بينما يواجه السوريون في الخارج ضغوطا متزايدة للعودة إلى سوريا بحكم أنها "آمنة" يبعث النظام السوري برسائل تأخذ في ظاهرها شكل "القرارات" وترسخ في باطنها مناخ الخوف "واللاعودة" إلى البلاد، وفقا لمنظمات حقوق إنسان محلية ودولية.

منظمة "هيومن رايتس ووتش" و"الشبكة السورية لحقوق الإنسان" نشرتا تقريرا الخميس وثقتا فيه سلسلة "قرارات حجز احتياطي" أصدرتها وزارة المالية التابعة للنظام، منذ بداية 2024.

واستهدفت من خلال تلك القرارات أملاك مئات الأشخاص وعائلاتهم في بلدة زاكية الواقعة جنوب العاصمة السورية دمشق.

وقالت "رايتس ووتش" إن التجميد الجماعي للأصول يشكل "عقابا جماعيا وانتهاكا للحق في الملكية".

وبدوره أوضح مدير "الشبكة السورية لحقوق الإنسان"، فضل عبد الغني لموقع "الحرة" أن القرارات التي صدرت خلال ستة أشهر "تشبه إجراءات السيطرة والنهب".

وأشار عبد الغني إلى أن النظام السوري كان أصدر في السنوات الماضية عدة قوانين "تنتهك حقوق الإنسان" وممتلكات السوريين، واعتبر أنها "عبارة عن نصوص أمنية بامتياز، وتصل إلى نقطة السيطرة".

كرم الخطيب هو أحد أبناء مدينة زاكية وورد اسمه مع عائلته في قرارات "الحجز الاحتياطي" التي أصدرتها وزارة المالية التابعة للنظام السوري، بشكل متسلسل بين شهري يناير ويونيو الماضيين.

ويقول لموقع "الحرة": "سألنا واستفسرنا عن أسباب إصدار القرارات ولم يصلنا أي شيء. الحجز طال كل شيء نملكه من سيارات ومنازل".

ويتابع: "حتى ابن عمي المعتقل حجز على أملاكه وأملاك أخرى لأخوالي وأعمامي وأبنائهم".

يتحدث الخطيب عن قوائم حجز كثيرة وأشبه بـ"عقوبة جماعية"، على حد تعبيره.

ويضيف أنها كانت مفاجئة ولم تقتصر على المعارضين فحسب، بل على شريحة واسعة من نساء ورجال ومعتقلين وأشخاص من أبناء زاكية يقيمون في إدلب وأوروبا ودول أخرى.

ماذا جاء في تقرير المنظمتين؟

في تقرير "الشبكة السورية لحقوق الإنسان" كشفت أن ما لا يقل عن 817 مدنيا في بلدة زاكية جنوب دمشق صدرت ضدهم قرارات جماعية بالحجز الاحتياطي، منذ مطلع عام 2024.

وقالت إن "سياسة الحجز على الأموال المنقولة وغير المنقولة من قبل النظام تعد أحد أبرز الأساليب الفعَّالة، التي يستخدمها كأداة لتحقيق موارد مالية إضافية لخزينته".

ويستخدمها النظام أيضا "كعقوبة ضد معظم من عارضه وعائلاتهم، عبر تطبيق مزيد من التضييق والقيود القانونية والاجتماعية والاقتصادية ضدهم"، بحسب الشبكة الحقوقية.

وتظهر الوثائق الخاصة بالشبكة الحقوقية " أن المعتقلين تعسفيا والمختفين قسريا في مراكز الاحتجاز التابعة لقوات النظام والمشردين قسريا داخل وخارج سوريا من أوسع وأبرز المتأثرين بـ"الحجز الاحتياطي".

ويقول مدير الشبكة السورية، عبد الغني إن "الحجز الاحتياطي" ورغم أنه "مصطلح قانوني" يصدره النظام السوري "كقرار أمني ضد شخص مستهدف كمعارض له أو غير ذلك".

ويضيف أن النظام يوظف هذه القرارات ضد معارضيه، وبشكل أساسي النازحين والمختفين قسريا واللاجئين، والمتوفين غير المسجلين في النفوس. وهؤلاء يشكلون نصف الشعب السوري، وفق حديث عبد الغني. 

تستند قرارات "الحجز" بحسب "هيومن رايتس ووتش" إلى مرسوم صدر عام 2012.

ويخول هذا المرسوم وزارة المالية تجميد أصول الأفراد على ذمة التحقيق، للاشتباه في الإرهاب، بموجب "قانون مكافحة الإرهاب" الفضفاض في سوريا، وحتى لو لم يُتهموا بارتكاب جريمة.

وأشارت القرارات التي اطلعت عليها المنظمة المذكورة و"الشبكة السورية لحقوق الإنسان" إلى بلاغات منفصلة من الفرع "285" سيئ السمعة التابع لإدارة المخابرات العامة، ومقره دمشق. 

كما تضمنت بيانا ختاميا يبرر إجراء "الحجز الاحتياطي" بالإشارة إلى تورط الأفراد في "الأحداث الجارية بالقُطْر".

"استراتيجية أوسع للعقاب الاجتماعي"

وقال آدم كوغل، نائب مديرة الشرق الأوسط في "رايتس ووتش": "يبدو أن الطبيعة العشوائية للتجميد الجماعي للأصول في زاكية تعكس استراتيجية أوسع للعقاب الجماعي ضد المجتمعات المحلية في المناطق التي تم استعادتها".

وأضاف أن "استخدام قوانين مكافحة الإرهاب لتبرير تجميد الأصول والمصادرة غير القانونية هو سياسة متعمدة تهدف إلى الحفاظ على مناخ الخوف والقمع في مناطق المعارضة السابقة".

وبلدة زاكية هي واحدة من المناطق التي استعادتها قوات النظام السوري، بموجب اتفاقيات "التسوية"، التي تم استنساخها لأكثر من مرة قبل 2018 وبعد هذا العام.

ونقلت "رايتس ووتش" عن أحد الرجال الذين وقعوا على تلك الاتفاقيات قوله إن "قرارات الحجز الاحتياطي مزاجية واعتباطية وانتقامية وكيدية بطبيعتها".

وأشار إلى أنه وزوجته كانا مدرجين على القوائم، بالإضافة إلى 19 من أقاربه من الدرجة الثانية.

ويمكن لتجميد الأصول أن يُعرقل بشدة الاستقرار المالي للأشخاص، مما يحد من قدرتهم على الوصول إلى الأموال والحفاظ على الممتلكات وممارسة الأعمال التجارية، وبالتالي يفاقم الصعوبات الاقتصادية وربما يعرقل سبل عيشهم، بحسب "رايتس ووتش".

وقال أحد السكان للمنظمة: "لديّ قطعة أرض مساحتها ثماني دونمات أقوم بزراعتها. أدرِجت ضمن الأصول المجمدة".

وتابع: "والآن لا أستطيع بيعها أو تأجيرها. يمكنهم، بعد فترة، مصادرتها وأخذها. وكذلك الأمر بالنسبة لأصولي المنقولة".

كيف يعود السوريون؟ 

ووفقا لآخر إحصائيات الأمم المتحدة يوجد أكثر من 13 مليون سوري "مهجرون قسرا".

وفي عام 2023 وحده نزح 174 ألف شخص آخرين داخل سوريا، ليصل العدد الإجمالي إلى 7.2 مليون نازح داخليا، و6.5 مليون لاجئ وطالب لجوء في الخارج.

ويعتبر الحقوقي السوري عبد الغني أن "النظام السوري وبموجب قرارات الحجز الاحتياطي يضع يده على ممتلكات السوريين، مما يمهد له سهولة للسيطرة على نحو أكبر".

ويقول إن الإجراء التعسفي الذي لم يقتصر على زاكية فقط "يشكل أحد العوائق الأبرز لعودة اللاجين إلى البلاد".

"بعد فرض الحجز الاحتياطي كيف سيعود الشخص المستهدف"؟ يتساءل عبد الغني، ويعتبر أن "النظام لا يرغب بعودة اللاجئين والنازحين وهو ضد عودتهم بدون أدنى شك".

ورغم التأكيدات المستمرة من جانب الأمم المتحدة بأن "سوريا غير آمنة لعودتهم" اتجهت دول مؤخرا لإطلاق "حملات إعادة طوعية" تراها منظمات حقوق إنسان "قسرية"، وأن آلياتها تنطوي على الكثير من المخاطر والترهيب والتضييق.

وإلى جانب إجراءات "الحجز" كانت "الشبكة السورية لحقوق الإنسان" وثقت ما لا يقل عن 4714 حالة اعتقال تعسفي لعائدين من اللاجئين والنازحين على يد قوات النظام السوري، منذ مطلع 2014 وحتى شهر يونيو 2024.

وتقول "رايتس ووتش" إنها وثقت في السابق استخدام النظام السوري ترسانة من الأدوات التشريعية للاستيلاء على الممتلكات الخاصة للسكان دون وجه حق، ودون اتباع الإجراءات القانونية الواجبة أو التعويض.

وتشمل هذه القوانين المرسوم 63 لعام 2012.

وبحسب المنظمة فإن مثل هذه القوانين تخلق عوائق كبيرة أمام عودة اللاجئين والنازحين الراغبين في استعادة ممتلكاتهم وإعادة بناء حياتهم. 

كما أنها تعقّد جهود إعادة الإعمار الدولية، نظرا لأن الشركات المشاركة في عمليات الهدم أو إعادة تأهيل المباني يمكن أن تواجه خطر المساهمة في انتهاكات حقوق الإنسان والتهجير القسري، إذا كانت تتعامل مع ممتلكات استولى عليها النظام السوري بشكل غير قانوني.

"المحطة الأولى أمنية"

يوضح عبد الغني أن قرار الحجز الاحتياطي يخرج أولا من الأجهزة الأمنية والأفرع ويرسل إلى المخابرات العامة ومن ثم إلى مكتب الأمن الوطني.

وبعد ذلك يرسل "مكتب الأمن الوطني" كتابا لوزارة المالية بفرض حجز احتياطي على الشخص المستهدف.

ويقول الحقوقي السوري إن "وزارة المالية تحولت إلى واجهة للنهب والسرقة للأجهزة الأمنية".

ويضيف أن "قرار الحجز الصادر عنها يصدر استنادا للكتاب الأمني، وليس بناء على تحقيق قضاء أو انتهاك أو بموجب التعريف القانوني لتجميد الأصول".

ويعرّف قانون مكافحة الإرهاب في سوريا "الإرهاب" بشكل فضفاض بطريقة تسمح للحكومة بتصنيف أي فعل تقريبا كجريمة إرهابية، وفقا لما ورد في تقرير "رايتس ووتش".

وتقول المنظمة إنه ومن خلال معاقبة الأشخاص لمجرد قرابتهم العائلية مع الشخص المتهم، وليس استنادا إلى مسؤوليتهم الجنائية الفردية، فإن تنفيذ وزارة المالية للمرسوم 63 يشكل أيضا "عقابا جماعيا"، وهو أمر محظور في جميع الظروف بموجب القانون الدولي الإنساني وقانون حقوق الإنسان.

هل من فرصة للطعن؟

وبموجب قانون العقوبات السوري يُعرّف الحجز الاحتياطي بأنه: "وضع مال المدين تحت يد القضاء، لمنعه من القيام بأي عمل قانوني أو مادي من شأنه أن يؤدي إلى استبعاده أو استبعاد ثماره من دائرة الضمان العام للدائن الحاجز".

ورغم أنه لا يعتبر إجراء تنفيذيا تغيّرت آلية تطبيقه بعد مرسوم رئيس النظام السوري،  بشار الأسد رقم 63 لعام 2012.

وخوّل المرسوم وزارة المالية تجميد أصول الأشخاص تحفظيا ودون أمر من المحكمة، وذلك بناء على طلب من سلطات الضابطة العدلية وحتى انتهاء التحقيق في "الجرائم الواقعة على أمن الدولة الداخلي أو الخارجي"، والجرائم المنصوص عليها في قانون "مكافحة الإرهاب" التعسفي في سوريا الصادر عام 2012.

ويعتبر المهندس مظهر شربجي، الذي شغل سابقا رئيس شعبة المهندسين بريف العاصمة دمشق أن قرارات "الحجز الاحتياطي" تشير إلى بداية "ضغوط وابتزاز".

ولا يستبعد أن تنتهي بمصادرة ممتلكات السوريين، وخاصة المعارضين الذين يقيمون في الخارج.

ويوضح شربجي لموقع "الحرة" أنه توجد إمكانية للطعن والاستئناف.

لكنه يردف أن الأمر ليس سهلا، كون أي مراجعة أو استفسار عن المواضيع العقارية بعد 2011 يتطلب الحصول على "موافقة أمنية".

ويوضح من ناحية أخرى بالقول: "الحجز الاحتياطي غالبا ما يكون ناتجا عن نكشة صغيرة (أمر وسبب بسيط). لكن أهداف النظام أكبر من ذلك وقد يستهدف من خلال الإجراء أي شخص يعارضه".

المصدر: الحرة

كلمات دلالية: الحجز الاحتیاطی مکافحة الإرهاب وزارة المالیة النظام السوری حقوق الإنسان رایتس ووتش عبد الغنی عام 2012

إقرأ أيضاً:

قرارات ثورية جديدة في سوريا ... منها حل البرلمان والجيش والأجهزة الأمنية وإلغاء العمل بدستور2012

 

 أعلنت إدارة العمليات العسكرية في سوريا، الأربعاء، تعيين قائد الإدارة الجديدة أحمد الشرع رئيسا للبلاد في المرحلة الانتقالية وتفويضه بتشكيل مجلس تشريعي مؤقت، مشيرا إلى إلغاء العمل بدستور عام 2012 وحل مجلس الشعب المشكل في عهد النظام المخلوع.

وقال الناطق الرسمي باسم إدارة العمليات العسكرية العقيد حسن عبد الغني، "نعلن انتصار الثورة السورية العظيمة، واعتبار الثامن من كانون الأول /ديسمبر من كل عام يوما وطنيا".

وكشف في كلمة له خلال إعلان انتصار الثورة ضمن اجتماع موسع مع الفصائل العسكرية، نقلتها وكالة الأنباء السورية "سانا"، عن إلغاء العمل بدستور سنة 2012 وإيقاف العمل بجميع القوانين الاستثنائية.

كما أعلن عبد الغني عن حل مجلس الشعب المشكل في زمن النظام المخلوع واللجان المنبثقة عنه، بالإضافة إلى "حل جيش النظام البائد، وإعادة بناء الجيش السوري على أسس وطنية".

وبحسب الناطق العسكري، فإنه جرى أيضا "حل جميع الأجهزة الأمنية التابعة للنظام البائد، بفروعها وتسمياتها المختلفة، وجميع الميليشيات التي أنشأها، وتشكيل مؤسسة أمنية جديدة تحفظ أمن المواطنين".

كما شملت القرارات المعلن عنها "حل حزب البعث العربي الاشتراكي، وأحزاب الجبهة الوطنية التقدمية، وما يتبع لها من منظمات ومؤسسات ولجان، ويحظر إعادة تشكيلها تحت أي اسم آخر، على أن تعود جميع أصولها إلى الدولة السورية".

وكشف عبد الغني عن "حل جميع الفصائل العسكرية والأجسام الثورية السياسية والمدنية، لدمجها في مؤسسات الدولة"، حسب وكالة الأنباء "سانا".

وفي السياق ذاته، أعلن الناطق الرسمي باسم إدارة العمليات العسكرية تولية الشرع "رئاسة البلاد في المرحلة الانتقالية، ليقوم بمهام رئاسة الجمهورية العربية السورية، ويمثلها في المحافل الدولية".

كما كشف عن تفويض الشرع بتشكيل مجلس تشريعي مؤقت للمرحلة الانتقالية، يتولى مهامه إلى حين إقرار دستور دائم للبلاد ودخوله حيز التنفيذ.

يأتي ذلك بعد إلقاء الشرع "خطاب النصر" ضمن فعاليات شهدت حضورا موسعا من فصائل من إدارة العمليات العسكرية وقوى الثورة، كاشفا عن أولويات سوريا في مرحلة ما بعد سقوط نظام المخلوع بشار الأسد.

وبحسب الشرع، فإن "أولويات سوريا اليوم تحدد بملء فراغ السلطة والحفاظ على السلم الأهلي وبناء مؤسسات الدولة والعمل على بناء بنية اقتصادية تنموية واستعادة سوريا لمكانتها الدولية والإقليمية".

وفجر الأحد 8 كانون الأول/ ديسمبر، دخلت فصائل المعارضة السورية إلى العاصمة دمشق، وسيطرت عليها مع انسحاب قوات النظام من المؤسسات العامة والشوارع، لينتهي بذلك عهد دام 61 عاما من حكم نظام حزب البعث، و53 عاما من حكم عائلة الأسد.

وجرى تكليف المهندس محمد البشير، وهو رئيس حكومة الإنقاذ التي كانت تدير إدلب، بتشكيل حكومة لإدارة شؤون البلاد في المرحلة الانتقالية، إلى غاية الأول من شهر آذار/ مارس المقبل

مقالات مشابهة

  • اعتقال عاطف نجيب ابن خالة الأسد.. تسبب بانفجار الثورة السورية
  • الحراك التشكيلي السوري يعود إلى دمشق بعد سقوط النظام بمعرض لـ 13 فناناً في غاليري زوايا
  • خطاب السيد رئيس الجمهورية العربية السورية السيد أحمد الشرع للشعب السوري
  • الرئيس السوري: سنعمل على تشكيل حكومة انتقالية شاملة
  • رئيس الجمهورية العربية السورية السيد أحمد الشرع في خطابه للشعب السوري: إلى أبناء الشعب السوري الأبي أقف أمامكم اليوم بقلب ملؤه الأمل والعزيمة، موجهاً كلمتي إلى كل السوريين والسوريات، إلى من يعيشون في مخيمات التهجير، إلى النازحين واللاجئين، إلى الجرحى والم
  • رايتس ووتش: إيطاليا متهمة بحماية المطلوبين لدى الجنائية الدولية
  • من هيومن رايتس ووتش.. رسالة إلى نواف سلام
  • قرارات ثورية جديدة في سوريا ... منها حل البرلمان والجيش والأجهزة الأمنية وإلغاء العمل بدستور2012
  • قرارات ثورية في سوريا.. حل البرلمان والجيش والأجهزة الأمنية وإلغاء العمل بدستور 2012
  • الأمن العام السوري يعثر على مخزن أسلحة ضخم في ريف دمشق (صور)