تثار التساؤلات في سياق الأحداث التي شهدتها مصر منذ عام 2013 وحتى الآن، حول إمكانية محاكمة عبد الفتاح السيسي ومساعديه أمام المحكمة الجنائية الدولية بخصوص الانقلاب العسكري الذي أطاح بالرئيس المنتخب محمد مرسي، والمجازر التي وقعت خلال هذه الفترة، والتي يمكن اعتبارها جرائم ضد الإنسانية.

سأحاول استعراض الفرص والتحديات والعقبات المحتملة لمحاكمة السيسي في المحكمة الجنائية الدولية استنادا إلى الإحصائيات والبيانات المتاحة.



في تموز/ يوليو 2013، قاد وزير الدفاع آنذاك، عبد الفتاح السيسي، انقلابا عسكريا ضد الرئيس المنتخب محمد مرسي. تلت ذلك فترة من القمع الشديد ضد الرافضين للانقلاب، حيث وقعت مجازر، أبرزها مذبحة رابعة العدوية، والتي راح ضحيتها الكثير من الضحايا المتظاهرين سلميا. وفقا لتقرير منظمة "هيومن رايتس ووتش"، فإن قوات الأمن المصرية قتلت ما لا يقل عن 817 شخصا في ميدان رابعة العدوية في القاهرة في يوم واحد، وبعض المؤسسات قدّرت العدد بأنه يفوق هذا الرقم بكثير. هذا الحدث أثار موجة من الانتقادات الدولية ودعاوى للتحقيق في هذه الجرائم.

المحكمة الجنائية الدولية وصلاحياتها

تأسست المحكمة الجنائية الدولية بموجب نظام روما الأساسي في عام 2002، تختص بمحاكمة الأفراد المتهمين بارتكاب جرائم الإبادة الجماعية، والجرائم ضد الإنسانية، وجرائم الحرب، وجريمة العدوان. لمصر وضع معقد بالنسبة للمحكمة الجنائية الدولية، فمصر لم تصادق على نظام روما الأساسي، مما يعني أن المحكمة لا تمتلك ولاية تلقائية على الجرائم التي ارتكبت على أراضيها أو من قبل مواطنيها.

الفرص المتاحة لمحاكمة السيسي

1- إحالة من مجلس الأمن:

تعد إحدى الطرق لمحاكمة السيسي أمام المحكمة الجنائية الدولية هي من خلال إحالة مجلس الأمن الدولي، حيث يمتلك المجلس السلطة لإحالة القضايا إلى المحكمة الجنائية الدولية حتى في الدول غير الأعضاء في نظام روما الأساسي. هذا يتطلب موافقة تسعة من أصل خمسة عشر عضوا في المجلس، بما في ذلك عدم استخدام حق الفيتو من قبل أي من الأعضاء الدائمين.

2- إقرار من السلطات المصرية:

إذا أقرت الحكومة المصرية بنظام روما الأساسي بأثر رجعي، مما يمنح المحكمة الجنائية الدولية الولاية على الجرائم المرتكبة في الماضي. لكن هذا السيناريو غير مرجح بالنظر إلى الوضع السياسي الحالي في مصر والقبضة العسكرية على جميع مناحي الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية.

3- الضغط الدولي ومنظمات غير حكومية:

يمكن للمنظمات الحقوقية الدولية والحكومات الأجنبية ممارسة الضغط على المحكمة الجنائية الدولية للتحقيق في الجرائم المرتكبة في مصر. ولكي تؤتي هذه الضغوط ثمارها يجب أن تنظم حملات إعلامية دولية، وتحقيقات مستقلة، وتقديم الأدلة إلى المدعي العام للمحكمة.

التحديات والعقبات

1- استخدام الفيتو في مجلس الأمن:

يمكن أن تواجه أي محاولة لإحالة القضية من خلال مجلس الأمن يمكن استخدام حق الفيتو من قِبل حلفاء مصر الأقوياء، مثل الولايات المتحدة أو روسيا، مما سيعوق أي تقدم في هذا الاتجاه.

2- عدم تصديق مصر على نظام روما الأساسي:

يمثل عدم انضمام مصر لنظام روما الأساسي عقبة رئيسية أمام المحكمة الجنائية الدولية، حيث يحد من صلاحيات المحكمة في التحقيق في تلك الجرائم ومقاضاة المتسببين الأساسين بها سواء سياسيين وعسكريين.

3- الحماية السياسية:

يحظى السيسي بدعم قوي من مؤسسات الدولة المصرية، بما في ذلك الجيش والأجهزة الأمنية بمختلف أنواعها. هذا الدعم يجعل من الصعب تحقيق أي تغيير داخلي قد يسمح بالملاحقة القضائية الدولية.

4- البيئة الدولية والسياسية:

مع تزايد التوترات الوضع الدولي الراهن بين القوى العظمى والتركيز على قضايا أخرى، مثل الإرهاب والنزاعات الإقليمية مثل حرب أوكرانيا والحرب الإسرائيلية على غزة، ورغم أن السيسي لاعب أساسي في الحرب على غزة، إلا أنه يتم غض الطرف عنه، مما قد يقلل من الاهتمام الدولي بمحاكمة السيسي.

الإحصائيات والبيانات

تقدم التقارير الحقوقية إحصائيات مروعة ومفزعة حول العنف الذي أعقب الانقلاب العسكري في مصر. فتقرير "هيومان رايتس ووتش" حول مذبحة رابعة يشير إلى أن المئات قتلوا في يوم واحد، وهو ما يعد واحدة من أكبر حوادث القتل الجماعي في تاريخ مصر الحديث. بالإضافة إلى ذلك، بينما تقدر بعض منظمات حقوق الإنسان أن هناك تقديرات أن هناك آلاف الأشخاص قد قُتلوا واعتُقلوا وتعرضوا للتعذيب، وتم تنفيذ أحكام إعدام بحق مئات الرافضين للحكم العسكري.

الجهود القانونية الحالية

قدمت بعض منظمات حقوق الإنسان حتى الآن بعض الشكاوى إلى المحكمة الجنائية الدولية، لكنها لم تؤد إلى تحقيق رسمي.

وفي عام 2014، قدّمت جماعة الإخوان المسلمين ملفا إلى المحكمة الجنائية الدولية يطالب بالتحقيق في الجرائم المرتكبة، ولكن المدعي العام للمحكمة لم يفتح تحقيقا رسميا بسبب العقبات القانونية.

محاكمة عبد الفتاح السيسي ومساعديه أمام المحكمة الجنائية الدولية تظل تحديا كبيرا بسبب العقبات القانونية والسياسية. الفرص المتاحة، مثل إحالة مجلس الأمن أو إقرار السلطات المصرية، تبدو بعيدة المنال في الوقت الحالي. ومع ذلك، فإن الضغط المستمر من قبل المنظمات الحقوقية والمجتمع الدولي يمكن أن يسهم في تسليط الضوء على الانتهاكات والدفع نحو العدالة ومحاكمة السيسي على ما اقترفته يداه.

في النهاية، تظل العدالة الدولية أملا للمئات من ضحايا العنف والانتهاكات في مصر، ولكن تحقيقها يتطلب جهودا مستمرة للمؤمنين بالقضية المصرية والعاملين لها في الأوساط الدولية، سواء كانت منظمات أو لوبيات في الدول الكبري تقوم بتكوين شركات قانونية متخصصة في القانون الدولي والقضايا المماثلة للحالة المصرية، وبذلك تكون محاولة للتغلب على العقبات وتذليل الصعوبات لتحقيق آمال الكثير من المتضررين، سواء كانوا أسرا لشهداء أو معتقلين أو مختفين قسريا أو مفقودين منذ أحداث محرقة العصر؛ مجزرة رابعة.

المصدر: عربي21

كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مدونات مدونات مصر السيسي الجنائية الدولية الانتهاكات مجزرة رابعة مصر السيسي انتهاكات الجنائية الدولية مجزرة رابعة مدونات مدونات سياسة سياسة صحافة صحافة سياسة سياسة اقتصاد سياسة سياسة سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة أمام المحکمة الجنائیة الدولیة نظام روما الأساسی مجلس الأمن فی مصر

إقرأ أيضاً:

«النواب» يوافق على مواد قانون الإجراءات الجنائية المنظمة لإدارة الجلسات وحفظ النظام

وافق مجلس النواب، برئاسة المستشار الدكتور حنفي جبالي، رئيس المجلس، على المواد المنظمة لحفظ النظام في جلسة المحاكمة بقانون الإجراءات الجنائية.

وتتضمن المواد في مشروع قانون الإجراءات الجنائية المادة (240): ضبط الجلسة وإدارتها منوطان برئيسها، وله في سبيل ذلك أن يخرج من قاعة الجلسة من يخل بنظامها، فإن لم يمتثل وتمادى، يجوز للمحكمة أن تحكم على الفور بحبسه 24 ساعة أو بتغريمه خمسمائة جنيه ويكون حكمها بذلك غير جائز استئنافه، فإذا كان الإخلال قد وقع ممن يؤدي وظيفة في المحكمة كان لها أن توقع عليه أثناء انعقاد الجلسة، ما للسلطة المختصة توقيعه من الجزاءات التأديبية.

ويجوز للمحكمة إلى ما قبل انتهاء الجلسة أن ترجع عن الحكم أو القرار الذي تصدره بناء على الفقرة الأولى من هذه المادة.

ويتضمن مشروع القانون الذي ناقشه مجلس النواب اليوم المادة (241): إذا وقعت جنحة أو مخالفة في الجلسة، يجوز للمحكمة أن تقيم الدعوى على المتهم في الحال، وتحكم فيها بعد سماع أقوال النيابة العامة ودفاع المتهم.

ولا يتوقف رفع الدعوى في هذه الحالة على شكوى أو طلب، إذا كانت الجريمة من الجرائم المنصوص عليها في المواد 3، 8، 10 من هذا القانون. أما إذا وقعت جناية يصدر رئيس المحكمة أمرًا بإحالة المتهم إلى النيابة العامة دون إخلال بحكم المادة 15 من هذا القانون.

وفي جميع الأحوال يحرر رئيس المحكمة محضرًا ويأمر بالقبض على المتهم إذا اقتضى الحال ذلك.

جدل بسبب المادة 242 الخاصة بحبس المحامين

وشهدت المادة 242 الخاصة بحبس المحامين، جدلا واسعا، بعدما تقدم النائب أحمد الشرقاوي، بتعديل على نص المادة، بإضافة، عبارة: «في الجرائم الأخرى»، بعد عبارة «وذلك كله مع عدم الإخلال بحالة التلبس»؛ لتصبح «وذلك كله مع عدم الإخلال بحالة التلبس في الجرائم الأخرى» في نهاية نص المادة، وذلك للتفرقة بين حالات التلبس في أي جريمة يتم ارتكابها داخل القاعة، وبين الجرائم أو المخالفات التي تنص عليها بخصوص تسبب المحامي في الإخلال بنظام الجلسة، وهو ما رفضه المجلس، حيث وافق على نص المادة دون تعديل.

وتنص المادة (242) على: مع عدم الإخلال بالضمانات المقررة في قانون المحاماة وتعديلاته إذا وقع من المحامي أثناء قيامه بواجبه في الجلسة وبسببه ما يجوز اعتباره إخلالًا بنظام الجلسة، أو ما يستدعي مؤاخذته جنائيًا يحرر رئيس الجلسة مذكرة بما حدث. وللمحكمة إحالة المذكرة إلى النيابة العامة لإجراء التحقيق إذا كان ما وقع منه ما يستدعي مؤاخذته جنائيًا، وإلى رئيس المحكمة إذا كان ما وقع منه يستدعي مؤاخذته تأديبيًا، وتخطر النقابة الفرعية المختصة بذلك. وفي جميع الأحوال لا يجوز أن يكون رئيس الجلسة التي وقع فيها الحادث أو أحد أعضائها عضوًا في الهيئة التي تنظر الدعوى، وذلك كله مع عدم الإخلال بحالة التلبس.

كما وافق مجلس النواب على المادة (243) والتي تنص على: الجرائم التي تقع في الجلسة ولم تقم المحكمة الدعوى فيها حال انعقادها، يكون نظرها وفقا للقواعد العادية.

مقالات مشابهة

  • مجموعة حقوقية تطالب بتوسيع اختصاص «الجنائية الدولية» في السودان
  • هدد بمقاضاة ترامب أمام الجنائية الدولية.. «مرتضى منصور» يرسل إنذارًا للسفارة الأمريكية
  • أستاذ قانون دولي: الأسرى المبعدون سيدلون بشهاداتهم أمام «الجنائية الدولية»
  • بعد وصول ترامب للرئاسة.. مجلس الشيوخ الأمريكي يعرقل مشروع قانون لمعاقبة المحكمة الجنائية الدولية
  • عاجل| واشنطن بوست: يتوقع أن يبدأ مجلس الشيوخ الأمريكي اليوم التصويت على فرض عقوبات على المحكمة الجنائية الدولية
  • السودان.. الجنائية الدولية تطالب بتسليم «البشير» وتوقيف مرتكبي الجرائم في دارفور
  • السيسي: نقدر دور المحكمة الدستورية المصرية ونحرص على استقلال القضاء
  • «النواب» يوافق على مواد قانون الإجراءات الجنائية المنظمة لإدارة الجلسات وحفظ النظام
  • المحكمة الجنائية الدولية تطالب السودان بتسليم البشير
  • الجنائية الدولية تسعى لإصدار مذكرات توقيف ضد متهمين بارتكاب الجرائم في غرب دارفور