أحمد مطاوع يكتب: من الضحك لكسرة القلب.. إيه اللي حصل في كفر الشيخ؟
تاريخ النشر: 18th, July 2024 GMT
ذات يوم قبل نحو 15 عاما تقريبا جهزت حقيبتي الرياضية، وخرجت من منزلي بكل حماس، متجها نحو أتوبيس نادي بنها رفقة فريق اليد الذي كنت أحد عناصره، وفي سعادة تحركنا إلى محافظة كفر الشيخ لملاقاة فريق بيلا، في مباراة لا نحتاج منها أكثر من التعادل للتأهل إلى تصفيات الصعود للدوري الممتاز، في حين يحتاج المنافس إلى الفوز لتجنب الهبوط للدرجة الأدنى.
بعد رحلة شاقة بعض الشيء عبر طرق زراعية مليئة بالمطبات والحفر والنقر والأتربة، وصلنا أخيرا أمام بوابة النادي أو مركز الشباب -لا أتذكر في الحقيقة-، سيارة أمن مركزي خالية من الجنود، عدا السائق وفرد أمن، يرافقها أمين شرطة يستقل موتوسيكل في استقبالنا بالخارج، وفي الداخل البلد كلها تقريبا متراصة حول ملعب أرضيته من بلاط يأكل لحم من يسقط عليه ويترك علاماته على جسمه وعظامه، الجميع في حالة ترقب شديدة.
انطلقت المباراة تحت ضغط جماهيري على حكم المباراة وصياح شديد وهتافات وسباب ضد فريقنا، و«زلط» و«طوب» صغير يصوب باحترافية تجاه أجسادنا، عنف من لاعبي الفريق المنافس في أرض الملعب ضدنا، ووعيد وتهديد يخترق سياج آذاننا من الخارج، تحت أعين طاقم التحكيم ومراقب المباراة.
في الثواني الأخيرة من اللقاء استطعنا خطف هدف الفوز، لتشتعل الأجواء في كل ركن بالملعب، وتبدأ حالة هياج جماهيري جنونية، وما إن أطلق الحكم صافرة النهاية، انصب حشد من الجماهير واللاعبين فوق رؤوس الحكام، باللكم والضرب المبرح بالأيادي وزجاجات المياه الغازية والركل بالأرجل.
في تلك اللحظات كان فريقنا يسارع لالتقاط حقائبه، للهرب من أرض الملعب، الذي تحول في لمح البصر إلى حلبة لمصارعة الثيران، أي غريب عن أهل البلد، سيعاقب من حيث لا يدري، تشتت زملائي مهرولين نحو بوابة الخروج حتى اختفينا جميعا وسط زحام من البشر، يحاول في جنون أن يطول أي مننا لـ«يهرسه تحت الأقدام».
واصلنا الهرولة حتى تجمعنا أخيرا قرب البوابة، حيث تجمع الحكماء من أبناء نادي بيلا وبعض المواطنين، وحلقوا علينا حتى مررنا بسلام، واستقلينا الأتوبيس الذي اقترب من باب الخروج في حذر شديد، وسط نداءات مملوءة بالصراخ لسرعة الركوب، بعدما رأى المحيطين شخصا يجوب حول الأتوبيس وفي يده سلاح أبيض، قبل أن يقطع عليه فرد الأمن طريقه ويصعد إلينا، ويطالبنا بالاختفاء فورا من المكان.
وفي طريق العودة، يحكي كل منا ما رأى من أهوال ومواقف كوميدية، حتى تحولت الرحلة إلى حالة من الضحك الهيستيري، واستمر الحال بعدها بأيام، لنتساءل بيننا وبين بعضنا، كيف نجونا من هذه الموقعة سالمين دون أي إصابات أو خسائر، سوى كسر بسيط في زجاج الأتوبيس؟
لكن ظلت الأسئلة تراودني: كيف تتحول مباراة رياضية ذهبنا إليها للاستمتاع قبل التنافس، إلى معركة شارك فيها أطفال وصبية وشبان ورجال، وكيف يصبح هؤلاء الصغار في المستقبل، والذين تشكلت سلوكياتهم على اعتياد العنف؟ وغيرها من الاستفهامات المحيرة.
والحقيقة أن «اللي حصل في كفر الشيخ» كان موقفا من كثير فقدت فيها الرياضة جوهرها وروحها وأخلاقها، كنا نتندر عليها كفريق وأصدقاء في تجمعاتنا، وتنتابنا نوبات الضحك، حتى صعقتنا أحداث بورسعيد، واستشهاد 72 مشجعا من جماهير النادي الأهلي غدرا، في مباراة تنافسية قطع لها الجمهور مئات الكيلو مترات، واقتطعوا من جيوبهم أمولا، من أجل التنزه والاستمتاع بفريقهم لمدة 90 دقيقة.
لم يكن في خيال هؤلاء لحظة أن يواجهوا سيناريو لعين خارج حسبان الرياضة وأهدافها وأخلاقها، وأن يعودوا إلى أهلهم أطفالا وشبانا ورجالا محمولين في نعوش، لأتساءل بيني وبين نفسي: هل كان يمكن أن يكون هذا مصيرنا في كفر الشيخ، خاصة أن العقل الجمعي غالبا ما ينساق وراء الحشد؟
توقف النشاط الرياضي في مصر بعد هذا الحادث الأليم، وقبله توقفت لدي الرغبة في ممارسة الرياضة، وذبلت الروح التي كانت تشتهي التمرين والمباريات، رغم صعوبة التنسيق بينها وبين التزامات العمل اليومي الذي يتطلب قضاء نصف يومي في القاهرة، ولما لا ورائحة الدماء تزكم أنوفنا وتخنقها، ومناظر صناديق النعوش المشحونة عبر القطار، تحولت لحواجز تمنع أي فرصة للعودة، وبعد مرور عام حاولت الرجوع بالفعل، لكن شيء ما انكسر في قلبي.
تلك المأساة التي فاقت احتمالات البشر، شهدت حالة من التكاتف والروح الرياضية العالية بين الجماهير واللاعبين ومسؤولي الأندية، فهل تتخيل أن شيكابالا وعدد من نجوم الزمالك كانوا ضيوفا على قناة الأهلي؟! يواسون ويؤازرون أسر الشهداء، ويفتحون صفحة جديدة في تاريخ الرياضة المصرية.
وهكذا كان الحال من جماهير ونجوم الأهلي عندما تعرض جمهور الزمالك لحادث غدر أيضا في نفس الشهر بعد 3 سنوات، راح ضحيته 22 مشجعا من رافعي الأعلام البيضاء، فماذا حدث لنا؟ ولماذا لم نستثمر تلك الروح لرأب التعصب ووأده من جذور ملاعبنا؟ هل نحتاج إلى كارثة من وقت لآخر كي تردنا إلى عقلنا ورشدنا؟
والغريب أن بعض النجوم أيضا والمسؤولين في الوسط الكروي، هم من يتورطون دائما في شحن الجماهير نحو التعصب، بمشاركة بعض الإعلاميين المحملين بأجندات ومصالح خاصة، لا سيما أن الإعلام لم يكن بريئا في تلك الأحداث المؤلمة في ذاكرتنا، بسبب العشوائية وتصدير قضايا تؤجج مشاعر الغضب وتزيد حدة التعصب.
ومن هنا تبرز أهمية مبادرة «الشركة المتحدة»، لنبذ التعصب في المجتمع، الرامية إلى نزع أواصر التطرف في البرامج الرياضية، تماشيا مع مبادرات أخرى للحث على التمسك بالأخلاق الجميلة، وبث روح الاحترام بين جميع ممثلى وجماهير الأندية من خلال كود مهني ملزم لمقدمي البرامج الرياضية والمحللين والضيوف، يشرف على تقييمه وتنفيذه خبراء إعلاميين وأكاديميين ورياضيين.
المصدر: الوطن
كلمات دلالية: كفر الشيخ الأهلي الزمالك الشركة المتحدة كرة اليد الإعلام الرياضي أحداث بورسعيد کفر الشیخ
إقرأ أيضاً:
صلاح عبدالله: أنا ونبيل الحلفاوي ضربنا مثل في نبذ التعصب الرياضي
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق
كشف الفنان صلاح عبدالله عن علاقته الإنسانية مع الفنان الراحل نبيل الحلفاوي، وحجم التاريخ الفني والصداقة التي جمعتهما.
وقال الفنان صلاح عبدالله في مداخله له في البرنامج الإذاعي "أسرار النجوم" تقديم الإعلامية انجي علي، أنه رغم اختلاف انتماؤه الرياضي كزملكاوي، عن الفنان نبيل الحلفاوي والذي كان شديد الأهلاوية، إلا أنهم لم يختلفا يوماً واحداً بسبب مباريات كرة القدم.
وتابع احديثه "ضربنا مثل في نبذ التعصب الرياضي، كنا نحفل على بعض ونهزر لكن في حدود الاحترام، وعمري ما أسمح لحد من جمهور الزمالك يقوله كلمه، وهو كمان عمره ما سمح لأهلاوي متعصب يقول كلمة".
وأكد الفنان صلاح عبدالله أن السوشيال ميديا بها لجان، وتدعو للتعصب وخلق أجواء من الكراهية والتجاوزات، ليس في الرياضة فقط، وإنما في السياسة والفن وفي كل المجالات.
واختتم حديثه "نبيل الحلفاوي إنسان جميل وفنان كبير، ومحترم وله تقدير كبير من كل الجماهير سواء الرياضه أو الفن، ربنا يرحمه ويصبرنا".