بعدما حذر الرئيس الإيراني، إبراهيم رئيسي، حركة طالبان من عواقب التملص من اتفاقية تخص تنظيم إمدادات المياه الواردة من أفغانستان، تحدثت تقارير عن استعداد طالبان لمواجهة مسلحة مع طهران، مما يهدد بخطر حدوث تصعيد في منطقة مضطربة بالفعل.

ويعود تاريخ الخلافات بشأن المياه بين إيران وأفغانستان إلى سبعينيات القرن التاسع عشر عندما كانت أفغانستان تحت السيطرة البريطانية، ووقع البلدان اتفاقات لتنظيم الحقوق المائية، آخرها عام 1973.

غرام سميث، خبير الشأن الأفغاني وكبير المحللين في "مجموعة الأزمات الدولية" قال لموقع الحرة إن إيران وأفغانستان كادتا أن تخوضا حربا في التسعينيات، لكن تحسنت العلاقات، وأقامت طهران علاقات أفضل بطالبان بعد التدخل العسكري الأميركي في أفغانستان عام 2001. 

وبعد استيلاء طالبان على السلطة مجددا في عام 2021، ورث النظام الجديد بعض التوترات المستمرة مع إيران، وأبرزها الخلاف بشأن توزيع مياه نهر هلمند، وهو ما كان موضوع مفاوضات بين البلدين منذ نحو قرن، وفق المحلل. 

وتشير دراسة نشرها المجلس الأطلسي، وهو مركز بحثي في واشنطن، إلى أنه لا توجد نزاعات إقليمية كبيرة بين إيران وأفغانستان، على عكس النزاعات بين أفغانستان وباكستان أو بين باكستان والهند.

ومع ذلك، فإن الخلاف بشأن توزيع الحصص المائية من نهر هلمند، الذي يمر 95 في المئة منه بأراض أفغانية، يهدد علاقات البلدين مع معاناتهما من تفاقم مشكلات الجفاف، وتغير المناخ، وسوء إدارة المياه، إذ واصلا بناء السدود وحفر الآبار وتحويل المياه وزراعة المحاصيل التي لا تناسب تغير المناخ.

ومن دون إدارة أفضل للمياه، المساعدة الدولية، لا يستبعد المركز البحثي الأميركي نشوب أزمات متصاعدة. 

ونهر هلمند، أحد أنهار البلاد الخمسة، يمتد عبر أفغانستان لمسافة 1100 كيلومتر تقريبا حتى يبلغ بحيرة هامون عند الحدود مع إيران، ثم إلى داخل إيران.

ونص اتفاق عام 1973 على تدفق ماء نهر هلمند إلى إيران بمعدل 850 مليون متر مكعب سنويا، في ظروف مناخية "طبيعية". 

 

نهر هلمند يمتد عبر الأراضي الأفغانية إلى إيران

ومع ذلك، لم ينفذ الاتفاق بالكامل بسبب التطورات السياسية في البلدين،  بما في ذلك انقلاب 1973 في أفغانستان، والثورة الإسلامية في إيران والاحتلال السوفييتي لأفغانستان عام 1979، وصعود حركة طالبان للسلطة عام 1995.

وبدأت التوترات في مايو الماضي بعدما طلب الرئيس الإيراني من حركة طالبان  "احترام" حقوق بلاده في نهر هلمند، وحذر خلال زيارة لمحافظة سيستان وبلوشستان الحدودية، أفقر مناطق البلاد، التي تضررت بشدة من نقص المياه قائلا: "خذ كلامي على محمل الجد.. أحذر المسؤولين والحكام في أفغانستان وأطلب ضرورة احترام حقوق المياه لشعب سيستان". 

بعد حوالي أسبوع من تحذيرات رئيسي، اندلعت مناوشة على الحدود أسفرت عن مقتل حارسين إيرانيين وعنصر في طالبان. وأرسلت طالبان آلاف الجنود ومئات المفجرين الانتحاريين إلى المنطقة، بحسب شخص مطلع على الأمر تحدث لوكالة بلومبيرغ، وقال إن الجماعة مستعدة للحرب.

واتهمت طهران السلطات الأفغانية بعدم الوفاء بالتزاماتها المنصوص عليها في اتفاق 1973 بشأن "حصة" إيران.

وقالت الخارجية الإيرانية في بيان إن "حكام أفغانستان أكدوا لأكثر من مرة خلال العام ونصف العام الأخير على الوفاء بالتزاماتهم وفقا لمعاهدة نهر هيرمند (الأسم الفارسي لنهر هلمند)، لكن من حيث التطبيق، لم ينفذوا الالتزامات المترتبة على هذه المعاهدة ولم يقدموا التعاون اللازم بهدف إطلاق حصة إيران القانونية من مياه هذا النهر".

وقال البيان: "تحتفظ الجمهورية الإسلامية الإيرانية بحقها في اتخاذ التدابير اللازمة والتأكيد على المسؤولية الكاملة لأفغانستان في هذا الصدد".

ومن جانبه، قال المتحدث باسم طالبان، ذبيح الله مجاهد، إن كابول "متمسكة بالإيفاء بالتزاماتها" لكنه أشار إلى أن منسوب المياه تراجع نتيجة "الجفاف الشديد".

وأضاف أن "التصريحات غير المناسبة" الصادرة عن الجانب الإيراني في هذا الصدد يمكن أن تضر بالعلاقات بين البلدين وبالتالي ينبغي "عدم تكرارها".وكان مجاهد يشير إلى التحذير الصلدر عن الرئيس الإيراني.

احتياجات مهمة في البلدين

ويقول موقع المجلس الأطلسي إن النهر الذي يشكل أكثر من 40 في المئة من المياه السطحية لأفغانستان، هو مصدر مهم لكسب العيش للمقاطعات الجنوبية والجنوبية الغربية من البلاد. وهذا الأمر جعل نهر هلمند قضية وطنية لكن الحكومات الأفغانية المتعاقبة وجدت صعوبات في حل الخلافات بشأنه.

وهو قضية وطنية أيضا في إيران حيث حافظت الحكومات على نفس الموقف من ضرورة الحافظ على تدفقات المياه.

وقالت فاطمة أمان، الزميلة البارزة في معهد الشرق الأوسط لموقع "صوت أميركا": "لقد أصبحت قضية سياسية بالكامل في كل من أفغانستان وإيران".

وكان وزير الخارجية الإيرانية حسين أمير عبداللهيان دعا السلطات الأفغانية إلى "فتح بوابات كجكي"، السد المقام على القسم الأفغاني من نهر هلمند. 

هناك حدود مشتركة بين البلدين

وهذا السد الذي شيد في أبريل 1953، يعتبر من أهم خزانات المياه في أفغانستان، وتم بناؤه بهدف توفير الكهرباء والمياه للري لأفغانستان، وزاد في الوقت ذاته من تدفق المياه إلى إيران خلال موسم الجفاف، وفق موقع مجلس الأطلسي.

ويغذي النهر بحيرة هامون في محافظة سيستان وبلوشستان الإيرانية، مصدر المياه الرئيسي في الإقليم، لكن مشاريع تحويل المياه وعوامل الجفاف الحاد في جنوب إيران أدت إلى جفاف شبه كامل في بحيرة على الحدود بين البلدين كانت مساحتها تناهز أربعة آلاف متر مربع، وتعتمد بشكل أساسي على نهر هلمند، وذوبان الثلوج في الجبال المجاورة.

ويشير المجلس الأطلسي إلى أن الجفاف المستمر وتغير المناخ والافتقار إلى الإدارة السليمة للمياه تسببت في حدوث توترات حول المياه العابرة للحدود بين الجارتين.

وتقول بلومبيرغ إن قادة طالبان باتوا في سجال الآن مع جيرانهم بسبب الاحتباس الحراري. 

وتشير إلى أن حوالي 3 ملايين أفغاني فروا إلى إيران بحثا عن المياه، مثل سردار علي (45 عاما) الذي ذهب مع أسرته إلى سيستان وبلوشستان (التي تعاني أيضا) من أجل الوصول إلى قرية أخرى "والحصول على 30 لترا من مياه الشرب".

وتواجه 300 بلدة على الأقل في إيران إجهادا مائيا حادا، مع ارتفاع درجة حرارة كوكب الأرض، وتشير بلومبيرغ إلى أن حوالي 20 مليون شخص فروا إلى المدن بعد جفاف الأراضي الزراعية. 

وكان مشرعون إيرانيون حذروا من أن الوضع في سيستان وبلوشستان مروع للغاية لدرجة أن "كارثة إنسانية" ستحدث إذا لم يحصل الناس على المياه، وفقًا لوسائل الإعلام المحلية. 

مخاوف من صراع محتمل

ويزيد النزاع مع إيران بشأن الموارد المائية المستنفدة من خطر زعزعة الاستقرار في منطقة مضطربة بالفعل.

وتقول بلومبيرغ إن اتفاق 1973 نفسه يترك مجالا للتفسير، إذ يقول إنه يجب "تعديل" إمدادات المياه في أوقات الجفاف، ويجب على كلا البلدين الدخول في "مفاوضات دبلوماسية" لحل أي قضايا.

لكن على الرغم من خيار الدبلوماسية، استعدت طالبان للحرب، بإعداد الجنود والمفجرين الانتحاريين، ونشر مئات المركبات العسكرية والأسلحة التي خلفتها الولايات المتحدة، وفق ما ذكرت بلومبيرغ نقلا عن مصدر مطلع طلب عدم الكشف عن هويته بسبب حساسية الموقف.

وقال عمر صمد، من مركز أبحاث مجلس الأطلسي في واشنطن، المبعوث الأفغاني السابق إلى كندا وفرنسا: "يمكن للطرفين تقديم حجة لتبرير مواقفهما". وأشار إلى "حالة الأزمة التي طال أمدها" في أفغانستان، وحاجة إيران للمياه في وقت الجفاف.

وأوضح أنه إذا لم يرغب أي منهما في حل القضية من خلال القنوات الدبلوماسية، فسيكون ذلك "غير عقلاني سياسيا ويؤدي إلى زعزعة الاستقرار الإقليمي في وقت لا يستطيع فيه أي الطرفين تحمل الصراع"، على حد قوله.

وكان اتفاق 1973 مصدر توتر لعقود، ولطالما جادلت إيران بأنها لا تحصل على ما يكفي من المياه. وازداد الوضع سوءا مع سيطرة طالبان التي جاءت خلال سنوات الجفاف.

وفي حين أنه من الصعب تحليل مزاعم كلا الجانبين، إذ لا تتوفر بيانات إمدادات المياه، قالت فاطمة أمان، من "معهد الشرق الأوسط" ومقره واشنطن، إن "المشكلة تختفي كلما كان هناك ما يكفي من الأمطار أو المياه. لكنها تظهر على السطح بمجرد حدوث الجفاف أو تقل الأمطار".

وبعد أسابيع من التوترات بشأن نهر هلمند، قالت طهران إنها أحرزت تقدما في المفاوضات مع طالبان بشأن الممر المائي المشترك.

وقال وزير الخارجية الإيراني إن حكومته أجرت "مفاوضات جيدة" مع طالبان. وأضاف: "لدينا موضوع حقوق المياه على جدول الأعمال، وقد كلف الرئيس (الإيراني) حسن كاظمي قمي (السفير الإيراني في أفغانستان) بمتابعة الأمر ، على اعتبار أن القضايا بين البلدين يجب أن تسير بشكل مباشر".

وتقول "صوت أميركا" إنه ليس واضحا إلى أي مدى يمكن أن يتصاعد النزاع بين إيران وأفغانستان.

غرام سميث، خبير الشأن الأفغاني قال في تصريحاته لموقع الحرة إنه "عندما تنظر إلى جميع المناوشات والعنف على طول الحدود الأفغانية منذ استيلاء طالبان على السلطة، فإن الحدود الشمالية مع طاجيكستان والحدود الشرقية مع باكستان هي في الواقع أكثر اضطرابا من الحدود الجنوبية مع إيران".

ولوضع الأحداث الأخيرة في سياقها، نظر المحلل في قاعدة بيانات مشروع بيانات مواقع النزاع المسلح وأحداثها (ACLED)، (وهو منظمة غير ربحية) لجميع الحوادث المسجلة في أفغانستان منذ عام 2018 وبحث باستخدام عبارات "إيران" أو "الإيراني". ووجد أن الوضع لم يتغير كثيرا من ناحية عدد الحوادث التي تشير إلى تدخل إيراني في أفغانستان.

وقال مايكل أوهانلون، مدير الأبحاث في معهد بروكينغز، لإذاعة "صوت أميركا" إنه لا يتوقع أن تتفاقم التوترات "لتتحول إلى مشكلة أكبر للمنطقة".

وقال أوهانلون: "أعتقد أن ما تبحث عنه هو حقا سؤال بشأن مدى تعاونهم في القضايا التي لديهم مصلحة مشتركة فيها، مثل مراقبة الحدود، ومكافحة المخدرات، وقضايا من هذا القبيل ، حيث يمكنك رؤية التعاون". .

ويعتقد سميث أنه لدى إيران وأفغانستان "أسباب وجيهة لتجنب الصراع العسكري، وهما لديهما تاريخ في التصرف بطريقة عملية في القضايا الأمنية". 

ويأتي الصراع على المياه في الوقت الذي تواجه فيه أفغانستان مشكلات اقتصادية طارئة. وقالت منظمة العمل الدولية في تقرير إن مئات الآلاف من الأشخاص فقدوا وظائفهم منذ عودة طالبان للسلطة قبل عامين، وتتحمل النساء العبء الأكبر منها. ولا يزال الاقتصاد مشلولا بفعل العقوبات ولا يعترف المجتمع الدولي بإدارة طالبان، مما يفصل أفغانستان عن النظام المالي العالمي.

وتحتاج أفغانستان إلى 4.6 مليار دولار هذا العام لدعم أكثر من 20 مليون شخص يواجهون الجوع الحاد، أي حوالي نصف السكان، وفقا للأمم المتحدة.

ويقول سميث لموقع الحرة إن "الحكومتين في أفغاسنتان وطهران محرومتان من الموارد ولا يمكن لأي منهما تحمل الحرب".

وأضاف: "يحتاج البلدان بعضهما البعض للتنمية الاقتصادية. إيران بحاجة إلى المياه، والتجار الأفغان بحاجة إلى الوصول إلى الموانئ والأسواق الإيرانية. هناك كل الأسباب التي تدفعهم إلى تسوية خلافاتهما سلميا".

المصدر: الحرة

كلمات دلالية: سیستان وبلوشستان فی أفغانستان بین البلدین إلى إیران مع إیران إلى أن

إقرأ أيضاً:

مندوب لبنان بمجلس الأمن: التصعيد الإسرائيلي يهدد بنزاع إقليمي واسع

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق

اتهم مندوب لبنان لدى الأمم المتحدة، هادي هاشم، اليوم الأربعاء، إسرائيل بانتهاك القوانين والأعراف الدولية، مشددًا على رفض الشعب اللبناني وحكومته لأي حرب، مع المطالبة بتطبيق القرار الأممي 1701.

وفي كلمة ألقاها خلال جلسة مجلس الأمن، والتي تم بثها عبر شاشة "القاهرة الإخبارية"، أوضح هاشم أن الأضرار الناتجة عن الهجمات الإسرائيلية كانت هائلة، حيث تضررت البنية التحتية في لبنان بشكل كبير.

وأشار إلى أن الاحتلال الإسرائيلي يصعّد من وتيرة هجماته وعدوانه على لبنان، محذرًا من توسع النزاع ليشمل مناطق وجبهات أخرى.

وأشار المندوب اللبناني إلى أن العدوان الإسرائيلي قد يتسبب في اندلاع نزاع إقليمي واسع النطاق، لا يخضع لأي ضوابط.

كما نوه إلى الأزمة الإنسانية الخطيرة التي تواجه بلاده، في ظل نزوح أكثر من مليون شخص من المناطق المستهدفة نتيجة الحرب، مطالبًا بتقديم مزيد من المساعدات الإنسانية لهؤلاء النازحين.

وأعلن هاشم عن استعداد الحكومة اللبنانية لنشر الجيش في منطقة نهر الليطاني بمجرد التوصل إلى وقف لإطلاق النار.

لبنان يشهد حاليًا هجمات عنيفة من قبل القوات الإسرائيلية، استهدفت مناطق عديدة في جنوب البلاد، ما أدى إلى سقوط عدد كبير من الضحايا بين قتلى وجرحى، فضلًا عن نزوح واسع لسكان تلك المناطق.

هذا التصعيد يأتي بالتزامن مع استمرار العمليات العسكرية الإسرائيلية على قطاع غزة، والتي بدأت في السابع من أكتوبر الماضي.

مقالات مشابهة

  • إيران تهدد بضرب القواعد الأمريكية
  • مندوب لبنان بمجلس الأمن: التصعيد الإسرائيلي يهدد بنزاع إقليمي واسع
  • انقلاب قارب في أفغانستان يودي بحياة 8 أشخاص
  • الحشد الشعبي يهدد باستهداف القواعد الأمريكية في حال استهداف وطنهم إيران
  • إيران تهدد إسرائيل بضربة شاملة
  • فصائل عراقية: سنقصف القواعد الأميركية في حال الهجوم على إيران
  • المقاومة العراقية تحذر أمريكا و”إسرائيل” من تنفيذ أي عمل عدائي ضد إيران
  • المقاومة العراقية تحذر الولايات المتحدة وإسرائيل من تنفيذ أي عمل عدائي ضد إيران
  • فصائل عراقية تهدد باستهداف القواعد الأمريكية بالمنطقة حال مهاجمة إيران
  • تنسيقية المقاومة تهدد بقصف القواعد والمصالح الأمريكية في العراق