عربي21:
2024-11-15@08:01:35 GMT

بطل الشاشات (2)

تاريخ النشر: 18th, July 2024 GMT

جاءت واقعة شاشة شارع فيصل في محافظة الجيزة المصرية، لتُظهر نموذجا جديدا من أشكال السخط المصري، لكنه كان مبدعا ومختلفا عن مشاهد الاحتجاج الأخرى التي أوصلت نفس رسالة التظاهرات بصورة أخرى، وإذا كان سبق الحديث عمن أسميناه من قبل بطل الشاشات، بسبب اهتمامه بالصورة التي يريد التقاطها في أي حدث محلي أو دولي، فقد أصبحنا أمام معركة جديدة يخوضها السيسي على الشاشات أيضا، لكن شاشته لا تشبه شاشة شارع فيصل.



فور تداول المقطع، استدعت جهاتُ الأمن الإعلاميين ومسؤولي اللجان الإلكترونية للتعامل الأوَّلي مع الموقف، ليُطِلَّ الإعلاميون من وراء شاشات الكمبيوتر مهللين ومسبحين بحمد النظام، ومهاجمين جماعة الإخوان المسلمين، محمِّلينها مسؤولية ما حدث.

في الوقت ذاته، انطلقت حملة بوليسية في شارع فيصل، وبدلا من "جذب قابس الشاشة فقط"، قررت قوات الأمن جذب قابس الكهرباء عن شارع فيصل الحيوي والتجاري! ما يشير إلى عمق وخطورة ما حدث على رسالة القمع الأمنية المستمرة منذ أكثر من عشر سنوات، فما حدث ليس مجرد احتجاج محدود بل رسالة وصلت إلى آلاف المارِّين وقت عرض الصور الكاشفة للسيسي، ثم وصولها إلى ملايين الساخطين عليه والمعارضين لحكمه عبر وسائل التواصل الاجتماعي. لكن ما الإشكال فيما حدث؟

ما حدث ليس مجرد احتجاج محدود بل رسالة وصلت إلى آلاف المارِّين وقت عرض الصور الكاشفة للسيسي، ثم وصولها إلى ملايين الساخطين عليه والمعارضين لحكمه عبر وسائل التواصل الاجتماعي
في فترة العمل الطلابي قبل ثورة يناير/ كانون الثاني 2011، كنا نتظاهر داخل الحرم الجامعي، ومع ارتفاع سقف الخطاب السياسي من جهة، وشراسة القمع الأمني تجاه الطلاب من جهة أخرى، بدأت التظاهرات تأخذ طابعا جديدا، إذ تبدأ التظاهرة أمام الجامعة على رصيفها المقابل للشارع العام لمدة من الوقت، وبعدها ننتقل إلى داخل الجامعة، أو نحيل التظاهرة بأكملها على الرصيف الجامعي، وكان ذلك دون تعطيل لحركة المرور، إذ كنا نستخدم الرصيف فقط، فكانت مطالب الأمن وقتها، ألا نقف أمام الجامعة وأن نتظاهر بحرية داخلها، أو تقليل مدة الوقوف في الشارع.

كان السبب في هذا الرفض المستمر والمتكرر، أن التظاهرة في الشوارع تخرج من نطاق المشاهدة على الشاشات، أو حدود الطلاب، ويراها آلاف المارين من أمام الجامعة، وتُسهم المشاهَدَة المباشرة والمعايَنة للحدث في كسر حالة الخوف بالتدريج، وكنا في المقابل نريد هذا التأثير والضغط لتقليل القمع، فكانت العادة إبقاء التظاهرات في الشوارع قبل دخول الحرم الجامعي. ومن هنا تَشَابَه تأثير شاشة فيصل مع التظاهرات من جهة كسر الحواجز الأمنية، فضلا عن تميُّز فعل الشاشة بالابتكار غير المسبوق؛ ما يفتح الباب أمام استخدام عشرات الآلاف من الشاشات في شوارع مصر بالطريقة نفسها، وهو أمر أقل تكلفة بصورة عظيمة من تكلفة التظاهرات بالنظر إلى القمع الأمني، ومَنْ سَنَّ هذه السُّنة فإليه يُنسب فضلها وفضل من عَمِل بها.

لاستعادة الهيبة الأمنية، قرر أمن السيسي، وربما هو بنفسه، شن حملة اعتقالات عشوائية عنيفة، خاصة أن نغمة بدأت تسري بين أهل فيصل، على سبيل التندُّر، بأنهم الأكثر جرأة في رحاب المحروسة، فبدأ التنكيل بالمنطقة؛ قُطعت الكهرباء عن المنطقة أولا، بحسب صور متداولة على وسائل التواصل الاجتماعي، بالتزامن مع حملة أمنية مسعورة، واعتقالات عشوائية وإغلاق الشارع، وفَضِّ التجمع أمام الشاشة، خوفا من انطلاق تظاهرة تستكمل المشهد المثير لاستفزاز الأجهزة الأمنية ورأس النظام.

كانت التصرفات المذعورة والشرسة متوقعة من النظام، لكن لم يخطر بالبال استخدام حدث سياسي كهذا في تصعيد خطابات الكراهية ضد اللاجئين السودانيين في مصر، ومعلوم أن منطقة فيصل إحدى مناطق تجمعهم، لكن انحطاط اللجان الإلكترونية للنظام يتماهى مع كل نقيصة، فأشاعت أن سودانييْن اخترقا الشاشة، ورغم نفي الداخلية تورط السودانيين عموما، إلا أن حملة الكراهية استمرت، من حسابات لا تفعل سوى التمجيد في السيسي ونظامه، وترى هؤلاء المسوخ يدورون على الصفحات الخاصة باللاجئين أو المنظمات الداعمة لهم، يبثون خطاب الكراهية ضدهم، ويطالبونهم بترك مصر، كأن مصر والسودان لم يكونا أمة واحدة ودولة واحدة، ولا يزال يربطهما مصير واحد، وماء يرتوي منه الجميع، يَرِد على أهل النقاء والصفاء في السودان أولا، ثم نرتوي منه بعدهم.

تركت الدولة للكيانات غير الرسمية بث خطاب الكراهية ضد مجتمع اللاجئين، ووجهت الخطاب الرسمي تجاه جماعة الإخوان المسلمين، وبعدما كان الإعلام يتحدث عن عدم وجود جماعة الإخوان في مصر، ونجاح السيسي وأجهزته في القضاء عليها، أشاعوا خطابا مغايِرا عن وجود أعضائها، وتَخَفِّيهم بين قطاعات المجتمع، ثم أدار السيسي معركة جديدة على الشاشات أيضا للذم في الإخوان، مستفيدا من الفكرة العبقرية التي وصفتْه، فوجَّه شاشات الإعلانات بالشوارع للهجوم على الإخوان، إذ بات معلوما أن الشارع لا يشاهد مهرِّجيه في برامجهم، فقرر فرض رؤيته على المنتظرين في زحام القاهرة، والمارين في الشوارع، ليخبرهم بأن الإخوان تسببوا من قبل في سوء الوضع الاقتصادي، وأزمات الكهرباء، والمفارقة أن نظامه أمام الأزمة نفسها، مع فارق كبير بين مَن تورَّط في الأزمة بسبب أجهزة الدولة المعارضة له، ومَن وصل إلى الأزمة بسبب سوء إدارته وفشله.

اللافت أيضا في تلك الحملة على الإخوان، أن السيسي يصر على إحياء الإخوان في وجدان المجتمع، وهذه الحماقة مثيرة للانتباه، فهو يعتقد أن إحياء كراهية الإخوان في قلوب الشارع مهم، لأن المجتمع ينسى بعد فترة وجيزة الوقائع، فضلا عن حضور أجيال جديدة لم تشهد حكم الإخوان ولا فترة تواجدهم السياسي. أدار السيسي معركة جديدة على الشاشات أيضا للذم في الإخوان، مستفيدا من الفكرة العبقرية التي وصفتْه، فوجَّه شاشات الإعلانات بالشوارع للهجوم على الإخوان، إذ بات معلوما أن الشارع لا يشاهد مهرِّجيه في برامجهم، فقرر فرض رؤيته على المنتظرين في زحام القاهرة، والمارين في الشوارع، ليخبرهم بأن الإخوان تسببوا من قبل في سوء الوضع الاقتصادي، وأزمات الكهرباءوإعادة التذكير بخطايا فصيل أمر صحيح نظريا لضمان استمرار إبعادهم، لكن الواقع العملي يخالف ما يريده السيسي، فمن أراد ذم انقطاع الكهرباء عليه أن يوفرها، ومن أراد ذم سوء الأوضاع الاقتصادية عليه أن يحسِّنَها، ومن أراد ذم مناخ الحريات عليه أن يسمح بالتعددية.

إذا لم تفعل شيئا من هذا وأردتَ ذم السلوك نفسه، فإنك ستحيي خصمك لا محالة، بل ستجعل الأجيال الجديدة التي لم تر سوى إخفاقاتك تعتقد وتؤمن أنهم مظلومون، وتكرار اسمهم سيجعل الكثير منهم يُقبل عليهم إذا أتيحت الفرصة لهم. وفي حين أن الجماعة انقسمت وربما تسبب هذا الانقسام في إضعاف فرصها، فإن السيسي أحياها وهو يريد قتلها، والكارثة أنه لا يستطيع ألا يتحدث عنهم باستمرار وتحميلهم مسؤولية إخفاقه وسوء إدارته، ولا يستطيع أيضا أن يسكت عنهم لأنه يعتقد أن السكوت عنهم يعني رفع أسهمهم.

إذا، دخل السيسي شكلا جديدا من معارك الشاشات، بمعدات أكبر وقدرات لا محدودة، لكن ربما يشبه الأمر طوفان الأقصى، إذ فارق الإمكانيات ضخم للغاية، لكن الصفعة التي توجهها المقاومة للصهاينة تكون أشد إيلاما من صاروخ يزن ألفي رطل، وتظل عملية السابع من تشرين الأول/ أكتوبر المسمار الأهم على الإطلاق في نعش دولة الاحتلال، وهكذا وضْع شاشة فيصل بمحدودية الإمكانيات، ورداءة التصميم، لكنها فتحت الباب أمام شكل جديد وغاية في الإبداع من النضال السياسي، وستكون مسمارا من أهم مسامير نعش الحكم الأسوأ والأحط في تاريخ مصر الحديث، ومرة أخرى، لن تكون شاشته كشاشة شارع فيصل.

المصدر: عربي21

كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات كاريكاتير بورتريه شارع فيصل المصرية الشاشات السيسي الإخوان مصر السيسي الإخوان شاشات شارع فيصل مقالات مقالات مقالات سياسة سياسة صحافة صحافة سياسة سياسة اقتصاد سياسة سياسة سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة على الشاشات فی الشوارع شارع فیصل ما حدث

إقرأ أيضاً:

فيصل متولي مديرا لمركز الخدمة العامة بـ«آداب كفر الشيخ»

أصدر الدكتور عبد الرازق دسوقي رئيس جامعة كفر الشيخ، القرار رقم (1991) بتاريخ 11-11-2024 بتكليف الدكتور فيصل متولى، الأستاذ المساعد بقسم علم الاجتماع، بكلية الآداب جامعة كفر الشيخ، مديرا لمركز الخدمة العامة بالكلية.

وجاء القرار، «بعد الاطلاع على القانون رقم (49) لسنة 1972 بشأن تنظيم الجامعات ولائحته التنفيذية وتعديلاتهما، والقوانين والقرارات المعدلة والمكملة لها.

جاء هذا القرار بناءً عل المذكرة المقدمة من الدكتور علي صبري أمين العام الجامعة، بتشكيل مجالس إدارة مركز الخدمةةالعامة والوحدات ذات الطابع الخاص بكليات الجامعة للعام الجامعة 2024/ 2025 و ما عرضته الدكتورة أمانى شاكر نائب رئيس الجامعة لشؤون خدمة المجتمع وتنمية البيئة.

وقدم الدكتور فيصل متولى الشكر والتقدير الى الدكتور عبد الرازق دسوقى رئيس الجامعة والدكتورة أمانى شاكر، نائب رئيس الجامعة لشؤون خدمة المجتمع وتنمية البيئة و الدكتور وليد البحيرى، عميد الكلية، والدكتور على صبرى أمين عام الجامعة على ثقتهم الغالية على هذا التكليف.

ويذكر ان الدكتور فيصل متولى، من النماذج المتميزة الفعالة و المشهود له بالكفاءة بين زملائه، فضلا عن مشاركاته فى مختلف المحافل العلمية المحلية والدولية، كونه احد الكوادر المتميزة بجامعة كفر الشيخ

وأكد متولى على بذل المزيد من الجهد للإرتقاء بمكانة الكلية وجامعة كفر الشيخ والحفاظ على تقدمها بين الجامعات المحلية والدولية، متمنيا التوفيق والسداد للجميع لتحقيق تنمية شاملة لمصرنا الغالية.

يذكر أن مركز الخدمة العامة بكلية الآداب حقق خلال الفترة السابقة الكثير من الإنجازات و تقديم كافة سبل الدعم المجتمعى و التدريب لطلاب الكلية و الكليات المختلفة على مدار العام من خلال فريق عمل متميز وذلك في إطار حرص رئيس الجامعة على ضرورة ربط التعليم بسوق العمل ونقل الخبرة وتعزيز المهارات إلى الطلاب والخريجين ليكونوا مؤهلين لسوق العمل وخدمة المجتمع.

مقالات مشابهة

  • لماذا تؤذي شاشة الحاسوب عينيك؟
  • إل جي تستعرض شاشة ثورية يمكن سحبها وتمديدها 10000 مرة.. شاهد
  • قيادي بـ«الشعب الجمهوري»: وعي الشعب المصري حائط صد أمام مخططات الفوضى
  • فيصل ابوثنين: جيسوس اتكرم في بلده والهلال محل تجاهل مقصود
  • الأمير فيصل بن بندر يستقبل سفير ألبانيا لدى المملكة
  • رئيس عربية النواب: كلمة الرئيس السيسي أمام قمة الرياض تاريخية
  • فيصل متولي مديرا لمركز الخدمة العامة بـ«آداب كفر الشيخ»
  • اتحاد شباب المصريين بالخارج : الرئىيس السيسي وضع العالم أمام مسئوليته
  • الفستق يعزز صحة العين ويحارب تأثير الشاشات
  • اتحاد شباب المصريين بالخارج: الرئىيس السيسي وضع العالم أمام مسئوليته قبل الانزلاق لصراع إقليمي