المغيرة التجاني علي
mugheira88@gmail.com
لا أعرف بلدا , يتخير الأصعب , كلما اعترضت طريقه مشكله , حتي و إن كانت صغيرة , مثل بلادنا السودان . حيث تقف شواهد كثيرة في تاريخنا السياسي و الاجتماعي دلت علي ذلك , و لم يتم تجاوزها الا بعد أن اهريق في سبيل انجازها دم عزيز , وارتكبت فيها الفظائع و فقدت فيها الكثير من الأرواح الطاهرة البريئة .
و المرء لا يخالجه أدني شك , في أن الاقصوصة المحفوظة في التراث الانساني , و التي تتحدث عن قطع رقبة العجل , من أجل أخراج رأسه من الجرة , قد حدثت بكاملها عندنا في بلاد السودان و التي عرفت بقصة ( البصيرة أم حمد ) و هي المرأة ( الحكيمة ) التي دلتهم علي هذا الفعل الأهوج .
و سواء بوعي أو بلا وعي , فان نماذج من العنف الواضح , قد مورست في بلادنا و أفضت في محصلتها النهائية الي كوارث و عواقب وخيمة , كان من السهل تفاديها لو أن جانب اللين والتروي و الحكمة و احترام المواطن و تقدير حرمة الأنفس قد حصل . ولو أن الدولة التي تمتلك وسائل العنف قد وعت بأن الواجبات الوطنية لا يمكن الفصل بينها و بين حرية المواطن الذي له الحق في أن يتمتع بكامل الحرية في التعبير عن رأيه , في كل شأن يخص حيواته و يرتبط بمعيشته في كل الظروف و تجاه كل القضايا .
وما من شك , في أن الحكومات المتعاقبة علي ادارة شأن البلاد لم تفلح في أن توطن سلطاتها و قياداتها و أجهزتها علي طرائق سلسة و فاعلة حكيمة و رحيمة لإدارة علاقاتها بالمواطنين , في كل العهود و في عهد دولة الانقاذ خاصة , والتي لم تدخر وسعا , طيلة سنوات حكمها الطويل, في القمع و كبت الحريات و إسكات الأصوات بالعنف , بل وتكوين الأجهزة الأمنية المنيعة , التي اتخذت العنف مبدأ ووسيلة و ترسخت في ذهنيتها غطرسة القوة و البطش .و لعل الشواهد في حالات القمع و التنكيل ضد مواطني سد كجبار و في مثال معالجة مشكلة دارفور و قضية منطقة المناصير و مشكلات الشرق و الجنوب , خير دليل علي احتقارها للشعب و ازدرائه , ولإعمال العنف الزائد و اراقة الدم , التي تتنافي جميعها مع النصوص الدينية و الشريعة الاسلامية السمحاء .
و الخلاصة الواضحة من ذلك , أن مجمل أزماتنا , و خاصة فيما يتعلق باستشراء العنف , ورخص الدم و إراقته بكل برود علي جوانب سوح القضايا , مهما صغرت , تكمن و بالاستنتاج الي البيئة السياسية التي ظلت ماثلة في البلاد ولفترات طويلة خاصة في ظل الحكومات الشمولية , التي نتجت عن الانقلابات العسكرية ثم تسلطت من بعد علي رقاب الشعب و حكمت لأكثر من ثلثي فترة الحكم الوطني , و عاشت , رغم التبرير لوجودها , وبدواع متشابهة , لم تستطع أن تحافظ علي سلطاتها و نفوذها الا بوسائل القمع و انتهاك الحريات في ظل غياب التدافع الطبيعي والمنافسة السياسة و غياب الديمقراطية و الحكم الراشد , و خارج اطار الحريات الأساسية و حقوق الانسان و غياب دور المؤسسات الديمقراطية التي من المؤمل أن تكون من أوجب مهامها ضبط سلوك الاجهزة والافراد الذين يتخذون العنف منهجا و طريقا أوحدا لمعالجة المشكلات .
و يصح ذات الاستنتاج عن بلادنا , أن الأزمة الحالية و التي أدت الي هذه الحرب , هي أزمة متصلة بالتسلط , و حب فرض الرأي بالقوة و محاولة الانفراد بالسلطة و استخدام العنف وسيلة للوصول للغايات و التي ليس من بينها بأي حال رفاهية المواطن وتحسين ظروف حياته و نماء الوطن و تقدمه و نهضته , بل كانت , جميعها لأغراض و مصالح ذاتية مرتبطة بالأفراد .و الشاهد الماثل , أن أزماتنا ستظل قائمة , طالما كان الطريق الي حلها و مواجهتها هو العنف وحده و فرض الارادات , و تبني المعالجات الأمنية والعسكرية و ليست السياسية القائمة علي الحوار والتدافع و التراضي الوطني من أجل الوطن و ازدهاره و تطوره .
المصدر: سودانايل
إقرأ أيضاً:
مصير ضحايا العنف الجنسي بعد عامين على حرب السودان
الخرطوم- بصوتٍ متقطع مرتجف، ورعشة لا تفارق الأيادي، تجلس الضحية "م. م" ذات الـ16 ربيعا، حائرة وعلامات الاستفهام الكبيرة تبدو على وجهها، على أسئلة لم تجد لها الإجابة بعد.
تحكي قصتها المحزنة، تقول إن 16 فبراير/شباط الماضي بات تاريخا مؤسفا في حياتها، حيث تعرض لها اثنان من أفراد قوات الدعم السريع في منطقة شرق النيل بالخرطوم، واتهموها بتخبئة سلاح، ثم دخلوا منزلها وفتشوه ولم يجدوا شيئا.
في اليوم التالي عادوا وكانوا 4 أشخاص، فاعتدوا على زوج عمتها بالرصاص وأخذوا والدها إلى المنزل، ومن ثم أخذوهم إلى منزل في منطقة الردمية بتهمة التخابر، ثم ضُرب والدها بالرصاص، واختطفوها إلى منطقة الفيحاء.
تأخذ شهيقا عميقا، ثم تواصل بصوت متقطع "تم أخذي إلى منطقة الأزهري جنوب الخرطوم، واحتجازي في منزل بالأزهري مربع 12، لمدة شهر و3 أيام، وكلما حاولت الهرب يقومون بإلقاء القبض علي والاعتداء علي كنوع من العقاب".
وتواصل حديثها للجزيرة نت وتقول إنه تم الاعتداء عليها 3 مرات، حتى استطاعت الهرب في 22 رمضان الماضي، بعد أن أغلق مختطفها الباب الكبير وتأكد من تأمينه، وساعدها في ذلك هروب كل الحراسات الخاصة بعد تقدم قوات الجيش السوداني، فتمكنت من الهروب من باب خلفي بالمنزل، حيث ساعدتها سيدة بالهرب نحو مناطق أخرى حتى تم تسليمها لأهلها.
تقول الدكتورة لبنى علي محمد رئيسة منظمة "بت مكلي" القومية والمسؤولة في مركز أمان للناجيات، إن المركز يأوي 35 ناجية من ضحايا العنف الجنسي، تم تأهيل معظمهن، ويتواجد الآن 12 منهن، يتلقين الخدمات الصحية والمجتمعية والإرشاد النفسي.
إعلانتقول الدكتورة للجزيرة نت إن هناك 1600 ناجية من ضحايا العنف الجنسي في حرب السودان، حيث تعمل على تأهيل الناجيات وتدريبهن على المهارات المختلفة، وأشارت إلى أن المركز يقدم خدمات صحية ونفسية واجتماعية، وقانونية، واقتصادية، بالإضافة إلى جلسات العلاج النفسي والجلسات النفسية الإرشادية الجماعية.
وقالت إن الناجيات يصلن إلى المركز بحالة نفسية سيئة جراء الاعتداءات عليهن، وأضافت أنهم في المركز يستقبلون 5 أنواع من ضحايا العنف الجنسي وهن:
المختطفات. المغتصبات جماعيا. المجبرات على الزواج قسرا. الطالبات المغتصبات. المتعاونات قسرا، وهن اللاتي أجبرتهن قوات الدعم السريع على التعاون معها ليتم اغتصابهن وحقنهن بالمخدرات.وأوضحت الدكتورة لبنى أنها لا تستطيع تقديم الخدمة الكاملة والرعاية المتكاملة لجميع الناجيات حول السودان كون أن العمل ما زال في بدايته، وما زالت تواجه صعوبات مالية كبيرة وتحديات يومية لتوفير الاحتياجات الأساسية للمركز، في ظل غياب التمويل الثابت، وأعلنت أنها تحاول إقامة 4 مراكز أساسية في السودان لاحتواء الناجيات، وتقديم الرعاية النفسية والدعم الصحي والمجتمعي.
تقول سليمى إسحاق رئيسة وحدة مكافحة العنف ضد المرأة والطفل للجزيرة نت إن عدد المغتصبات وضحايا العنف الجنسي حتى مارس/آذار الماضي بلغ 1138 حالة، لكنها لم تشمل ما حدث في مخيم زمزم ومناطق أخرى مختلفة في الخرطوم، وذلك بسبب تعطل عمل المستشفيات المرجعية.
كما أكدت أن هناك ضعفا في الإحالات القانونية بسبب الخوف من الوصمة المجتمعية، وعدم اهتمام الناس إلا في حالات وجود طفل في حالات الحمل المتقدم.
وذكرت الرئيسة أنه تم إعادة التوقيع على إطار التعاون بين وحدة مكافحة العنف ضد المرأة والطفل والممثلة الخاصة للأمين العام للأمم المتحدة الخاصة بالعنف الجنسي المتصل بالنساء براميلا باتن، والتي زارت السودان في الفترة من 13 إلى 17 أبريل/نيسان الحالي، لزيادة ضمان عدم إفلات المجرمين من العقاب.
إعلانوأضافت سليمى أن "قوات الدعم السريع تستخدم العنف الجنسي كسلاح ضد المدنيين، ولديها الفُرصة للإفلات من العقاب كونها تمارس ذلك السلوك كعمل ممنهج، وجزء من آليات الحرب لديها".
وأكدت أن قوات الدعم السريع استخدمت أنواعا مختلفة من العنف الجنسي، مثل الاسترقاق أو الاستعباد الجنسي، والحمل القسري، والزواج القسري، والخطف والاتجار بالبشر، "الأمر الذي سيكون له آثاره المختلفة لدى الأفراد والمجتمع" حسب قولها.
من جهته، أوضح رئيس المفوضية القومية لحقوق الإنسان مولانا جمعة الوكيل أن الحرب الحالية التي يشهدها السودان خلّفت ضحايا كُثرا من النساء اللاتي تعرضن للعنف الجنسي، وأن الأعداد تتزايد مع استمرار الحرب حتى اليوم، وأن ما حدث الأسبوع الماضي بمخيم زمزم للنازحين ومخيم أبو شوك يمثل إضافة لتلك الانتهاكات التي وقعت على الفئات الأكثر هشاشة في المجتمع.
وأشار الوكيل إلى أن المفوضية تعمل على رصد الانتهاكات التي تقع في الحرب، وعلى إظهارها للرأي العام المحلي والعالمي، مؤكدا حرصهم على عدم إفلات الجُناة من العقاب، والاهتمام بالضحايا وتوفير العلاج والدعم، من خلال التنسيق مع الجهات المختصة وتوفير الدعم النفسي.
وقال الوكيل للجزيرة نت إنهم يهتمون بكل الانتهاكات التي تقع على المدنيين، وعلى حث السلطات للقيام بدورها في تقديم المساعدات الإنسانية للضحايا، وأكد أنهم يقومون برصد الانتهاكات التي حدثت منذ اندلاع الحرب في أبريل/نيسان 2023.
كما ذكر أنهم يقومون بنقل تلك الحقائق إلى الجهات المختصة والرأي العام العالمي، من خلال التنسيق مع المنظمات الحقوقية العاملة في مجال حقوق الإنسان، مثل "هيومن رايتس ووتش"، ومنظمة العفو الدولية، ومجلس حقوق الإنسان بجنيف، والمفوضية السامية لحقوق الإنسان، وغيرها من المنظمات المختصة.
إعلان