سودانايل:
2024-11-16@23:33:45 GMT

لمحات من تاريخ الخرطوم ونشأة الضرائب

تاريخ النشر: 18th, July 2024 GMT

لمحات من تاريخ الخرطوم ونشأة الضرائب
يرويها الاستاذ محمد سيد احمد الحسن
حررها عادل سيد احمد
(الجزء الاول)
الكلام عن العتبانية والقبانية وما لف لفها من أسماء كبيرة، فقد دخل اسلافهم السودان مع الانجليز الذين كونوا سلطة في الخرطوم مدنية، وكان الانجليز على راس هذه السلطة، تبدأ من الحاكم العام والسكرتاريين ومدراء المديريات والمفتشين، يليهم المصريون الذين كانوا الشريك الثاني في فترة الحكم الثنائي وكانوا يشغلون وظائف المآمير ونواب المآمير يليهم أناس ذوو خبرة في العمل في وظائف الدولة لا هم انجليز ولا هم مصريين، وتختارهم السلطة لإنجاز مهام وظيفية معينة في الادارات المختلفة.

ومن بين هذه الادارات كانت هناك اهمية خاصة للمالية.
كان الانجليز يرغبون في إيجاد مصادر دخل للصرف على الدولة، فأنشأوا إدارة مختصة بالعتب وهي مشتقة من كلمة (عتبة) لبيت او دكان، بحيث ان اي مبنى كان يسمى العتبة وتؤخذ عليها ضريبة تسمى (العتب)، وعينوا جهات مختصة بجمع تلك الضرائب كانت ملمة بالأرقام المطلوبة وتعرف الناس وما عليهم... وكان متولي العتباني (ويقال انه تركي) لا يتبع للسلطات الحاكمة... ولكنه كان موظف في الدولة وله سلطات تقدير المباني والرسوم المستحقة عليها وتحصيلها وهكذا: (يعني عتباني)، ونسبة شخص إلى مهنته جاءتنا من مصر فليس لها جذور عند السودانيين... فالمصريين يسموا الناس بمهنهم مثل العتباني، القباني، الفوال، الساعاتي وهكذا... وهذا ان دل على شيء انما يدل على أن العتبانية قد قدموا إلينا من مصر وفي الغالب هم أتراك او من مناطق آسيا الوسطى حول تركيا.
كان متولي العتباني مسؤول عن تحصيل العتب، الذي استمر بهذا الاسم حتى الستينات ثم اتخذ اسماء أخرى ولكن ما زال تحصيله يتم حتى اليوم... وكانت تحصله السلطات البلدية او الحكومة المحلية وتصرفه منه على النشاط اليومي للدولة.
وقد انضافت للعتب جبايات أخرى كالتراخيص والأراضي ولكن ظل هو هو (العتباني)... إلى أن تطورت تلك الجبايات إلى الضرائب الحالية وتعني ان تتحصل الدولة على رسوم تفرضها على اشياء، فمثلا إذا اراد أحدهم بيع او شراء أرض فسوف يطلبون منك خلو طرف من الضرائب واخر من الذكاة او الرسوم المحلية..
وهكذا تطور التحصيل وصار مماثلا للعتب فيما مضى والمتحصلون يسمون العتبانية.
ونأتي هنا على ذكر القبانية، وهم مثل العتبانية من شعوب المنطقة التركمانستية (تركيا وما حولها).
والقباني هو ميزان كبير (طبلية) ما يزال موجودا حتى اليوم، وهو مختص بالأوزان الكبيرة فالميزان العادي يوزن بالرطل وبالكيلو والقبانة توزن الأشياء الكبيرة كمحاصيل العيش، القطن، التمر وخلافها وهي التي تصنف المحصول من حيث الجودة إلى درجات كما تحدد الأسعار والمبالغ الواجب سدادها كرسوم على تلك المحاصيل. وكانت كلها تسمى (العشور)، إذا كانت في المحاصيل الزراعية (بما فيها النخل) او المواشي وخلافها من أنشطة اقتصادية، وذلك لان الدولة لم تكن لها دخول غير هذه العشور. وكان القباني هو من يتحصلها وهو الذي يحدد الصادر والوارد، وتوجد القبانة حتى اليوم في مدن القضارف، الابيض، ومناطق الانتاج الزراعي، وهي التي تصنف البضاعة عند دخولها السوق (درجة اولى، تانية، ... الخ)، وتحدد اسعار المحاصيل، فتضع اسعار السمسم والفول والعيش وخلافها، ثم تطورت هي الأخرى فصارت تسمى المكاييل والموازين، وكانت قد أنشئت في فترة من الفترات (مصلحة التموين) ثم صارت وزارة التموين، مهمتها توفير السلع في السوق وتحديد الأسعار والاوزان، وتقوم بتوفير السلع التي تصيبها الندرة فيهبط سعرها مرة اخرى بعد غلاء.
المصالح الحكومية الحالية قامت على نشاط هؤلاء العتبانية والقبانية وامثالهم.
كان المجتمع مقسم لفئات فالإنجليز كما ذكرت لك كانوا حكام، الحاكم العام والسكرتير الاداري والسكرتير المالي والسكرتير القضائي والمفتشين. كانت هناك تسعة مديريات وعلى راس كل منها مفتش يليهم المصريون في وظائف المآمير ونوابهم بحكم شراكتهم في الحكم بموجب الحكم الثنائي يليهم العمد والنظار والشيوخ وهكذا، هكذا كان هيكل جهاز الدولة الاداري اما الجهاز الاقتصادي فقد كان تحت سيطرة الاوربيين واشهرهم الارمن والاغاريق بالإضافة إلى الشوام أيضا وآخرين من من لديهم إلمام او معرفة بسيطة، فعلى سبيل المثال لم يكن لدى الناس فكرة عن التجارة الخارجية، فكان هؤلاء يجيدون تسويق المنتجات كالقطن وجلب الواردات كالشاي وخلافه، وقد احتكر الارمن هذا المجال بينما تخصص الاغريق في مجال الخدمات: البارات، والمطاعم، ... الخ. واختار الشوام بيع الاقمشة والاحذية وما اليها، وكان هناك ميل للتخصص وعدم العشوائية في العرض لذلك لم يكن هناك تنافس ضار او تضارب فمحل الاحذية متفرد لا يجاوره منافس وكذا الاقمشة وهلم جرا، فمثلا كل محلات الاقمشة لم تكن تتعدى خمس او ست محلات: (عجيب عزاري، المراش، ابو نجمة وهكذا) وكانوا كلهم، تقريبا، شوام... ولأنهم كانوا يحتاجون بدورهم للخدمات ومن يخدمهم فقد نشأت محلات لتلبية تلك الحوجة من مخابز، جزارات، ترزية، وهكذا نشأت خدمات للناس الذين يقدمون خدمات في الأصل.
وتوسعت الخرطوم بعد ذلك، وكانت في الأصل إحدى قرى السماكة وازدهرت تلك القرية بعد دخول جيش اسماعيل باشا الذي اسس مديرية في بربر وبعدها إلى مدني ثم الكاملين فالخرطوم حيث استقر.
وفي تلك الفترة جاء خواجات ومصريون وغيرهم كثير، فإذا كانت الطبقة العالية هم الانجليز فالطبقة التي تليها هي طبقة التجار مثل كنت مخلص وآخرين ممن لمع نجمهم في سماء الخرطوم.
وكانت توجد شركات انجليزية متخصصة دخلت مع الانجليز لتوفير بعض الأشياء مثل (ميتشل كوتس) وكانت تستورد عربات الشيفورليت، و (الفيات) وكانت هناك جلاتلي هانكي المتخصصة في التركترات والاليات الزراعية، وتصدير المنتجات الزراعية واللحوم. ولم تكن هذه الشركات من جنسية واحدة ولكن الملاك كانوا من شعوب جنوب أوروبا في الغالب.. وكان أغلبهم يهود، وعلى سبيل المثال: (قرنفلي، البغدادي، كونت مخلص).. وغيرهم كلهم كانوا يهود وكانوا مستشاري الدولة فقد كانوا هم القوة الاقتصادية الرئيسية.
وكان المصريون يشغلون وظائف المأمور والضباط والصول وهكذا، ومدير السوق وبعض الادارات القاعدية الأخرى، ولم يكن لهم صلة كبيرة بالسودانيين وانا لا أدري سبب لذلك وهم طبعا من الشعوب العربية وغيرهم كان هناك اليمانيون الذين لم تكن لهم أي صلة بالدولة فيأتوا كعمال او تجار وهم الذين بدأوا بفتح الدكاكين (الكناتين) في الخرطوم وكانوا يمتهنون مهن أخرى فمن يملك منهم (كارو) ومن له قربة يجلب بها الماء في الكناتين، وتزاوجوا مع السودانيين، وكثير من الأسر، خاصة في منطقة الديوم الشرقية، من اليمانيين وكانوا مشهورين فمثلا منهم عون الشريف قاسم من أشهر المؤرخين في تاريخ السودان (وله مؤلف اسمه موسوعة القبائل والانساب في السودان) وكذلك الفنان عثمان اليمني. وقد تداخل اليمانيون، على عكس بقية الشعوب العربية، فاللبنانيون والسوريون والفلسطينيون وعموم الشوام كانوا يعتبروا شوام فمفهوم العروبة ظهر في وقت لاحق، وكانوا يعتبرون اجانب وكان الناس يعتبرون اللبنانيين (خواجات).
واكتفى المصريون بجيشهم وهو الجيش المصري الذي استقر في قشلاقات عباس وقشلاق توفيق الذي كان يمتد من السكة حديد ومرورا بشارع نيوبولد (الحرية) وحتى النيل، وحولهما نمت الخرطوم.
وكانت الخرطوم تبدأ من حديقة البلدية وكانت تزرع ابو سبعين واللوبيا وغيرها كأعلاف للخيول والبغال والجمال من الحيوانات المملوكة للحكومة. وهي جنينة كبيرة جدا في مكان قاعة الصداقة الحالي واجزاء من حي المقرن.
وقبل ان تصل لجنينة البلدية وانت تخرج شرقا من كبري النيل الأبيض تلاقي الاسكلا. واسكلا هي الاسم الذي يطلق على المكان الذي يلتقي فيه النقل النهري مع النقل البري فكوستي اسكلا، كريمة اسكلا، الخرطوم اسكلا.
ولا يزال الرصيف الخاص بها موجود إلى يومنا هذا... فأنت لو ذهبت الى حدائق 6 أبريل واتجهت نحو البحر تجد ذلك الرصيف. وقد خلدت الاسكلا شعرا وغناء:
من الاسكلا وحلا
قام من البلد ولى
دمعي اللي الثياب بلا.
وفي البداية كانت السكة حديد والنقل النهري مؤسسة واحدة وانفصلا فيما بعد.

amsidahmed@outlook.com  

المصدر: سودانايل

كلمات دلالية: لم تکن

إقرأ أيضاً:

قطاع الضرائب بالحديدة ينظم فعالية خطابية إحياءً للذكرى سنوية الشهيد

يمانيون/ الحديدة

مقالات مشابهة

  • قطاع الضرائب بالحديدة ينظم فعالية خطابية إحياءً للذكرى سنوية الشهيد
  • خبير اقتصادي: شركة النصر لها تاريخ كبير في مصر خاصة خلال فترة الستينيات
  • كانوا رايحين الشغل.. مصرع وإصابة 4 شباب في حادث بطريق السويس- السخنة
  • "كانوا فى حفل زفاف".. القبض على أصحاب سيارات الفيس بوك
  • ميكالى: شباب مصر كانوا الأفضل والحظ ساند المغرب
  • التابعي: الأهلي يحتاج لـ4 صفقات سوبر قبل مونديال الأندية.. وكان يجب التمسك بـ"عبدالقادر"
  • بشير التابعي: الأهلي يحتاج لـ4 صفقات سوبر قبل مونديال الأندية.. وكان يجب التمسك بـ "عبدالقادر"
  • مواطنون كانوا قرب المكان المُستهدف.. إليكم مقاطع فيديو للحظة حصول غارة الشياح
  • وفاة والدته أثناء التصوير وكان عاطلاً لسنوات.. أحمد عز يتحدث عن ظروف صعبة
  • بالفيديو.. شاهد عيان يحكي جرائم غير متوقعة أرتكبها أفراد الدعم السريع بحي الحلفايا: (كانوا يمنعونا من أداء الصلاة وإذا استغفرت الله أمامهم بدوك طلقة وقتلوا أفراد أسرة من أجل الظفر بفتياتهم)