الجزيرة:
2025-03-18@17:52:19 GMT

كيف أصبح غوغل محرك البحث الأشهر بالعالم؟

تاريخ النشر: 18th, July 2024 GMT

كيف أصبح غوغل محرك البحث الأشهر بالعالم؟

يعلم جميع المستخدمين أن كلمة "غوغل" تُعبر عن الوسيلة الرئيسية لإيجاد أي شيء على الإنترنت، رغم أن العديد منهم لا يعلم ماهيته أو كيف يعمل.

يهيمن غوغل على مشهد محركات البحث في العالم، فهل تساءلت يوما كيف؟ بالطبع ليس صدفة، إن فهم سبب تفوق غوغل في عالم محركات البحث يمكن أن يوفر رؤى قيمة لأي شخص يتنقل في المشهد الرقمي الحديث اليوم.

تعود شهرة محرك البحث غوغل إلى خوارزميته المتفوقة، حيث يفهرس مليارات الصفحات على الويب بسرعة فائقة، ويقدّم نتائج ذات صلة عالية للمستخدمين في جميع أنحاء العالم بفضل الجهود الجبارة التي تُبذل في هذه العملية على مدار الساعة طوال أيام الأسبوع من جانب فريق غوغل العالمي.

ولكن تفوق غوغل لم ينتج من فراغ. دعونا نلقي نظرة أقرب على الشبكة المعقدة من العوامل التي دفعت غوغل إلى القمة، لنفهم سبب تفوقه بوصفه قوة عظيمة في العالم الرقمي.

تتغير خوارزميات غوغل مئات المرات في العام لمواكبة سلوكيات المستخدم المتغيرة والتقدم التكنولوجي، مما يجعل نتائجها أكثر دقة وفورية (شترستوك) خوارزميات بحث غوغل

تعدّ خوارزمية البحث في غوغل بمثابة المعيار الذهبي في العالم الرقمي، وذلك بفضل مجموعة من العوامل التي تعمل بسلاسة لتقديم نتائج البحث الدقيقة التي نعتمد عليها جميعا.

في جوهرها، تستند خوارزمية غوغل إلى معادلات رياضية معقدة وتعلم الآلة لتحليل وتصنيف صفحات الويب بالاعتماد على معايير مختلفة. تلعب العوامل مثل الصلة وقوة الموقع والحداثة وتجربة المستخدم دورا في تحديد مكان الصفحة في نتائج البحث.

وذكر غوغل أن خوارزميته تتغير مئات المرات في العام لمواكبة سلوكيات المستخدم المتغيرة والتقدم التكنولوجي. هذا ما يجعل نتائجه أكثر دقة وفورية من أي محرك بحث آخر. بالإضافة إلى ذلك، يستخدم غوغل أكثر من 200 عامل تصنيف عند تحديد النتائج التي سيتم عرضها للمشاهد وبالترتيب. هذا الالتزام بالابتكار يضمن بقاء غوغل في الصدارة وتقديم النتائج الأكثر دقة وحداثة ممكنة.

تعمل دقة خوارزمية محرك البحث على ضمان حصول المستخدمين على المعلومات التي يحتاجونها على الفور بدلا من اضطرارهم إلى التمرير عبر صفحات من نتائج البحث.

تعمل ميزات محرك البحث غوغل على تحسين تجربة المستخدم، بالإضافة لكونها مفيدة للشركات ومواقع الويب (غيتي) ميزات محرك بحث غوغل

سبب جوهري آخر لكون غوغل أشهر محرك بحث هو ميزاته المتنوعة. فميزات محرك البحث هي العناصر الإضافية التي سيراها المستخدم في صفحة النتائج.

لا تعمل ميزات محرك البحث على تحسين تجربة المستخدم فحسب، بل يمكن أن تكون مفيدة للشركات أو مواقع الويب. فمن أجل أن تظهر الشركات محتوى موقعها في نتائج البحث، يجب عليها اتباع بعض الممارسات الأساسية من مثل تحسين المحتوى على الصفحة واستخدام ترميز المخطط وشراء الإعلانات.

عند البحث عن نتائج رياضية أو أسعار الأسهم أو توقعات الطقس أو مواعيد عرض الأفلام، سيوفر غوغل كل هذه المعلومات دون عناء من خلال شراكاته مع مزودي معلومات متخصصين.

بالإضافة إلى ذلك، تعرض الاتجاهات والأماكن في غوغل أفضل مسار على الخرائط. فعندما يبحث المستخدمون عن عنوان ما مثل شارع معين أو مكان مشهور لا يكون هدفهم الحصول على رابط للانتقال إلى المواقع الإلكترونية التي تشير إلى هذا الشارع، إنما يريدون على الأرجح معرفة مكان العنوان وكيفية الوصول إليه. ولهذا السبب، يعرض غوغل الخرائط للمساعدة في الانتقال إلى الوجهة المحددة، أو العثور على الأنشطة التجارية المحلية والمعلومات بسهولة أكبر.

ثم إن ميزة الاقتراحات تساعد المستخدمين على اكتشاف اهتماماتهم بشكل أفضل. وهي خلاصة مخصّصة تساعد في الاطّلاع على محتوى يستند إلى اهتمامات المستخدم وتكون ذات صلة قوية بالموضوع الذي يبحث عنه.

يتفق المستخدمون عموما على أن غوغل يوفر أفضل النتائج من بين جميع محركات البحث الحالية أو المنصات الاجتماعية (شترستوك) الموثوقية

في عالم يعج بانتشار المعلومات الخاطئة، نجح غوغل في كسب ثقة مليارات المستخدمين حول العالم. ولكن ما الذي يجعل نتائج بحث غوغل تبعث على مثل هذه الثقة؟ الجواب هو "الصلة". بَنى غوغل سمعته على تقديم نتائج بحث عالية الصلة تلبي احتياجات وتوقعات المستخدمين. سواء كنت تبحث عن آخر الأخبار أو مطعم محلي أو بحث معمق حول موضوع متخصص، فإن غوغل يوفر لك ما تبحث عنه. وليست الصلة هي العامل المساهم الوحيد، بل الأمر يتعلق أيضا بالشفافية.

يبذل غوغل قصارى جهده لضمان فهم المستخدمين طريقة عمل خوارزمية البحث الخاصة به وكيفية ترتيب النتائج. تساعد هذه الشفافية في بناء الثقة في نتائج بحث غوغل، مع العلم أنها تستند إلى الجدارة وليس التلاعب.

وفق استطلاع رأي أجراه موقع "ماركيت ماي ماركيت" (Market My Market) عام 2023، فإن المستخدمين يتفقون عموما على أن غوغل يوفر أفضل النتائج من بين جميع محركات البحث الحالية أو المنصات الاجتماعية، رغم أنهم يعتقدون أنه قد يغير أو يقمع المعلومات الحساسة المتعلقة بالقضايا الاجتماعية والسياسية.

يلجأ أصحاب المواقع والمدونات لظهور محتوياتهم في محرك بحث غوغل دون غيره لما يوفره من سرعة ظهور في نتائج البحث (شترستوك) فهرسة مليارات الصفحات بسرعة

يمكن لغوغل إدارة وفهرسة مليارات صفحات الويب بسرعة كبيرة، ويكمن السر في نظام الزحف والفهرسة المتطور الخاص به. لدى غوغل جيش من الروبوتات المعروف باسم "العناكب" الذي يجول شبكة الويب باستمرار، ويتبع الروابط من صفحة إلى أخرى، ويجمع المعلومات على طول الطريق. تتميز هذه الروبوتات بأنها فعالة للغاية، حيث تتنقل عبر ملايين الصفحات كل يوم وتُحدّث فهرس غوغل في الوقت الفعلي.

ولكن الأمر ليس مجرد سرعة، بل يتعلق الأمر أيضا بتحديد الأولويات. صممت خوارزميات غوغل لزحف وفهرسة الصفحات الأكثر أهمية وصلة بالمقام الأول، مما يضمن حصول المستخدمين دائما على إمكانية الوصول إلى أحدث المعلومات.

إن هذه الميزة تدفع بأصحاب المواقع والمدونات للتركيز على ظهور محتوياتهم في محرك بحث غوغل دون غيره لما يوفره من سرعة ظهور محتوياتهم في نتائج البحث والوصول إلى عدد أكبر من الزوار.

استخدام غوغل للوصول لجمهور كبير

بعد أن أصبح غوغل محرك البحث الافتراضي لدى المستخدمين، توجه أصحاب المواقع والمدونات والمتاجر الإلكترونية وغيرها لاستقطاب جمهورهم من مستخدمي محرك بحث غوغل دون غيره، وهذا يخلق صدى لغوغل في هيمنته على بحث الويب في العالم. وهنا سنذكر أبرز النقاط للوصول إلى جمهور كبير عبر غوغل:

 

وصول لا مثيل له:

مع أكثر من 90% من حصة سوق محركات البحث العالمية، يوفر محرك بحث غوغل وصولا لا مثيل له إلى جمهور واسع. سواء كان جمهورك المستهدف محليا أو وطنيا أو دوليا، فإن نطاق غوغل الواسع يضمن اكتشاف الملايين من المستخدمين في جميع أنحاء العالم لمحتواك.

الاستهداف الدقيق:

تم تصميم خوارزميات البحث المتقدمة لغوغل لتقديم نتائج عالية الصلة للمستخدمين استنادا إلى استعلامات البحث الخاصة بهم. من خلال تحسين المحتوى الخاص بك للبحث، يمكنك التأكد من ظهوره أمام الجمهور الصحيح في الوقت المناسب، مما يزيد من احتمال المشاركة والتحويل.

الثقة والمصداقية:

اكتسب غوغل سمعة بوصفه مصدرا موثوقا للمعلومات، مما يجعله محرك البحث المفضل للمستخدمين الذين يبحثون عن محتوى موثوق. من خلال الظهور البارز في نتائج البحث على غوغل، يمكنك الاستفادة من مصداقية المنصة لبناء الثقة مع جمهورك وتعزيز سمعة علامتك التجارية.

تنسيقات محتوى متنوعة:

يدعم محرك بحث غوغل مجموعة واسعة من تنسيقات المحتوى، بما في ذلك النص والصور ومقاطع الفيديو والمزيد. يتيح لك هذا التنوع إنشاء محتوى جذاب ومقنع يتردد صداه مع تفضيلات الجمهور المختلفة، مما يزيد من فرصك في جذب الانتباه وتوجيه الزيارات إلى موقع الويب أو منصتك الخاصة.

ابتكار مستمر:

يعمل غوغل باستمرار على تطوير خوارزميات البحث وميزاتها لتلبية احتياجات وتفضيلات المستخدمين بشكل أفضل. من خلال مواكبة أحدث التطورات في محرك بحث غوغل، يمكنك الاستفادة من الفرص الجديدة والبقاء متقدمًا في المنافسة، وضمان بقاء محتواك مرئيا ووثيق الصلة بجمهور كبير.

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: حراك الجامعات حريات فی نتائج البحث محرک بحث غوغل محرکات البحث محرک البحث فی العالم من خلال غوغل فی

إقرأ أيضاً:

كيف أصبح الصومال حجر الزاوية في استراتيجية تركيا بأفريقيا؟

نشر موقع "إنسايد أوفر" تقريرًا سلط فيه الضوء على الدور التركي المؤثر في الصومال باعتبارها بوابة رئيسية للاستراتيجية التركية في أفريقيا، مشيراً إلى الدور الإنساني لأنقرة بعد زيارة الرئيس رجب أردوغان إلى مقديشو عام 2011، والتي تحولت فيها بعد ذلك لمؤثر اقتصادي وعسكري رئيسي في البلاد.

وقال الموقع، في التقرير الذي ترجمته "عربي21"، إن الصومال تحتل موقعًا محوريًا في الإستراتيجية الأفريقية لتركيا، فبفضل موقعها في القرن الأفريقي على طول طرق تجارية حيوية، وامتلاكها موارد بحرية غنية، حظيت الصومال باهتمام أنقرة لسنوات عديدة.

ويعود الارتباط الحديث بين تركيا والصومال إلى لحظة رمزية، ففي عام 2011، قام أردوغان، الذي كان آنذاك رئيس وزراء تركيا، بزيارة مقديشو في ذروة مجاعة مدمرة.

وكان أول زعيم غير أفريقي يطأ أرض الصومال بعد عقود من النزاعات، حيث جلب معه مساعدات إنسانية وسلط الضوء على معاناة البلاد أمام المجتمع الدولي. ورغم تقديم تلك الزيارة آنذاك على أنها بادرة إنسانية بحتة، فقد شكلت الأساس لشراكة تطورت بمرور الوقت لتصبح أكثر إستراتيجية.

منذ إعلان تركيا عام 2005 "عام أفريقيا" وحتى اليوم، سعت أنقرة إلى تعزيز علاقاتها مع العديد من الدول الأفريقية، لكن الصومال تبرز كحالة نموذجية لهذه الإستراتيجية. ففي أقل من عقد ونصف، انتقلت تركيا من كونها مجرد صديق إغاثي إلى أن أصبحت لاعبًا مهيمنًا في الصومال.

واليوم، تعد مقديشو المركز الرئيسي للوجود التركي في شرق أفريقيا، حيث تمثل مختبرًا يجمع بين التعاون والمصالح الوطنية التركية.

كيف استطاعت أنقرة دمج المساعدات والاستثمارات والقوة العسكرية والدبلوماسية لتوسيع نفوذها في الصومال وأفريقيا؟


التغلغل الاقتصادي: من التعاون إلى الاستثمار
أوضح الموقع أنه عقب زيارة 2011 مباشرة، قدمت تركيا نفسها كشريك سخي في عملية إعادة إعمار الصومال. ومن خلال وكالتها للتعاون تيكا (TIKA) ومنظمات إنسانية أخرى، موّلت أنقرة مشاريع حيوية شملت:
 إعادة تأهيل مطار آدم عدي الدولي في مقديشو
  تحديث ميناء العاصمة ليصبح أكثر حداثة وكفاءة
 بناء بنية تحتية صحية متطورة، بما في ذلك مستشفى ضخم يحمل اسم رجب طيب أردوغان

وفي غضون سنوات قليلة، وبفضل مئات الملايين من الدولارات في صورة مساعدات واستثمارات، نجحت تركيا في كسب ثقة الشعب الصومالي والحكومة، مقدّمة نفسها كحليف غير متحيز يسعى إلى تحقيق رفاهية البلاد.

ووراء واجهة التعاون، ضمنت أنقرة تدريجيًا هيمنة مباشرة على قطاعات إستراتيجية من الاقتصاد الصومالي. فقد حصلت شركات تركية مقربة من حكومة أردوغان على امتيازات طويلة الأجل دون مناقصات لإدارة البنية التحتية الرئيسية.

على سبيل المثال، حصلت مجموعة "ألبيرق" على إدارة ميناء مقديشو لسنوات، بينما تولت شركة "فافوري إل إل سي" التركية تشغيل مطار آدم عدي الدولي.

وقد منحت هذه الامتيازات إسطنبول موقعًا متميزًا على أهم المنافذ التجارية الصومالية. وإلى جانب الأرباح الناتجة عن تشغيل الموانئ والمطارات، تمنح هذه السيطرة نفوذًا سياسيًا واقتصاديًا كبيرًا، حيث إن من يتحكم في هذه البنى التحتية يمتلك تأثيرًا واسعًا على حكومة مقديشو.

بالتوازي مع ذلك، استثمرت تركيا في قطاع التعليم كأداة لاختراق ثقافي واقتصادي طويل الأمد. خلال السنوات الأخيرة، حصل العديد من الشباب الصوماليين على منح دراسية لمتابعة تعليمهم في الجامعات التركية، كما قامت أنقرة بتمويل مدارس وبرامج تعليمية داخل الصومال.

وبعد عام 2016، عقب القطيعة بين أردوغان وحركة غولن، عززت تركيا وجودها في المجال التعليمي عبر الاستحواذ على مؤسسات تعليمية محلية.

وهذا التطور يعني أن نخبة صومالية جديدة تنشأ حاليًا بتعليم ولغة وشبكات علاقات تركية. ومن منظور مستقبلي، فإن الأطباء والمهندسين والمسؤولين الحكوميين ورجال الأعمال الصوماليين، الذين تلقوا تعليمهم في إسطنبول أو أنقرة، سيكونون حلفاء طبيعيين وشركاء اقتصاديين لتركيا.


الحضور العسكري: بين التدريب والحرب علي "الإرهاب"
وذكر الموقع أنه على الصعيد العسكري، انتقلت تركيا من تقديم الدعم إلى أن أصبحت عنصرًا أساسيًا في أمن الصومال. ويعد كامب تركسوم أبرز رمز لهذا التحول، وهي قاعدة عسكرية ضخمة افتتحت في مقديشو في أيلول/ سبتمبر 2017، بتكلفة بلغت حوالي 50 مليون دولار، تمتد القاعدة على 400 هكتار بالقرب من الميناء والمطار، مما يجعلها أكبر منشأة عسكرية تركية خارج البلاد.

في هذه الأكاديمية العسكرية الحديثة، يقوم مدربون أتراك بتدريب القوات الصومالية بشكل مستمر، حيث تشير التقديرات إلى أن جنديًا صوماليًا من بين كل ثلاثة قد تلقى تدريبه على يد الجيش التركي.

ويتم تدريب مئات المجندين والضباط سنويًا، بما في ذلك وحدات النخبة مثل كوماندوز غورغور التابع للجيش، ووحدات الشرطة الخاصة "حرمد". ولا يقتصر الأمر على التدريب الفني فقط، بل تتضمن مراسم أداء اليمين لبعض الفرق الصومالية عزف النشيد الوطني التركي باللغة التركية، وهو ما يعكس التأثير الثقافي والعسكري المتزايد لأنقرة على القوات المسلحة الصومالية.

وبذلك أصبح الهدف لهذا الوجود العسكري المكثف هو مساعدة الصومال في محاربة الإرهاب الجهادي، وخاصة تهديد حركة الشباب، وهي جماعة مرتبطة بتنظيم القاعدة ونشطة منذ عام 2006. في هذا السياق، لم تقتصر التعاون العسكري التركي-الصومالي على تدريب القوات البرية فقط، بل بدأت تركيا في تزويد حكومة مقديشو بأسلحة متطورة، وعلى رأسها الطائرات المسيّرة الهجومية "بيرقدار تي بي 2".

بالنسبة للصومال، التي تفتقر إلى سلاح جو فعال، فإن امتلاك هذه المسيّرات التركية يعني القدرة على استهداف معاقل المسلحين بسرعة ودقة، وتقليل الاعتماد على الغارات الجوية التي ينفذها الشركاء الغربيون.

هذه الإستراتيجية تحقق مكاسب مزدوجة لتركيا: فمن ناحية، أصبحت الصومال منصة دعائية لصناعتها العسكرية، حيث تُستخدم أسلحتها في معارك حقيقية، مما يزيد من سمعتها عالميًا. ومن ناحية أخرى، يعزز الوجود العسكري التركي في الصومال مكانة أنقرة كقوة إقليمية، مما يوسع نطاق نفوذها الاستراتيجي في منطقة ذات أهمية جيوسياسية كبرى.


الهدف الطاقي: الاستفادة من الموارد الصومالية
وأشار الموقع إلى أن الوجود التركي في الصومال يبدو للوهلة الأولي ذو بعد إنساني وجيوساسي ولكن مع مرور الوقت أصبح واضحا أن هناك شراكات اقتصادية ملموسة، تتعلق بالموارد الطاقية الصومالية؛ ويُعتقد أن المياه الإقليمية الصومالية وأيضًا باطن الأرض تخفي احتياطات ضخمة من النفط والغاز الطبيعي، والتي ظلت غير مستغلة لعقود بسبب الحروب وعدم الاستقرار.

ولم تغفل أنقرة عن هذه الإمكانيات، وعملت بشكل ممنهج لتصبح الشريك المفضل لمقديشو في هذا القطاع، ففي عام 2016، نجح أردوغان في إبرام مذكرة تفاهم مع الحكومة الصومالية للتعاون في مجالي الطاقة والتعدين. وعلى الرغم من أن هذا الاتفاق ظل مجمدًا بسبب الاضطرابات السياسية، وخاصة بعد محاولة الانقلاب في تركيا في تموز/ يوليو 2016، إلا أنه عاد إلى الواجهة خلال السنوات الأخيرة.

وفي كانون الثاني/ يناير 2020، صادقت تركيا رسميًا على تلك الاتفاقية، في وقت وافقت فيه الصومال على قانون جديد للنفط، وأنشأت هيئة البترول الصومالية (SPA)، المسؤولة عن إدارة عقود الاستكشاف. وأدى هذا التطور إلى فتح الباب أمام تعاون مباشر بين أنقرة ومقديشو، حيث تمت دعوة شركة البترول التركية الحكومية رسميًا لإجراء عمليات استكشاف الهيدروكربونات في المياه الصومالية. وبذلك، ضمنت تركيا لنفسها حق استكشاف، وربما في المستقبل، الاستفادة من الثروات النفطية البحرية الصومالية، بالشراكة مع السلطات المحلية.

ولفت الموقع إلى أن الإمكانيات المطروحة هائلة، فوفقًا لدراسات جيولوجية وأبحاث زلازل حديثة، يُعتقد أن الأحواض البحرية الصومالية قد تحتوي على احتياطات ضخمة، حيث تُقدر بحوالي 30 مليار برميل من النفط المكافئ، وهو كنز طاقي من شأنه أن يثير اهتمام أي قوة عالمية.

تشمل المناطق الأولى المستهدفة للاستكشاف 15 بلوكًا على الأقل تمتد على طول ساحل المحيط الهندي وخليج عدن.

ومع ذلك، فإن هذه المشاريع ليست بمعزل عن التوترات الجيوسياسية، إذ إن بعض المناطق البحرية الواعدة تتداخل مع مناطق متنازع عليها مع دول مجاورة. ومن أبرز الأمثلة على ذلك، المنطقة البحرية عند الحدود الجنوبية للصومال، والتي تعد محل نزاع مع كينيا، وهو خلاف وصل حتى محكمة العدل الدولية.

وقد أثار دخول تركيا في السباق النفطي الصومالي انتباه وقلق العديد من القوى الإقليمية، التي تخشى أن تتمكن أنقرة من تحقيق تفوق استراتيجي جديد في قطاع الطاقة داخل القرن الأفريقي.

وإدراكًا لأهمية تأمين الأنشطة الاستخراجية المستقبلية، تعمل تركيا على دعم الصومال في تعزيز قدراته البحرية، فخلال السنوات الأخيرة، أطلقت أنقرة برامج لمساعدة مقديشو في إعادة بناء سلاح بحري فعال، بعد أن اختفى فعليًا منذ انهيار الدولة في التسعينيات؛ حيث يقوم مستشارون أتراك بتدريب عناصر خفر السواحل الصوماليين، ولا يُستبعد أن تقدم تركيا مستقبلاً زوارق دورية أو معدات بحرية. فحماية السواحل الصومالية ليست مجرد قضية وطنية، بل هي ضرورة استراتيجية لحماية الاستثمارات التركية من تهديدات مثل القرصنة، التي لا تزال نشطة في المنطقة، أو عمليات التخريب المرتبطة بالنزاعات الإقليمية.


الدبلوماسية التركية: من وسيط إلى منسق للسياسة الأفريقية
وأكد الموقع أن التحرك التركي في الصومال لا يقتصر فقط على الاقتصاد والجيش، بل استخدمت أنقرة أيضًا ورقة الدبلوماسية، مستغلة الصومال كنقطة انطلاق لترسيخ نفسها كوسيط سياسي، بل وحتى كمنسق في الديناميكيات السياسية الأفريقية الأوسع، فتعتمد الإستراتيجية التركية في أفريقيا على تقديم نفسها ليس كقوة معادية أو استعمارية جديدة، بل كفاعل يسعى إلى حل النزاعات، وتعزيز الحوار، ودعم اتفاقيات تحقق المكاسب للجميع – وهي سياسة "رابح-رابح" التي تهدف إلى تعظيم النفوذ التركي مع تقليل عدد الخصوم المباشرين.

وفي القرن الأفريقي، لعبت تركيا دور الوسيط الدبلوماسي في بعض الملفات الأكثر تعقيدًا. ومن الأمثلة البارزة تورطها في العلاقات المتوترة بين الحكومة المركزية الصومالية والمناطق ذات النزعة الانفصالية مثل أرض الصومال (صوماليلاند). هذه المنطقة، التي كانت مستعمرة بريطانية سابقة وأعلنت استقلالها من طرف واحد عن الصومال، أصبحت ساحة تنافس بين قوى متعددة، مثل الإمارات العربية المتحدة التي تسعى إلى إقامة قواعد عسكرية في ميناء بربرة.

واستفادت أنقرة من الثقة التي اكتسبتها في مقديشو وعرضت نفسها كوسيط، حيث عينت مبعوثين خاصين واستضافت محادثات لمحاولة التوصل إلى اتفاق سلمي بين مقديشو وهرجيسا (عاصمة صوماليلاند)، بهدف إعادة توحيد البلاد أو على الأقل إيجاد صيغة تفاهم مشتركة. في هذا المسعى، كان على تركيا أيضًا موازنة مصالح قوى إقليمية أخرى، وعلى رأسها إثيوبيا. فالعلاقات بين أديس أبابا والصومال كانت متقلبة تاريخيًا، ولكن اليوم، تُعد إثيوبيا شريكًا لكل من مقديشو وأنقرة، خاصة بعد أن بنى أردوغان علاقات قوية مع رئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد.

لهذا السبب، تحركت أنقرة بحذر شديد، من خلال إجراء حوارات متوازنة مع الطرفين لضمان أن أي استقرار في الصومال لا يهدد المصالح الإثيوبية. وساعد هذا النهج المتوازن في تعزيز صورة تركيا كقوة قادرة على التحدث مع جميع الأطراف في منطقة ممزقة بالصراعات الوطنية والعشائرية.
ولفت الموقع إلى أن الطموحات الدبلوماسية التركية تمتد إلى ما هو أبعد من القرن الأفريقي، ففي السنوات الأخيرة، عرض أردوغان مرارًا الخدمات الدبلوماسية التركية للتوسط في نزاعات بعيدة عن نطاق النفوذ التقليدي لأنقرة.

وأحد الأمثلة البارزة هو الصراع بين رواندا وجمهورية الكونغو الديمقراطية، الذي اندلع مجددًا بسبب تمرد مجموعة إم 23 في منطقة كيفو، وسط اتهامات متبادلة بين كيغالي وكنشاسا بالتدخل في شؤون بعضهما البعض. بينما كانت المجتمع الدولي يكافح لإيجاد حل، بادرت تركيا بعرض وساطتها، حيث أعلن أردوغان استعداده لتقديم "أي دعم ضروري" لحل النزاع، مستغلًا مكانته المتزايدة على الساحة الدولية.

ورغم أن العرض التركي لم يُقبل (حيث نظرت إليه الكونغو بريبة، مفضلة وساطات أفريقية)، إلا أن الرسالة السياسية كانت واضحة: أنقرة تسعى لأن يُنظر إليها كوسيط للسلام في وسط أفريقيا، مما يمنحها موطئ قدم دبلوماسيًا في مناطق لم يكن لها فيها أي وجود سابق.

وشدد الموقع أن أنقرة تتبنى خطابًا يقوم على التعاون المتكافئ، مع التركيز على مشاريع التنمية المتبادلة، والاستثمارات في البنية التحتية، والتبادل الثقافي، والتعليم، دون استخدام نبرة وعظية أو تدخلات سياسية مباشرة في الشؤون الداخلية للدول الأفريقية.

هذا النهج القائم على سياسة "رابح-رابح" مصمم لكسب القلوب والعقول دون إثارة مخاوف أو عداءات؛ تحرص أنقرة على تجنب خلق أعداء مباشرين، حيث تبني علاقات مع الحكومات المستقرة كما تحافظ على قنوات تواصل مع الدول المعزولة دوليًا، استنادًا إلى مبدأ المنفعة المتبادلة.

فعلى سبيل المثال، رغم كونها حليفًا وثيقًا للحكومة الصومالية، أبقت تركيا على علاقات دبلوماسية مع كينيا وغيرها من القوى الإقليمية، وتجنبت تحويل الصومال إلى ساحة صراع مفتوحة مع القوى المنافسة مثل الإمارات أو السعودية.

واختتم الموقع تقريره بالتأكيد على أن صعود تركيا في الصومال يمثل حالة دراسة حول كيفية تمكن قوة متوسطة الحجم من توسيع نفوذها بذكاء ومثابرة. فخلال أكثر من عشر سنوات بقليل، نجحت أنقرة في بناء قاعدة استراتيجية متكاملة داخل الصومال، تشمل وجودًا اقتصاديًا ووجودًا عسكريًا ووجودًا سياسيًا ودبلوماسيًا، وكل ذلك مدعوم بـخطاب تعاوني قائم على الأخوة والمصالح المتبادلة، يخفي لكنه لا يمحو حقيقة أن تركيا تسعى بلا هوادة لتحقيق مصالحها الوطنية.

مقالات مشابهة

  • مدير الرقابة والتدقيق الداخلي في وزارة الاتصالات وتقانة المعلومات الأستاذ ماهر عبد الباقي في تصريح لـ سانا: خلال الأشهر الثلاثة الماضية تمت إحالة ٤٣ ملفاً إلى مديرية الرقابة والتدقيق الداخلي لدراستها، حيث تم اتخاذ قرارات بشأن ٣٠ ملفاً منها، مع معالجة المخ
  • غوغل تتخلى عن مساعدها غوغل أسيستنت وتستبدله بنموذج جيميناي
  • استغرق العلماء عقدا لحلها.. الذكاء الاصطناعي يحل مشكلة معقدة في يومين فقط!
  • لحظة اشتعال محرك طائرة أمريكية وإجلاء الركاب .. فيديو
  • الذكاء الاصطناعي الصيني يهدد بيانات المستخدمين لشركة أمريكية
  • كيف أصبح الصومال حجر الزاوية في استراتيجية تركيا بأفريقيا؟
  • غوغل تعلن عن نماذجها الجديدة للذكاء الاصطناعي
  • عبد الرحمن المطيري يشيد بالإنجازات التي حققها لاعبو ولاعبات الكويت في الأولمبياد الخاص “تورينو 2025”
  • اللهيبي: القيادة التعليمية أصبحت محركًا أساسيًا للتطوير المستدام
  • خبراء: رمضان محرك اقتصادي نشط يدعم قطاعات حيوية في الإمارات