الكتابة في زمن الحرب (31): عن التعليم بعد الحرب
تاريخ النشر: 18th, July 2024 GMT
“أنا لم أقم بمعجزة في سنغافورة، أنا فقط قمت بواجبي نحو وطني، فخصصت موارد الدولة للتعليم، وغيرت مكانة المعلمين من طبقة فقيرة إلى أرقى طبقة في سنغافورة. فالمعلم هو من صنع المعجزة، هو من أنتج جيلاً متواضعًا يحب العلم والأخلاق بعد أن كنا شعبًا يبصق ويشتم بعضه في الشوارع.”
لي كوان يو، مؤسس دولة سنغافورة
لا يختلف اثنان في أن التعليم هو أساس التنمية البشرية التي لا يمكن للإنسان الاستغناء عنها.
اليوم، سوف نحاول أن ننظر إلى أولويات التعليم حسب الحاجة الملحة. نعتقد أن الناس سوف يفاجأون عندما تضع الحرب أوزارها بخراب بيوتهم، ولهذا يجب علينا أن نكون مستعدين لمواجهة هذه التحديات. ولتفادي الصدمات النفسية، نرى أنه من المهم الآن تأهيل الناس نفسيًا قبل أن تدركهم الصدمة ويتفاجؤوا بالخراب والدمار
فيما يلي بعض المقترحات لتقديم حلول للمشاكل التي قد تواجه الناس بعد العودة من منافيهم:
1.التأهيل المهني:
إعادة بناء البلاد بعد الحرب تتطلب عددًا كبيرًا من المهنيين في مختلف المجالات. التأهيل المهني يشمل تدريب الشباب والبالغين على مهارات عملية مثل النجارة، والحدادة، والبناء، وصيانة المعدات. هذه المهارات ستكون ضرورية لإعادة إعمار البنية التحتية المدمرة وإنشاء مشاريع جديدة تساهم في تحسين الاقتصاد الوطني.
2.التمريض:
نظام الصحة في فترة ما بعد الحرب سيكون بحاجة ماسة إلى الكوادر المؤهلة. تدريب المزيد من الممرضين والممرضات يعتبر من الأولويات لضمان توفير الرعاية الصحية اللازمة للمجتمع. التمريض لا يقتصر على العناية بالمرضى في المستشفيات فحسب، بل يشمل أيضًا العمل في المناطق الريفية والمجتمعات المحرومة.
3.التوليد (قابلات):
رعاية الأمومة والطفولة تعد من أهم الخدمات الصحية، خاصة في فترات ما بعد الحرب حيث تزداد الحاجة إلى خدمات التوليد. تأهيل القابلات وضمان تواجدهن في جميع أنحاء البلاد يمكن أن يقلل من معدل وفيات الأمهات والأطفال ويضمن ولادة صحية وآمنة.
4.إغلاق الكليات النظرية لمدة:
في ظل الظروف الاستثنائية التي تعقب الحروب، يمكن النظر في إغلاق بعض الكليات النظرية مؤقتًا لتحويل الموارد نحو التعليم المهني والتقني الذي يلبي احتياجات إعادة الإعمار العاجلة. هذا لا يعني إهمال التعليم النظري بالكامل، بل توجيه الجهود نحو المجالات الأكثر ضرورة.
5.التعليم الزراعي والبيطري:
الزراعة تمثل عصب الحياة في العديد من المناطق السودانية. تأهيل الكوادر في مجال الزراعة والبيطرة يمكن أن يسهم في تحسين الإنتاج الزراعي وزيادة الثروة الحيوانية، مما يدعم الأمن الغذائي ويساعد في بناء اقتصاد قوي ومستدام.
6.إعادة تأهيل الطرق والخدمات:
إعادة تأهيل الطرق وتصريف المجاري وتوفير المياه والكهرباء والنظافة ونقل النفايات تعتبر من الأولويات لإصحاح البيئة. هذه الجهود تتطلب وجود مهنيين مؤهلين في مجالات الهندسة المدنية، وإدارة الموارد المائية، والطاقة، وإدارة النفايات. التأهيل المهني في هذه المجالات يضمن تحقيق تنمية مستدامة وبيئة صحية للمواطنين.
من خلال التركيز على هذه الأولويات، يمكن للسودان أن يبدأ في بناء مستقبل أفضل وأكثر استقرارًا بعد الحرب، حيث يتمتع المواطنون بتعليم جيد وخدمات أساسية تسهم في تحسين جودة حياتهم.
في الختام نأمل ان تجدوا هذا النص أكثر تماسكًا وفائدة ويعبر بشكل أوضح عن الأولويات والحلول المقترحة. إذا كنت ترى النص الذي تم كتابته يعبر بشكل شامل عن الأولويات والاحتياجات الضرورية للتعليم وإعادة الإعمار في السودان بعد الحرب. وسنحاول مواصلة الكتابة في هذا المجال إن شاء الله .
مع خالص تحياتي وتقديري للجميع
عثمان يوسف خليل
المملكة المتحدة
osmanyousif1@icloud.com
المصدر: سودانايل
كلمات دلالية: بعد الحرب
إقرأ أيضاً:
العودة المؤجلة.. نازحو غزة في القاهرة يترقبون إعادة الإعمار
أهازيج العودة التي صدحت عبر القنوات التلفزيونية، مبشرة بالنصر وممجدة للتحرير، رافقت الآلاف في طريقهم من مناطق النزوح إلى قلب غزة. ولكن وقعها كان مختلفًا على من أجبرتهم الظروف على مغادرة ديارهم إلى الغربة.
ومشاهد العودة والسير على الأقدام لم تكن تمر مرور الكرام على الغزيين في القاهرة، على عكس من بقوا في ديارهم. فقد كانوا يحدقون في كل مشهد، يبحثون عن وجه مألوف، قريب أو صديق، ابن أو جار، متمنين أن يكونوا بينهم، وخائفين في الوقت ذاته من أن تعود المحنة التي ظنوا أنها انزاحت، دون أن يدري أحد إلى متى ستظل الأوضاع على هذا النحو.
سنعود يوما إلى ديارنا.. نزيل الغبار وآثار الخراب والدم
سوف نعود.. ونزرع نوافذنا ورود
ونملأ السهول اخضرار وكل الروابي والقفار
ليأتي الصبح مبتسما.. ويرسم الجوري على الخدود
"بيتنا اللي سكنت فيه سنة في منطقة تل الهوى عند دوار الدحدوح، عاد إليه أبنائي فوجدوه أثرًا بعد عين" بهذه الكلمات تروي أم غانم، الغزاوية التي جاءت إلى القاهرة قبل أسبوعين من اندلاع الحرب لحضور زفاف ابنها، لكنها لم تتمكن من العودة إلى الوطن منذ ذلك الحين.
وبصوت يختنقه الحزن والدموع، تحكي أم غانم للجزيرة نت عن لحظة عودة أبنائها من خان يونس إلى بيتهم في تل الهوى، وعن أبنائها التسعة الذين تفرقت بهم السبل بعد النزوح: أربعة استقروا في خان يونس، ومثلهم غادروا معها من غزة، بينما بقيت ابنتها الوحيدة مع أشقائها المتزوجين هناك بسبب إصابتها بشلل الأطفال. وبأسى تقول "لو كنت أعرف اللي هيحصل كنت أخذتها معي.. لكنه حكم الله ولا راد لحكمه".
إعلانوتتابع أم غانم حديثها عن منزل العائلة في تل الهوى، الذي شيدته على مساحة 400 متر، وزينته بحديقة جميلة وأثاث اختارته بعناية، بعد سنوات من الكفاح والعمل. لكن فرحتها بمنزلها لم تدم طويلًا، إذ جاءت الحرب لتدمر كل شيء. وتقول بمرارة "قضينا عاما واحدا فقط بالمنزل، ثم أتت الحرب على كل شيء، والحمد لله أن الولاد بخير وما حدا فيهم انضر".
وقد نجا من القصف والدمار منزل الزوجية القديم في حي الدرج، الذي غادرته قبل 3 أعوام، فأصبح ملاذًا لأبنائها وأسرهم، الذين سكنوا فيه مع أعمامهم وعائلاتهم بعد أن دُمرت منازلهم، بانتظار إصلاحها. وتقول "نعيش كل أسرتين في غرفة، لكن والله أفضل من الخيام. الحمد لله على رحمة ربنا".
ولا ترى أم غانم أملا في عودة قريبة لقطاع غزة، فكيف تعود مع أبنائها الأربعة وزوجها لتزيد هموم الموجودين هناك، لكن أملها الوحيد أن تخرج ابنتها المريضة من القطاع للعلاج في مصر لأن "حالتها تتدهور ولا أمل في علاجها هناك".
ورغم أن أم غانم شهدت عمليات إعادة إعمار القطاع في السابق، إلا أنها تدرك أن الأمر ليس بالسهولة أو السرعة التي قد يظنها البعض. وتوضح قائلة "الإعمار يستغرق سنوات.. فحتى بعد آخر عملية إعادة إعمار، لا تزال هناك مناطق في غزة لم تصلها يد البناء وتعاني من آثار الحرب السابقة حتى اليوم. فما بالك بهذه الحرب التي دمرت كل شيء؟".
وإلى القاهرة، رحلت أميرة مع أطفالها الثلاثة، تاركة وراءها أسرتها وأشقاءها وزوجها. وكُتب لها النجاة مع أبنائها، لكنها لم تكن نجاةً كما تصفها، بل كانت معاناة من نوع آخر: وحدة ثقيلة ومسؤولية كبيرة ألقيت على عاتقها في بلاد الغربة، ومعاناة لا تنتهي مع كل خبر تتابعه على شاشات التلفاز أو عبر الهاتف، الذي لا ينقل لها أصوات أحبّتها إلا حين تتوفر الكهرباء والشبكة وشحن الهواتف.
إعلانوكل يوم، كان ألم أميرة ذات الـ26 عامًا يزداد، مترقبّة لحظة إعلان وقف إطلاق النار، حتى جاءها الخبر أخيرًا. لكنه لم يكن فرحة خالصة، بل امتزج بالحزن، كما تقول للجزيرة نت "مشاهد العودة كانت صعبة، وكل متابعتي لها كانت بالبكاء. كنت أتمنى أن أكون مع أهلي وإخوتي وزوجي، كما مررت معهم بكل لحظات النزوح والتشريد والمعاناة في الخيام، كنت أتمنى أيضًا أن أعيش معهم فرحة العودة إلى غزة وبيوتنا".
الخطة الآن لا توجدبينما كان زوجها وعائلتها يعودون إلى غزة، كانت أميرة تواجه تحديًا آخر في القاهرة، حيث اضطرت للانتقال من شقة إلى أخرى بمفردها، متحملة مسؤولية أطفالها الثلاثة. لكنها لا تقارن وضعها بما يعيشه أهل غزة اليوم، ولا همومها بهمومهم. فبالنسبة لها، ما تعتبره معاناة هنا هو في الواقع رفاهية يتمناها كل غزّاوي، كما تقول "أتمنى أن يتمّم الله عليهم شعور الراحة والأمان وهدوء البال. بعد الحرب، أدركت أن الخوف أقسى بكثير من المرض أو الموت أو حتى الفقر والاحتياج".
العودة غير مطروحةتوضح أميرة للجزيرة نت أن عودتها وأطفالها لم تعد مرتبطة فقط بوقف إطلاق النار، فالوضع في غزة أصبح أكثر تعقيدًا وأشد صعوبة. وتقول "لا يوجد أي مقومات للحياة حاليًا فلا كهرباء ولا مياه ولا غاز ولا منازل، حتى الأرض لم تُمهَّد بعد لإعادة البناء".
وفي انتظار ما ستؤول إليه التطورات الدولية بعد التصريحات الأخيرة للرئيس الأميركي، تأمل أميرة أن تبدأ عملية إعادة الإعمار، وتضيف "لذلك، أنتظر العودة بعد إعادة الإعمار، إلى جانب أنه ليس مسموحًا لنا الآن بالعودة إلى القطاع بأوامر من إسرائيل".
وتتابع المواطنة بمرارة "خرجنا من غزة بإرادتنا، لكننا الآن مجبرون على البقاء بعيدًا عنها" وتشير إلى أن خروج زوجها من القطاع للالتحاق بها في القاهرة أمر شبه مستحيل حاليًا بسبب التشديد على المعابر، حيث يقتصر السفر على الأسرى والمصابين فقط.
العودة لا تعني السلامة أو النجاةعلى الجانب الآخر، كان جميل سعيد زرد (45 عامًا) -الذي أمضى في القاهرة 10 سنوات منذ مغادرته غزة عام 2015- يقضي ليلته محدقًا في شاشة الأخبار، يتابع لحظات عودة الغزيين إلى وطنهم، باحثًا بين الوجوه عن ابنه الوحيد بين 10 آخرين من إخوته، ولكن منير (23 عامًا) أصرّ على البقاء هناك. وانتقل بين غزة وخان يونس، ثم عاد إلى منزله المهدم، حيث وجد تحت أنقاضه أسرة عمه بأكملها، بعد أن قُصِف المنزل عليهم، ليستشهدوا تحت الركام، إذ لم يغادروا مع النازحين.
إعلانويقول زرد بصوت يملؤه الحزن "ابني رفض مغادرة غزة، رغم أن جميع إخوته خرجوا خلال الحرب. جاؤوا مع أزواجهم وأبنائهم، ودبرنا أمورهم هنا في القاهرة".
زرد -الذي يملك مطعمًا فلسطينيًا في القاهرة- لم يعد مطعمه مجرد مصدر رزق لعائلته، بل أصبح ملاذًا لكل غزيّ يطرق بابه طلبًا للمساعدة. ويقول "قدّمت ما استطعت هنا، لعل الله يلطف بابني الذي بقي هناك ويعيده لي سالما". ثم يستدرك وكأن الكلمات تخنقه "لكنه لن يعود سليمًا، حتى لو نجا".