في ظلال #طوفان_الأقصى “92”

إنكار #المحرقة_الفلسطينية جريمةٌ والصمت عنها شراكةٌ

بقلم د. #مصطفى_يوسف_اللداوي

إنها المحرقة الحقيقية التي لا يمكن إنكارها، ولا يستطيع عاقلٌ تجاوزها أو الصمت عليها، أو تبريرها والموافقة عليها، أو الاكتفاء بمشاهدة فصولها وإحصاء ضحاياها، فمن ينكرها ليس إنساناً ولا ينتمي إلى عالم البشر، ومن يرتكبها حتماً ليس بشراً ولا إنساناً ولا ينتمي إلى عالمنا، وهو يكذب عندما يدعي الحضارة والحداثة والتمدن، ويكذب أكثر عندما يصف جيشه بأنه الأكثر أخلاقيةً في العالم، بينما هو مستغرقٌ في سفك الدماء وقتل الأبرياء وإبادة السكان وتدمير مقومات حياتهم، بل إن الحيوانات تربأ بنفسها أن تقوم بمثل هذه المجازر وترتكب هذه المذابح، التي لا يقوم بها إلا الساديون المرضى، العفنة نفوسهم والحاقدة قلوبهم، المنحرفة فطرتهم، والمعوجة طبيعتهم.

مقالات ذات صلة تقاسم الضفة الغربية بين رموزها 2024/07/18

المحرقة التي يشهدها العالم اليوم ويراقبها بصمتٍ، ويقف تجاه ضحاياها بعجزٍ مخزٍ، وينصر مرتكبها بدونيةٍ مقرفةٍ، أطرافها معروفون، ومكانها معلن، وحوادثها تنقل على الهواء مباشرةً، والأسلحة التي يستخدمها المعتدون، تشحن إليهم كل يومٍ من مرافئ “المتباكين” على الشعب الفلسطيني، وهم يعلمون أنها تحرق الفلسطينيين وتقتلهم، وتحول حياتهم إلى جحيمٍ لا يطاق، وتحيل أماكن إيوائهم ومعسكرات إقامتهم إلى محارق حقيقية، وأفران تصنعها الصهيونية، وتديرها وتشرف عليها قوى دولية، مما يجعل من هذه الحرب المدمرة محرقة العصر الحقيقية، التي لن يستطيع الزمن شطبها، ولن تتمكن الإنسانية من نسيانها.

هذه المحرقة المهولة، التي يستخدم فيها العدو الإسرائيلي أحدث القنابل الأمريكية المدمرة، التي تزن آلاف الأرطال وتلقيها الطائرات الحربية الحديثة، وغيرها التي تدك الأرض وتزلزلها، وتخترقها وتقلب باطنها ظاهرها، وتحدث دماراً واسعاً في محيطٍ كبيرٍ من الأرض، وقطاعٍ واسعٍ من المناطق السكنية، فتقتل مئات الفلسطينيين، وتدفن العديد منهم في الرمال أو تحت الأنقاض، في مجازر يوميةٍ متجددة، ومذابح دمويةٍ مستمرةٍ، الأمر الذي جعل من المحرقة الفلسطينية بآلة الحرب الإسرائيلية محرقةً حقيقية، تفوق آلاف المرات المحارق التي ادعوا أنهم تعرضوا لها، وعانوا منها وحرقوا فيها.

يريد اليهود عموماً والحركة الصهيونية خصوصاً من دول العالم كله أن تعترف بالمحرقة “الهولوكوست” التي تعرضوا لها، وأن يطأطئوا الرأس أسفاً، وأن يخفضوا الصوت خجلاً، وأن يقروا بالذنب دائماً، وأن يسخروا قدراتهم للدفاع عنهم والتطهر مما ارتكبوه ضدهم، وأن يفتحوا خزائنهم لليهود عموماً وللناجين من المحرقة وعائلاتهم خصوصاً، تعويضاً لهم وعلاجاً نفسياً ومعنوياً لضحاياهم، وأن يصطفوا جميعاً تضامناً معهم وعوناً لهم، واعترافاً منهم بالمسؤولية عن هذه الجريمة، التي يرون أن العالم كله مسؤولٌ عنها، وشريكٌ فيها.

ويريدون من حكومات العالم كله أن تقيم في عواصم بلادها نصباً تذكارية للمحرقة، تشبه نصب “الفادياشيم” في القدس المحتلة، يكون رمزاً يعبر عن مأساتهم، ومقاماً يحيون فيه ذكرياتهم الحزينة، وشاهداً على مسؤولية دول العالم عن مظلمتهم، التي يجب عليها الاعتراف بالنصب، وأن تحميه بالقوة، وأن تحصنه بالقوانين والأنظمة، وأن تضفي عليه شيئاً من القداسة، فلا يمسه أحدٌ بسوءٍ، أو يطاله بنقدٍ أو تجريحٍ، وأن يحج إليه قادتها، ويتوجه إليه زوارها، ويحنون رؤوسهم على مداخله، ويضعون أمامه أكاليل الورد الرسمية التي تعبر عن عظيم أسفهم وكبير ندمهم.

ينبغي على العالم أن يكون منصفاً وموضوعياً، وأن يوحد معاييره ولا يعدد مكاييله، وأن ينظر إلى الحقائق بعين الإنسان المسؤول، وألا يزن الأشياء بميزان المصالح السياسية والمنافع والعلاقات الدولية، بل يخضعها للحق الذي لا يتعدد، وللقيم الإنسانية التي لا تتبدل، فما يحدث في فلسطين اليوم هو المحرقة بعينها، والكيان الصهيوني هو القاتل لا غيره، وهو الذي يشعل أتون المحارق ويوقد الأفران بأجساد الفلسطينيين، ولا يبالي بإلقائهم في قعره، نساءً وأطفالاً وشيوخاً ومصابين وذوي الحاجات الخاصة، لا لسببٍ إلا لأنهم فلسطينيون، يؤمنون بوطنهم، ويصرون على حقهم، ويضحون دفاعاً عن أرضهم وثباتاً في بلادهم.

ليس مجرماً من ينكر “الهولوكوست”، ولا يعترف بالأرقام اليهودية، وإن كنا لا نغمط الآخرين حقوقهم ولا نتجنى عليهم، ولا ندعوا لقتلهم أو إبادتهم وتطهير الأرض منهم، فنحن العرب والمسلمين نرفض إيذاء البشر، ومحاسبتهم على دينهم وهويتهم ولونهم وجنسهم، ونصر على حق الإنسان في الحياة الحرة الكريمة، على أرضه وفي وطنه.

لكن المجرم الظالم الذي يجب أن يحاسب ويعاقب، هو كل من ينكر مظلوميتنا، ويتجاهل معاناتنا، ولا يلتفت إلى ما يجري لنا، ولا يغضب لما يصيبنا، ولا يعنيه ما لحق بنا وبأرضنا وحقوقنا وممتلكاتنا، بينما يتمعر وجهه، ويتفجر غضباً، ويفرض القوانين ويحاسب ويعاقب كل من يحاول دراسة حقيقة “الهولوكوست”، والتثبت من الصور والتقارير، والتأكد من الضحايا والأرقام، وإنصاف المظلومين والدعوة إلى محاسبة المجرمين.

إن من حقنا نحن العرب والمسلمين وكل الأحرار وأصحاب الضمائر الحية في العالم، أن نجرم كل من ينكر مظلمتنا، ويصمت تجاه ما يتعرض له شعبنا، ويتأخر عن نصرتنا، أو يتردد في الدفاع عنا، أو يعتبر أن ما يقوم به العدو الإسرائيلي ضدنا إنما هو عملٌ مشروعٌ وفعلٌ مباح، بحجة الدفاع عن النفس وحماية السكان، فيمده بالسلاح والعتاد، ويناصره في السياسة والمؤسسات، فهم بهذا شركاؤه، يقاسمونه الجريمة، ويتحملون معه المسؤولية، ويستحقون مثله الحساب والعقاب.

بيروت في 18/7/2024

moustafa.leddawi@gmail.com

المصدر: سواليف

كلمات دلالية: طوفان الأقصى المحرقة الفلسطينية مصطفى يوسف اللداوي

إقرأ أيضاً:

أكثر من 1000 شهيد وجريح في جريمة إسرائيلية بحق الشعب الفلسطيني

عرضت قناة القاهرة الإخبارية خبرا عاجلا يفيد بأن الرئاسة الفلسطينية تدين استئناف العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة، وتطالب المجتمع الدولي بإجبار إسرائيل على وقف عدوانها فورا.

أبو الغيط: قادة الاحتلال يخوضون معركة داخلية على حساب دماء أطـ.فال غزةانهيار وقف إطلاق النار في غزة| وخبير: أمريكا أعطت الضوء الأخضر لاستكمال الإبادة الجماعيةجيش الاحتلال: العملية العسكرية في غزة ستقتصر على الجو والبحر ولن تشمل دخولًا بريًاالجيل: تجدد العدوان الإسرائيلي على غزة انتهاك صارخ لكل المواثيق الدولية


وجاء أيضًا أن أكثر من 1000 شهيد وجريح في مجزرة إسرائيلية بحق الشعب الفلسطيني، وإسرائيل تضرب الجهود الدولية التي تهدف إلى تثبيت التهدئة.


وقال الدكتور شفيق التلولي كاتب وباحث سياسي فلسطيني، إنّ العالم يشاهد جرائم الاحتلال الإسرائيلي دون تحرك حقيقي، موضحًا: "العالم ينظر بعين واحدة، وهي العين التي تدعم هذا الاحتلال اللعين الذي قتل بدم بارد أكثر من 200 فلسطيني في أجواء رمضانية يحيطها الجوع الذي يفتك بقطاع غزة منذ بدء رمضان تحت الحصار الشديد».

وأضاف «التلولي»، في مداخلة هاتفية عبر قناة «القاهرة الإخبارية»، أنّ الولايات المتحدة الأمريكية تطلق العنان لهذا الاحتلال كي يقتل المدنيين بهذه الوحشية، وهو ما يؤكد أن العالم غير قادر على لجم هذا الاحتلال المنفلت من كل عقال.

وتابع الكاتب والباحث السياسي الفلسطيني، أنّه لا أمان في ظل هذا الاحتلال وفي ظل عدم لجمه ووقفه فورا ووقف تلك الحرب الوحشية، لافتًا، إلى أن الحرب لم تتوقف عن قطاع غزة سوى أيام قليلة، ولكن الاحتلال طالما اخترق الاتفاق وقتل الفلسطينيين في قطاع غزة ولم يلتزم بكل التعهدات التي نص عليها الاتفاق.

مقالات مشابهة

  • "الخارجية الفلسطينية": استهداف إسرائيل مكتب تابع للأمم المتحدة في غزة جريمة حرب
  • سر طبق رونالدو الذي يستعد به لكأس العالم 2026
  • صور من جريمة العدوان الأمريكي الذي استهدف مبنى المجمع الحكومي بمديرية الحزم في الجوف
  • مصر أكتوبر: كسر الاحتلال للهدنة والاعتداء على أهالي غزة جريمة بحق الإنسانية
  • أكثر من 1000 شهيد وجريح في جريمة إسرائيلية بحق الشعب الفلسطيني
  • ما هي الممرات المائية التي تسعى أمريكا للسيطرة عليها بالشرق الأوسط؟
  • الخارجية الفلسطينية: نطالب بتدخل دولي عاجل لوقف جريمة الإبادة وتهجير شعبنا في غزة
  • ‏اليمنيون أبناء الموت الذي لا يموت
  • لقطات لبعض الذخائر والأسلحة والحبوب المخدرة التي عثرت عليها قوات الجيش داخل أوكار ميليشيا حزب الله بقرية حوش السيد علي بريف القصير غرب حمص
  • وزير خارجية مصر يكشف عن بدء تدريب الشرطة الفلسطينية التي ستدخل إلى غزة