الجزيرة:
2024-08-31@09:56:02 GMT

الفاشية اللافكرية الجديدة كما فضحها أمبرتو إيكو

تاريخ النشر: 18th, July 2024 GMT

الفاشية اللافكرية الجديدة كما فضحها أمبرتو إيكو

يقدم لنا أمبرتو إيكو في كتابه "التعرّف على الفاشية"، الصادرة ترجمته إلى الفرنسية قبل أشهر عن دار غراسيت، مقالة طويلة امتدت إلى أزيد من 60 صفحة يصف فيها الفاشية من خلال 14 سمة مميزة، مؤكدا أن ظهور بعضها لا بد أن يؤدي إلى عودة "فاشية جديدة" قد تكون أكثر قسوة وأذيّة من فاشية موسوليني التي ولد في حقبتها.

ميلاد الفاشية الجديدة

الكتاب في أصله خطاب ألقاه أمبرتو إيكو باللغة الإنجليزية في جامعة كولومبيا عام 1995، بمناسبة الذكرى الخمسين لتحرير أوروبا، نشرت مقتطفات منه لاحقا في مجلة "نيويورك ريفيو أوف بوكس" الأميركية، عاد فيه إيكو بذاكرته إلى تجربته الشخصية مع الفاشية الموسولينية. فبعكس النازية لم يكن للفاشية الموسولينية أساس أيديولوجي قوي ومتماسك، ولم تُبن على فلسفة واضحة يدعمها فكر يؤسس لها، بل كانت مجرد خطاب كراهية مفرط في العنصرية لا غاية منه إلا توفير الوسائل والسبل من أجل إبقاء الداعين إليه في السلطة، عبر خلق "بعبع الآخر" الذي لا بد أن يصوّر للشعب على أنه مصدر الشر الوحيد الذي لا مفر من القضاء عليه.

كتاب "التعرّف على الفاشية" لأمبرتو إيكو صدرت ترجمته إلى الفرنسية قبل أشهر عن دار غراسيت (الجزيرة)

اللافكرية التي تتسم بها الفاشية فضلا عن خلوّها من أي بعد فلسفي أو أيديولوجي أمر يجعلها تشبه الفيروس الناشئ من القذارة السياسية، ومثل هذا الفيروس كثيرا ما ينتشر بفضل خطاب الكراهية الذي عادة ما يكون ديدن الأحزاب اليمينية المتطرفة في أوروبا خاصة، على غرار ما حدث في فرنسا مع خطاب مارين لوبان زعيمه حزب التجمع الوطني الذي كاد يكتسح الساحة الفرنسية لولا تحالف الأطياف السياسية الأخرى ضده، وهو خطاب لا يمتثل لأي نوع من المبادئ.

فمثلما أشار إيكو في كتابه إلى أن موسوليني بدأ ملحدا متشددا ثم انتهى بفتح ذراعيه لاستقبال الأساقفة الذين يباركون الرموز الفاشية، نجد لوبان في فرنسا تحالفت مع اللوبي الإسرائيلي ضد كل ما هو عربي أو مسلم من أجل الوصول إلى السلطة، رغم أنها تمثل أقصى اليمين الذي يعدّ نظريا ضد السامية، وهو ما يؤكد حقيقة أخرى ذكرها إيكو في كتابه، تتمثل في الفاشية على غرار كل فكر متطرّف، ينتشر بسهولة في أي مجتمع تتعايش فيه عناصر ذات طبيعة مختلفة في صراع مفتوح صامت في معظم الأحيان، يتميز بمطالب تكاد تكون متناقضة.

باسم الحرية.. أذبحك

يؤكد إيكو أن المناخ السياسي الأوروبي بسبب طبيعة أنظمته يوفر دائما حاضنة للفاشية الجديدة التي أصبحت مصطلحًا يتكيف مع كل شيء ومع كل وضع، لأنها في النهاية عقيدة المتعطش للسلطة الراغب في استئصال الآخر المختلف عنه، والذي يعتقد أنه السبب الأول والأخير في عرقلة مسيرة بلده. فالفاشية فيروس يتألم وفق كل نظام وأي نظام كما يقول إيكو "انزع من النظام الفاشي الإمبريالية وستحصل على فرانكو وسالازار، انزع منه الاستعمار وستحصل على الفاشية البلقانية. أضف إلى الفاشية الإيطالية معاداة الرأسمالية الراديكالية (التي لم تجذب موسوليني أبدًا) وستحصل على عزرا باوند. أضف عبادة الأساطير القلطية (التي كانت غريبة تمامًا على الفاشية الرسمية) وستحصل على واحد من أكثر المعلمين الفاشيين احترامًا، يوليوس إيفولا".

تجد لتأملات إمبرتو إيكو في الفاشية صدى فكريا قويا ليس بسبب اطلاعه وموسوعيته في الموضوع فحسب، بل أيضا لأنه عاشها من كثب، إذ وُلد تحت حكم موسوليني، وفي سن العاشرة فاز بالجائزة الأولى في ليندي يوفينيسلس، المسابقة الإجبارية التي أطلقها نظام موسوليني ليشارك فيها جميع الشباب الإيطاليين وقتئذ دون استثناء.

وعن ذلك يقول إيكو "في عام 1942، عندما كنت في العاشرة من عمري، فزت بالجائزة الأولى في مسابقة Ludi Juveniles (مسابقة بمشاركة إلزامية للشباب الفاشيين الإيطاليين، أي لجميع الشباب الإيطاليين). لقد كتبت بأسلوب بلاغي مميز عن الموضوع: هل يجب أن نموت من أجل مجد موسوليني والمصير الخالد لإيطاليا؟ وكانت إجابتي نعم. كنت فتىً صغيرًا ذكيا جدا".

اعتراف قاس ومؤلم رغم محاولة إيكو إلباسه أسلوبا ساخرا يعبّر حتما عن المرارة التي سعى من خلال كتابه "التعرف على الفاشية" أن يجنبها لجميع صغار العالم وشبابه، ممن قد ينخدعون بأنظمة بعينها وبخطاب قد يدعو في ظاهره إلى المساواة والحرية وحق الشعوب في اختيار مصيرها، لكنها في الحقيقة أنظمة تسعى لخلق عالم مستعبد وموجّه، ولعل هذا ما دفع إيكو إلى تحديد غاية كتابه في أنه محاولة لتشريح هذا النوع من الخطاب المتقلّب، من خلال إدراك حقيقة أولى تتجلى في أن "الفاشية البدائية المتمثلة في فاشية موسوليني يمكن أن تعود تحت أشكال تبدو بريئة. واجبنا هو كشفها والإشارة إلى كل شكل جديد لها كل يوم، في كل جزء من العالم"، كما يقول إيكو.

أمبرتو إيكو كتب عام 1995 مقال "الفاشية الدائمة" حيث أدرج إيكو 14 خاصية يعتقد أنها تشمل الأيديولوجيات الفاشية (غيتي) السمات الـ14 للفاشية

تغيير الفاشية لشكلها لا يعني استحالة كشفها، بل إنها رغم طابعها الحربائي تشترك في جميع أشكالها، حتى تلك التي لم تظهر بعد، في 14 سمة يعتقد إيكو أنها تمثل جوهر كل نظام فاشي، وهي: عبادة التقاليد، رفض الحداثة بالمطلق، اللاعقلانية، رفض النقد والفكر النقدي، الخوف من التنوّع، العمل على إحباط الطبقات الوسطى، تصوير الخصوم كأعداء بقوة مفرطة يمكن هزيمتهم، تكريس فكرة الحرب الدائمة وضرورة الاستعداد لها دائما، تكريس الفكر الشعبوي والعمل على تبرير احتقار كل طبقة للطبقة التي تخضع لها، ابتكار بطولات جماهيرية ولو وهمية، استعمال الخطاب السهل الشعبوي في مخاطبة الشعب، تقديس ما يسمى بالزعامة والرجولة، إعمال "الشعبوية النوعية" في مواجهة إنكار الحقوق الفردية.

تظهر أهمية كتاب أمبرتو إيكو "التعرّف على الفاشية" في إعادة بعث حقيقة أصبح الإعلام الغربي يتلاعب بها ويُلبسها كثيرا من الغموض، تتمثل في أن الحرية والتحرّر واجبان لا يملكان تاريخ انتهاء صلاحية، بل مستمران ما دامت المظالم مستمرة، ليس على مستوى الأفراد فحسب، بل أيضا على مستوى شعوب برمتها.

ولعل أبرز مثال في القرن العشرين والقرن الحالي هو الشعب الفلسطيني وطريقة تعامل الإعلام الغربي معه، فالحرية والتحرر مصطلحان يفقدان معناهما تماما كلما ذكرت فلسطين، بل حتى الإبادة الجماعية التي يتعرض لها هذا الشعب والمستمرة يوميا لم تعد تشغل بال الغرب وأنظمته في أغلبها، التي في سياستها تجاهه تتبنّى عن إدراك أو من دونه العديد من السمات التي ذكرها إيكو في كتابه بخصوص الأنظمة الفاشية، وهي بلا شك تناصر الكيان الأكثر فاشية في العالم، وتسمح له ليس بصمتها فحسب بل بأسلحتها أيضا أن يمارس بحق الفلسطينيين أقذر ما يمكن ممارسته من تقتيل وإبادة واغتصاب وغيرها من جرائم حرب.

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: حراك الجامعات حريات ف على الفاشیة إیکو ف

إقرأ أيضاً:

ميزة جديدة طال انتظارها في واتساب: تعرف على التحديث الذي يعزز الخصوصية والأمان لملايين المستخدمين

في عالم التكنولوجيا الذي يتطور بشكل سريع، يستمر تطبيق واتساب، أحد أشهر تطبيقات المراسلة الفورية عالميًا، في تقديم ميزات جديدة تهدف لتحسين تجربة المستخدم وتعزيز الخصوصية، وقد أعلن واتساب مؤخرًا عن ميزة جديدة ينتظرها ملايين المستخدمين بفارغ الصبر، تعزز من حماية البيانات الشخصية وتضيف طبقة جديدة من الأمان إلى حساباتهم.

تفاصيل الميزة الجديدة في واتساب: إخفاء اسم المستخدم وتعزيز الحماية

تأتي الميزة الجديدة في إطار سعي واتساب لتعزيز خصوصية المستخدمين بشكل أكبر، حيث تتيح للمستخدمين إمكانية إخفاء اسم المستخدم من الملف الشخصي، وهنا أهم النقاط حول الميزة:

إخفاء اسم المستخدم عن الغرباء:
تتيح هذه الميزة للمستخدمين اختيار اسم مستخدم بدلًا من رقم الهاتف، ما يعزز مستوى حماية البيانات الشخصية، لن يتمكن المستخدمون الجدد من الاطلاع على اسم المستخدم إلا عبر قسم الملف الشخصي، بينما ستظل جهات الاتصال الحالية قادرة على رؤية رقم الهاتف.

إضافة طبقة إضافية من الأمان باستخدام اسم المستخدم ورقم التعريف الشخصي (PIN):
يوفر واتساب خيارًا متقدمًا يتيح للأشخاص إنشاء اسم مستخدم مرتبط برقم تعريف شخصي مكون من أربعة أرقام، ما يعني أنه لن يتمكن أي شخص من الاتصال بالمستخدم عبر واتساب إلا إذا كان يمتلك كلًا من اسم المستخدم ورقم التعريف الشخصي.

تعزيز الأمان ضد المتطفلين:
حتى لو كان لدى شخص ما رقم هاتفك، لن يتمكن من الوصول إلى حسابك دون معرفة رقم التعريف الشخصي الصحيح، هذه الميزة تمثل خطوة مهمة لتعزيز أمان الحسابات وحماية المحادثات من المتطفلين.

طريقة تثبيت تطبيق واتساب: دليل المستخدم على أنظمة التشغيل المختلفة

ولتتمكن من الاستفادة من الميزة الجديدة، يجب التأكد من تحديث تطبيق واتساب إلى أحدث إصدار، وفيما يلي خطوات تثبيت التطبيق على الأجهزة المختلفة:

تثبيت واتساب على أجهزة Android:افتح متجر Google Play عبر النقر على الأيقونة الخاصة به.في شريط البحث، اكتب "واتساب" أو "WhatsApp" واضغط على أيقونة البحث.اختر التطبيق الرسمي "WhatsApp Messenger" من تطوير WhatsApp LLC.اضغط على زر "تثبيت" لتنزيل التطبيق وتثبيته.بعد اكتمال التثبيت، اضغط على "فتح" واتباع التعليمات على الشاشة لإعداد حسابك، بما في ذلك إدخال رقم هاتفك وتأكيده.تثبيت واتساب على أجهزة iOS (iPhone):افتح متجر App Store بالنقر على الأيقونة الخاصة به.في شريط البحث، اكتب "واتساب" واضغط على "بحث".اختر التطبيق الرسمي واضغط على "Get" أو "الحصول".قد يُطلب منك إدخال كلمة مرور Apple ID أو استخدام Face ID أو Touch ID لتأكيد التنزيل.بعد اكتمال التثبيت، اضغط على أيقونة واتساب لفتح التطبيق واتباع التعليمات لإعداد حسابك.تحسين تجربة المستخدم مع الخصوصية:

الميزة الجديدة في واتساب تقدم حلًا مثاليًا للراغبين في تعزيز أمان حساباتهم وحماية بياناتهم من المتطفلين، باستخدام اسم المستخدم بدلًا من رقم الهاتف، مع توفير حماية إضافية برقم التعريف الشخصيـ، وتعد هذه الخطوة ستعزز من ثقة المستخدمين في استخدام التطبيق بأمان وخصوصية أكبر.

الكلمات المفتاحية المهمة: 

مقالات مشابهة

  • أسرار في حياة ويجز.. نجم حفل ختام مهرجان العلمين الجديدة الليلة
  • أنصار غزة يقاطعون خطاب هاريس مرارا في جورجيا.. بماذا ردت؟ (شاهد)
  • لجنة رقابة ميتا تبحث في المنشورات المعادية لمجتمع الميم
  • طرح كليب مصطفى قمر «صناعة مصرية» بتوقيع المخرجة بتول عرفة غدا
  • «خطاب» تستقبل وفداً من «الخارجية الدنماركية» لبحث التعاون المشترك في حقوق الإنسان
  • الجديدة..شرطي يطلق النار لإنهاء عربدة أب وابنه بالشارع العام
  • ميزة جديدة طال انتظارها في واتساب: تعرف على التحديث الذي يعزز الخصوصية والأمان لملايين المستخدمين
  • الزمالك ينتظر خطاب الفيفا برفع الإيقاف عن القيد
  • أمن الجديدة يطلق الرصاص لتوقيف جانح عرض حياة المواطنين للخطر
  • برلماني عن الإجراءات الجنائية: العدالة الجنائية حجر الأساس في بناء الجمهورية الجديدة