إنكار المحرقة الفلسطينية جريمةٌ والصمت عنها شراكةٌ
تاريخ النشر: 18th, July 2024 GMT
في ظلال #طوفان_الأقصى “92”
إنكار #المحرقة_الفلسطينية جريمةٌ والصمت عنها شراكةٌ
بقلم د. #مصطفى_يوسف_اللداوي
إنها المحرقة الحقيقية التي لا يمكن إنكارها، ولا يستطيع عاقلٌ تجاوزها أو الصمت عليها، أو تبريرها والموافقة عليها، أو الاكتفاء بمشاهدة فصولها وإحصاء ضحاياها، فمن ينكرها ليس إنساناً ولا ينتمي إلى عالم البشر، ومن يرتكبها حتماً ليس بشراً ولا إنساناً ولا ينتمي إلى عالمنا، وهو يكذب عندما يدعي الحضارة والحداثة والتمدن، ويكذب أكثر عندما يصف جيشه بأنه الأكثر أخلاقيةً في العالم، بينما هو مستغرقٌ في سفك الدماء وقتل الأبرياء وإبادة السكان وتدمير مقومات حياتهم، بل إن الحيوانات تربأ بنفسها أن تقوم بمثل هذه المجازر وترتكب هذه المذابح، التي لا يقوم بها إلا الساديون المرضى، العفنة نفوسهم والحاقدة قلوبهم، المنحرفة فطرتهم، والمعوجة طبيعتهم.
المحرقة التي يشهدها العالم اليوم ويراقبها بصمتٍ، ويقف تجاه ضحاياها بعجزٍ مخزٍ، وينصر مرتكبها بدونيةٍ مقرفةٍ، أطرافها معروفون، ومكانها معلن، وحوادثها تنقل على الهواء مباشرةً، والأسلحة التي يستخدمها المعتدون، تشحن إليهم كل يومٍ من مرافئ “المتباكين” على الشعب الفلسطيني، وهم يعلمون أنها تحرق الفلسطينيين وتقتلهم، وتحول حياتهم إلى جحيمٍ لا يطاق، وتحيل أماكن إيوائهم ومعسكرات إقامتهم إلى محارق حقيقية، وأفران تصنعها الصهيونية، وتديرها وتشرف عليها قوى دولية، مما يجعل من هذه الحرب المدمرة محرقة العصر الحقيقية، التي لن يستطيع الزمن شطبها، ولن تتمكن الإنسانية من نسيانها.
هذه المحرقة المهولة، التي يستخدم فيها العدو الإسرائيلي أحدث القنابل الأمريكية المدمرة، التي تزن آلاف الأرطال وتلقيها الطائرات الحربية الحديثة، وغيرها التي تدك الأرض وتزلزلها، وتخترقها وتقلب باطنها ظاهرها، وتحدث دماراً واسعاً في محيطٍ كبيرٍ من الأرض، وقطاعٍ واسعٍ من المناطق السكنية، فتقتل مئات الفلسطينيين، وتدفن العديد منهم في الرمال أو تحت الأنقاض، في مجازر يوميةٍ متجددة، ومذابح دمويةٍ مستمرةٍ، الأمر الذي جعل من المحرقة الفلسطينية بآلة الحرب الإسرائيلية محرقةً حقيقية، تفوق آلاف المرات المحارق التي ادعوا أنهم تعرضوا لها، وعانوا منها وحرقوا فيها.
يريد اليهود عموماً والحركة الصهيونية خصوصاً من دول العالم كله أن تعترف بالمحرقة “الهولوكوست” التي تعرضوا لها، وأن يطأطئوا الرأس أسفاً، وأن يخفضوا الصوت خجلاً، وأن يقروا بالذنب دائماً، وأن يسخروا قدراتهم للدفاع عنهم والتطهر مما ارتكبوه ضدهم، وأن يفتحوا خزائنهم لليهود عموماً وللناجين من المحرقة وعائلاتهم خصوصاً، تعويضاً لهم وعلاجاً نفسياً ومعنوياً لضحاياهم، وأن يصطفوا جميعاً تضامناً معهم وعوناً لهم، واعترافاً منهم بالمسؤولية عن هذه الجريمة، التي يرون أن العالم كله مسؤولٌ عنها، وشريكٌ فيها.
ويريدون من حكومات العالم كله أن تقيم في عواصم بلادها نصباً تذكارية للمحرقة، تشبه نصب “الفادياشيم” في القدس المحتلة، يكون رمزاً يعبر عن مأساتهم، ومقاماً يحيون فيه ذكرياتهم الحزينة، وشاهداً على مسؤولية دول العالم عن مظلمتهم، التي يجب عليها الاعتراف بالنصب، وأن تحميه بالقوة، وأن تحصنه بالقوانين والأنظمة، وأن تضفي عليه شيئاً من القداسة، فلا يمسه أحدٌ بسوءٍ، أو يطاله بنقدٍ أو تجريحٍ، وأن يحج إليه قادتها، ويتوجه إليه زوارها، ويحنون رؤوسهم على مداخله، ويضعون أمامه أكاليل الورد الرسمية التي تعبر عن عظيم أسفهم وكبير ندمهم.
ينبغي على العالم أن يكون منصفاً وموضوعياً، وأن يوحد معاييره ولا يعدد مكاييله، وأن ينظر إلى الحقائق بعين الإنسان المسؤول، وألا يزن الأشياء بميزان المصالح السياسية والمنافع والعلاقات الدولية، بل يخضعها للحق الذي لا يتعدد، وللقيم الإنسانية التي لا تتبدل، فما يحدث في فلسطين اليوم هو المحرقة بعينها، والكيان الصهيوني هو القاتل لا غيره، وهو الذي يشعل أتون المحارق ويوقد الأفران بأجساد الفلسطينيين، ولا يبالي بإلقائهم في قعره، نساءً وأطفالاً وشيوخاً ومصابين وذوي الحاجات الخاصة، لا لسببٍ إلا لأنهم فلسطينيون، يؤمنون بوطنهم، ويصرون على حقهم، ويضحون دفاعاً عن أرضهم وثباتاً في بلادهم.
ليس مجرماً من ينكر “الهولوكوست”، ولا يعترف بالأرقام اليهودية، وإن كنا لا نغمط الآخرين حقوقهم ولا نتجنى عليهم، ولا ندعوا لقتلهم أو إبادتهم وتطهير الأرض منهم، فنحن العرب والمسلمين نرفض إيذاء البشر، ومحاسبتهم على دينهم وهويتهم ولونهم وجنسهم، ونصر على حق الإنسان في الحياة الحرة الكريمة، على أرضه وفي وطنه.
لكن المجرم الظالم الذي يجب أن يحاسب ويعاقب، هو كل من ينكر مظلوميتنا، ويتجاهل معاناتنا، ولا يلتفت إلى ما يجري لنا، ولا يغضب لما يصيبنا، ولا يعنيه ما لحق بنا وبأرضنا وحقوقنا وممتلكاتنا، بينما يتمعر وجهه، ويتفجر غضباً، ويفرض القوانين ويحاسب ويعاقب كل من يحاول دراسة حقيقة “الهولوكوست”، والتثبت من الصور والتقارير، والتأكد من الضحايا والأرقام، وإنصاف المظلومين والدعوة إلى محاسبة المجرمين.
إن من حقنا نحن العرب والمسلمين وكل الأحرار وأصحاب الضمائر الحية في العالم، أن نجرم كل من ينكر مظلمتنا، ويصمت تجاه ما يتعرض له شعبنا، ويتأخر عن نصرتنا، أو يتردد في الدفاع عنا، أو يعتبر أن ما يقوم به العدو الإسرائيلي ضدنا إنما هو عملٌ مشروعٌ وفعلٌ مباح، بحجة الدفاع عن النفس وحماية السكان، فيمده بالسلاح والعتاد، ويناصره في السياسة والمؤسسات، فهم بهذا شركاؤه، يقاسمونه الجريمة، ويتحملون معه المسؤولية، ويستحقون مثله الحساب والعقاب.
بيروت في 18/7/2024
moustafa.leddawi@gmail.com
المصدر: سواليف
كلمات دلالية: طوفان الأقصى المحرقة الفلسطينية مصطفى يوسف اللداوي
إقرأ أيضاً:
روسيا: سلطات كييف «تتفاخر» بالأعمال الإرهابية التي تنفذها
أعلن مندوب روسيا الدائم لدى الأمم المتحدة، فاسيلي نيبينزيا، أن سلطات كييف تتباهى بارتكاب أعمال إرهابية وارتباطاتها بالمنظمات الإرهابية الدولية.
وقال نيبينزيا خلال اجتماع لمجلس الأمن الدولي: تتفاخر السلطات الأوكرانية بارتكاب أعمال إرهابية وارتباطاتها بشبكات إرهابية دولية.
وأشار نيبينزيا أيضا إلى أن كييف تزود الإرهابيين بمسيرات وأسلحة، وأن السلطات الأوكرانية اعترفت بشكل مباشر بالفعل بأنها ساعدت المسلحين المرتبطين بتنظيم القاعدة الإرهابي "المحظور في روسيا" الذين هاجموا القوات الحكومية في مالي.
وأضاف نيبينزيا أن أوكرانيا كانت تستخدم في السابق كقاعدة عبور للمقاتلين الإرهابيين الأجانب، لكنها تحولت الآن إلى مركز لوجستي يتم من خلاله توزيع الأسلحة الغربية الموردة لنظام كييف إلى جميع أنحاء العالم.
وفي السياق ذاته، أشار نيبينزيا إلى أن موسكو قالت منذ فترة طويلة إن الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية تدعم المتطرفين في جميع أنحاء العالم، مشيرا إلى أن هذا كان يعزى إلى الدعاية الروسية، ولكن في النهاية تبين أن كل ذلك كان صحيحًا.
وقال نيبينزيا: نحن لسنا مندهشين من الكشف الأخير عن أنشطة وكالة الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية، ولقد تحدثنا منذ فترة طويلة عن حقيقة أنها تمول المتطرفين في جميع أنحاء العالم، لقد تم إلقاء اللوم في وقت سابق على الدعاية الروسية، ولكن في النهاية تبين أن كل ذلك كان صحيحًا.
وفي وقت سابق من اليوم، أكد مندوب روسيا الدائم لدى الأمم المتحدة، فاسيلي نيبينزيا، أن نشر قوة لحفظ السلام في أوكرانيا يتطلب تفويضًا من مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، وإلا فإن مثل هذه القوات ستصبح هدفًا مشروعًا لموسكو.
وقال نيبينزيا: نظرا للإرهاق العام من الأزمة الأوكرانية، بدأت بالفعل شائعات مختلفة في الانتشار، بما في ذلك مثل هذه الشائعات الغريبة. يجب أن يكون مفهوماً بوضوح: لا يمكن لأي "قوات حفظ سلام" أن تعمل دون تفويض من مجلس الأمن الدولي.
اقرأ أيضاً«روسيا»: العلاقات الروسية الأمريكية على «وشك الانهيار»
هل ستقدم روسيا تنازلات لإنهاء الحرب مع أوكرانيا؟
روسيا: ما قامت به أوكرانيا من استهداف مدرسة داخلية يعتبر جريمة حرب