أزمات عملات وتضخم.. أفريقيا تتشدد ماليا بينما يتجه العالم للتيسير
تاريخ النشر: 18th, July 2024 GMT
من المتوقع أن تحافظ البنوك المركزية الأفريقية على السياسات النقدية المشددة في الأسابيع المقبلة، بما يتعارض مع الاتجاه العالمي نحو تخفيض أسعار الفائدة.
ويتوقع المستثمرون أن يلجأ مجلس الاحتياطي الفدرالي ( البنك المركزي الأميركي) على الأقل إلى خفضين في أسعار الفائدة هذا العام.
وفي حين أن الأسواق العالمية تتجه نحو تيسير السياسات النقدية، فإن دولا أفريقية متعددة تتخذ مسارًا مختلفًا بسبب الضغوط الاقتصادية الفريدة.
ووفقًا لمحللين تحدثت "بلومبيرغ" إليهم، فإن التضخم المستمر وضعف العملات المحلية يدفعان نحو هذا النهج الحذر للقارة السوداء، مع استثناء واحد ملحوظ.
وقالت أنجيليكا غوليجر، كبيرة الاقتصاديين في "إي واي أفريقيا" للاستشارات، إن"الموضوع الأوسع هو الحذر والاعتماد على البيانات، حيث تراقب البنوك المركزية من كثب اتجاهات التضخم والعملات".
قرارات أسعار الفائدة عبر أفريقياوخلال الأسابيع الثلاثة المقبلة، من المقرر أن تتخذ بنوك مركزية أفريقية عدة قرارات رئيسة بشأن أسعار الفائدة، إذ من المنتظر أن ترفع أكبر الدول المنتجة للنفط في أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى، نيجيريا وأنغولا، أسعار الفائدة القياسية بسبب التضخم المستمر بنسبة مئوية مزدوجة وانخفاض قيمة العملة.
وعلى العكس من ذلك، من المتوقع أن تحافظ جنوب أفريقيا ومصر وكينيا وغانا على معدلات سياستها النقدية ثابتة.
وتبرز موزمبيق كاستثناء حيث من المتوقع أن تواصل خفض تكاليف الاقتراض.
من المتوقع أن تحافظ جنوب أفريقيا ومصر وكينيا وغانا على معدلات سياستها النقدية ثابتة (الفرنسية) ضغوط العملاتوكانت العملات في أنغولا ونيجيريا وغانا من بين الأسوأ أداء في أفريقيا هذا العام. وقد فاقم الطلب المستمر على الدولار الأميركي من انخفاض قيمتها، وأثر تأثيرا كبيرا على الأسعار، وفق التالي:
نيجيريا: توقعات بأن يظل التضخم قريبًا من أعلى مستوياته في 3 عقود، مدفوعًا بانخفاض قيمة العملة. أنغولا: توقعات بارتفاع التضخم إلى أعلى مستوياته في 7 سنوات. غانا: توقعات بتباطؤ عملية خفض التضخم، على عكس توقعات البنك المركزي الغاني.وأشارت بلومبيرغ إلى استجابة الدول لتلك التوقعات، حيث ضاعفت أنغولا الحد الأدنى للأجور إلى 70 ألف كوانزا (79 دولارًا)، بينما أعادت نيجيريا جزئيا دعم الوقود، فأدى ذلك إلى الضغط على المالية العامة.
وأشار جوبولاهان تايو من "جي بي مورغان تشيس" -في حديث لبلومبيرغ- إلى أن "ضعف العملة والسياسة المالية الفضفاضة وضغوط التكلفة كلها عوامل ستجبر على الأرجح هذه البنوك المركزية على الحفاظ على موقف متشدد لفترة أطول".
الاحتجاجات أدت إلى تعطيل الأعمال التجارية وتجديد ضغوط العملة بعد تخلّي الحكومة عن خطة لزيادة الضرائب (رويترز) تضخم مستمروتشكل معدلات التضخم المرتفعة في العديد من الدول الأفريقية عاملًا حاسمًا آخر يؤثر في قرارات السياسة النقدية:
مصر: من المتوقع أن يحافظ صانعو السياسات على سعر الفائدة الرئيسي عند 27.25%، حيث تباطأ التضخم للشهر الرابع على التوالي في يونيو/حزيران الماضي لكنه ظل مرتفعًا عند 27.5%. ومن المتوقع أن تبطّئ زيادة الأجور وتعديلات أسعار الوقود وتيرة خفض التضخم. جنوب أفريقيا: من المحتمل أن يترك البنك المركزي سعر الفائدة الرئيسي دون تغيير عند 8.25%. وعلى الرغم من أن معدل التضخم السنوي بلغ 5.2% في مايو/أيار، فإنه ظل فوق النسبة المستهدفة طوال أكثر من 3 سنوات.وفي كينيا، تقول بلومبيرغ إن المظاهرات المستمرة المناهضة للحكومة يمكن أن تؤثر في قرار البنك المركزي بالحفاظ على الأسعار.
وأدت هذه الاحتجاجات إلى تعطيل الأعمال التجارية وتجديد ضغوط العملة بعد تخلّي الحكومة عن خطة لزيادة الضرائب بمقدار 346 مليار شلن (2.7 مليار دولار).
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: حراك الجامعات حريات أسعار الفائدة البنک المرکزی من المتوقع أن
إقرأ أيضاً:
ترامب والدولار الأمريكي وباقي العالم
في عام 1971 قال جون كونالي وزير الخزانة الأمريكي لنظرائه الأوروبيين: «الدولار عُمْلتُنا، لكنه مشكلتكم» خلال فترة نصف القرن التالية تغير الاقتصاد العالمي لكن ما قاله كونالي يظل صحيحا. فعلى الرغم من أن قيمة الدولار لا زالت تتقرَّر إلى حد بعيد بالتطوراتُ الداخلية في أمريكا إلا أن تقلبات قيمته صعودا وهبوطا تتردد أصداؤها دائما تقريبا في أرجاء العالم. أحد هذه التقلبات الكبيرة ربما على وشك أن يحدث. فالسياسات الاقتصادية التي وعد بها الرئيس المنتخب دونالد ترامب ستعزز قوة الدولار كما يبدو. وهذا سيسبب متاعب للنمو الاقتصادي في باقي بلدان العالم. ليست واضحة بالضبط تلك الأجزاء من أجندة ترامب الاقتصادية التي سيكون راغبا في تطبيقها ويستطيع فعلا أن يطبقها. لكن الدّوار الذي أصاب أسواق الأسهم في أمريكا يعطي مؤشرات على ما يتوقعه المستثمرون. فمؤشر ستاندارد آند بورز 500 للشركات الأمريكية الكبيرة سجل ارتفاعات قياسية متتالية في أيام 6 و7 و8 نوفمبر. ويقدِّر المتداولون أن الإدارة الأمريكية القادمة ستعزز أرباح الشركات الأمريكية من خلال التخفيضات الضريبية وتخفيف الإجراءات التنظيمية مع ارتفاع اقتراض الحكومة. واقترانُ ارتفاع العجوزات (في الموازنة الحكومية) باشتعال التضخم مرة أخرى قد يجبر بدوره البنك المركزي الأمريكي على الإبقاء على أسعار الفائدة عند مستوى أعلى من المستوى الذي يمكن أن تكون عليه في حال عدم وجود ترامب في سدَّة الحكم. أسعار الفائدة المرتفعة هذه ستجعل الاحتفاظ بالأوراق المالية المقوَّمة بالدولار أكثر جاذبية وهذا يشكل قوة دافعة لارتفاع قيمة الدولار. جزء من هذا السيناريو بدأ يحدث فعلا. ففي 7 نوفمبر وكما هو متوقع خفَّض بنك الاحتياطي الفيدرالي النطاقَ المستهدف لسعر الفائدة على الأموال الفيدرالية الى ما بين 4.5% و4.75%. لكن جيروم باول رئيس البنك ترك الباب مفتوحا لإبقاء النطاق السعري للفائدة على حاله في اجتماع ديسمبر القادم بدلا من الاستمرار في خفضه. وما له دلالة أن اللجنة التي تتولى وضع سعر الفائدة لم تقل في البيان الذي صاحَبَ قرارَها «البنك أكثر ثقة في أن التضخم يتحرك باستمرار نحو معدل 2%،» كما سبق لها أن ذكرت في بيانها في شهر سبتمبر. احتمال ارتفاع معدلات الفائدة الأمريكية دفع سعر الدولار الى أعلى بنسبة 1.5% مقابل سلة عريضة من العملات خلال الأسابيع الأربعة الأخيرة. وكثيرًا ما يترافق ارتفاع سعره مع ضعف التوقعات الاقتصادية العالمية. أحد أسباب ذلك أن المستثمرين في أوقات الاضطراب الاقتصادي يميلون إلى التخلص من الأصول التي تنطوي على مخاطر ويتزاحمون لشراء الأصول التي يعتبرونها آمنة وخصوصا الدولار وسندات الخزانة الأمريكية. وفي حين تميل التوقعات المستقبلية التي تزداد قتامة إلى ازدياد قوة الدولار كثيرا ما يجعل الدولار بدوره هذه التوقعات أكثر قتامة أيضا. وجدت دراسة لصندوق النقد الدولي نشرت في عام 2023 أن ارتفاعا في قيمة الدولار بنسبة 10% يخفِّض الانتاج في الاقتصادات الصاعدة بعد عام واحد بنسبة 1.9 نقطة مئوية. أما البلدان الغنية فأقل تأثرا. لكن مع ذلك يتقلص إنتاجها بنسبة 0.6 نقطة مئوية. الانفراجة تأتي ببطء. فحسب الدراسة المذكورة قد تستمر الآثار الضارة للدولار القوي لمدة سنتين ونصف السنة بالنسبة لبلدان الاقتصادات الصاعدة وسنة للبلدان الغنية. التقلبات في قيمة الدولار تهز اقتصاد العالم عبر قناتين هما التجارة والتمويل. فأكثر من 40% من التجارة العالمية (والولايات المتحدة ليست طرفا في معظمها) مُفوْتَرَة بالدولار. والعملة الأمريكية حين تزداد قوة (بمعنى حين يرتفع سعرها مقابل العملات الأخرى) تزيد التكاليف للمستوردين. وهذا يُضعف الطلب على السلع من الخارج ويقلص الحجم الكُلِّي للتجارة. لذلك في معظم آسيا وأمريكا اللاتينية التحركاتُ في قيمة الدولار أكثر أهمية من التقلبات في قيمة العملات المحلية. وجدت دراسة أكاديمية نُشرت في عام 2020 أن ارتفاعا بنسبة 1% في قيمة الدولار مقابل كل العملات يُنبئ بانخفاض بنسبة 0.6% في التجارة بين البلدان في باقي العالم (بعد تحييد تأثير العوامل الأخرى.) وحسب بنك التسويات الدولية وهو نادي البنوك المركزية يرفع الدولار القوي أيضا تكاليف شراء السلع الوسيطة ويخاطر بانهيار سلاسل الإمداد الطويلة. التغذية الراجعة المالية (الطريقة التي تؤثر بها التغيرات في قيمة الدولار على الأنظمة المالية للبلدان والشركات الأخرى- المترجم) مهمة تماما بقدر أهمية الآثار التجارية لارتفاع العملة الأمريكية. فبالنسبة للبلدان والشركات التي اقترضت بالدولار ولكنها تفتقر لمصادر الإيرادات الدولارية يضخِّم ارتفاعُ الدولار تلقائيا عبءَ ديونها ويزيد تكاليف الفائدة التي تدفعها عليها. أيضا ارتفاع سعر الفائدة في الولايات المتحدة الى جانب ارتفاع سعر الدولار يجعل الاستثمار في باقي بلدان العالم أقل جاذبية. يميل رأس المال الى الخروج من بلدان الأسواق الصاعدة مما يضطرها إلى رفع أسعار الفائدة أيضا وتشديد أوضاعها النقدية وذلك تماما عندما قد تبدأ اقتصاداتها في المعاناة من تباطؤ عام في التجارة. هذه القوة الضاغطة التي ترفع تكاليف الاقتراض خارج أمريكا واضحة سلفا. ففي الساعات الأولى من يوم 6 نوفمبر عندما اتضحت نتيجة الانتخابات ارتفع عائد سندات الخزانة الأمريكية بشدة. وأيضا عائداتُ السندات الحكومية الأسترالية والنيوزيلاندية واليابانية. لاحقا شهدت بعض هذه الارتفاعات في العائدات تراجعا وذلك بعد خفض بنك الاحتياطي سعر الفائدة في 7 نوفمبر. لكن قد يتضح أن هذه الانفراجة مؤقتة. وأي ارتفاع مجددا في العائدات سيكون توقيته سيئا. فبنوك مركزية عديدة تحاول دعم النمو الضعيف في بلدانها بخفض أسعار الفائدة وتيسير الائتمان. سيتضح في مقبل الأيام ما إذا كانت قوة الدولار ستستمر، لقد شكا دونالد ترامب نفسه منذ مدة طويلة من أن الدولار القوي يؤذي الشركات الصناعية المحلية ويكلِّف وظائف أمريكية، لكنه لا يستطيع بسهولة إجبار البنك المركزي على خفض أسعار الفائدة. وطالما بقيت أسعار الفائدة مرتفعة ستظل العملة الأمريكية الملاذَ المفضّل للمستثمرين ومشكلةً شائكة للعالم. |