تعديل المسار إلى الصين باعتباره الطريق الى أزالة الفقر/ وفقاً للخصائص المشتركة الصينية – العراقية
تاريخ النشر: 18th, July 2024 GMT
الباحث في شؤون المالية وتنمية القطاع الخاص د.عقيل جبر علي المحمداوي
ان الحديث عن مُكافحة الفقر في الصين، غالباً يكون مُكتظاً بالأرقام والبيانات والجداول والرسوم البيانية،وهو موضُوع تختلِط فِيه السِياسة بِالإقتصاد بالعلوم الطبيعية والدِراسات الإجتماعية والتحليلات الإحصائية، وأتصور أن كثيراً من الصِينيين- ناهيك عن الأجانب- لا يستطِيعُون تقديم شرح مُبسط لمسِيرة الصِين في مُكافحة الفقر في العصر الحديث.
يمكن التحدُث بسهولة عن النتائج، والتي تتلخص في كلمات قليلة.. الصين تخلصت من الفقر!، بيد أنه حتى هذه الخُلاصة تظل محل جدل ونِقاش، بإعتِبار أن الفقر مسألةً نِسبية بشكل عام، فهناك العديد من الطُرق لتعرِيف الفقر، بما في ذلك الفقر المُدقع والفقر النسبي والفقر الذاتي والفقر الغذائي وغير الغذائي وفقر القُدرات. ويلعب التخفيف من حدة الفقر دورا هاما في توحيد مختلف الجهات الفاعلة الاجتماعية، ودمج الموارد، وتنسيق الآليات الاجتماعية، وزيادة مستوى الرفاهية، وتحفيز الدوافع الذاتية، وتحسين نظام الحكم في المناطق الريفية. وتهدف هذه السياسة إلى القضاء على الفقر وتستخدم الابتكار والتنسيق والخضرة والانفتاح والتنمية المشتركة كقوة دافعة لها. ويهدف كل هذا إلى بناء نموذج لتخفيف حدة الفقر يتضمن مشاركة الحكومة والسوق والمجتمع، ويمثل "الحل الصيني" للحد من الفقر والذي يمكن تنفيذه في جميع أنحاء العالم ومنه امكانية التطبيق في العراق.
وفي هذا الإطار تقُول الباحِثة مريم إصلاحي : تبرُز التجربة الصينية كأحد أهم التجارب التي كُللت بالنجاح، والتي لاقت رواجأ كبيراً جعلت مِنها نموذجاً جدِيراً بالدِراسة والمُناقشة. هذا النجاح لم يكن وليدُ الصُدفة، بل نِتاج قناعتها بضرُورة إستئصال الفقر من خلال قِيامها بِذاتها بإصلاحات جذرية، وبإيمانها بأن النجاح هو المِعيار الوحيد لقياس المنهج وفعاليته.
ويتضمن النموذج المؤسسي الصيني للتخفيف من حدة الفقر مرحلة الدعم الموجه للأشخاص الذين هم في أمس الحاجة إليه بعد تأسيس الصين الجديدة، ومرحلة الحد من الفقر الإقليمي خلال فترة الإصلاح والانفتاح، ومرحلة الحد من الفقر لزيادة وتيرة التنمية. خلال فترة النمو الاقتصادي السريع في الصين، ومرحلة القضاء النهائي على الفقر خلال فترة بناء مجتمع متوسط الرخاء. منذ المؤتمر الوطني الثامن عشر للحزب الشيوعي الصيني، أولت الحكومة المركزية أهمية خاصة لتخفيف حدة الفقر في الإدارة الحكومية العامة، وتم تعبئة الموارد، وتم اعتماد سلسلة من السياسات، حتى حققت الحرب ضد الفقر هدفها. أعلى النتائج في التاريخ أولاً، الانخفاض الحاد في عدد المتسولين وتواتر إفقار المواطنين - بحلول نهاية عام 2019، انخفض عدد الفقراء في الصين إلى 5.5 مليون وانخفض معدل الفقر إلى 0.6٪. ثانيا، زيادة مستوى التنمية الاجتماعية والاقتصادية الشاملة للمناطق المتخلفة ومستوى معيشة الفقراء. ثالثا، تشكيل نظام مؤسسي وتحسين النظام السياسي لمكافحة الفقر. رابعا، زيادة القدرات الداخلية وتوسيع الفرص لتحسين الرفاهية بين الفقراء. خامسًا، تشكيل نظام إدارة اجتماعية على المستوى الشعبي في المناطق الريفية، مما يؤدي إلى توسيع القدرة على القضاء على الفقر بشكل كبير [Zhang Jie, 2019: 1]. وهكذا، سلكت البلاد مساراً محدداً، فتراكمت «التجربة الصينية» التي أثبتت فائدتها في الحد من الفقر في جميع أنحاء العالم. أصول مكافحة الفقر وفي تسعينيات القرن العشرين، ظهر مفهوم "الكفاح" على نطاق عالمي أو ما يطلق عليه اصطلاحاً "الحوكمة" - "الإدارة" ، وقد أعطى العلماء لهذا المصطلح معنى جديداً [يو كيبينج، 2001: 40-44]. يعتقد جيمس ن. روزيناو، أحد مؤسسي نظرية الإدارة، أن الإدارة هي نشاط يدعمه هدف مشترك. ليس من الضروري أن يكون الموضوع الرئيسي لهذا النشاط الإداري هو الحكومة، ولا يتطلب بالضرورة استخدام القوة القسرية من جانب الدولة لتنفيذه [Rosenau, 1995:5]. وتشير لجنة الحوكمة العالمية إلى أن "الحوكمة هي مجموعة الطرق العديدة التي يدير بها الأفراد والمؤسسات، العامة والخاصة، الصالح العام. إنها عملية مستمرة للتوفيق بين المصالح المتضاربة أو المتباينة واتخاذ إجراءات مشتركة، تشمل المؤسسات واللوائح الرسمية الملزمة قانوناً للمواطنين، فضلاً عن مجموعة متنوعة من الترتيبات غير الرسمية" [لجنة الحوكمة العالمية، 1995: 23]. وفي النتائج يقول البنك الدولي في تقرير منشور موسُوم بـ تسخِیر النمُو الإقتصادي للصین في تخفیض أعداد الفقراء ويُقرر: إستناداً إلى نتائج بحوث وتحليل الفقر، إستخدمت الحُكومة مشروعات إيضاحية من تمويل البنك الدولي للإنشـاء والتعميـر بُغية إختبار المناهج الجديدة متعددة القطاعات التي تراعي متطلبات السوق لتوجيه سياسات تخفيض أعداد الفقراء .
وفي سِياق الإرتباط الوثيِق بين السياسي والإجتماعي، لابد لنا أن نُشير إلي المنظومة السياسية، وهي الحزب الشيوعي الذي يتخذ من الماركسية اللينية مرجعاً له كمنظومة إشتراكية - ذات خصائص - صِينية، الأمر ما كان له سهم كبير في صِياغة سِياسات تخفيف وطأة الفقر، والتي في نهاية المطاف شكلت قُوة دفع إجتماعي لإرادة العيش معاً. وهو اقرب الى نهج ممارسات ومبادئ التكافل الاجتماعي الاسلامي في العراق ولكن بحاجة الى اليات ونماذج معيارية ، ذلك المعني تحديداً يُفسره علي رضا كركي ويقُول :" تلخِص الحقوق والواجبات صورة العلاقات الشائكة بين القائمين بالأعمال والوظائف والتجارة وغير ذلك، وعليه تكون العلاقات الإجتماعية في حد ذاتها نوعاً من أنواع العيش الإجتماعي ".
على هذه الوقائع قامت الحُكومة الصينية بتحدِيث تعريفاتها للفقر، وحددت نظرتها للمُواطن الفقير بصورة أكثر دقة، وفي هذا السِياق قال ليو يونغ فو، مدير مكتب الفريق القيادي لمساعدة الفُقراء التابِع لمجلس الدولة الصيني في تصريحه للإعلام :" القضاء على الفقر يعني أن لا يقلق الفقراء من نقصِ الغذاء واللِباس، وضمان التعليم الأساسي الإلزامي والرِعاية الطبية الأساسية وتأمين السكن ".
وبِحسب تقرير نُشر في فبراير 2021 عبر وكالة الأنباء الصينية (شينخوا)، إسِتثمرت البلاد ما يقربُ من 1.6 تريليون يوان (حوالي 246 مليار دولار أمريكي) من الأموال الحُكومية في التخفيف من حِدة الفقر خلال السنوات الثماني الماضِية. وكانت هذه المرحلة تحت شِعار تخفيف حدة الفقر بدِقة وإنضباط.
سياسات مقاربة الفقر ذات الخصائص الصينية :
نشرت صحيفة سودانيز فويز الانجليزية مقالاً للسفير الصينى لدى السودان ( ما شينمين) فى عموده "التركيز على الصين بعنوان " الطريق الى إزالة الفقر وفقا للخصائص الصينية"، يستعرض فيه نجاحات الصين ومُقاربتها في سِياسات القضاء علي الفقر ولكن بخصائص صينية . ويقول : " لقد تم إخراج 98.99% من القرى التى كانت تعيش تحت خط الفقر من دائرة الفقراء، فقد أنجزت الصين المُهمة الشاقة بالقضاء التام على الفقر، حيث أنها أخرجت 832 مُقاطعة و 128,000 قرية، وأصبح الفقر الذى ظل يطارد الشعب الصينى لأكثر من ألفى سنة من قصص الماضى".
فهذا بطبيعة الحال إنجاز بمعايير البنك الدولي وبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي. هُنا نُود أن نُفصل قليلأ في تلك السِياسات وأبرز ملامحها.
حوكمة الفقر.. نِظاماً فاعلاً واليات عملية ملموسة لم تُكن تِلك النتائج صدفة وإنما جاءت بعد عمل كبير، حيث حشدت الإدارة الصينية أكثر من 255 ألف فريق عمل، يُباشرون العمل في الميدان، وأكثر من 3 مليون موظف يعمل كمفوض خاص في القري الفقيرة، و2 مليون موظف في المدن، وأنُشئت إدارات مكافحة حِدة الفقر بكل مستويات الدولة وإدرات أخرى للإشراف والتقييم والرقابة المتعددة الأبعاد فتكونت أنظِمة حوكمة مُتكاملة. وفيما يتعلق بالإدارة السليمة لتحقيق الاهداف يقول السفِير ماشينمين :" قد تم رصد جميع حالات الفقر على نِطاق الدولة بالمعلومات التفصِيلية عن الذين يُعانون من الفقر، وما مُستوى حدة فقرهم وماهى الأسباب، وعلى هذا النسق تُقدم المُساعدات للأسر والافراد".
كُل ذلك يسهم في خلق مجال إجتماعي ويئس شجعت كل الفاعلين في المجتمع للمُساهمة في هذا التحدي في كل مناطق الصين في المُدن والريف وبالامكان اعتبار التركيز على تجربة الصين الحيوية للعراق في مكافحة حدة الفقر وامكانية بناء منهجية اقتصادية وتنموية جديدة بمحاكاة تجربة الصين الناجحة وفقاً للأرقام والمعايير والمؤشرات القياسية والتكييف مع البيئة العراقية لغرض استخدام تجربة الصين في الواقع العراقي .
المصادر : (1) أحمد فاروق عباس، 26 أكتوبر 2019م، التجربة التنموية في الصين .. الواقع والتحديات، 2) علي رضا،المستقبل العربي، العدد 491، بيروت، مركز دراسات الوحدة العربية2019 ص 64. (3) تقرير خاص، صحيفة الشعب اليومية أونلاين، الحكومة الصينية تصيغ المعايير الصارمة للقضاء على الفقر . (4) الطريق الى إزالة الفقر وفقا للخصائص الصينية، السفير الصينى لدى السودان، ما شينمين 6) ساري حنفي وريغاس أرفانيتيس، المستقبل العربي، العدد483، بيروت ،مركز دراسات الوحدة العربية2019 ص 51. (7) دراسة بعنوان: السياسة الإستثمارية الصينية في القضاء على الفقر، مريم ياسمين إصلاحي 201 8) جهود الصين لمكافحة الفقر: رؤية موضوعية، موقع الصين اليوم، حسين إسماعيل.
المصدر: وكالة الإقتصاد نيوز
كلمات دلالية: كل الأخبار كل الأخبار آخر الأخـبـار
إقرأ أيضاً:
هكذا تكلم شي جين بينغ عن الاشتراكية ذات الخصائص الصينية
د. هيثم مزاحم **
أضحى الاقتصاد الصيني الاقتصاد الثاني عالميًا والمُنافس الأبرز للاقتصاد الأول، اقتصاد الولايات المُتحدة الأمريكية. ويتوقع أن يُصبح الاقتصاد الأول عام 2028، فالصين من أسرع الدول نموًا من بين البلدان النامية، وأكبر مصدر ومستورد في العالم.
وتعزو الصين تفوقها هذا إلى النهج الاقتصادي الذي تنتهجه، باعتماد الاشتراكية ذات الخصائص الصينية، والتحديث صيني النمط، وهما مصطلحان قد يشيران إلى نوع من الفخر والاعتداد بالنفس. لكنهما يعكسان الثقة بالنفس ونجاح القيادة الصينية في المواءمة بين الأيديولوجيا الماركسية- اللينينية والواقع الحضاري والثقافة التقليدية والحكمة العريقة في الصين.
عبر الاشتراكية ذات الخصائص الصينية، تمكنت الصين من إثراء الدولة وإخراج مئات الملايين من الشعب من براثن الفقر، بينما أفقر الاتحاد السوفييتي الدولة والشعب نتيجة ديماجوجية وفساد سلطاته ما أدى إلى انهيار اقتصاده، وتفكك الاتحاد في نهاية المطاف.
الاشتراكية الصينية سمحت بتطبيق اقتصاد السوق بشكل جزئي وعملت على زيادة الإنتاج وكثافة التصدير والسماح بتملك الأفراد لوسائل الإنتاج والتنافس التجاري والإثراء الشخصي، ما خلق الحوافز لدى المواطنين من رجال أعمال وتجار وموظفين وعمال وفلاحين. لكن الحزب الشيوعي الصيني حافظ على إدارة الاقتصاد ولم يسلّمه إلى الرأسماليين المتوحشين، مكرّسًا بذلك الأمان الاجتماعي الشامل لجميع المواطنين؛ أي أكثر من مليار و400 مليون نسمة، فيما تركت معظم الدول الغربية الرأسمالية مواطنيها عرضة لتداعيات العولمة وتقلبات السوق ونظام العرض والطلب وتوحّش الليبرالية الجديدة المتمثلة بالكارتيلات الكبرى على امتداد المعمورة.
وبعدما فشلت الاشتراكية الجذرية في الاتحاد السوفييتي ودول أخرى في أرجاء العالم، في تحقيق العدالة الاجتماعية والرخاء الاقتصادي، قامت الصين بمراجعات واجتهادات فكرية وأدخلت آليات اقتصادية تتبع اقتصاد السوق، لكنها تخضع لمراقبة الدولة والحزب، وتراعي التنمية الشاملة والعدالة الاجتماعية النسبية، وتُسهم في الحد من الفقر تمهيدًا للقضاء عليه كليًا في البلاد.
يقول الرئيس الصيني شي جين بينغ إنه لفهم صين اليوم، يجب على المرء أولًا أن يفهم ويتعرف على الحزب الشيوعي الصيني. وباشر المؤتمر الوطني الثامن عشر للحزب عام 2012، مع تولي شي زعامته، حقبة جديدة للاشتراكية ذات الخصائص الصينية. ففي السنوات الاثنتي عشرة الماضية، حققت الصين إنجازات تاريخية، وعززت نموها الاقتصادي وتقدمها العلمي والتكنولوجي، بشكل كبير، عبر حملة الإصلاح والانفتاح والتحديث التي قادها شي.
وقد شمل فكر شي حول الاشتراكية- ذات الخصائص الصينية لعصر جديد- مجالات مختلفة مثل الإصلاح والتنمية والاستقرار والشؤون الداخلية والشؤون الخارجية والدفاع الوطني وحكم الحزب والدولة والجيش. وتبلورت هذه الأفكار في "10 مُحدِّدات"؛ أبرزها أن أهم مميزات هذه الاشتراكية هي قيادة الحزب الشيوعي الصيني، وأن مهمتها العامة تحقيق التحديث الاشتراكي ونهضة الأمة الصينية. وخلصت إلى أن التناقض الرئيسي في المجتمع الصيني حاليًا هو التناقض بين حاجة الشعب المتزايدة إلى حياة سعيدة، والتنمية غير المتوازنة، لذا كان من الضروري تمسك الحزب بفلسفة تنموية تتمحور حول الشعب.
وتنُص المحددات الفكرية للاشتراكية الصينية على التكامل الخماسي الذي يشمل البناء على المستويات كافةً، الاقتصادي والسياسي والثقافي والاجتماعي والحضاري البيئي، وعلى أن الهدف العام لتعميق الإصلاح على نحو شامل يتمثل في تطوير نظام الاشتراكية وتحديث نظام حكم الدولة، من خلال بناء بناء دولة اشتراكية تُحكم بالقانون. وأشارت المحددات إلى أن هدف الحزب الشيوعي هو بناء جيش صيني شعبي متطور يكون جيشًا عالميًا من الدرجة الأولى. كما تنص على أن الدبلوماسية ذات الخصائص الصينية يجب أن تخدم التجديد الوطني وتعزز التقدم البشري.
نجح الرئيس شي ورفاقه في قيادة الحزب الشيوعي الصيني في عملية بناء مجتمع رغيد نسبيًا، عبر تحسين معيشة الشعب، وتخفيف حدة الفقر، والحفاظ على الاستقرار الاجتماعي الشامل، إضافة إلى النجاح المشهود في مكافحة وباء كورونا مع الالتزام بحماية حيوات الناس ومصالحهم الأساسية.
وأبرز إنجازات الرئيس شي، كان انتشال نحو 100 مليون ريفي صيني من براثن الفقر؛ إذ أنجزت الصين هدف الحد من الفقر الوارد في خطة الأمم المتحدة للتنمية المستدامة لعام 2030 قبل الموعد المحدد بعشر سنوات. وبلغ عدد الأشخاص المشمولين بالتأمين الأساسي لكبار السن في الصين 1.03 مليار شخص، فيما بلغ عدد الأشخاص المشمولين بالتأمين الطبي الأساسي 1.36 مليار.
وعلى الرغم من انتشار وباء "كوفيد-19" والإغلاقات الطويلة الأمد، إلّا أن إجمالي حجم الاقتصاد الصيني وصل عام 2021، إلى نحو 20 تريليون دولار أمريكي؛ أي نال حصة أكثر من 18% من الاقتصاد العالمي.
وبالتزام فكر الرئيس شي حول الاشتراكية ذات الخصائص الصينية، قامت الحكومة الصينية بتعزيز وتوسيع التحديث صيني النمط بنجاح؛ حيث قدمت الصين نموذجًا جديدًا للدول التي ترغب في تسريع التنمية مع الحفاظ على استقلالها.
دبلوماسية الدولة الكبرى ذات الخصائص الصينية تقترح أفكارًا تهدف إلى السلام العالمي والتقدم البشري، كبناء نوع جديد من العلاقات الدولية، وبناء مجتمع مصير مشترك للبشرية، وتعزيز القيم المشتركة للبشرية، ومبادرة الحزام والطريق، ومبادرة التنمية العالمية، ومبادرة الأمن العالمي، ومبادرة الحضارة العالمية، وحوار الحضارات، وذلك بهدف إيجاد حلول للمشاكل العالمية.
لقد وقعت الصين أكثر من 200 وثيقة تعاون بشأن البناء المشترك لمبادرة "الحزام والطريق" مع 149 دولة و32 منظمة دولية. وقدمت مساعدات مكافحة الوباء لأكثر من 150 دولة و15 منظمة دولية، ونفذت تعاونًا زراعيًا مع أكثر من 140 دولة ومنطقة. ومنذ تأسيس منتدى التعاون الصيني الأفريقي عام 2000، قامت الشركات الصينية ببناء أكثر من 10000 كيلومتر من السكك الحديدية، وحوالي 100000 كيلومتر من الطرق، وحوالي 1000 جسر، ونحو 100 ميناء في إفريقيا.
إذن.. الاشتراكية ذات الخصائص الصينية رغم تبنيها الماركسية كأيديولوجيا مرشدة لها، لكنها وضعت المنافع الاجتماعية للشعب في المقام الأول وأثبتت أن النموذج الناجح في التنمية هو الذي يحقق منفعة الشعب ومصالح البلاد العليا، بعيدًا عن الجدالات الأيديولوجية العقيمة.
إن عملية تكييف المبادئ في إدارة شؤون الحكم أمر معقد ويحتاج إلى قادة من نوع مختلف لتنفيذه، وأثبت الزعيم الصيني شي جين بينغ أنه من ذلك الصنف من القادة العالميين، الذين يمزجون بين الفكر المبدئي والممارسة الواقعية في إدارة شؤون الحكم.
لقد رسَّخت الصين نموذجًا مختلفًا لاشتراكية غير معهودة في الأدبيات السياسية التقليدية.
يقول الرئيس شي إن "عملية الإصلاح والانفتاح مستمرة دائمًا ولن تتوقف، ومن دون الإصلاح والانفتاح، لا يوجد حاضر للصين، ولا مستقبل لها". كما يؤكد على ضرورة أن يكون النمو الاقتصادي في الصين نموًا حقيقيًا من دون فقاعات، وذا فعالية وجودة واستدامة.
ويشدد الزعيم الصيني على ضرورة انتهاج سياسة الإصلاح والانفتاح بشكل أوسع على العالم، وتوفير بيئة أفضل لأصحاب المؤسسات الأجنبية عندما يأتون للاستثمار في الصين.
في أكتوبر 2017، لخّص المؤتمر الوطني التاسع عشر للحزب الشيوعي الصيني أفكار شي جين بينغ حول الاشتراكية ذات الخصائص الصينية في العصر الجديد، وحددها كالأفكار الإرشادية التي يجب على الحزب التمسك بها لمدة طويلة، وسجّلها في دستور الحزب. في مارس 2018، أقر نواب الشعب الصيني أفكار شي حول هذه الاشتراكية في دستور الصين، مما نقلها من أفكار إرشادية للحزب إلى أفكار إرشادية للدولة.
ويرى الرئيس شي أن بناء الدولة الاشتراكية القوية ينبغي أن يستند إلى توافر الأساس الأخلاقي القوي لتحقيق حلم الصين وتعزيز القوة الثقافية الناعمة للبلاد، لتحقيق أهداف النهضة العظيمة للأمة الصينية، وذلك يكون عبر نشر القيم الصينية المعاصرة، وإظهار أهمية الثقافة الصينية التقليدية، وبناء الحضارة الإيكولوجية التي تهيء بيئة صالحة خالية من تلوث الهواء والماء والتربة.
** رئيس مركز الدراسات الآسيوية والصينية في لبنان وباحث زائر في مركز الدراسات الصيني العربي للإصلاح والتنمية بشنغهاي
رابط مختصر