لماذا ينجذب المشاهد العربي للأعمال الدرامية التركية؟
تاريخ النشر: 8th, August 2023 GMT
"حريم السلطان" و"قيامة أرطغرل" و"نور" وغيرها مسلسلات وأفلام اجتماعية وتاريخية تركية جذبت ملايين المشاهدين في العالم العربي وصارت منافسا قويا للأعمال العربية، خاصة المصرية والسورية. فما أسباب انتشارها؟
وأرجع المنتج وكاتب السيناريو التركي أحمد أوكور العوامل والآليات الإنتاجية والتسويقية التي منحت الانتشار للدراما التركية إلى تطور التقنيات والتقاليد المتجذرة في السينما وفي المسرح، وقال إن تركيا لديها تجربة 150 عاما في هذا المجال، في حين أن دولا عربية بدأت في إنتاج المسلسلات منذ 20 عاما فقط.
وبخصوص ما تمثله السوق العربية بالنسبة للدراما التركية، قال إن العرب يتابعون الدراما التركية كثيرا، مشددا على أهمية الجغرافية العربية، لأن الشعبين العربي والتركي ينتميان لنفس الدين ونفس الثقافة، لكن الفرق أن الأتراك أغنياء بالثقافتين العربية والآسيوية.
ومن جهته، أشار سردار أوريتجي، وهو منتج مسلسل "السلطان عبد الحميد"، إلى أن تركيا هي الدولة الثانية في تصدير محتواها الفني بعد الولايات المتحدة الأميركية، مرجعا سبب هذا التقدم إلى أن الأتراك تمكنوا من صناعة لغة تعبيرية خاصة بهم مختلفة عن منتجات هوليود، بالإضافة إلى أن لديهم أسلوبا لسرد القصة وارتفاع جودة الإنتاج.
أما الكاتب والناقد السنيمائي المصري محمد هاشم، فقال إن الدراما التركية أبهرت المشاهدين في أوروبا والأميركيتين لأنها قدمت مجتمعا جديدا وثقافة جديدة وأداء تمثيليا وتقنيا. وبالنسبة إلى المشاهد العربي، فهناك عوامل عديدة جعلته ينجذب إلى هذه الدراما، منها أنه وجد فيها صورة مختلفة وممثلين على قدر كبير من الاحترافية والوسامة وتوظيفا للأماكن التاريخية، بالإضافة إلى الخلفية التاريخية المشتركة.
وحسب هاشم، فقد بدأت الدراما التركية في تطوير نفسها إنتاجيا وإخراجيا، وإنتاج المسلسلات والأفلام الاجتماعية للداخل التركي، لكن الأعمال التاريخية موجهة للعالم العربي وللعالم أجمع.
الحكومة لا تتدخلوعن مدى تأثر الدراما التركية بالمتغيرات الاجتماعية والسياسية خلال السنوات الأخيرة، أشار أوكور أن بلاده تطورت في كل المجالات خلال الـ20 سنة الماضية، وليس في مجال السينما فقط.
كما أكد أن الحكومة التركية لا تؤثر ولا تتدخل في إنتاج المسلسلات والأفلام، ولا تملي على صناع الأعمال الدرامية ما يقولون، بل التاريخ هو الذي يملي عليهم، حسبما قال الضيف التركي في حديثه لحلقة (2023/8/7) من برنامج " للقصة بقية".
أما الناقد الفني التونسي إبراهيم لطيف، فرأى أن الهدف الوحيد للدراما التركية التاريخية هو التسويق لعظمة النظام العثماني والنظام التركي.
وعن الجدل الذي أثارته الأعمال التاريخية التركية ودور الحكومة، رد الكاتب والناقد السينمائي المصري بالقول إن مسلسل "حريم السلطان" أثار كثيرا من الجدل داخل تركيا، وفي المقابل، زار الرئيس التركي رجب طيب أردوغان موقع تصوير مسلسل "قيامة أرطغرل" وأثنى عليه، مؤكدا أن من حق أي دولة أن تفتخر بقادتها.
وبشأن تراجع الدراما المصرية، تحدث هاشم عن عوامل لانهائية، على رأسها اختفاء كتاب الدراما مثل أسامة أنور عكاشة، وضعف الإمكانات المادية والإنتاجية والتمويلية للمسلسلات، ودخول دور الإعلانات والمنتج الإعلاني الذي باتت له متطلبات كثيرة، بالإضافة إلى مشكلة الممثل، إذ يتقاضى بعضهم 70-75% من ميزانية العمل، وهو ما أثر على كل الجوانب.
ويذكر أن غرفة تجارة إسطنبول أكدت أن تركيا هي ثاني بلد مصدر للأعمال الدرامية بعد أميركا، وقد وصلت عروضها لنحو 800 مليون مشاهد في أكثر من 150 دولة.
وتشير توقعات بعض المراقبين إلى أن تصل عائدات الأعمال الدرامية التركية إلى مليار دولار هذا العام.
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: إلى أن
إقرأ أيضاً:
منال الشرقاوي تكتب: عندما يتحول الزمن إلى لغز في عالم الأفلام
ماذا لو أن زمن القصة أصبح بطلًا في الفيلم؟ ماذا لو كان بمقدور الزمن أن يتحرك للخلف، أو يلتف على نفسه، أو يقفز بنا من لحظة إلى أخرى دون تفسير؟ هكذا، تأخذنا السينما إلى عوالم لا تقيدها قوانين الزمن؛ حيث تتجاوز حدود السرد التقليدي لتصبح اللعبة الزمنية هي عمود القصة، ووسيلة لتحدي عقل المشاهد وتفكيره.
في أفلام مثل "Memento" و "Inception" و "Tenet"، لا يعد الزمن مجرد سياق للأحداث، بل يصبح أداة رئيسة لرسم مسار القصة وتحفيز المتفرج على الانخراط والتركيز. فنجد أن كلاً من هذه الأفلام يستعرض الزمن بأسلوب خاص ومتفرد؛ حيث يستخدم Memento السرد العكسي ليضعنا في نفس مأزق بطل القصة ونحاول تجميع الأحداث معه، بينما ينقلنا Inception إلى طبقات متداخلة من الأحلام والأزمنة، فلا يعود الزمن مجرد خط ثابت، بل متاهة تزداد تعقيدًا مع كل لقطة جديدة من الحلم. هنا، يصبح الزمن "بطلا" تتغير معه قواعد القصة، مما يُشعر المتفرج بتداخل الواقع والخيال، وكأنه في دوامة بين الحاضر والمستقبل والماضي. أما في فيلم "Tenet"، يأخذ مفهوم الزمن بُعدًا أكثر تحديًا، حيث تتشابك الأحداث في ظاهرة "العكس" الزمنية، ما يجبر المتفرج على التفكير في كل مشهد على أنه جزء من لغز أكبر يحتاج إلى حل. وبذلك، يصبح الزمن هنا محركًا يعيد تشكيل الأحداث وتغيير مساراتها، لتخلق رحلة سينمائية مليئة بالتشويق لا يمكن فيها الاعتماد على التوقعات المسبقة. هذا التلاعب لا يعتبر مجرد حيلة سردية، بل هو تحدٍّ لإدراكنا ذاته؛ حيث ندخل تجربة مشاهدة تضعنا في اختبار مستمر: كيف نستوعب مفهوم الزمن؟ كيف نبني تصوراتنا عما هو "حقيقي" و"خيالي"؟
ورغم أن السرد التقليدي يهيمن على السينما العربية، إلا أن بعض الأفلام نجحت في كسر هذا القالب بأساليب مبتكرة وغير مألوفة، مستلهمة جزئيًا من الأفلام التي تتلاعب بالزمن وتخلق سرديات غير خطية. فعلى سبيل المثال، فيلم "الفيل الأزرق" (2014 و2019) لمروان حامد، يوظف عناصر الحلم والذاكرة ليأخذ المشاهد في رحلة تتقاطع فيها أبعاد نفسية وزمنية، مما يضفي على القصة عمقًا وغموضًا بعيدًا عن التسلسل الزمني التقليدي. أما فيلم "أسوار القمر" (2015) لطارق العريان، فيستخدم حادثة مفصلية ليعود بنا إلى الماضي، مستعرض الأحداث من وجهة نظر البطلة في استرجاعات زمنية متداخلة.
إضافة إلى ذلك، نجد فيلم "فاصل ونعود" (2011) للمخرج أحمد نادر جلال، الذي يتقاطع جزئيًا مع فكرة "Memento" في استكشاف فقدان الذاكرة كوسيلة للبحث عن الحقيقة، حيث يفقد البطل ذاكرته ويبدأ في إعادة تجميع شتات حياته بعد الحادث. وعلى الرغم من أن "فاصل ونعود" يتبع سردًا خطيًا تقليديًا مع -محاولات- استعادة الذاكرة، إلا أنه يشترك مع "Memento" في كونه ينطلق من الذاكرة المفقودة لإعادة بناء الأحداث وفك شفرات الغموض. إلا أن هذه المحاولات تواجه تحديات كبيرة في تقديم سرد زمني معقد وجاذب، في ظل قلة الإنتاجات التي تجرؤ على تجاوز الأنماط المألوفة.
إن التلاعب بالزمن في السينما ليس مجرد استعراض فني، بل هو أداة متفردة لإشراك المتفرج في تجربة غير تقليدية تجعله شريكًا -فعليًا- في فك ألغاز القصة. لكن هذا لأسلوب يتطلب من المشاهد انتباهًا خاصًا، وتركيزا عاليا، ليعيد ترتيب أحداث القصة المتفرقة ويكتشف تسلسلها الصحيح. وهنا يأتي السؤال، ما الذي يميز تجربة المشاهدة في الأفلام التي تتلاعب بالزمن عن الأفلام التقليدية؟
في الحقيقة، إن الأفلام التي تتلاعب بالزمن، تمنح المشاهد تجربة مختلفة تضيف أبعادًا فكرية وعاطفية، إذ تجعله يتجاوز دور المتلقي "السلبي" ليصبح مشاركًا فعّالًا في أحداث القصة. مما يجعل تجربة المشاهدة أشبه برحلة عقلية تتطلب تركيزًا وتأملًا لإعادة بناء تلك الأحداث، وربط التفاصيل للوصول إلى الصورة الكاملة. على عكس الأفلام التقليدية التي تروي حكاية بخط زمني واضح، تكسر هذه الأفلام القواعد المعتادة، فتفتح أبواب التأويل وتجعل من الزمن عنصرًا متغيرًا يوجه مسار القصة بطرق غير متوقعة. إن التجربة التي يحظى بها المشاهد تتجاوز المتعة البصرية ؛ إذ يحفزه هذا الأسلوب السينمائي على التأمل في طبيعة الزمن وارتباطه بالذاكرة والواقع، مما يضفي على تلك الرحلة البصرية، طابعًا معقدًا وجاذبًا.
هذه الأفلام تترك بصمة طويلة الأمد، إذ تستمر آثارها في ذهن المشاهد حتى بعد انتهاء الفيلم.
هذه النوعية من الأفلام تكشف عن بُعد جديد في السرد السينمائي، حيث يتحول الزمن إلى عنصر محوري يقلب حدود الواقع ويعيد تشكيل القصة. هنا، يصبح السرد وسيلة لاختبار حدود الخيال، ويقدم لنا تجربة تتجاوز مجرد المشاهدة. فتترك هذه الأفلام أثرًا ممتدًا حتى بعد انتهاء القصة، لتبقى تفاصيلها حية في أذهاننا، تمامًا كما تدور حول محورها الزمني المتشابك.