العزوف الجماهيري بين ضعف المنافسات وغياب التسويق !
تاريخ النشر: 18th, July 2024 GMT
تعزو فئة كبيرة من الجماهير عدم حضورها في مدرجات ملاعبنا إلى ضعف مسابقاتنا المحلية، ففي الوقت الذي تتهافت فيه الجماهير لحضور نهائيات بطولات كرة القدم واليد والطائرة والسلة وبقية الألعاب الأخرى، نرى بأن بقية مباريات الموسم لهذه الألعاب لا تحظى بأي اهتمام جماهيري، حيث نجد مدرجات فارغة طيلة ردهات الموسم.
الحاجة لتمويل كبير
يرى سلطان الفليتي المحلل الفني لمسابقاتنا المحلية في كرة القدم أن المسابقات بحاجة إلى تمويل قوي جدا إذا ما أردنا النهوض بها إلى مستويات عالية، كما أننا بحاجة إلى قرار بأن تكون الرياضة من الأولويات التنموية في سلطنة عمان، حالها كحال المشاريع الكثيرة بلادنا، وأوضح الفليتي أن المستوى الفني لدوري عمانتل كان جيدا وبه خامات جيدة، حيث بالنسبة لمسابقات كرة القدم شاهدنا بعض الفرق قدمت مستويات جيدة لكن يضل العنصر المالي هو الأهم، كما أشار إلى أن ضعف الحضور الجماهيري في مختلف الألعاب الرياضية سببه عدم وجود وسائل جذب للجماهير، مبينا أنه يجب توفير كل ما يحتاجه الجمهور للحضور إلى المباريات بدءا من خارج الملعب وصولا إلى داخل الملعب، وفي كرة القدم فإن الجماهير ذات ذائقة عالية وتعرف قيمة كرة القدم، حيث إننا بحاجة إلى طاقم فني معروف والقصد هنا وجود مدربين على مستوى عال، بالإضافة إلى وجود لاعبين ذوي مستوى عال وذلك من خلال استقطاب لاعبين أجانب من خارج البلد، موضحا أنه كلما ارتفع الأداء الفني للمباريات كلما انجذبت الجماهير بشكل أكبر، كما أشار إلى ضرورة الاهتمام بالبنية التحتية للملاعب، وهنا نتحدث عن جذب فني وتسويقي وما شابه ذلك لكي تكون العملية متكاملة.
أما عن اقتصار الحضور الجماهيري على الأدوار النهائية وغيابهم بصورة كبيرة عن الحضور في المدرجات خلال الأدوار الأولى فقال: أتصور بأن الحضور الجماهيري يكون حاضرا بشكل أكبر في مسابقة الكأس الغالية وذلك لأهمية هذه المسابقة، لكن للأسف في الأدوار الأولى نجد بأن هناك ضعفا كبيرا في الحضور، وتزداد أعداد الجماهير في المباراة النهائية للمسابقة، وهذا الأمر ليس وليد اليوم وإنما مرتبط بسنوات سابقة، وأشار الفليتي إلى أن المسابقات المحلية مثل دوري عمانتل بحاجة لأن تكون جاذبة للجماهير ولتحقيق ذلك يجب أن يكون هناك عمل كبير ووجود كفاءات تطور من مستوى الدوري وتخطط لرفع الأفكار التطويرية للمسابقات المحلية، مع عدم هضم حق المراحل السنية لأن اللاعبين حاليا في المنتخبات الوطنية يفتقدون كثيرا للجانب التكتيكي والتكنيكي والمهارات الأساسية لكرة القدم وفي ضوء ذلك ينبغي تطوير عديد الجوانب التي تخص رفع المستوى الفني والإداري لجذب الجماهير للملاعب، لأن الجماهير تحب أن ترى مستوى فنيا جيدا.
وأضاف: يجب على الأندية مضاعفة جهدها في سبيل تغيير عقلية جماهيرها، مبينا أن سلطنة عمان مليئة بالمواهب وما ينقص الأندية هو العنصر المادي، لأن المال يحرك المياه الراكدة. وأكد الفليتي أن على جميع الاتحادات الرياضية العمل بأفكار من خارج الصندوق، مشيرا إلى أننا لو تتبعنا الـ 20 سنة الماضية، نستطيع ملاحظة ما الذي تغير في مسابقاتنا المحلية، وما الذي تغير في الأجهزة الفنية واللاعبين واستقطاب اللاعبين وضخ الأموال للمسابقات والأندية، حيث يتصور بأن الاتحادات لم تعمل بالشكل المطلوب، والمنتخبات الوطنية في المراحل السنية والفرق الأولى غابت عنها شخصية البطل والوصول إلى أبعد نقطة ممكنة في أي مشاركة.
المسابقات ضعيفة
قال جمعة المحرمي أمين سر نادي السيب: أعتقد بأن الجماهير العمانية تعشق الكرة و هي متابِعة جيدة للمسابقات الكروية سواء داخل سلطنة عمان أو خارجها، وهناك أندية داخل سلطنة عمان لديها جماهير تتابعها وتحضر مبارياتها متى ما كانت هذه الأندية تحقق النتائج الجيدة، ولا نختلف بأن مسابقاتنا تظل هي الأقل مستوى من بين بطولات دول المنطقة المجاورة، وعلى الأقل هي لا تتواجد من ضمن أفضل ثلاث دول تمتلك مسابقات قوية، مشيرا في الوقت ذاته إلى وجود دول أفضل منا في المستوى لكن جماهيرها لا تحضر إلا في المباريات النهائية، وأوضح: يظل المستوى الفني لمسابقاتنا متواضعا إلى حد ما بسبب ضعف الموارد المالية للأندية والتي لا تستطيع توفير الدعم المناسب لفرقها الرياضية وأقصد هنا الكوادر التدريبية التي يمكنها تطوير مستوى اللاعبين، وأيضا لا تستطيع التعاقد مع اللاعبين المجيدين الذين يمكنهم إثراء هذه المسابقات، ناهيك عن عدم توفر البنية التحتية من حيث الملاعب والأجهزة والوسائل التي تساعد المدربين على تطوير مستوى اللاعبين.
وتابع: أرى بأن هناك أسبابا كثيرة لشح الجماهير في المدرجات، أبرزها عدم وجود التسويق للمسابقات، وعدم وجود النجوم واللاعبين المحترفين ذوي المستويات العالية الذين يمكنهم إثراء تلك المسابقات وجعلها متابعة بشكل جيد، وكذلك عدم وجود النقل التلفزيوني لغير مسابقات كرة القدم، ما جعل الألعاب الأخرى غير متابعة من الجماهير، حيث يعمل النقل التلفزيوني على بث مباريات كرة القدم دون مباريات الألعاب الأخرى، هذا بالإضافة إلى عدم توفر وسائل جذب الجماهير لجميع المسابقات بشكل عام سواء كرة القدم أو غيرها من الألعاب.
وتابع: لابد من ربط هذه الجماهير بأنديتها الرياضية، حيث، أولا لابد من وجود برامج وأنشطة تقوم بها إدارات الأندية تجعل من خلالها هذه الجماهير متابعة جيدة لفرقها المختلفة، وثانيا لابد من التدخل الحكومي في دعم الأندية ماليا لتتمكن من التعاقد مع المدربين المتمكنين الذين يمكنهم تطوير مستوى اللاعبين المحليين، وكذلك التعاقد مع لاعبين محترفين مجيدين، وتوفير البنية الأساسية من ملاعب ومنشآت مناسبة، ثالثا يجب توفير وسائل التحفيز لجلب الأسر والعائلات للملاعب، وقد يكون ذلك في البداية بوضع جوائز وهدايا لهم، مشيرا إلى أنه بعد ذلك بالتأكيد سيكون سلوكا ثقافيا لهذه الأسر لحضور المسابقات المختلفة، أما الأمر الرابع فيتعلق بإيجاد جوائز للأندية وتحديدها في كل مسابقة، ويتم ذلك من خلال تكريم أفضل إدارات الأندية التي تستطيع حشد عدد أكبر من الجماهير في كل مسابقة.
غياب الانتماء للنادي!
من جانبه أشار المهندس خالد بن محمد آل فنه العريمي رئيس لجنة المسابقات بالاتحاد العماني للكرة الطائرة إلى أن المستوى الفني لمسابقاتنا المحلية ضعيف إلى ضعيف جدا، وذلك بسبب الظروف المالية للأندية، والتي ينتج عنها الكثير من التبعات منها: تأخر التعاقدات وضعف مستوى المحترفين الأجانب، والتأخر في بداية الاستعدادات للموسم، وتظهر آثار ذلك على المستوى الهزيل للأندية، وكثرة الإصابات، كذلك ظهرت مؤخرا مشكلة إضراب اللاعبين عن التدريبات لعدم استلام مستحقاتهم، وهذا كذلك ساهم في عدم ظهور اللاعبين بمستويات عالية لعدم وجود الاستقرار النفسي وعدم الالتزام البدني وحفاظهم على لياقتهم من خلال الانقطاع عن التدريبات.
أما فيما يخص شح الحضور الجماهيري سواء في كرة القدم وفي معظم الألعاب، فأكد أن السبب يعود إلى غياب الانتماء الحقيقي للنادي، لأننا نرى حضورا كثيفا بمسابقات الفرق الأهلية، والمستوى أقلّ والتنظيم أقل جودة عن التي نراها في البطولات والمسابقات الرسمية للنادي، كما أن اللاعبين هم أقل مستوى من لاعبي النادي، إن لم يكونوا نفس اللاعبين، ومن وجهة نظري لا أرى سببا للغياب إلا غياب الانتماء للنادي وحب الكيان، حيث كان الحضور سابقاً للأندية كبيرا عندما كان الانتماء حاضرا، والمباريات تنظم في ملاعب الأندية التي تفتقر للأساسيات التي تساعد على الحضور والمباريات كانت تقام عصرا في درجات حرارة عالية، والجماهير كانت حاضرة وبقوة.
وأردف في سياق حديثه عن طرق تحفيز الجماهير للحضور للملاعب، وقال: «يجب علينا أن نجعل الأندية بيئة جاذبة للجماهير كالسابق، وذلك لن يتم إلاّ من خلال تعزيز الانتماء للنادي بدلا مما يحدث الآن من تعزيز الانتماء للفرق الأهلية على حساب الأندية»، مشيرا إلى أن الرياضة تتطور بتطور الأندية وقدرتها على التنافس فيما بينها وهذا ما يحدث في العالم أجمع، ولن تتطور بتطور الفرق الأهلية، فمتى ما تصححت المفاهيم لدينا ووجهنا البوصلة نحو تطوير الأندية ودعمها، والعمل على حوكمتها ودعمها بمنشآت رياضية متكاملة وجعلها بيئة صحية جاذبة للجماهير، بالتأكيد ستتطور الرياضة وسنرى الحضور الجماهيري حاضراً.
وأوضح العريمي أن سبب اقتصار حضور الجماهير على المباريات النهائية فقط وبأعداد متوسطة في معظم النهائيات يعود إلى الأعباء المالية والديون المتراكمة على الأندية، مما جعل الكثير منها تقوم بتجميد نشاطها الكروي والألعاب التي كانت تشارك فيها سابقا، وتابع: الجمهور يحضر لمتابعة مسابقات الفرق الأهلية بشكل كبير، وهذا يرجع للانتماء، مبينا أن الجمهور نفسه سيحضر لمساندة الأندية متى ما عززنا هذا الجانب واجتهدنا على تعزيزه من خلال الأندية والإعلام ومن خلال البرامج والإستراتيجيات الواضحة.
غياب الشغف والحوافز
أما الشيخ الدكتور حمدان بن سباع السعدي نائب رئيس مجلس إدارة نادي السويق فقال: المستوى الفني لمسابقاتنا المحلية عادي وذلك بحسب الإمكانيات المتواضعة والمتوفرة فمن الطبيعي أن يكون المستوى بهذا الحد موازيا للإمكانيات، وأضاف: الشح الجماهيري يعود لعدة أسباب منها ضعف المستوى الفني، وأيضا نوعية اللاعبين المحترفين، حيث أشار إلى أنه لا توجد أسماء رنانة على ساحة ملاعبنا، مع تواضع المرافق والخدمات في الملاعب الرياضية وغياب الشغف والحماس نتيجة عدم تطور الوضع لفترات طويلة، هذا بالإضافة إلى غياب الحوافز والجوائز المشجعة»، واستطرد: «هنالك عوامل أخرى تؤثر على حضور الجماهير في الملاعب، منها: عدم وجود رابطة جماهير منظمة ومتطورة تقود الجماهير وتحثهم على الحضور باستثناء ناديين أو ثلاثة، كما أن عدم إقامة المباريات في نفس الولاية التي ينتمي لها النادي له أثر سلبي على مؤازرة الجماهير لفرقها، إضافة إلى ضعف جوائز الاتحادات للأندية المشاركة، وعليه يجب النظر إلى جميع هذه المسببات وتوفير كل ما يلزم لتسهيل عملية تواجد الجماهير في الملاعب، ويرى السعدي أن الاتحادات لها دور بطبيعة الحال ولكن في حدود ضيقة بحسب الإمكانيات المتوفرة لديها.
ضرورة تطوير المسابقات
أكد الدكتور خميس الرحبي أمين سر الاتحاد العماني للهوكي أن ضعف المسابقات المحلية يعد أهم أسباب شح وعزوف الجماهير للحضور إلى الملاعب، مشيرا إلى ضرورة العمل والتعاون بين مختلف الجهات المعنية بالرياضة للرقي بالمستوى الفني للمسابقات المحلية بمختلف الرياضات ولمزيد من التطوير للجانب الفني، وأضاف: شح الجماهير في الملاعب سببه ضعف المسابقات والجوائز التشجيعية للجماهير والدعم المالي المقدم والتغطية الإعلامية تركز على بعض الرياضات فقط وبعض المسابقات بمحدودية فقط، وأحيانا توقيت المباريات لا يتناسب مع الجماهير ولا يوجد تشجيع مباشر للجماهير للحضور، ويرى الرحبي أن الحل يكمن في التشجيع على تطوير المسابقات ووجود محترفين عالميين بمسابقاتنا، هذا بالإضافة إلى وجود التغطية الإعلامية بشكل أكبر وأوسع، كما يجب زيادة الجوائز التشجيعية للجماهير وحسن اختيار التوقيت المناسب للمباريات والذي يتناسب مع الجماهير، وتابع: هناك ضعف واضح في المسابقات وقلة وعي من الجماهير بأهمية الحضور إلى جميع المباريات، كما أن هناك ضعفا وقلة في الأندية التي لديها رابطة جماهيرية تشجع مسابقاتها، وعليه فيجب أن تتم زيادة الجانب التوعوي والإعلامي للجماهير بأهمية مؤازرة فرقها في مختلف الألعاب التي يشارك فيها النادي، مع وجود حوافز تشجيعية للجماهير، وتابع: إذا ما أردنا حل هذه المعضلة فإنه يجب توفير المنشآت والملاعب وتجهيزها بصورة مثالية لتستقطب أكبر عدد من الجماهير، وأشار الرحبي إلى أن الاتحادات تعد أحد مكونات المنظومة الرياضية التي لها دور كبير في هذا الجانب من حيث دعم وتشجيع الأندية على تطوير اللعبة وبالتالي زيادة الإقبال الجماهيري.
مستوى فني جيد
في السياق ذاته أوضح محمد العلوي رئيس لجنة المسابقات في الاتحاد العماني لكرة اليد أن المستوى الفني لجميع الألعاب داخل سلطنة عمان جيد ومرض وفق الإمكانيات المتاحة، وتم الزج بها بمقارنات غير منصفة، لأن هذه المقارنات يجب أن تكون وفق أسس ومعايير محددة ومتقاربة للمقارنة بها، وفي ضوء ذلك فإن المقارنة بالمستويات الفنية غير منصف، مشيرا إلى أن سبب شح الجماهير في ملاعبنا يعود إلى أن الجمهور محب لدرجة العشق ومتذوق لرياضاتنا في جميع الألعاب، مبينا أن الجماهير متابعة للرياضات أولا بأول سواء على المستوى الخليجي أو على المستوى العربي والعالمي، وبالتالي فإنه يتمنى أن يشاهد ما يتابعه على التلفاز على أرض الواقع، ولذا فإنه إذا وجد بالأداء اختلافا كبيرا بين ما يتابعه وما يشاهده على أرض الواقع فمن الطبيعي أن تجده يبتعد شيئا فشئيا عن الحضور للمدرجات، وفي ضوء ذلك لا يعتبر ذلك شحا في الحضور الجماهيري وإنما إعادة الجماهير إلى الواقع الذي يلمسه المحب للعبة عند مقارنته بالأداء الذي يشاهده في المسابقات القوية خارج سلطنة عمان وعند حضوره للأحداث الرياضية المحلية داخل سلطنة عمان.
وأضاف العلوي: الجماهير اليوم ليست بحاجة إلى سحوبات وهدايا من أجل مؤازرة فرقها، ولكنها بحاجة أن ترى مباريات قوية بندية عالية تحمل في طياتها الإثارة ومستوى عال من اللاعبين المميزين الذين يقدمون الإضافة لأنديتهم من خلال تقديمهم لأداء جيد، كما أن الجماهير بحاجة إلى وجود إعلام قوي ينقل الحدث أولا بأول ومتابع للأحداث ويكون معايشا للوضع.
كما أكد أننا بحاجة ماسة لتطوير رياضاتنا باختلاف أنواعها لتعود الجماهير للملاعب، مؤكدا أن مسألة جذب الجماهير هو عمل متكامل وليس عمل الاتحاد بذاته، وعليه يجب تعاون كلّ من الاتحاد والإعلام والقطاع الخاص وهناك عدة نقاط علينا القيام بها لتسهم في عودة الجماهير للملاعب.
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: الحضور الجماهیری داخل سلطنة عمان المستوى الفنی بالإضافة إلى مشیرا إلى أن أن الجماهیر من الجماهیر الجماهیر فی فی الملاعب بحاجة إلى کرة القدم مبینا أن إلى وجود عدم وجود من خلال کما أن
إقرأ أيضاً:
جودة الحياة والأنشطة الاجتماعية
أ. د. حيدر أحمد اللواتي **
كثيرة هي الدراسات التي تؤكد أهمية النشاطات الاجتماعية على صحة الفرد وعلى استمرار كفاءة قدراته العقلية؛ فهذه الأنشطة الاجتماعية المختلفة لها أثر على الأبعاد العاطفية والنفسية والعقلية على الإنسان، وهي من أهم العوامل المؤثرة.
وفي دراسة بدأت عام 1938 على 268 فردًا، أُجريت في جامعة هارفارد، واستمرت لمدة 80 سنة على من تبقّى من الأفراد، إضافة إلى 1300 فرد من أبناء هؤلاء، لمعرفة كيف تؤثر تجارب الحياة المُبكرة على الحياة والشيخوخة، علمًا بأن عددًا من هؤلاء أصبحوا شخصيات ناجحة ومؤثرة وآخرين أصيبوا بانفصام في الشخصية وبعضهم غدوا مُدمني كحول!
وقد علّق روبرت والدينجر مدير الدراسة وأستاذ الطب النفسي في جامعة هارفارد على نتيجة الدراسة بقوله "النتيجة المدهشة هي أن علاقاتنا الاجتماعية ومدى سعادتنا في تلك العلاقات لها تأثير قوي على صحتنا". وأضاف "إن العناية بجسدك أمر مهم لكن الاهتمام بعلاقاتك الاجتماعية هو شكل من أشكال العناية الذاتية أيضا".
وقد كشفت الدراسة بصورة واضحة لا لبس فيها أنَّ العلاقات الاجتماعية الوثيقة هي التي تجعل الناس سعداء طوال حياتهم أكثر من المال والشهرة؛ فهذه العلاقات تحمي الناس من مُعضلات الحياة وتساعد في تأخير التدهور العقلي والجسدي وهي أفضل وسيلة للتنبؤ بالحياة الطويلة السعيدة من الطبقة الاجتماعية أو معدل الذكاء أو حتى الجينات الوراثية.
وعندما ننظر إلى مجتمعاتنا العربية والإسلامية عمومًا، نلاحظ أنَّ البعد الاجتماعي من أقوى الأبعاد وأكثرها وضوحًا، فإذا كان الاهتمام بجودة الغذاء وممارسة التمارين الرياضية ليستا في سلّم الأولويات عند الكثيرين من أفراد المجتمع، فإن العلاقات الاجتماعية مازالت قوية على الرغم من تراجعها النسبي.
ومن هنا، فمن المهم جدًا المحافظة على هذه العلاقات الاجتماعية، وعدم النظر لها وكأنَّها إرث ثقيل يجب التخلص منه، فنحن وإن كنَّا في زمن العولمة ووسائل التواصل الاجتماعي إلّا أن محاولة التخلص من العلاقات الاجتماعية أو التقليل من شأنها خطأ كبير سنرتكبه في حق أنفسنا وفي حق مجتمعاتنا، كما تثبته العديد من الدراسات العلمية والتي أشرت إلى أحدها.
وتختلف صور ومظاهر هذه الروابط الاجتماعية، ولربما من أهمها وأكثرها تميزًا في مجتمعاتنا الإسلامية هو الحضور للمسجد والصلاة جماعة، وحضور المحاضرات في المناسبات الدينية المختلفة، لأن كلاهما يتكرران في حياة الفرد المسلم بشكل كبير؛ إذ إن المسلم يعتاد على الحضور للمسجد بصورة دائمة ويستمع إلى المحاضرات بشكل متكرر فخطب الجمعة مثلا يستمع لها بشكل أسبوعي.
إنَّ ما نرغب في التركيز عليه هنا، هو أهمية الاستفادة القصوى من هذه التجمعات المهمة، فمن الخطأ الكبير الذي يقع فيه الكثيرون أنهم يحضرون هذه التجمعات دون أن يقضوا فيها أوقات تتميز بالجودة، فتراهم يحضرون إلى الصلاة مثلا لتأدية الواجب ليس إلّا، أمَّا أن يستغلوا الحضور، بحيث يؤثر ذلك في نفسيتهم وحياتهم بصورة رائعة وإيجابية، فهذا أمر يغفلون عنه تمامًا، ويمكنهم أن يحققوا ذلك بصور بسيطة وسهلة؛ فتبادل الابتسامة مع الآخرين والسلام عليهم والسؤال عن أحوالهم وتبادل الحديث الودي له بالغ الأثر على الطرفين. وينطبق الأمر ذاته على الامام الذي يؤم الصلاة، وليسمح لي أئمة المساجد- وأنا دونهم علمًا وقدرًا- بكلمة في هذا الصدد، فمن أكبر الأخطاء أن يظن الامام أن وظيفته تنحصر في حضور الصلاة وإلقاء المحاضرة والوعظ والإرشاد وتوضيح الأحكام الشرعية؛ بل إن عليه أن يدرك أن وظيفته سامية ومسؤوليته كبيرة؛ فعدد من المؤمنين يحضرون الصلاة وهم مثقلون بتحديات يواجهونها، وينتظرون من يخفف عنهم ولو بابتسامة جميلة تشرح صدره، فكم يبهج النفس أن تجد الامام الذي يدخل المسجد بابتسامة يوزعها على المؤمنين يسلم على هذا ويتحدث مع آخر ويطبع قبلة على جبين الكبير منهم ويربت بيده على الصغير ويستشير أحدهم ويشير على آخر، ويشعرهم بأنَّه منهم، إن هذه الأمور البسيطة لها بالغ الأثر على نفسية الإمام والمأموم على حد سواء.
كما إنَّ علينا أن ندرك أن الأثر الاجتماعي إنما يتحقق عندما يستغل الفرد حضوره في تلك التجمعات، أما أن يحضر فيها وهو منشغل بهاتفه النقال، وما أن ينتهي الخطيب من إلقاء محاضرته حتى يُسرع بمغادرة المسجد، لا يُحقق ذلك الأثر المرجو من حضوره. ومن الغريب ما يطرحه بعضهم بأن سماع المحاضرات المفيدة عبر الوسائل السمعية والبصرية المختلفة تفي بالغرض وهي البديل عن الحضور!! فيمكنني أن أستفيد من المحاضرة دون أحضر إلى المسجد إلى أو إلى قاعة المحاضرة، لكن هذا الطرح لا يأخذ بعين الاعتبار الفوائد الجمّة المترتبة على التجّمع نفسه والتفاعل مع الآخرين من الأصدقاء والإخوة، ولذا ففائدة الحضور لا تقارن إذا أحسن الفرد وأجاد استخدام فترة حضوره لتلك التجمعات.
وهكذا الحال مع مناسبات الأفراح والأتراح، فالبعض يحضر هذه المناسبات ويقتصر همه في أداء المهمة، وقد كنت من هؤلاء قبل مدّة، ولكن بعد أن راجعت نفسي أدركت كم كنت مخطئاً في ذلك، واليوم تغيرت نظرتي لهذه التجمعات، فأصبحت أحضرها محاولا الاستفادة منها وإفادة الآخرين، لا بالحديث الجاد والنقاش الهادف دوماً بل ربما بابتسامة أو حديث ودي أشارك الآخرين به.
إنَّ المناسبات الاجتماعية التي تزخر بها مجتمعاتنا الإسلامية هي من الثروات المُهمة التي يجب أن نحافظ عليها، بحيث نقضي على بعض السلبيات التي تتخللها ونحافظ على الإيجابيات فيها، ولا ننظر لها كعبء ثقيل علينا أن نزيحه عن كاهلنا.
** كلية العلوم، جامعة السلطان قابوس
رابط مختصر