوقات تمر بمعاناة أو ألم أو حزن، أكثر بكثير مما يقضي من الأوقات السعيدة، وسيموت حتما عاجلا أو آجلا، وأن ماله كثر أو قل، سيفقده فور موته.
لذا فهو بالمعيار التجاري، يبيع بضاعة محدودة الصلاحية، وستنتهي هذه الصلاحية مؤكدا قريبا جدا أو بعد فترة لا يعلمها، ولن يكون بإمكانه الاستفادة منها آنذاك مطلقا، لذا فأفضل استثمار لها هو مقايضتها بحياة أبدية يقضيها متمتعا بسعادة خالصة من أي منغص، وينال فيها كل ما يشتهيه، سواء امتلكه في الدنيا أو لم يمكنه الحصول عليه.
أما المكذب بالدين، سواء كان كافرا أو مشركا أو منافقا، فهو رافض لهذا العرض، بسبب شكه في مصداقية حصوله على الثمن، لذلك أكد الله تعالى للمؤمنين في جميع كتبه، أن هذا عقد ألزم به ذاته العلية، وسيفي به حقا وفعليا، لذلك لا يلتفت المؤمنون الى تشكيك معادي منهج الله، لأن الله لا يخلف وعده، فهو ليس كالبشر الذين قد لا يتمكنون من الإيفاء بالعهود إخلافا مصلحيا أو بسب ظروف قاهرة، لكن الله تعالى هو مالك خزائن السموات والأرض، فلا ينقص ملكه عطاء مهما بلغ، وهو مقدر الأقدار ومسبب الأسباب وصانع الظروف، فلا يمكن أن يعيقه شيء عن تنفيذ وعده، لذلك يبشر المؤمنين بالربح المؤكد لبيعهم، وعند نواله سيعرفون انه الفوز الأعظم من كل فوز حققه البشر.
من هذا الفهم كانت بيانات أبي عبيدة والفصائل المجاهدة الأخرى، ولهذا كنا نلمس اللهجة المستبشرة المطمئنة، والتي ختامها: إنه لجهاد، نصر أو استشهاد… فكلا الأمرين بشرى خير وفوز، ولذلك سماهما رب العالمين: احدى الحسنيين، ونتيجة الجهاد محصورة في أحد هذين الفوزين ولا ثالث لهما: “قُلْ هَلْ تَرَبَّصُونَ بِنَا إِلاَّ إِحْدَى الْحُسْنَيَيْنِ” [التوبة: 52].
في مقابل هذه الصورة المبشرة، هنالك صورة مرعبة للمنافقين، وتوعدهم بأشد العذاب وبالطرد من رحمته وعدم قبول أي استغفار لهم ولا أية شفاعة فيهم حتى لو كانت من رسوله: “اسْتَغْفِرْ لَهُمْ أَوْ لَا تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ إِن تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً فَلَن يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ” [التوبة:80].
هؤلاء الذين عدهم الله من المنافقين، فنالوا الدرك الأسفل من النار، أي أشد عذابا من الكافرين والمشركين، وهم الذين يتخلفون عن الجهاد في سبيل الله، والذي جعله الله فريضة لا تنقطع الى يوم الدين، بعكس ما يقوله شيوخ السلاطين من أنه لا يجب الا بأمر السلطان، بل هو واجب شرعي، ويكون فرض كفاية في جهاد الطلب، لكنه يصبح فرض عين إن كان جهاد دفع، وهو الذي يتحقق في أحد ظرفين: إما لدفع عدوان أو غزو لأي من ديار المسلمين، أو لطرد المحتل أذا احتل بقعة منها.
ولذلك رأينا من لا يؤمنون بمنهج الله اشتروا الدنيا (سلطة أوسلو)، فيما اختارت التزمت المقاومة المؤمنة بالكفاح المسلح، وصدعت بواجب الجهاد، ولم يثنهم الحصار ولم تخفهم القوة الهائلة لعدوهم، ولم تنتظر عونا من سلاطين الأمة المنافقين الذين باعوا آخرتهم بثمن بخس هو أيام معدودات يقضونها على كرسي الحكم ويكدسون الأموال، لكنهم لا يهنؤون بها فهم مرعوبون، ومحاطون بأطواق حماية من أعداء أمتهم على الدوام، لأنهم يعلمون أنهم مشركون عبدوا أمريكا من دون الله، إذ أطاعوها في معصيته، لكنها أيام ستمر سريعا ثم ينقلبون الى ربهم، وعندها سيولولون ويقولون “مَا أَغْنَى عَنِّي مَالِيَهْ . هَلَكَ عَنِّي سُلْطَانِيَهْ” [الحاقة:28-29].
والفرق هائل بين التجارتين.

المصدر: سواليف

كلمات دلالية: تأملات قرآنية هاشم

إقرأ أيضاً:

التعليم ثم التعليم ثم التعليم

إذا أردت أن تهدم أمة فعليك بالقضاء على التعليم حتى يسود الجهل، لأن بلدا بلا تعليم هو بلد بلا مستقبل.
في السنوات الماضية كان من يلجأ للتعليم الخاص هو الطالب الضعيف، والآن اختلت الموازين، وأصبح التعليم الخاص هو المميز لمن إستطاع إليه سبيلا، وسلعة وبيزنس، وحتى الجامعات الحكومية أصبحت بمصروفات تتعدي الآلاف.
لقد كان العلم ومازال الخامة الأساسية في تقدم الدول ورقيها، وكل من اتخذ درب الجهل وابتعد عن العلم كان مآله الهاوية، والتعليم هو العملية التي يقدَّم فيها العلم، فإذا كانت عملية التعليم متطورة ومتقدمة كان وصول العلم إلى الأذهان أقرب وأكمل والعكس صحيح تماماً، وفي ديننا الإسلامي نرى إجلالاً كبيراً للعلم والعلماء، فأول كلمة نزلت من القرآن الكريم كانت "إقرأ"، كما أن التاريخ الفرعوني مليئ بأدلة على الإهتمام بالعلوم والهندسة والطب والفن بكافة أنواعه، لكن كل شئ تغير وأصبح العلم مقتصراً على فئة معينة ونتيجة لكثير من الظروف لم يَعُد الاهتمام بالعلم كما كان سابقاً، فقد طغت المادة عليه وأصبح الناس يتوجهون لطلب المال بدلاً من العلم، وكثيرة هي الظروف التي أدت لذلك، منها ما هو سياسي أو إقتصادي أو اجتماعي .  
و للأسف مناهجنا الدراسية لا تتسم بالواقعية، فهي لا تعطي إلاّ القليل من العلم البسيط الذي انتهى أمره منذ عدة قرون، ولا أعني عدم تدريسها وتدريس مبادئها، ولكن أعني عدم الاكتفاء بمعلومات قليلة لا تمت بالواقع بصِلة، بل يجب تدريس هذه المبادئ بالإضافة لتدريس ما له صلة بالواقع أيضاً، فيصبح الكم المعرفي لدى الطالب أكثر وأنضج. 
إن المدرسة لا تمت للجامعة بأي صلة، ولا يوجد أي ارتباط بينهما، فمن أراد دخول كلية الطب مثلاً فهو سيدخل هذا التخصص دون أن يعلم عنه شيئاً، فالمدرسة لا تنمي طموح الطالب ولا توجهه للتخصص الذي يخدم مصلحته، لذلك يدخل الطالب إلى عالم الجامعة وكأنه عالم موحش غير مفهوم، وحتى الطالب لا يعرف لماذا دخل هذا التخصص أصلاً ؟! 
لقد أصبحت مؤسساتنا التعليمية مؤسسات تجارية هدفها الربح والكسب المالي، ولم يعد يهمها أي مخرجات للتعليم، وما يثبت ذلك هو قبول الطلبة في النظام الموازي والدولي بنسبة كبيرة جداً، وقبول طلبة نظام التنافس بنسبة قليلة جدا، كما تتعرض كثير من الجامعات والمؤسسات التعليمية لاختلاسات كبيرة جدا،ً فيصبح الحل الأوحد لسد العجز وملء الخزينة هو جيب الطالب، فتبدأ أسعار الساعات بالارتفاع، وترتفع نسبة الطلبة المقبولين على أساس النظام الموازي والدولي.
أصبح المال عصب الحياة، فالإنسان الذي يملك المال يملك السلطة والجاه، ويستطيع تحقيق كل ما يرغب، ومع أن هذا المفهوم خاطئ، إلا أنه مُطبق وقائم في مجتمعاتنا، لذلك فأصحاب الطبقات الغنية هم الأقدر على طلب العلم بأموالهم على عكس الطبقات الكادحة، وبذلك تُهَدم المقولة التي تقول بأن التعليم للجميع.

مقالات مشابهة

  • وصايا الرسول.. 10 أفكار لأعمال صالحة تفعلها سرًا
  • المركز الوطني للأرصاد ينبه من أمطار غزيرة على المدينة المنورة
  • الدكتور عبد الباقي عبد الله المكي، الاستفهام الأخير: “كيف يمكننا صناعة حبٍ نُحارب من أجله؟”
  • حكم استعمال الكحول في العطور.. الإفتاء تجيب
  • عربي21 تحاور أمير الجماعة الإسلامية في بنغلادش (شاهد)
  • كيف تطلب حقك بدون كبر.. 7 أشكال للتواضع في الإسلام
  • التعليم ثم التعليم ثم التعليم
  • 7 آداب عند سماع القرآن الكريم.. يوضحها العالمي للفتوى
  • إلى إحسان فقيري !!
  • 500 يوم من الحرب.. سودانيون يتمسكون بضرورة إنهاء القتال