الجزيرة:
2025-04-30@23:38:46 GMT

الفاشية اللافكرية الجديدة كما فضحها أمبرتو إيكو

تاريخ النشر: 18th, July 2024 GMT

الفاشية اللافكرية الجديدة كما فضحها أمبرتو إيكو

يقدم لنا أمبرتو إيكو في كتابه "التعرّف على الفاشية"، الصادرة ترجمته إلى الفرنسية قبل أشهر عن دار غراسيت، مقالة طويلة امتدت إلى أزيد من 60 صفحة يصف فيها الفاشية من خلال 14 سمة مميزة، مؤكدا أن ظهور بعضها لا بد أن يؤدي إلى عودة "فاشية جديدة" قد تكون أكثر قسوة وأذيّة من فاشية موسوليني التي ولد في حقبتها.

ميلاد الفاشية الجديدة

الكتاب في أصله خطاب ألقاه أمبرتو إيكو باللغة الإنجليزية في جامعة كولومبيا عام 1995، بمناسبة الذكرى الخمسين لتحرير أوروبا، نشرت مقتطفات منه لاحقا في مجلة "نيويورك ريفيو أوف بوكس" الأميركية، عاد فيه إيكو بذاكرته إلى تجربته الشخصية مع الفاشية الموسولينية. فبعكس النازية لم يكن للفاشية الموسولينية أساس أيديولوجي قوي ومتماسك، ولم تُبن على فلسفة واضحة يدعمها فكر يؤسس لها، بل كانت مجرد خطاب كراهية مفرط في العنصرية لا غاية منه إلا توفير الوسائل والسبل من أجل إبقاء الداعين إليه في السلطة، عبر خلق "بعبع الآخر" الذي لا بد أن يصوّر للشعب على أنه مصدر الشر الوحيد الذي لا مفر من القضاء عليه.

كتاب "التعرّف على الفاشية" لأمبرتو إيكو صدرت ترجمته إلى الفرنسية قبل أشهر عن دار غراسيت (الجزيرة)

اللافكرية التي تتسم بها الفاشية فضلا عن خلوّها من أي بعد فلسفي أو أيديولوجي أمر يجعلها تشبه الفيروس الناشئ من القذارة السياسية، ومثل هذا الفيروس كثيرا ما ينتشر بفضل خطاب الكراهية الذي عادة ما يكون ديدن الأحزاب اليمينية المتطرفة في أوروبا خاصة، على غرار ما حدث في فرنسا مع خطاب مارين لوبان زعيمه حزب التجمع الوطني الذي كاد يكتسح الساحة الفرنسية لولا تحالف الأطياف السياسية الأخرى ضده، وهو خطاب لا يمتثل لأي نوع من المبادئ.

فمثلما أشار إيكو في كتابه إلى أن موسوليني بدأ ملحدا متشددا ثم انتهى بفتح ذراعيه لاستقبال الأساقفة الذين يباركون الرموز الفاشية، نجد لوبان في فرنسا تحالفت مع اللوبي الإسرائيلي ضد كل ما هو عربي أو مسلم من أجل الوصول إلى السلطة، رغم أنها تمثل أقصى اليمين الذي يعدّ نظريا ضد السامية، وهو ما يؤكد حقيقة أخرى ذكرها إيكو في كتابه، تتمثل في الفاشية على غرار كل فكر متطرّف، ينتشر بسهولة في أي مجتمع تتعايش فيه عناصر ذات طبيعة مختلفة في صراع مفتوح صامت في معظم الأحيان، يتميز بمطالب تكاد تكون متناقضة.

باسم الحرية.. أذبحك

يؤكد إيكو أن المناخ السياسي الأوروبي بسبب طبيعة أنظمته يوفر دائما حاضنة للفاشية الجديدة التي أصبحت مصطلحًا يتكيف مع كل شيء ومع كل وضع، لأنها في النهاية عقيدة المتعطش للسلطة الراغب في استئصال الآخر المختلف عنه، والذي يعتقد أنه السبب الأول والأخير في عرقلة مسيرة بلده. فالفاشية فيروس يتألم وفق كل نظام وأي نظام كما يقول إيكو "انزع من النظام الفاشي الإمبريالية وستحصل على فرانكو وسالازار، انزع منه الاستعمار وستحصل على الفاشية البلقانية. أضف إلى الفاشية الإيطالية معاداة الرأسمالية الراديكالية (التي لم تجذب موسوليني أبدًا) وستحصل على عزرا باوند. أضف عبادة الأساطير القلطية (التي كانت غريبة تمامًا على الفاشية الرسمية) وستحصل على واحد من أكثر المعلمين الفاشيين احترامًا، يوليوس إيفولا".

تجد لتأملات إمبرتو إيكو في الفاشية صدى فكريا قويا ليس بسبب اطلاعه وموسوعيته في الموضوع فحسب، بل أيضا لأنه عاشها من كثب، إذ وُلد تحت حكم موسوليني، وفي سن العاشرة فاز بالجائزة الأولى في ليندي يوفينيسلس، المسابقة الإجبارية التي أطلقها نظام موسوليني ليشارك فيها جميع الشباب الإيطاليين وقتئذ دون استثناء.

وعن ذلك يقول إيكو "في عام 1942، عندما كنت في العاشرة من عمري، فزت بالجائزة الأولى في مسابقة Ludi Juveniles (مسابقة بمشاركة إلزامية للشباب الفاشيين الإيطاليين، أي لجميع الشباب الإيطاليين). لقد كتبت بأسلوب بلاغي مميز عن الموضوع: هل يجب أن نموت من أجل مجد موسوليني والمصير الخالد لإيطاليا؟ وكانت إجابتي نعم. كنت فتىً صغيرًا ذكيا جدا".

اعتراف قاس ومؤلم رغم محاولة إيكو إلباسه أسلوبا ساخرا يعبّر حتما عن المرارة التي سعى من خلال كتابه "التعرف على الفاشية" أن يجنبها لجميع صغار العالم وشبابه، ممن قد ينخدعون بأنظمة بعينها وبخطاب قد يدعو في ظاهره إلى المساواة والحرية وحق الشعوب في اختيار مصيرها، لكنها في الحقيقة أنظمة تسعى لخلق عالم مستعبد وموجّه، ولعل هذا ما دفع إيكو إلى تحديد غاية كتابه في أنه محاولة لتشريح هذا النوع من الخطاب المتقلّب، من خلال إدراك حقيقة أولى تتجلى في أن "الفاشية البدائية المتمثلة في فاشية موسوليني يمكن أن تعود تحت أشكال تبدو بريئة. واجبنا هو كشفها والإشارة إلى كل شكل جديد لها كل يوم، في كل جزء من العالم"، كما يقول إيكو.

أمبرتو إيكو كتب عام 1995 مقال "الفاشية الدائمة" حيث أدرج إيكو 14 خاصية يعتقد أنها تشمل الأيديولوجيات الفاشية (غيتي) السمات الـ14 للفاشية

تغيير الفاشية لشكلها لا يعني استحالة كشفها، بل إنها رغم طابعها الحربائي تشترك في جميع أشكالها، حتى تلك التي لم تظهر بعد، في 14 سمة يعتقد إيكو أنها تمثل جوهر كل نظام فاشي، وهي: عبادة التقاليد، رفض الحداثة بالمطلق، اللاعقلانية، رفض النقد والفكر النقدي، الخوف من التنوّع، العمل على إحباط الطبقات الوسطى، تصوير الخصوم كأعداء بقوة مفرطة يمكن هزيمتهم، تكريس فكرة الحرب الدائمة وضرورة الاستعداد لها دائما، تكريس الفكر الشعبوي والعمل على تبرير احتقار كل طبقة للطبقة التي تخضع لها، ابتكار بطولات جماهيرية ولو وهمية، استعمال الخطاب السهل الشعبوي في مخاطبة الشعب، تقديس ما يسمى بالزعامة والرجولة، إعمال "الشعبوية النوعية" في مواجهة إنكار الحقوق الفردية.

تظهر أهمية كتاب أمبرتو إيكو "التعرّف على الفاشية" في إعادة بعث حقيقة أصبح الإعلام الغربي يتلاعب بها ويُلبسها كثيرا من الغموض، تتمثل في أن الحرية والتحرّر واجبان لا يملكان تاريخ انتهاء صلاحية، بل مستمران ما دامت المظالم مستمرة، ليس على مستوى الأفراد فحسب، بل أيضا على مستوى شعوب برمتها.

ولعل أبرز مثال في القرن العشرين والقرن الحالي هو الشعب الفلسطيني وطريقة تعامل الإعلام الغربي معه، فالحرية والتحرر مصطلحان يفقدان معناهما تماما كلما ذكرت فلسطين، بل حتى الإبادة الجماعية التي يتعرض لها هذا الشعب والمستمرة يوميا لم تعد تشغل بال الغرب وأنظمته في أغلبها، التي في سياستها تجاهه تتبنّى عن إدراك أو من دونه العديد من السمات التي ذكرها إيكو في كتابه بخصوص الأنظمة الفاشية، وهي بلا شك تناصر الكيان الأكثر فاشية في العالم، وتسمح له ليس بصمتها فحسب بل بأسلحتها أيضا أن يمارس بحق الفلسطينيين أقذر ما يمكن ممارسته من تقتيل وإبادة واغتصاب وغيرها من جرائم حرب.

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: حراك الجامعات حريات ف على الفاشیة إیکو ف

إقرأ أيضاً:

تصريحات البرهان حول «اللساتك» تثير غضب ثوار ديسمبر في السودان

 

في خطاب أثار جدلاً واسعاً داخل الأوساط السودانية أعلن قائد الجيش السوداني الفريق أول عبد الفتاح البرهان أنه «لا مجد بعد اليوم للساتك» في إشارة رمزية إلى الأسلوب الذي اتبعه الثوار خلال ثورة ديسمبر المجيدة التي أطاحت بنظام البشير في أبريل 2019 إذ كان المحتجون يحرقون إطارات السيارات المعروفة محليا بـ « اللساتك » لمنع تقدم القوات الأمنية نحو مواقع التجمعات السلمية للمواكب.

التغيير – كمبالا

هذا التصريح الذي أتى في وقت يشهد فيه السودان حرباً دامية منذ أبريل 2023 بين الجيش وقوات الدعم السريع و الذي اعتبره العديد من السودانيين استفزازاً صريحاً لثورتهم التي ما زالوا يرونها حية في الوجدان وفي الميدان رغم تعقيدات الحرب وانقسام الجغرافيا والسياسة.

و عقب الخطاب اجتاحت وسائل التواصل الاجتماعي موجة من الغضب والرفض عبر خلالها العديد من النشطاء والمواطنين عن استيائهم من محاولة تقزيم رمزية نضالهم السلمي ومقايضته بالبندقية التي يعتبرونها سببا في إراقة دماء السودانيين وتدمير البلاد بسبب الحرب الحالية.

و كتب أمجد جعفر أحد نشطاء ثورة ديسمبر معلقاً: “عندما يقال إن المجد للبندقية وليس للساتك فهذه ليست مجرد عبارة بل إعلان صريح لانحياز كامل للعنف على حساب إرادة الناس فالساتك لم تكن أداة تخريب بل كان رمزية واضحة لاحتجاج شعبي سلمي في وجه الاستبداد و دخان اللساتك لم يكن عبثا بل صوتا مبحوحا ينادي بالعدالة والحرية أما البندقية فمكانها الطبيعي هو حماية الوطن لا حكمه”.

و من جانبها اعتبرت مها سليمان أن ربط المجد بالبندقية هو انقلاب على الإرادة الوطنية، مضيفة بحدة “إن البندقية التي لا ترجع لنا حلايب وشلاتين وأبورماد لا تمثلهم كشعب سوداني حر لأن البندقية التي توجه ضد المدنيين ليست بندقية مجد بل أداة قمع وإذلال”.

و في السياق ذاته ذكرت آنان محمد بأن اللساتك كانت وسيلة للبقاء قائلة :”لو لا الساتك ما كنا قادرين نقول كلامنا ونوصل صوتنا و من متى كان المجد للحرب؟ المجد دائما للسلام”.

أما وضاح الصديق ذهب إلى أبعد من ذلك معتبرا أن البرهان يستلهم خطابه من الرئيس المعزول عمر البشير وقال “إن عبارة المجد للبندقية هي اقتباس مباشر من خطابات المعزول الجماهيرية و يبدو أن البرهان مفتون بذات الخطاب الرجولي الذي استخدمه البشير في لحظاته الأخيرة”.

و وصف نور بابكر خطاب البرهان بأنه «سقوط القناع » وكتب قائلا “البرهان لا يخشى البندقية فهي لعبته وأداته لكنه يخشى صوت الجماهير لذلك يسعى لطمس رموز المقاومة السلمية و لكننا نقول الساتك ستعود والهتاف سيعود والمجد للشهداء”.

و في حين نوه كباكا محمد على تبعات العسكرة قائلا “سبعون عاما ونحن نحمل السلاح في وجه بعض ولم نجني سوى التراجع والدمار والانقسام فالمجد لا يكون بالبندقية بل بالعدالة والتنمية والتعليم ونهضة المواطن”.

بينما قال محمد كاربينوا  “إن البرهان الذي كان يناشد التفاوض أيام البدروم عاد اليوم ليمجد البندقية وهكذا دائما الطغاة يتحدثون عن الحرب وهم في مأمن بينما يدفع الشعب الثمن”.

و يرى مراقبون أن خطاب البرهان الأخير ليس فقط محاولة لتحوير سردية ثورة السودانين بل يعكس عمق الأزمة داخل المؤسسة العسكرية في السودان إذ تحاول استعادة زمام المبادرة في وقت يتسع فيه نطاق الحرب وتزداد فيه الضغوط الإقليمية والدولية.

و على الرغم من محاولات التشويه والتقليل من رموز الحراك السلمي يرى كثير من السودانيين أن ثورة ديسمبر لم تكن لحظة عابرة بل ميلادا لوعي جديد يصعب قمعه حتى في ظل الحرب.

الوسومالبرهان البندقية الثورة المجد للساتك

مقالات مشابهة

  • امرأة تقاطع ترامب خلال خطاب مرور 100 يوم على عودته للبيت الأبيض.. هكذا رد (شاهد)
  • تصريحات البرهان حول «اللساتك» تثير غضب ثوار ديسمبر في السودان
  • المجد للبندقية التي حرست المواطن ليعود الى بيته الذي كانت قحت تبرر للجنجويد احتلاله
  • الخطاب الديني: رؤية حضارية واستراتيجية.. مشاتل التغيير (16)
  • المشهد اليمني الذي يشبهُ غزة
  • خطاب قاسم: برنامج سياسي عنوانه بناء الدولة
  • وزير الأوقاف : نحمي الشباب من دعاوى التشكيك عبر خطاب ديني مستنير
  • الماضي الذي يأسرنا والبحار التي فرقتنا تجربة مُزنة المسافر السينمائية
  • شاب يروي قصة حزينة عن أخيه الذي توفي قبل استلام سيارته الجديدة.. فيديو
  • حميد برادة يكشف أسراره في لقاء في معرض الكتاب بمناسبة صدور كتابه "انطولوجيا الحوارات الصحافية"