الجزيرة:
2024-08-30@19:04:47 GMT

أردوغان والأسد وأثمان التطبيع

تاريخ النشر: 18th, July 2024 GMT

أردوغان والأسد وأثمان التطبيع

عاد مشروع التطبيع التركي السوري ليتصدّر جدول الأعمال مع المساعي الجديدة لتحريك المياه الراكدة في مسار الحوار الثنائي بعد مرور عامٍ ونصفٍ على انطلاقه برعاية روسية. تُظهر رسائل الانفتاح المتبادلة في الآونة الأخيرة أن فكرة التطبيع أصبحت تحظى باهتمام متزايد لدى الطرفين، ولدى روسيا الراعية الرئيسية لهذا المسار.

على الرغم من أن اندفاعة أنقرة نحو التطبيع تتفوق في الظاهر على اندفاعة دمشق، فإن تخلي دمشق عن شرط الجدول الزمني للانسحاب التركي من سوريا واستبداله بمطلب الالتزام بالانسحاب وسيادة الأراضي السورية، يُشير إلى أن رغبة الرئيس بشار الأسد بتطبيع العلاقة مع تركيا لا تقل في الواقع عن رغبة الرئيس رجب طيب أردوغان لاعتبارات مُختلفة.

من أهم هذه الاعتبارات المزايا المفترضة للتطبيع، مثل: تعزيز شرعيته الخارجية والمكاسب الاقتصادية التي يُمكن أن تُشكل طوق نجاة للاقتصاد السوري المُنهك.

مع ذلك، فإن مبادرة كل من أردوغان والأسد إلى إظهار نوايا التطبيع بالتوازي مع تحديد توقّعاتهما المُختلفة منه، تُشير إلى أن هذه العملية ستكون مسارًا طويلًا ومليئًا بالألغام، ولا يُمكن أن تصل إلى وُجهتها النهائية بدون تقديم تنازلات من الطرفَين.

بينما بادرت تركيا إلى طرح توقّعاتها من التطبيع والمتمثلة بقبول دمشق التعاون معها في معالجة هواجسها الأمنية إزاء مشروع الحكم الذاتي لوحدات حماية الشعب الكردية، وارتباطها بحزب العمال الكردستاني المحظور، وتوفير بيئة مناسبة لإعادة اللاجئين السوريين لديها إلى بلدهم، أو القسم الأكبر منهم، ودفع عملية الحل السياسي للصراع، فإنها رهنت استعدادها لبحث إمكانية الانسحاب من سوريا بتحقيق هذه الأهداف.

في المقابل، حددت دمشق توقّعاتها العريضة المتمثلة بانسحاب القوات التي تتواجد بشكل "غير شرعي" والعودة إلى الوضع الذي كان سائدًا قبل اندلاع الصراع في عام 2011. يبدو التوقع الأخير أكثر حساسية؛ لأنّه يُرهن التطبيع بشرط جديد يتمثل بقبول تركيا مبدأ العودة إلى ما قبل 2011، على الرغم من أن تدخلها العسكري في سوريا بدأ بعد ذلك بخمس سنوات.

يعني هذا الشرط عمليًا أنه سيتعين على أنقرة الانخراط في جهود "تصفية" الصراع، وليس تسويته وفق المبادئ التي ينص عليها قرار مجلس الأمن الدولي 2254. والواقع أن تركيا أيضًا أصبحت أكثر ميلًا لتقبل هذا التوقّع مع تغليفه بفكرة المصالحة بين النظام والمعارضة؛ بهدف تطويره إلى عملية إصلاح سياسي.

يبدو مطلب دمشق تحديد الانسحاب التركي كأساس لعودة طبيعية للعلاقات التركية السورية تحصيلَ حاصلٍ، إذ لا يُمكن تصور مثل هذه العودة مادام أن القوات التركية موجودة في سوريا. يظهر مشروع التطبيع على أنه مُصمّم لكي يكون على مراحل مُتدرجة، وصولًا إلى التطبيع الكامل الذي لا يُمكن أن يتحقق بدون إنهاء الصراع.

حقيقة أن ارتهان التطبيع الكامل بإنهاء الصراع تُشير إلى العقبات الكبيرة التي تواجه مشروع التطبيع، وهي لا تقتصر على صعوبة إعادة ترميم العلاقة بين أردوغان والأسد بعد ما يقرب من عقدٍ ونصفٍ من العداوة، أو على إشكالية الوجود التركي في سوريا، وتعقيدات التعاون الثنائي في ملف الوحدات الكردية.

النظر إلى التطبيع من منظور العلاقات التركية السورية حصرًا لا يُساعد في فهم دوافعه الكاملة، ولا في تقدير آثاره الواسعة على الصراع أولًا، وعلى مستقبل النفوذ الإقليمي والدولي على سوريا ثانيًا، وعلى الجغرافيا السياسية الإقليمية ثالثًا. وهنا تبرز أهمية العاملين الإيراني والأميركي كعقبة مُحتملة أمام التطبيع، لأنّه – في حال تحقق – سيُعيد رسم خريطة النفوذ الإقليمي والدولي في سوريا في حقبة ما بعد الحرب.

فكرة العودة إلى المفاوضات الثنائية مرّة أخرى للتأسيس لحقبة التطبيع، لن تكون مُجدية تمامًا إذا لم تأخذ بعين الاعتبار هذين العاملين على وجه الخصوص، لأن كلًا من طهران وواشنطن تمتلكان القدرة على محاولة عرقلة مسار التطبيع إذا وجدتا أنه سيُضعف سياستهما في سوريا.

بمعزل عن المؤثرات المُحيطة بمشروع التطبيع، فإن فرص نجاحه تتوقف بالدرجة الأولى على ما إذا كان أردوغان والأسد مستعدَّين لدفع التكاليف المترتبة عليهما مقابل الحصول على مزاياه. يظهر الاعتراف بهواجس تركيا الأمنية، وما يعنيه من إضفاء مشروعية على الوجود العسكري التركي في سوريا إلى حين انتهائه، وإعادة تصميم الجانب الأمني في العلاقات التركية السورية المستقبلية، كأحد الأثمان الكبيرة التي سيتعين على الأسد دفعها.

مع ذلك، فإن الأثمان على الجانب التركي تبدو مضاعفة، وليس أكبرها حجمًا الانخراط في عملية لإنهاء الصراع لا تُلبي طموحات المعارضة ولا البيئة الحاضنة لتركيا في شمال سوريا. من غير المتصور أن تتخلى أنقرة عن علاقتها بالمعارضة، أو عن دورها في سوريا قبل تحقيق أهدافها؛ لأن هذه العلاقة وهذا الدور سيظلان ركيزة أساسية لسياستها في سوريا.

لكنّ مُتطلبات التطبيع تفرض تصميمًا جديدًا لهذه العلاقة ولوظائف هذا الدور. قد تكون المزايا المتصورة في أنقرة ودمشق للتطبيع تستحق مثل هذه التكاليف، لكنّ المؤكد أن الوصول إلى التطبيع لن يكون إلا عبرها. يُظهر تحول الخطاب السياسي التركي إزاء الأسد والصراع وسبل معالجته، أن أنقرة تُدرك أن التطبيع لن يكون بدون ثمن.

إن الظروف الراهنة المحيطة بمشروع التطبيع التركي السوري تبدو مناسبة جزئيًا لنجاحه أكثر من أي وقت مضى، لكنّ الرهانات على نجاحه تنطوي على مخاطر الفشل. ولا يزال من الصعب تقدير ما إذا كانت مزايا التطبيع، إن بالنسبة لأنقرة ودمشق أو بالنسبة للفاعلين الخارجيين المؤثرين والمتأثّرين في هذه العملية، ستتفوق على العقبات المحتملة.

مع ذلك، فإن مشروع التطبيع – إن قُدر له النجاح – ستتجاوز آثاره إعادة تصميم العلاقات التركية السورية إلى نقل سوريا لحقبة ما بعد الحرب، وتحديد دورها في الجغرافيا السياسية الإقليمية.

الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.

aj-logo

aj-logo

aj-logoمن نحناعرض المزيدمن نحنالأحكام والشروطسياسة الخصوصيةسياسة ملفات تعريف الارتباطتفضيلات ملفات تعريف الارتباطخريطة الموقعتواصل معنااعرض المزيدتواصل معنااحصل على المساعدةأعلن معناالنشرات البريديةرابط بديلترددات البثبيانات صحفيةشبكتنااعرض المزيدمركز الجزيرة للدراساتمعهد الجزيرة للإعلامتعلم العربيةمركز الجزيرة للحريات العامة وحقوق الإنسانقنواتنااعرض المزيدالجزيرة الإخباريةالجزيرة الإنجليزيالجزيرة مباشرالجزيرة الوثائقيةالجزيرة البلقانعربي AJ+

تابع الجزيرة نت على:

facebooktwitteryoutubeinstagram-colored-outlinersswhatsapptelegramtiktok-colored-outlineجميع الحقوق محفوظة © 2024 شبكة الجزيرة الاعلامية

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: حراك الجامعات حريات الترکیة السوریة أردوغان والأسد مشروع التطبیع فی سوریا

إقرأ أيضاً:

تركيا تترقّب زيارة الرئيس المصري إليها

القاهرة (زمان التركية) – أكد السفير التركي في القاهرة، صالح موطلو شن، اليوم، أن تركيا تتطلع إلى ‏زيارة الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي المرتقبة إلى تركيا.

وقال السفير التركي خلال حفل استقبال بمناسبة يوم النصر “يوم القوات المسلحة في تركيا” أنه خلال زيارة الرئيس السيسي، سيتم توقيع العديد من الاتفاقيات، حيث ستجد الزيارة اهتماما كبيرا في تركيا ومصر والعالم‎.‎‏

وأوضح السفير أن العلاقات الثنائية بين مصر وتركيا ستواصل التطور في الفترة المقبلة. وأن زيارة السيسي ستعزز “أواصر الأخوة التاريخية” بين البلدين.

وأفاد إعلام تركي أن السيسي سيزور العاصمة التركية أنقرة في 4 سبتمبر المقبل.

وكان وزير الخارجية التركي، هاكان فيدان، زار مصر يومي 4 و5 أغسطس؛ للتحضير لزيارة الرئيس عبد الفتاح السيسي، إلى العاصمة التركية أنقرة.

وفي فبراير الماضي، زار الرئيس التركي رجب طيب أردوغان مصر وعقد مباحثات مع السيسي، وذلك بعد قطيعة استمرت لسنوات.

Tags: السيسيالسيسي وأردوغانالعلاقات التركية المصريةتركيا

مقالات مشابهة

  • تركيا تترقّب زيارة الرئيس المصري إليها
  • تركيا تترقب زيارة السيسي
  • الرئيس أردوغان يهنئ الأتراك بـ”عيد النصر”
  • دبلوماسي تركي يوضح الحل للأزمة السورية.. ورئيس البرلمان مستعد للقاء نظيره السوري
  • جمعة يبحث مع السفير التركي ملف إقامات اللييبين
  • وزير النقل يعلن من تركيا البدء بتنفيذ طريق التنمية منتصف العام المقبل
  • رهان على التحديات.. لماذا تدور أنقرة ودمشق في متاهة الانسحاب؟
  • تركيا تدعم وجودها في سوريا بتبريرات جديدة
  • صحفي: 4 طلبات تركية قدمت للرئيس الأسد
  • قورتولموش: تركيا ستظل إلى جانب نضال الشعب الفلسطيني