الإدارة الذاتية في سوريا.. سلطة الأمر الواقع الكردية
تاريخ النشر: 18th, July 2024 GMT
الإدارة الذاتية في سوريا هي مشروع كردي نشأ على يد حزب الاتحاد الديمقراطي لإخضاع المناطق التي يسيطر عليها إلى سلطة الأمر الواقع، امتد نفوذها في محافظات عدة شملت مناطق وامتدادات في كل من الحسكة ودير الزور والرقة ومناطق أخرى.
ووصلت نسبة الأراضي التي تخضع لسلطة الإدارة الذاتية إلى نحو 25% من الأراضي السورية، وتدخل ضمن سيطرتها معظم حقول النفط السورية.
أُعلن عن تشكيل الإدارة الذاتية الديمقراطية يوم 21 يناير/كانون الثاني 2014 بعد فشل تشكيل "مجلس غربي كردستان"، وعقد اجتماعات مطولة بين الأحزاب المنضوية ضمن حركة المجتمع الديمقراطي.
وأُعلن عن عقد اجتماعي خاص بالإدارة الذاتية يقوم مقام الدستور تحول فيما بعد إلى حجر أساس لما يسمى "العقد الاجتماعي للفدرالية الديمقراطية لروج آفا– شمال سوريا"، و"روج آفا" هو التسمية الكردية لهذه الإدارة الذاتية.
ونشرت مسودة العقد في يونيو/حزيران 2016 بمدينة المالكية في محافظة الحسكة، ثم أقرها المجلس التأسيسي بعد نحو 6 أشهر مع تعديل الاسم ليكون "العقد الاجتماعي للفدرالية الديمقراطية- شمال سوريا".
وفي عام 2018 تمت مراجعة دستور عام 2014، وفي عام 2020 تم اتخاذ قرار لعمل عقد اجتماعي جديد، وبعد عام شكلت لجنة لإعادة صياغة ميثاق العقد الاجتماعي تكونت من 157 عضوا، النسبة الكبرى منهم من المكون الكردي 45% ثم العربي بنسبة 37% ثم السرياني بنسبة 11% ثم باقي المكونات، وأنشئت منها لجنة صغرى للعمل مكونة من 30 عضوا.
وبعد عامين من العمل أصدرت اللجنة "العقد الاجتماعي للإدارة الذاتية الديمقراطية لإقليم شمال وشرق سوريا"، واعتمد في المجلس العام للإدارة الذاتية.
واحتوى العقد الجديد على 4 أبواب تضمنت 134 مادة شملت المبادئ الأساسية والحقوق والحريات الأساسية والنظام المجتمعي والأحكام العامة.
انتقاادات للعقد الاجتماعي للإدارة الذاتيةطرحت عدة دراسات بحثية مشاكل تتعلق بالعقد الاجتماعي، من أهمها:
أن هذا العقد من طرف واحد، ولم يتم التنسيق مع باقي الأطراف. يحمل العقد في طياته خطوة باتجاه الانفصال. يتبنى العقد مصطلحات تبناها مؤسس حزب العمال الكردستاني. يعد العقد المعتقد الديني حرية، ويرى أن الإسلام معتقد خاص بفئة وليس عنصرا أساسيا في الهوية السورية. الإدارة الذاتية والسلطةأعطت الإدارة الذاتية نفسها عبر عقدها الاجتماعي صلاحيات الحكومة المركزية، حيث ورد فيه تفصيل لهيكلية مؤسسات الحكم شمال سوريا، والتي تنقسم إلى هيئات عامة ومجالس تنفيذية ومفوضيات وهيئات وغيرها.
وامتدت سلطتها لتشمل التعليم واللغة، فأعيد استخدام اللغة الكردية والعمل بمناهج مدرسية خاصة للأكراد.
مناطق الإدارة الذاتيةمع بدء الثورة السورية عام 2011 اتخذ الأكراد موقفا حياديا ولم يواجهوا النظام أو يثوروا عليه، فحاول الرئيس السوري بشار الأسد في بداية الثورة كسبهم إلى صفه، فمنح 300 ألف كردي الجنسية السورية.
ثم في عام 2012 انسحبت قوات النظام السوري على نحو تدريجي من المناطق التي يغلب عليها وجود الأكراد في شمال وشمال شرق سوريا، في محاولة لإبعادهم عن الثورة السورية.
تجمعت الأحزاب الكردية وأسست وحدات حماية الشعب، وسيطرت على مناطق متعددة وواجهت فصائل المعارضة وجبهة النصرة وغيرها.
سميت المنطقة التي يسيطر عليها الأكراد "روج آفا"، وأنشئت الإدارة الذاتية عام 2014 لحكم هذه المناطق في شمال وشرق سوريا، وشملت القامشلي ومناطق من محافظة الحسكة ورأس العين وعين العرب (كوباني) وعفرين.
في عام 2015 أنشئت قوات سوريا الديمقراطية، وضمت تشكيلات مختلفة يغلب عليها المكون الكردي، وقد وصفت دراسات عدة هذه القوات بأنها تتفاعل مع الإدارة الذاتية التي أنشأها حزب الاتحاد الديمقراطي، في حين ترى تركيا أنها امتداد للحزب ذاته.
تلقت قوات سوريا الديمقراطية دعما من روسيا والتحالف الدولي ضد تنظيم الدولة الإسلامية، مما مكنها من التوسع ومحاربة التنظيم ومطاردته في معاقله والاستيلاء على الأراضي التي كان يسيطر عليها، فامتدت رقعة الأراضي التي تحكمها الإدارة الذاتية.
ومع نهاية عام 2015 كان الأكراد يسيطرون على نحو 14.6% من أراضي سوريا (وفقا لمركز عمران للدراسات)، وتشمل معظم محافظة الحسكة ورأس العين وتل أبيض وعين العرب، إضافة إلى عفرين.
وفي عام 2016 توسعت سيطرتها لتصل إلى منبج شمال شرق حلب ومناطق من دير الزور، وكانت تسعى إلى السيطرة على جرابلس التي كان يسيطر عليها تنظيم الدولة.
وفي 24 أغسطس/آب 2016 تدخلت تركيا بعملية عسكرية سميت "درع الفرات" لاستعادة مدينة جرابلس من تنظيم الدولة وتمكين المعارضة السورية المسلحة من السيطرة عليها ومنع قوات سوريا الديمقراطية من ضمها إلى مناطقها.
وبعد 5 أيام من المعارك سيطرت المعارضة على نحو 30 بلدة بريف حلب الشمالي الشرقي بعد اشتباكات مع القوات الكردية، ومنحت الأخيرة فرصة للعودة إلى شرق نهر الفرات.
وفي منتصف يناير/كانون الثاني 2018 أعلن التحالف الدولي عزمه تشكيل قوة عسكرية حدودية في شمال سوريا، نصفها من قوات سوريا الديمقراطية، لكن تركيا شنت هجوما سمته "غصن الزيتون" بمشاركة الجيش السوري الحر استهدفت فيه القوات الكردية بمنطقة عفرين.
واستطاعت تركيا والجيش الحر السيطرة على بلدات عدة، منها جبل بورصايا وبلدة بلبل ومركز بلدة شيخ الحديد وشيران وجنديرس ثم عفرين يوم 18 مارس/آذار 2018.
وكان مجموع ما سيطرت عليه القوات التركية والجيش الحر 6 بلدات و282 قرية و6 مزارع و23 جبلا وتلا وسدا مائيا و50 نقطة إستراتيجية.
وفي مارس/آذار 2019 أعلنت قوات سوريا الديمقراطية القضاء على تنظيم الدولة بعد سقوط آخر معقل له في شرق سوريا وضمته إلى مناطق الإدارة الذاتية.
لكن في أكتوبر/تشرين الأول من السنة ذاتها بدأت تركيا مع الجيش الحر هجوما سمته "نبع السلام" بهدف القضاء على القوات الكردية التي قالت إنها تهدد حدودها.
واستطاع الجيش الحر استعادة تل أبيض ورأس العين ونحو 600 منطقة سكنية، والتي تزيد مساحتها على 4 آلاف كيلومتر مربع.
وبقيت المناطق التي تتبع لسيطرة الإدارة الذاتية، والتي تبلغ نحو 25.64% من الأراضي السورية وفقا لمركز جسور للدراسات.
ثروات طبيعيةوتتميز المناطق التي تخضع لحكم الإدارة الذاتية بمناطق سهلية وصحراوية وتلال، وفيها مناطق زراعية واسعة تتميز بزراعة الحبوب والقطن.
كما تسيطر على أكبر 3 حقول نفطية في سوريا هي السويدية ورميلان والعمر، إضافة إلى 10 حقول أخرى موزعة بين الحسكة ودير الزور، أهمها التنك والجفر وكونيكو.
وتعتمد مناطق الإدارة الذاتية على التجارة وتشمل تجارة العقارات والسيارات والمواد الغذائية، إضافة إلى صرف العملات.
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: حراك الجامعات حريات قوات سوریا الدیمقراطیة الإدارة الذاتیة العقد الاجتماعی المناطق التی تنظیم الدولة یسیطر علیها شمال سوریا شرق سوریا فی عام
إقرأ أيضاً:
كيف يمكن احتواء المخاطر التي تتعرض لها سوريا؟.. محللون يجيبون
شدد محللون تحدثوا لبرنامج "مسار الأحداث" على أهمية المسار السياسي وتطبيق العدالة الانتقالية لمواجهة واحتواء المخاطر التي تهدد السلم الأهلي في سوريا، وقالوا إن الأحداث الأمنية في الساحل السوري لها عدة دوافع.
وتخوض قوات الأمن السورية معارك ضد فلول نظام الرئيس المخلوع بشار الأسد بعد تنفيذ هؤلاء كمائن مسلحة استهدفت قوات الأمن في منطقة الساحل وأسفرت عن عشرات القتلى والمصابين.
وقال الكاتب والمحلل السياسي، محمد علوش إن ما جرى في منطقة الساحل كان متوقعا، "لكن المفاجأة الكبرى كانت في تقاطع التحركات التي تهدد استقرار الدولة في سوريا، في منطقة الساحل وفي الجنوب السوري".
ورأى أن ما جرى في منطقة الساحل يمكن قراءته محليا وخارجيا، فقد كانت هناك "محاولة لتشكيل تمرد عسكري على الدولة السورية لإخراجها من هذه المناطق"، وقال إن الخلايا التي تنشط في هذه المناطق لا تريد أن تكون جزءا من الدولة، بالإضافة إلى أن الخلايا وقادة النظام المخلوع الذين تحصنوا في هذه المناطق لا خيار أمامهم سوى التمرد لحماية أنفسهم.
كما أن التحركات الإسرائيلية في الجنوب السوري شكلت -حسب علوش- محفزا لخلايا النظام المخلوع في منطقة الساحل من أجل محاولة تشكيل التمرد المسلح.
إعلانكما أشار إلى أن التحديات التي تواجهها الإدارة السورية تتمثل في ما وصفها بالشروط القاسية التي تفرضها "قوات سوريا الديمقراطية" (قسد)، وفي المشروع الذي قال إنه يتبلور لرفض الاندماج في الدولة الجديدة.
وبحسب الباحث السياسي عبد المنعم زين الدين، فقد كانت الأحداث متوقعة لعدة أسباب، منها عدم المحاسبة، وأن المجموعات والفلول التي تقوم بالقلاقل تحاول استعادة مكاسب فقدتها بعد سقوط النظام السابق.
احتواء المخاطروعن كيفية احتواء المخاطر التي تتعرض لها سوريا، رأى علوش أن هناك 3 مسارات يمكن للإدارة السورية الجديدة أن تعمل عليها، أولها الحزم الأمني في التعاطي مع مشكلة الفلول، باعتبار أنهم يشكلون تهديدا للسلم الأهلي، بالإضافة إلى مسار التسويات، ومسار العدالة الانتقالية.
وقال إن أكبر وسيلة لمواجهة المخاطر التي تهدد الأمن الأهلي في سوريا هي تحقيق العدالة الانتقالية ومحاسبة المتهمين بارتكاب جرائم بحق الشعب السوري خلال سنوات الصراع وفق القانون وليس وفق الأعمال الانتقامية، كما أوضح علوش.
كما أشار علوش إلى أهمية المسار السياسي، "فكلما كان هناك انخراط من جانب المكونات في عملية تشكيل مستقبل سوريا، كانت هناك قدرة للإدارة الجديدة في مخاطبة هذه المكونات وجعلها جزءا من عملية التحول".
بينما قال زين الدين إن مواجهة المخاطر تكون عبر الإسراع في محاسبة من سماهم المتورطين المجرمين في الأحداث، والتأكيد على أن ما يجري لا علاقة له بالطائفية، وأن المعركة ليس ضد أي طائفة، مشيرا إلى أن من أشعل الطائفية في سوريا هو النظام المخلوع.
وفي قراءته العسكرية للأحداث التي تعرفها سوريا، أوضح الخبير العسكري والإستراتيجي العميد إلياس حنا، أن تلك القلاقل ليست عملا منفردا وستستمر لعدة أسباب، بالنظر إلى أنها تحصل في منطقة جغرافية معينة وفي بيئة معينة، مشيرا إلى أن "القيادة السورية الحالية غير قادرة على فرض سيطرتها على كامل سوريا".
إعلانوتهدف المجموعات التي تقوم بالقلاقل -يضيف العميد حنا- إلى "جر الحكومة إلى عمل عسكري في الأماكن التي تنشط فيها حتى يقوم المجتمع بالانقلاب عليها".
ويذكر أنه بعد إسقاط نظام الأسد في الثامن من ديسمبر/كانون الأول 2024، أطلقت السلطات السورية الجديدة مبادرة لتسوية أوضاع عناصر النظام السابق، من الجيش والأجهزة الأمنية "شريطة تسليم أسلحتهم، وعدم تلطخ أيديهم بالدم".
واستجاب الآلاف لهذه المبادرة، بينما رفضتها بعض المجموعات المسلحة من فلول النظام، لا سيما في الساحل السوري، حيث كان يتمركز كبار ضباط نظام الرئيس المخلوع. وبدأت هذه المجموعات بإثارة التوترات الأمنية وشن هجمات متفرقة ضد القوات الحكومية.