من واقعنا الجميل.. حتى في مرضها أمي علمتنا كيف نكون أقويا
تاريخ النشر: 18th, July 2024 GMT
كل كلمات الوصف لا تفي حقها، وكل عبارات الثناء قليلة في حقها، أمي هي سر من أسرار نجاحي بعد فضل المولى تعالى، هي ملهمتي وقدوتي. وجودها أمان، وحبها أعطاني الاطمئنان، ضحكتها في حد ذاتها حياة. ولا يمكنني أن أستغني عنها فهي كل الحياة..
أمي.. علمتني الصمود في صغري. وهي شابة بصحة وعافية، ولازالت تعطيني دروسا في كبري، وقد بلغت من العمر عتيا تصارع المرض بإرادة قوية.
فقد كانت حريصة جدا على مستوانا الدراسي، كبرنا وكبرت هي، تحصلنا على شهادات بفضل الله وبفضل حرصها، صار كل منا بمنصبه، ويستطيع أن يتكل على نفسه، سأعود قليلا للوراء، أمي ربتنا وهي أرملة اشتغلت بأكثر من مكان لتتمكن من الإنفاق علينا، حتى تمكنت من أن تشتري لها ماكينة خياطة وشرعت في ممارسة هواتها المفضلة التي كانت مصدر رزقنا، والحمد لله كبرنا وصارت في غنى عن تلك الحرفة، فنحن من نوفر لها الآن العيشة الكريمة والحمد لله، في فترة من حياتها بدأت صحتها تتدهور وكانت تصر أن تذهب إلى الطبيب بمفردها، لكن حالتها يوما بعد يوم كانت تزداد سوء.
وجها صار شاحبا، جسمها هزيل، وكلما تحدثنا إليها بالأمر تقول أنه الكبر، إلى أن جاء ذلك اليوم الذي استسلمت فيه للمرض ولم يعد بوسعها أن تداري وجعها، أسرعنا بها إلى المستشفى، وهنا دخلت في غيبوبة.. شعرت حينها كأن الحياة توقفت بالفعل، فلا أظنني أتحمل أي مكروه قد يصيبها، ثلاثة أيام تتنفس اصطناعيا، في اليوم الرابع يبشرنا الطبيب أنها أفاقت، وأنها بدأت تتجاوب للعلاج، صدقوني شعرت كأنني ولدت من جديد.. فهي الهواء الذي أتنفس.
وهي القوة التي بها أصارع الحياة، والحمد لله عادت أمي تمارس أمومتها وحنيتها معنا، تسأل عن هذا، وتتصل بذاك، وتلاعب أحفادها، وأنا أقف متعجبة في دهشة من أمري، فحتى ضعفها أعطاني درسا وأنا التي أحظى بالهبة ومنصب محترم، ولكمة مسموعة مع أطفالي، أمي سيدة في الثمانينات من عمرها لاتزال صامدة ومتماسكة، حاربت المرض وبدأت تتعافى..
أتساءل كيف لدموعنا لم تجف؟ وهي تبتسم، خارت قوانا، وهي على سرير المرض لا تزال تمدنا من حنانها، بدأت بالتفاعل معنا والسؤال على أحوالنا كل باسمه، لا وبل وعدتنا أنها وبمجرد الخروج من المستشفى أنها ستخيط لكل منا شيء وتقدمه هدية له..
فعن أي حب نتحدث؟ وأي قوة نملك؟ عجوز لا هدف لها لتصارع من أجله سوى أولادها، حقا هذا الدرس جعلني أشعر وكأني أحتاج ولو جزء بسيط من قوتها، فأمي أثبت لي أنها الأقوى والأشجع، فحتى في مرضها أعطتني القوة، ودرسا في الصمود..
فاللّهم أحفظ لنا جميع أمهاتنا وأجعلهم خير سند لنا على مر العمر..
أختكم صبرينة من شرق البلاد.
إضغط على الصورة لتحميل تطبيق النهار للإطلاع على كل الآخبار على البلاي ستور
المصدر: النهار أونلاين
إقرأ أيضاً:
ديسمبر كانت ثورة للغباء السياسي وسيادة روح القطيع.. لا نريد تكرار التجربة
من السذاجة البحث عن تطابق بنسبة 100 في كل المواقف داخل أي تحالف أو اصطفاف سياسي. التحالفات السياسية القوية والتي لها القدرة على الاستمرار لأطول وقت هي التحالفات التي تسمح بوجود التباينات والاختلافات وتستطيع التعامل معها.
هذه بديهيات، ولكن دائما في لحظات الاحتشاد الشعبي مثل الثورة أوالحرب يتم النظر إلى أي اختلاف سياسي على أنه نهاية العالم. وذلك لسبب واصح هو سيادة عقلية القطيع: كلنا في معسكر واحد ولا يوجد آخر ونحن الحقيقة المطلقة.
من الذي لا يعرف وجود اختلافات سياسية ضمن معسكر الجيش؟
– الحمقى!
الخطوط العريضة التي جمعت الناس في صف واحد ضد الجنجويد في حربهم على الدولة هي المحافظة على سلامة ووحدة وسيادة البلد، وهذا اصطفاف أملته غريزة الدفاع عن النفس أكثر من أي توافق سياسي. وطبيعي أن أطراف عديدة داخل هذه المعسكر لها منطلقات مختلفة ومتنباينة ولكنها في النهاية كلها ضد معسكر الجنجويد لأسباب موضوعية (أو حتى لأسباب غير موضوعية) أو لنقل حتى لأطماع ذاتية. هذه هي السياسية بكل بساطة؛ أنت قد تتحالف مع عدو ضد عدو أكبر، أين الغرابة في هذا؟
شخصيا لا أرى أن القوى الموجودة في معسكر السيادة الوطنية وتقاتل الآن صفا واحدا ضد الجنجويد بينها عداوات أو ما شابه، فهي قوى تجمعها مشتركات حقيقية وبوعي سياسي حقيقي، ومع ذلك فهناك اختلافات وتباينات سياسية بينها وهو أمر طبيعي في منتهى الطبيعية، العكس هو الغير طبيعي.
صحيح في زمن الحرب يحاول الناس الابتعاد عن كل ما يضعف الجبهة الداخلية، ولكن الجبهة الداخلية تكون أقوى حينما يكون هناك وعي سياسي مرن ومنفتح قادر على تقبل الاختلافات والتعايش معها والمضي للأمام في نفس الوقت.
خطأ ثورة ديسمبر لا يجب أن يتكرر. ديسمبر كانت ثورة للغباء السياسي وسيادة روح القطيع. لا نريد تكرار التجربة.
حليم عباس
إنضم لقناة النيلين على واتساب