يا شيخنا الفاضل لجأنا لمصر ليس لأننا جبناء هربنا من الميدان ولم ندافع عن وطننا وهذا الاتهام منك بكل هذه الصراحة وقعه علينا اشد من وقع الحسام المهند وليس لنا عليك الا العتاب وقد عرفناك من خيار الناس !!..

بما أنني من المكتويين بنار اتهامك شديد الالتهاب أود أن يكون الرد عليك أصالة عن نفسي وليس بالنيابة عن أي احد وقد خرجنا صوب الشمال جماعات ووحدانا أسر صغيرة وممتدة وجيران وأصدقاء القاسم المشترك بيننا هو شدة الخوف والقلق علي مصيرنا صغاراً وكبار شيبا وشبابا ولم نتحسب لهذا الحدث الجلل الذي هبط علينا بطريقة مروعة تجعل الولدان شيبا وكان أن هرعنا الي الحافلات ومعظمها محلية غير مجهزة للرحلات الطويلة يقودها سائقون غاية في الاستهتار والتلاعب بمشاعر المسافرين في ذاك الوقت العصيب مع أسعار فلكية للتذكرة وخدمات صفرية ، كنا من غير متاع يذكر وتستر أجسادنا الملابس التي ارتديناها علي عجل وهذا هو الحال بالاختصار المفيد !!.

.
لا اريد أن ادافع عن نفسي او اضع أي مبرر لهروبي وذهابي لمصر وترك الوطن دون الدفاع عنه كما يأمرنا الشرع الحنيف وانا احترم وجهة نظرك وقد دمغتنا بالجبن والتنكر للتراب ونعرف تماما حجم الجرم الذي يقع فيه من يناي بنفسه عن الجهاد ساعة الحاجة الي الدفاع عن وطن الأجداد !!..
هذه الحرب يا اخي الكريم لو تمعنا فيها بعين فاحصة بعيدا عن العاطفة والايدولوجيات والانتماءات لهذا التنظيم أو ذاك ... اليس الخاسر الوحيد فيها هو المواطن الغلبان الذي ظل يكابد الظلم لفترات طالت واستطالت تم شن الحرب فيها علي تعليمه وصحته وبنيته التحتية وهذه الضرائب والجمارك التي تسلط علي الفقراء ويعفي منها الأغنياء حتي رأينا امبراطوريات لأفراد كانوا لايملكون شروي نقير فتطاولوا في البنيان ومعظم الشعب يعيش علي الكفاف ومنهم من يقتات من صناديق الزبالة التي أصبحت تغطي الميادين والشوارع التي تتهادي فيها العربات الفارهة وتنعدم فيها عربات النفايات وسيارات الإسعاف في بلد أصبحت مشافيه الحكومية مقابر ومستشفياته الخاصة متاجر وكذلك مدارسه تنوعت مابين خاص ٧ نجوم لأبناء الذوات وحكومي للمساكين!!..
هذه الحرب اللعينة العبثية التي نشط البعض في خوضها بكل حماس واندفاع أليست هنالك جهة معينة مسؤولة عنها تديرها بما عرف عنها من تدريب وصقل وكفاءة عالية وهذا الجندي المحترف هذه هي وظيفته التي جاءها طائعا مختارا ودخل الكلية الحربية مصنع الرجال وعرين الابطال وتدرج في الرتب بالامتحانات والتمحيص والكورسات والبعثات بالداخل والخارج حتي صار مؤتمنا علي حدود الوطن يحرسها من الأعداء بكل فهم ومسؤولية وقوة وشكيمة !!..
والمعروف في كل جيوش العالم أن لهم جند احتياط مدربون يمارسون أعمالهم المدنية العادية وعندما يتكالب الأعداء علي الوطن ويكونوا أكبر قوة ومنعة من جيش البلاد هنا فقط يتم استدعاء جند الاحتياط بطريقة مدروسة وكل جندي علي الفور يلتحق بوحدته وله رتبة معروفة ومدرب تماما علي فنون القتال !!..
مسكين المواطن السوداني رغم أنه المتضرر الوحيد من هذه الحرب المنسية التي مل منها العالم وأدار لها ظهره يريدون منه وهو حافي القدمين طاوي البطن بانت عظام اضلعه قد ضل به الطريق يريدون منه أن يحمل السلاح هكذا خبط عشواء من غير دراية أو فهم ليقع فريسة في أيدي قوات متمرسة علي حرب المدن وحرب العصابات وحتي الجيش نفسه لا يقابلهم وجها لوجه ويتعامل معهم بالطائرات قصيرة النظر التي لا تفرق بين دعامي ومواطن وهذا هو السبب الذي جعلنا نهرب بجلدنا تاركين شقي السنين بل تاركين الوطن وقد تم طردنا من بيوتنا بواسطة شباب من دول الساحل والصحراء يتحركون علي ظهور المواتر ولم نفعل شيئا إزاء هذه القوة الغاشمة التي جعلت شرطة العاصمة ومنذ الصباح الباكر للعدوان تختفي وكأنها فص ملح ودأب !!..
نعم وصلنا القاهرة ووجدنا أمامنا الكثير من ضباط الشرطة وهم يجوبون شوارع العاصمة المصرية بالملابس المدنية وتراهم في الأمسيات يلعبون كرة القدم في الميادين المفتوحة وفي ميادين الخماسيات وكثير من أفراد القوات النظامية تشتتوا مثلنا في العواصم العربية والإفريقية ونحن لم نقل عنهم جبناء تنكروا للوطن ساعة الحاجة الماسة إليهم في هذا الوقت العصيب والغائب عذره معاه !!..
اخي الكريم نلفت نظرك أن القاهرة قد تحملت العبيء الأكبر من الهاربين من جحيم السودان ونشكرهم علي ذلك الصنيع الطيب الذي لن ننساه لهم مدي الحياة وقد كانوا بحق إخوة وجدناهم الصديق الصدوق الجد في وقت الضيق !!..
المواطن السوداني يا اخي أصبح المتجهجه العالمي تجده في يوغندا وفي رواندا وكينيا والخليج وأوروبا وآسيا وفي شتي بقاع العالم !!..
اخي الكريم نحن جبناء وهربنا من الوطن ولم ندافع عنه ... هل انت متاكد ان هذه الحرب من أجل الوطن ؟! بذمتك أليست هي بين الجيش وربيبه الدعم السريع أي بين الأب وابنه طيب نحن دخلنا شنو ننحشر بين البصلة وقشرتها وهذا شأن عائلي يجب أن لا ندس انفنا فيه تجنبا للاحراج وربما يقال لنا ( ابني واشاكلتا معاه انتو دخلكو شنو ) ؟!

حمد النيل فضل المولي عبد الرحمن قرشي .
لاجيء بمصر.

ghamedalneil@gmail.com  

المصدر: سودانايل

كلمات دلالية: هذه الحرب

إقرأ أيضاً:

الليبية رزان نعيم المغربي: أكتب ويدي على قلب القارئ

في روايتها الأخيرة «الرسام الإنجليزي» تخوض الكاتبة الليبية رزان نعيم المغربي مغامرة رائعة مع التاريخ، حيث تعيد رسم رحلة الفنان البريطاني جون فرديرك بيرل مع جيش بلده خلال الحرب العالمية الثانية إلى ليبيا، حيث أبدع جدارية «الباردي» في طبرق.

استمر بحث رزان عن حياة الفنان لمدة شهور، حتى وجدت رسالة من أمه إلى صحيفة «الديلي ميل» وفكت شفرتها وانطلقت منها إلى تصور حياة كاملة له في الماضي، توازيها حيوات أخرى لمجموعة من الأبطال الليبيين في زمن أحدث. تتجاور في الرواية مصائر لأشخاص عاشوا ويلات الحرب وقصص الغرام. أشخاص فقدوا أهلهم أو أفنوا أعمارهم في البحث عن أحبتهم وأقرب أقربائهم.

رزان لها عدد من الأعمال الأدبية المتنوعة هي «نساء الريح»، «نصوص ضائعة التوقيع»، «رجل بين بين»، «الجياد تلتهم البحر»، «الهجرة على مدار الحمل»، «في عراء المنفى»، و«إشارات حمراء»، هنا حوار معها حول روايتها «الرسام الإنجليزي» ورؤيتها للأدب الليبي والعربي.

طموح روايتك «الرسام الإنجليزي» كبير.. إذ غطت أحداثها سبعين عاما، وثلاثة أجيال. ألم تكوني قلقة من اتساع الرقعة الزمانية وتعدد الشخصيات بشكل قد يجعل هناك صعوبة في السيطرة عليها أو منحها حقها الكافي من الاهتمام؟

افتتاحية لماحة لبداية الحوار، تستدرجني للحديث عن محترفي الشخصي في بناء المعمار السردي. عندما أفكر في أني ذاهبة للبدء بمشروع روائي جديد، أتحلى بوعي خاص حول الضوابط التي تحكم النص والمخيال أيضاً. أحدد الزمن والفضاء الذي ستتحرك فيه الشخصيات ضمن إيقاع مرسوم، يخضع للتغيير بالطبع ولكن لا يصل إلى الشطط، وحتى كلُّ شطبٍ وإضافة وتعديل تكون أثناء كتابة النص قبل تحريره، لأن التحرير هو المدة التي أستغرق خلالها في تصويب زمن الرواية، والانتباه الشديد، لسير الأحداث، وأعمار الشخصيات، وهي تنمو مع تقدم السرد، ثم القراءة التي تأتي أثناء المراجعة وأحاول فيها التقاط ما لا يعجبني كما لو كنت قارئة للنص ولست صاحبته، هذا أسلوبي وقد يتغير بين نص وآخر قليلاً.

أيضاً اتسعت رقعة المكان لتشمل عدة دول بينها ليبيا وإيطاليا ومصر.. ما الذي منحه هذا الفضاء المتسع لروايتك؟

لم يسبق أن كتبت نصاً روائياً، إلا وسبقه بحث، أحياناً يستمر لزمن أطول من الزمن الذي تستغرقه كتابة النص.

في الرسام الإنجليزي، كان الأمر مضنياً لأسباب كثيرة، فخلال البحث لم يتوفر لديَّ عن حياة الرسام إلا وثيقة منشورة تمثلت في رسالة والدته إلى صحيفة الديلي ميل، وكانت ترد فيها على مقال نُشِر عن الجدارية، حول ادعاءات بأن جون فرديرك بيرل كان سجيناً في مبنى الجدارية، وأنه استخدم ورنيش الأحذية في الرسم. وذكرتْ باختصار شديد بعض المعلومات، عن تجنيده ووصوله إلى طبرق عن طريق القاهرة.

التقطت هذا الخيط، وعدت مجدداً للبحث فيما يخص الحرب العالمية الثانية في شمال إفريقيا وكانت طبرق مركزاً عسكرياً لها.

أصبح لديَّ الخيار باختصار رحلته والتركيز على تواجده في المبنى وبالتالي التوسع في سرد أحداث محلية وهي بالمناسبة كثيرة، أو منح النص رؤية تاريخية يتداخل فيها الخيال بالتاريخ ضمن لعبة سردية بحيث لا ينتقص الخيال من موضوعية التاريخ، ولا ينقص الانضباط التاريخي من الخيال.

وقررت بما أنه حضر انسحاب دنكيرك الشهير وعاد لبلاده ثم رجع باتجاه القاهرة، أن تصبح هذه الأمكنة لها أدوار في تلك الرحلة وتكون ضمن السياق الدرامي للأحداث.

ما أودّ قوله: إن المكان/ الأمكنة، متمثلة بالمدن المذكورة لها دور بطولة لا غنى عنه، وشخصياً أشعر بنوع من التحدي لإبراز جماليته في أي نص سردي سواء في القصة أو الرواية، وبصفتي القارئة الأولى لنصي، يلامسني جداً إبراز صورة المكان فهو الجغرافيا التي تدور على أرضه الأحداث ولا معنى لإخفائه، حتى لا يختل توازن النص.

ما القيمة التي تمثلها سدِّينة وهي شخصية ليبية محورية كانت فتاة ثم أصبحت امرأة متزوجة ثم جدة؟ سدينة أول شخصية تخيلتها وأسميتها، وأحببتها، لعبت دور الطفلة التي احتملت عواقب الحرب. فقدت شقيقها المبروك وعائلتها، منذ صغرها، امتلكت رباطة الجأش لتكون محاربة وتتغلب على الفقدان واليتم، وتعقد التحالفات مع بنات جيلها، ثم أصبحت امرأة تفهم معنى المحافظة على نسيج العلاقات الاجتماعية، عندما كانت شابة مطلقة، ساعدت رفيق طفولتها المنصوري بتربية ابنه حامد وليصبح هذا الطفل فيما بعد زوج ابنتها الوحيدة، وعندما تمردت ابنتها طلبت الطلاق من حامد، حافظت سدينة على تلك الرابطة الاجتماعية معه فهو والد حفيدتها سلمى، وأدركت أن المجتمع المحافظ يحترم القوي وصاحب النفوذ بشكل ما، أظهرت براغماتية فطرية، وسدينة هي الجدة التي أصرت على مرافقة حفيدتها لايطاليا كأنها صورة للحارسة على قيم المجتمع التقليدي. وسنجد أنها لعبت كل هذه الأدوار بسلاسة ودون صراخ أو ضجيج، مثلت المرأة التي اختبرتها الحياة وخاضت معاركها مبكراً.

متى كان على سدِّينة أن تصدق أن شقيقها المبروك اختفى في زمن الاحتلال الإيطالي؟ بقيت ملابسات اختفاء المبروك تدور بين احتمالات عديدة، وبالنسبة لسدينة الطفلة، أصيبت بصدمة نفسية لم تغادرها منذ أن ساق جنود الاحتلال أخاها غصباً عنه إلى مكان مجهول، ذلك المشهد العنيف كان يحدث كثيراً للرجال وأحياناً للنساء، ومن يثبت تورطهم بالمقاومة والجهاد أو مساعدتهم لرجال المقاومة، يتم سوقهم إلى المنافي في جزر إيطالية، سدينة تمسكت بقصة المنفى لأن هناك أملاً بعودته يوماً ما، رغم أن بعضهم كانوا يؤخذون عنوة إلى القتال في صفوف المحتل الإيطالي في بلدان أخرى (أرتيريا وأثيوبيا)، وتكون عودتهم مستحيلة. وقد بررت سدينة سفرها مع سلمى لإيطاليا، بأنها فرصة للبحث عن أثرٍ يدلها على أن تلك السلالة لم تنقطع، طغت على تصرفاتها الغرابة، لهذا وجدت في صديقتها خيرية ناحوم نوعاً من السلوى، يخفف وطأة الغربة وصار ذلك الوقت فرصة لتشفى من جرح الطفولة، بتقبلها لواقع اختفائه، مما أدى في نهاية الأمر للاستسلام. خارت قواها وسقطت مريضة نتيجة لذلك، لكن الأمل في البداية أعطاها دافعاً قوياً للاستمرار والتنقل والسفر وعيش الحياة كما يليق بها.

هل يمكن القول إن آن ماري هي مرآة غربية لشخصية سدِّينة بشكل أو بآخر؟

آن ماري مثلت حارسة للأثر الفني والقيم الجمالية ( جدارية البردي). التي خلفها وراءه حبيبها السابق الرسام جون فرديرك بريل، وسنجد تلك العلاقة الشائكة بينهما، رغم أنه هجرها بنزق فنان شاب، إلا أنها بشكل ما مثلت صورة غربية لشخصية سدينة في مقاومة ما يواجهه الإنسان في الحروب من فقد وانفصال وضياع متعلقات وخسارة حب، وسدينة وآن ماري متقاربتان في العمر والزمن والظروف الإنسانية التي جمعتهما، ومختلفتان بالانتماء والثقافة والمصير.

كيف بدأتِ رحلة البحث عن الرسام جون برايل؟ ما المراجع التي استعنتِ بها لمعرفة تفاصيل حياته؟

استغرق الأمر أعواماً بين تردد وبين العودة إلى مشروعٍ سبقه عن فنان إيطالي أيضاً له منحوتة شهيرة في وسط العاصمة طرابلس نسميها (حسناء الغزالة). كنت حينها في حالة بحث عن مروية شعبية تحكي قصة حب معروفة ومتداولة، سألت الأصدقاء عنها، وكانت الإجابات تصلني بالنفي، أتذكر أني قمت بتأصيل حكاية حب من الخيال بين شابة قادمة من الجنوب ومعها غزالة جريحة والنحات، ووثقتها بمقال منشور، في ذلك الوقت اقترح صديق من طبرق أن أكتب عن جون بريل وجداريته، ولم أجد معلومات عنه، قررت خوض غمار الرسم وقد سبق أن مارسته في أيام الدراسة، كنت في هولندا أستكشف حياتي الجديدة وأتعلم مهاراتٍ لم تخطر على بالي سابقاً، وصلت لمرحلة من إتقان الرسم تكفي لتقمص روح الفنان، وفي ربيع 2021 انتهيت من كتابة مجموعة قصصية، وشعرت أن عليَّ الاستمرار في الكتابة دون انقطاع، ومواجهة خوف داخلي لابتعادي عن كتابة الرواية طويلاً، انهمكت في الاتصال بأصدقاء وتعرفت على أشخاص معظمهم من سكان البردي وطبرق بهدف الوصول إلى معلومات، أرسلوا لي كثيراً من الصور ونتفاً من حكايات تُروى عن الجدارية والمواد الخام التي استخدمها الرسام، عثرت على رسالة والدته، وحينها فقط قمت برسم خريطة العمل والمخطط الزمني للأحداث، وما تبقى من مهام لا بد أن يتولاها الخيال، بالطبع الخيال الذي يفترض ما يمكن أن يجري في ذلك الزمن، لهذا أعدت مشاهدة كل الوثائقيات عن الحرب العالمية الثانية، استعنت بأصدقاء سمعوا بعض الحكايات عن تلك الفترة، ولكنها لا تصلح كلها للسياق الذي سار فيه السرد، الشيء الآخر الذي أشعل صوراً ملهمة لديَّ هي رموز في تلك المنطقة، مثل شجرة التين (كرموسة قويدر)، وكذلك حكايات عن جرذان طبرق وهو لقب الجنود الأستراليين، ومواقع كثيرة جرت فيها معارك، كانت كمية المعلومات غير مترابطة، وكل من أتحدث إليه لديه روايته الشخصية.

المعلومات والصور وبعض الحكايات الصغيرة، جعلتني أشعر بالحماس لمتابعة مشروعي معتمدة على صوت في رأسي يقول: ماذا لو حدث هذا؟ بالذات عندما حللت رسالة والدة الرسام القصيرة وصارت كل كلمة فيها مفتاحاً للولوج إلى عالم متخيل أرسم صوره وأحداثه ومن ثم أدونها.

جون بيرل اتخذ قراره بالانضمام إلى الجيش بعد لقاءٍ مع غريب في بار.. هل نصيحة غريبٍ، في رأيك، قادرةٌ على أن تجعله يتخذ قراراً مصيرياً مثل هذا؟ أعود لرسالة والدة الرسام التي ذكرت فيها أن قرار انضمامه كان مفاجأة لها، ولكنه برر الأمر بأن الفنان عليه أن يخوض تجارب كثيرة في الحياة واعتبر أن الانضمام إلى الجندية سيوفر له تلك الخبرات، مشهد الحانة وما حدث فيه كان متخيلاً بالكامل لكني حرصت أن يقارب الحالة النفسية لشاب وفنان في ذلك الزمن.

في رأيك لماذا كان جون مصمماً على الإكمال رغم أن موقعة «دنكيرك» منحته ومنحت الجميع نذيراً بما يمكن أن يحدث لهم في الحروب؟ النقصان يستدعي مخيال الروائي ليكمل وضع الأحجار الناقصة ويعيد تشكيل لوحة الحياة التي يتمنى لو كانت على هذا المنوال.

على الروائي تقويض الحكاية المتداولة أو ما يعتقد أنه تأريخ، لهذا كان على جون أن يصل طبرق ويرسم الجدارية، وكان عليَّ أن أرسم بدوري تلك الأحداث التي تدعم رؤيتي لمغامرته. وحتى أستمر في كتابة الرواية استحضرت أبرز الوقائع التي مرت بها كتيبة المشاة التي انضم إليها جون، كنت ألهث بين الوثائق التاريخية وبين ما يفرضه العمل الفني. للوصول إلى صياغة تصبح مرآة للواقع كما تخيلته.

ما الذي تمثله جدارية (الباردي) بالنسبة لك؟ وهل نجحتِ في تقديمها بالشكل الذي كنتِ تحلمين به؟ لا أخفيك أني وقعت في غرام الجدارية، لما تمثله من معاني إنسانية في ذلك الوقت الصعب، حيث تدور الحرب العالمية الثانية، وتصل آثاره لقرية شبه نائية في ليبيا، أحببت العمل بعد أن علمت أن جون وضع لها عنوان «مباهج الحياة» وقسمها إلى ملذات، عن طريق رسم عالم الحرب والسلام، التقسيم حاد ومؤلم للغاية، لكنها ألهمتني من البداية كيفية توزيع فصول الرواية، لم ألتزم برؤية جون بريل، واخترت عناوين الفصول حسب حركة شخصيات العمل وعلاقاتها وإعادة رسم صور في ذهني تتلاءم مع النص الذي أكتبه.

هل وجود أشخاص مثل جون بيرل يخفف من الوجه القبيح للاحتلال؟

طبيعة الاحتلال الإيطالي كما كتبتها في الرواية تظهر كم كان غاشماً وكيف هجر الأهالي ووضعهم في معسكرات اعتقال على أطراف الصحراء، كيف أعدم بقسوة كل من حاول الهروب، حتى يكسر شوكة المقاومة ورجالها في كهوف الجبال، لكن مع بداية الحرب العالمية الثانية انتهت معسكرات الاعتقال وضعفت سيطرة إيطاليا، وجاء الحاكم العسكري « إيتالو بالبو» ليعيد تشكيل الشاطئ الرابع (ليبيا) التي تسمى «صندوق الرمل»، ليس لأنه طيب القلب ولكن ليصنع مجده الشخصي، فهو كان يطمح إلى الانقلاب على موسوليني، وهذا الأخير تنبه في اللحظة الأخيرة لمشروع بالبو وقام بالإيعاز إلى إحدى السفن الحربية الراسية في ميناء طبرق بقصف طائرة الحاكم العسكري، والادعاء بأن الأمر تم بالخطأ. حدث ذلك عشية اندلاع الحرب الكبرى وتراخي قبضة المحتل، أما دور الإنجليز الذين كانوا في الجوار مستعمرين للشقيقة مصر، وجدوا بأن مصلحتهم مساعدة الليبيين في دحر الإيطاليين وبالتالي تصبح ليبيا مناطق نفوذ جديدة لهم، في الرواية أظهرت التناقض بين مشاعر الشعب المصري والليبي في تلك الفترة، من خلال مشهد المنصوري وهو يمشي في شوارع القاهرة ويشاهد مظاهرة ضد الإنجليز فينضم إليها تلقائيا، ثم يبتعد عنها عندما يسمع هاتفاً داعياً بنصر الإيطاليين عليهم.

إذن لا يوجد وجه جميل لأي احتلال، لكن ما يتركه من آثار فنية ومعمارية تبقى إرثاً لأهل البلاد، وهذا يحدث على مر الأزمان، وقد عرف شمال إفريقيا الاحتلال الروماني والإغريقي وغيره.

مقالات مشابهة

  • أعضاء الجسم التي تتراكم فيها المواد البلاستيكية الدقيقة.. وهذا ما يحدث للصحة!
  • تحالفات حزب الله مريحة.. مرحلة 2005 لن تتكرر
  • الحرب على غزة والحسم في الضفة
  • السيسي: سنضع حدا لهذه الحرب
  • «شكرًا للخطيب الذي يحقق أحلامنا».. رسالة مؤثرة من عبد المنعم بعد رحيله عن الأهلي
  • «500» يوم ضد الكرامة
  • بلادنا بين مطرقة الحرب وسندان الكوارث الطبيعية
  • جمعية الصحفيين الإماراتية .. يوم المرأة الاماراتية يوم فارق من أيام الوطن
  • بولو فاليري في مركز لإيواء النازحين بمدينة كوستي (2-2)
  • الليبية رزان نعيم المغربي: أكتب ويدي على قلب القارئ