الجزيرة:
2024-12-24@14:09:13 GMT

الفاشية اللافكرية الجديدة كما فضحها أمبرتو إيكو

تاريخ النشر: 18th, July 2024 GMT

الفاشية اللافكرية الجديدة كما فضحها أمبرتو إيكو

يقدم لنا أمبرتو إيكو في كتابه "التعرّف على الفاشية"، الصادرة ترجمته إلى الفرنسية قبل أشهر عن دار غراسيت، مقالة طويلة امتدت إلى أزيد من 60 صفحة يصف فيها الفاشية من خلال 14 سمة مميزة، مؤكدا أن ظهور بعضها لا بد أن يؤدي إلى عودة "فاشية جديدة" قد تكون أكثر قسوة وأذيّة من فاشية موسوليني التي ولد في حقبتها.

ميلاد الفاشية الجديدة

الكتاب في أصله خطاب ألقاه أمبرتو إيكو باللغة الإنجليزية في جامعة كولومبيا عام 1995، بمناسبة الذكرى الخمسين لتحرير أوروبا، نشرت مقتطفات منه لاحقا في مجلة "نيويورك ريفيو أوف بوكس" الأميركية، عاد فيه إيكو بذاكرته إلى تجربته الشخصية مع الفاشية الموسولينية. فبعكس النازية لم يكن للفاشية الموسولينية أساس أيديولوجي قوي ومتماسك، ولم تُبن على فلسفة واضحة يدعمها فكر يؤسس لها، بل كانت مجرد خطاب كراهية مفرط في العنصرية لا غاية منه إلا توفير الوسائل والسبل من أجل إبقاء الداعين إليه في السلطة، عبر خلق "بعبع الآخر" الذي لا بد أن يصوّر للشعب على أنه مصدر الشر الوحيد الذي لا مفر من القضاء عليه.

كتاب "التعرّف على الفاشية" لأمبرتو إيكو صدرت ترجمته إلى الفرنسية قبل أشهر عن دار غراسيت (الجزيرة)

اللافكرية التي تتسم بها الفاشية فضلا عن خلوّها من أي بعد فلسفي أو أيديولوجي أمر يجعلها تشبه الفيروس الناشئ من القذارة السياسية، ومثل هذا الفيروس كثيرا ما ينتشر بفضل خطاب الكراهية الذي عادة ما يكون ديدن الأحزاب اليمينية المتطرفة في أوروبا خاصة، على غرار ما حدث في فرنسا مع خطاب مارين لوبان زعيمه حزب التجمع الوطني الذي كاد يكتسح الساحة الفرنسية لولا تحالف الأطياف السياسية الأخرى ضده، وهو خطاب لا يمتثل لأي نوع من المبادئ.

فمثلما أشار إيكو في كتابه إلى أن موسوليني بدأ ملحدا متشددا ثم انتهى بفتح ذراعيه لاستقبال الأساقفة الذين يباركون الرموز الفاشية، نجد لوبان في فرنسا تحالفت مع اللوبي الإسرائيلي ضد كل ما هو عربي أو مسلم من أجل الوصول إلى السلطة، رغم أنها تمثل أقصى اليمين الذي يعدّ نظريا ضد السامية، وهو ما يؤكد حقيقة أخرى ذكرها إيكو في كتابه، تتمثل في الفاشية على غرار كل فكر متطرّف، ينتشر بسهولة في أي مجتمع تتعايش فيه عناصر ذات طبيعة مختلفة في صراع مفتوح صامت في معظم الأحيان، يتميز بمطالب تكاد تكون متناقضة.

باسم الحرية.. أذبحك

يؤكد إيكو أن المناخ السياسي الأوروبي بسبب طبيعة أنظمته يوفر دائما حاضنة للفاشية الجديدة التي أصبحت مصطلحًا يتكيف مع كل شيء ومع كل وضع، لأنها في النهاية عقيدة المتعطش للسلطة الراغب في استئصال الآخر المختلف عنه، والذي يعتقد أنه السبب الأول والأخير في عرقلة مسيرة بلده. فالفاشية فيروس يتألم وفق كل نظام وأي نظام كما يقول إيكو "انزع من النظام الفاشي الإمبريالية وستحصل على فرانكو وسالازار، انزع منه الاستعمار وستحصل على الفاشية البلقانية. أضف إلى الفاشية الإيطالية معاداة الرأسمالية الراديكالية (التي لم تجذب موسوليني أبدًا) وستحصل على عزرا باوند. أضف عبادة الأساطير القلطية (التي كانت غريبة تمامًا على الفاشية الرسمية) وستحصل على واحد من أكثر المعلمين الفاشيين احترامًا، يوليوس إيفولا".

تجد لتأملات إمبرتو إيكو في الفاشية صدى فكريا قويا ليس بسبب اطلاعه وموسوعيته في الموضوع فحسب، بل أيضا لأنه عاشها من كثب، إذ وُلد تحت حكم موسوليني، وفي سن العاشرة فاز بالجائزة الأولى في ليندي يوفينيسلس، المسابقة الإجبارية التي أطلقها نظام موسوليني ليشارك فيها جميع الشباب الإيطاليين وقتئذ دون استثناء.

وعن ذلك يقول إيكو "في عام 1942، عندما كنت في العاشرة من عمري، فزت بالجائزة الأولى في مسابقة Ludi Juveniles (مسابقة بمشاركة إلزامية للشباب الفاشيين الإيطاليين، أي لجميع الشباب الإيطاليين). لقد كتبت بأسلوب بلاغي مميز عن الموضوع: هل يجب أن نموت من أجل مجد موسوليني والمصير الخالد لإيطاليا؟ وكانت إجابتي نعم. كنت فتىً صغيرًا ذكيا جدا".

اعتراف قاس ومؤلم رغم محاولة إيكو إلباسه أسلوبا ساخرا يعبّر حتما عن المرارة التي سعى من خلال كتابه "التعرف على الفاشية" أن يجنبها لجميع صغار العالم وشبابه، ممن قد ينخدعون بأنظمة بعينها وبخطاب قد يدعو في ظاهره إلى المساواة والحرية وحق الشعوب في اختيار مصيرها، لكنها في الحقيقة أنظمة تسعى لخلق عالم مستعبد وموجّه، ولعل هذا ما دفع إيكو إلى تحديد غاية كتابه في أنه محاولة لتشريح هذا النوع من الخطاب المتقلّب، من خلال إدراك حقيقة أولى تتجلى في أن "الفاشية البدائية المتمثلة في فاشية موسوليني يمكن أن تعود تحت أشكال تبدو بريئة. واجبنا هو كشفها والإشارة إلى كل شكل جديد لها كل يوم، في كل جزء من العالم"، كما يقول إيكو.

أمبرتو إيكو كتب عام 1995 مقال "الفاشية الدائمة" حيث أدرج إيكو 14 خاصية يعتقد أنها تشمل الأيديولوجيات الفاشية (غيتي) السمات الـ14 للفاشية

تغيير الفاشية لشكلها لا يعني استحالة كشفها، بل إنها رغم طابعها الحربائي تشترك في جميع أشكالها، حتى تلك التي لم تظهر بعد، في 14 سمة يعتقد إيكو أنها تمثل جوهر كل نظام فاشي، وهي: عبادة التقاليد، رفض الحداثة بالمطلق، اللاعقلانية، رفض النقد والفكر النقدي، الخوف من التنوّع، العمل على إحباط الطبقات الوسطى، تصوير الخصوم كأعداء بقوة مفرطة يمكن هزيمتهم، تكريس فكرة الحرب الدائمة وضرورة الاستعداد لها دائما، تكريس الفكر الشعبوي والعمل على تبرير احتقار كل طبقة للطبقة التي تخضع لها، ابتكار بطولات جماهيرية ولو وهمية، استعمال الخطاب السهل الشعبوي في مخاطبة الشعب، تقديس ما يسمى بالزعامة والرجولة، إعمال "الشعبوية النوعية" في مواجهة إنكار الحقوق الفردية.

تظهر أهمية كتاب أمبرتو إيكو "التعرّف على الفاشية" في إعادة بعث حقيقة أصبح الإعلام الغربي يتلاعب بها ويُلبسها كثيرا من الغموض، تتمثل في أن الحرية والتحرّر واجبان لا يملكان تاريخ انتهاء صلاحية، بل مستمران ما دامت المظالم مستمرة، ليس على مستوى الأفراد فحسب، بل أيضا على مستوى شعوب برمتها.

ولعل أبرز مثال في القرن العشرين والقرن الحالي هو الشعب الفلسطيني وطريقة تعامل الإعلام الغربي معه، فالحرية والتحرر مصطلحان يفقدان معناهما تماما كلما ذكرت فلسطين، بل حتى الإبادة الجماعية التي يتعرض لها هذا الشعب والمستمرة يوميا لم تعد تشغل بال الغرب وأنظمته في أغلبها، التي في سياستها تجاهه تتبنّى عن إدراك أو من دونه العديد من السمات التي ذكرها إيكو في كتابه بخصوص الأنظمة الفاشية، وهي بلا شك تناصر الكيان الأكثر فاشية في العالم، وتسمح له ليس بصمتها فحسب بل بأسلحتها أيضا أن يمارس بحق الفلسطينيين أقذر ما يمكن ممارسته من تقتيل وإبادة واغتصاب وغيرها من جرائم حرب.

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: حراك الجامعات حريات ف على الفاشیة إیکو ف

إقرأ أيضاً:

حفيد موسوليني يتسبب بأزمة في إيطاليا

أكدت وسائل إعلام إيطالية أن اتحاد الكرة المحلي سيفتح تحقيقات واسعة بسبب أزمة حدثت في دوري الدرجة الثانية.

نقلت صحيفة ليكيب الفرنسية عن مصادر إيطالية أن اللاعب رومانو فلورياني موسوليني حفيد بينيتو موسوليني الديكتاتور الإيطالي السابق، أثار الجدل في كرة القدم الإيطالية.

Salué par des saluts fascistes, le but de Romano Floriani Mussolini, arrière-petit-fils de Benito, dimanche avec la Juve Stabia en Serie B, a provoqué l'ouverture d'une procédure fédérale.
➡️ https://t.co/0m5Fy3TxwK pic.twitter.com/oMP9RO2iYg

— L'ÉQUIPE (@lequipe) December 23, 2024
وأوضحت: "أثناء مباراة يوفي ستابيا في دوري الدرجة الثانية الإيطالي ويلعب له رومانو موسوليني، ضد فريق تشيزينا سجل اللاعب أول هدف في مسيرته الاحترافية".

???????? Benito Mussolini’s great grandson Romano Mussolini scores the winning goal for Serie B side Juve Stabia.

When the announcer calls out "Romano!" the fans celebrate with a collective Roman salute.

Wholesome. I think they would shut the league down if this happened in the UK. pic.twitter.com/SYVrsvvwjE

— Keith Woods (@KeithWoodsYT) December 24, 2024
وتابعت: "ذهب رومانو إلى جماهير فريقه في المدرجات ليحتفل معها بعد الهدف وهو يشير لهم بعلامة السكوت".
وواصلت: "لكن الجمهور في المدرجات مع ذكر اسم اللاعب الأول من قبل المذيع الداخلي للملعب بعد احراز الهدف، هتف الجمهور باسم موسوليني بدلا من فلورياني، كذلك أدى الجمهور التحية الفاشية السابقة للديكتاتور الإيطالي موسوليني، وهو الأمر الذي أثار جدلاً واسعاً في الكرة الإيطالية"
وأضافت: "ما حدث ليس وليد الصدفة، ولكن له سابقة بين اللاعب وجماهير فريقه، حيث سبق وطلب رومانو من الجماهير عدم الحكم عليه كونه حفيد ديكتاتور إيطالي سابق، وأن يكون الحكم عليه فقط عبر مستواه في المباريات".
وأكملت: "كذلك طلب من الجمهور عدم ذكر اسم موسوليني عند ذكر اسمه، وأن اسمه هو رومانو فلورياني وليس رومانو موسوليني".
وانتقل رومانو البالغ من العمر 21 عاما من صفوف لاتسيو إلى يوفي ستابيا بداية الموسم الجاري على سبيل الإعارة لمدة موسم.

مقالات مشابهة

  • حفيد موسوليني يسجل هدفا والجماهير تحتفل بالتحية الفاشية
  • «موسوليني» يُثير الجدل في ملاعب إيطاليا!
  • حفيد موسوليني يتسبب بأزمة في إيطاليا
  • مباراة في الدوري الإيطالي لحفيد موسوليني تعيد الفاشية إلى الواجهة
  • لاعبو كرة القدم: تعبنا من كثرة المباريات.. وبطولة الفيفا الجديدة هي القشة التي قصمت ظهر البعير
  • حذيفة عبد الله: سوف تسقط قريباً الدعاوي “الزائفة” التي تسوق خطاب حكومة المنفى
  • عبدالله هزازي يحتفل بتوقيع كتابه “عشرون فكرة ملهمة” بمعرض جدة الدولي للكتاب
  • تسييس الجيش الإسرائيلي لتعميق هيمنة الفاشية
  • من هي أبرز الشخصيات التي تدير المشهد في سوريا الجديدة؟.. وزراء ومحافظون
  • من يكون أسعد الشيباني الذي عينته السلطات السورية الجديدة وزيرا للخارجية