في أقل من أسبوع واحد، تطفو على سطح الأحداث في مصر حادثتان من نوع واحد، تتعلقان باثنين من المحافظين في مصر، كلاهما من اللواءات، موضوعهما واحد. يتصور الناظر إلى الحادثتين أنهما تتعلقان بجد ومثابرة المحافظين في أداء عملهم، لكنها أحداث تتعلق بولع المحافظين باللقطة، وتصوير ما يقومون به من الاستقواء على عوام الناس، ولو بإهانتهم.
المشهد الأول كان لمحافظ الدقهلية، حيث داهم بيت سيدة ريفية، مصادرا من بيتها أربعة أكياس خبز، وكأن المرأة قد قامت بجريمة لا تغتفر، ولم يكتف بذلك، بل طالب من معه بالتصوير، ثم قام بما يسمى عند عامة المصريين: تجريس السيدة، أي: فضحها بشكل مهين.
المشهد الثاني كان لمحافظ سوهاج، حيث داهم مستشفى المراغة، وقام بإهانة طبيبة لم تقم بالكشف على طفل مريض، لأنها طالبت أهله بقطع تذكرة، وقام أيضا مَن مع المحافظ بتصوير المشهد كاملا، مع عبارات توبيخ وتعنيف للطبيبة.
المشهدان يعبران عن عدة لقطات يمكن أن يقف أمامها كثيرا مَن يرصد أداء السلطة السياسية في مصر، وكذلك رد فعل الشعب بما بقي له من أدوات محدودة للتعبير عن رفضه عن ممارسات بعض أذرع السلطة التنفيذية، كالمحافظين، فكان التفاعل المضاد لما قام به المحافظان على مستوى كبير جدا من التفاعل الساخط، بل تحريك الرأي العام ضدهما بشكل غير مسبوق
المشهدان يعبران عن عدة لقطات يمكن أن يقف أمامها كثيرا مَن يرصد أداء السلطة السياسية في مصر، وكذلك رد فعل الشعب بما بقي له من أدوات محدودة للتعبير عن رفضه عن ممارسات بعض أذرع السلطة التنفيذية، كالمحافظين، فكان التفاعل المضاد لما قام به المحافظان على مستوى كبير جدا من التفاعل الساخط، بل تحريك الرأي العام ضدهما بشكل غير مسبوق، أجبر أحدهما على الاعتذار الشكلي.
الملمح الأول: هو أن كلا المحافظين ممن ينتمون للمؤسسة العسكرية والأمنية، فكلاهما من اللواءات، وقد عُينا في ظل الغزو العسكري للمناصب المدنية الذي زاد أكثر في فترة السيسي الأخيرة، وحركة التعيينات التي تمت في الثالث من تموز/ يوليو سنة 2024م، وهو ما يعني فشل هذا التوجه، لأن الذين أتوا من عمل عسكري، أو أمني، اعتادوا على طريقة إدارية معينة، لأنهم إما يتعاملون مع عسكريين أو يتعاملون مع جنائيين، وهو ما يختلف تماما عن التعامل مع المواطن العادي، أو الموظف، فشتان بين معاملة أشخاص محكوم عليهم بالسجن -كحال محافظ سوهاج الذي كان مديرا في مصلحة السجون- وبين مدنيين في وظائف مدنية.
الملمح الثاني: هو مدى حرص المحافظين على الميديا، وعلى الشو الإعلامي، وأخذ اللقطة، لتكون أوراقا مهمة لبقائهما مدة أطول في منصبيهما، وهو ما يشير بوضوح لطريقة عمل هذا النظام، فهو نظام جاء باللقطة، حيث احتشدت الجماهير في 30 حزيران/ يونيو، ومهد لها الطريق لذلك، وأمّن لها الميادين للخروج في مشهد كرنفالي، وأخذ اللقطة المطلوبة لدعمه، ولإزاحة الدكتور محمد مرسي والحكم المدني، ثم أغلق الوسيلة، وجعلها حصرية على تأييده فقط، فالجمهور مسموح له بالنزول لأخذ أي لقطة للسلطة، فيما يكون تأييدا له، لكن إن فكر أحد في أي لقطة أو مشهد تظاهر ورفض، فمصيره معلوم: إما الموت، أو السجن.
ورأينا مؤخرا كم الغضب الذي بدا على هذا النظام، حين قام "هكر" بتهكير شاشة عرض إعلانات في شارع فيصل، ووضع عليها صورا مهينة للسيسي، وكيف تم تجييش إعلاميي النظام ومنصات السوشيال ميديا للرد على هذه الفعلة المفاجئة، والتي كانت مهينة وصادمة للنظام في آن واحد. وسرعان ما وجهوا التهم للإخوان المسلمين، رغم أنهم منذ شهور لا همّ للسلطة سوى إنتاج برامج تلفزيونية كلها تحت عناوين مختلفة، وهدفها واحد: الحديث عن الإخوان وجرائمهم، عبر أشخاص منشقين عن الإخوان، أو يمثلون دور المنشق عنهم.
مهما حاولت الأنظمة غل أيدي الشعوب عن وسائل الاعتراض والاحتجاج، تظل هناك وسائل خارج سيطرة السلطة، وخارج إطار التضييق والمنع، وهو ما يجعل مساحة التحرك ضد أي استبداد مهما كانت درجته أمرا ممكنا، وليس مستحيلا، وأن منظمات المجتمع المدني والنقابات، مهما كان دورها محدودا، يظل وجود هذا الدور مهما
الملمح الثالث في هذه الأحداث: رد فعل الشعب على وسائل التواصل الاجتماعي، فكم السخرية الذي ووجه به المحافظ الأول، حيث أطلق الناشطون على فعلته "غزوة العيش" (الخبز)، ثم رد فعل الميديا على فعل المحافظ الثاني مع الطبيبة، مما اضطره إلى استقبال الطبيبة وتقديم صيغة توهم الناس بالاعتذار، بأنه تعامل مع الطبيبة كابنته، وأنه كأبيها، وهو كلام فارغ، يتهرب به من المسؤولية، مما اضطر رئيس الوزراء المصري دكتور مصطفى مدبولي للاعتذار.
فالتفاعل الهائل على التواصل الاجتماعي، حرك نقابة الأطباء العامة، فأصدرت بيانا ترفض فيه ما قام به المحافظ، وجرّأ مجلس نقابة سوهاج للاستقالة الجماعية ردا على فعل المحافظ مع زميلة لهم، ولما وُجهه لها من إهانات. فلم يكن لهذه النقابات أن تتخذ خطوات بهذه الجرأة مع محافظ ينتمي لشريحة اللواءات، إلا بعد الحراك الكبير على وسائل التواصل الاجتماعي، التي صنعت رأيا عاما، وهيأت المجال العام لمثل هذا الموقف.
وهنا ملمح مهم: أنه مهما حاولت الأنظمة غل أيدي الشعوب عن وسائل الاعتراض والاحتجاج، تظل هناك وسائل خارج سيطرة السلطة، وخارج إطار التضييق والمنع، وهو ما يجعل مساحة التحرك ضد أي استبداد مهما كانت درجته أمرا ممكنا، وليس مستحيلا، وأن منظمات المجتمع المدني والنقابات، مهما كان دورها محدودا، يظل وجود هذا الدور مهما للحراك السياسي، وليس مطلوبا طوال الوقت أن يطالبهم السياسيون بأن تكون لهم مواقف سياسية واضحة من السلطة، فالتحرك في هذا الإطار مفيد ومهم، للإبقاء على حيوية المجتمع ومؤسساته.
[email protected]
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات كاريكاتير بورتريه مصر السيسي شارع فيصل المجتمع المدني مصر السيسي احتجاج قمع المجتمع المدني مقالات مقالات مقالات سياسة سياسة صحافة صحافة سياسة سياسة اقتصاد سياسة سياسة سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة مهما کان فی مصر رد فعل وهو ما
إقرأ أيضاً:
خبير مصرفي: تصريحات مديرة «النقد الدولي» تعكس تقدما مهما في الاقتصاد المصري
أدلت كريستالينا جورجيفا، مديرة صندوق النقد الدولي، بتصريحات إيجابية حول تحسن الأوضاع الاقتصادية في مصر، معربة عن رضاها تجاه التقدم الذي أحرزته مصر في تنفيذ حزمة الإصلاحات الاقتصادية، وزيادة الاستثمارات، وتحسن مؤشرات الاقتصاد الكلي.
حالة من التفاؤل قبل المراجعة الرابعةويقول وليد عادل، الخبير المصرفي، إن تصريحات مديرة صندوق النقد الدولي، خلقت حالة من التفاؤل قبل المراجعة الرابعة لبرنامج الإصلاح الاقتصادي بين مصر وصندوق النقد، وتأتي هذه التصريحات في سياق تحسين الأداء الاقتصادي المصري وتأكيد التزام البلاد بمسار الإصلاحات الاقتصادية.
تقدماً مهماً في مسار الاقتصاد المصريوأضاف عادل، في تصريحات لـ«الوطن»، أن تصريحات مديرة صندوق النقد الدولي، تعكس تقدما مهما في مسار الاقتصاد المصري، وثقة واضحة في قدرة مصر على تحقيق أهدافها الاقتصادية ومع اقتراب المراجعة الرابعة، يبقى التحدي الأكبر هو الحفاظ على هذه الزخم وتعميق الإصلاحات لضمان تحقيق التنمية المستدامة والشاملة، بما يعود بالنفع على كافة المواطنين ويعزز مكانة مصر في الاقتصاد العالمي.
قدرة الاقتصاد المصري على مواجهة الأزماتوأكدت مديرة صندوق النقد الدولي، على أهمية التزام الحكومة المصرية، بتحقيق استقرار الاقتصاد والنمو الشامل وهو ما يعزز من قدرة الاقتصاد المصري على مواجهة الأزمات والتحديات العالمية.
أهمية المراجعة الرابعةوأوضح الخبير المصرفي، أنّ المراجعة الرابعة لصندوق النقد الدولي، تُمثل فرصة حاسمة لتقييم مدى التزام مصر بتعهداتها الإصلاحية وتطوير رؤية أكثر شمولاً لنموها وتأتي هذه المراجعة مع ضرورة التوسع في سياسات الجذب الاقتصادي والاستثمار في جودة الخدمة العامة.
وأشار إلى أن النجاح في المراجعة الرابعة، سيعزز من مصداقية الاقتصاد المصري، ما يسهم في جذب مزيد من الاستثمارات الأجنبية وتعزيز ثقة الأسواق العالمية.