عودة التوتر بين واشنطن وطهران.. ما أبعاده؟ وهل يؤثر على أمن الخليج؟
تاريخ النشر: 8th, August 2023 GMT
قال اللواء فايز الدويري الخبير العسكري والإستراتيجي إن ما قام به الأسطول الخامس الأميركي من دعم قدراته العسكرية في منطقة الشرق الأوسط ليس سوى تعزيز لما هو موجود، ولا يمثل حشدا جديدا للقوة في المنطقة، ولا يمكن أن يفضي لمواجهة مباشرة.
وأوضح أن الأسطول لديه بالفعل حاملة طائرات و17 قطعة بحرية مختلفة، إضافة إلى أكثر من 3 آلاف جندي، وبالتالي فإن إرسال قطعتين بحريتين و3 آلاف جندي آخر هو دعم للقوة الرئيسية، وهو يشير إلى شعور أميركي بتنامي خطر إيران وتهديدها، مما يستدعي هذا الدعم.
وجاء حديث الدويري خلال الحلقة التي خصصها برنامج "ما وراء الخبر" بتاريخ (2023/8/7) لإعلان الأسطول الخامس الأميركي نشر 3 آلاف جندي وعدد من القطع البحرية في الشرق الأوسط كجزء من خطة أميركية لتخفيف التوترات الناجمة عن مضايقات إيران ومصادرتها السفن في الخليج، حسب قوله.
بدورها، انتقدت طهران هذه الخطوة، مؤكدة أن دول المنطقة أقدر على حماية أمنها، كما توعدت بالرد على ما سمتها "أي استفزازات أميركية محتملة بالخليج".
وتساءلت الحلقة عن الأهداف التي تسعى واشنطن لتحقيقها بإرسال كل هذه التعزيزات العسكرية إلى الشرق الأوسط في هذا التوقيت ووجاهة أسباب التوجس الإيراني من هذه الإجراءات، والمآلات المحتملة لأمن الخليج في ضوء ارتفاع التوتر بين طهران وواشنطن على خلفية هذه التحركات.
أسباب القلق الأميركيوفي حديثه لما وراء الخبر، أشار اللواء الدويري إلى أن المناورة التي أجرتها إيران مؤخرا وكان محورها الدفاع عن الجزر المتنازع عليها في الخليج العربي، وما أفصحت عنه خلالها من قدرات عسكرية جديدة -ومنها سفن مزودة بصواريخ يصل مداها إلى 600 كيلومتر- هما ما أثارا القلق الأميركي.
لكنه في الوقت ذاته استبعد أي مواجهة مفتوحة ومباشرة، لافتا إلى أنه خلال 4 عقود من الصراع لم تحدث تلك المواجهة، لأن عواقبها على كلا الطرفين ثقيلة وإن كانت أشد قسوة على الجانب الإيراني، وما يجري هو رسائل ردع وتحذير من كل طرف للآخر.
وأضاف أنه يمكن أن تحدث عمليات استفزاز واحتكاك يمكن احتواؤها، لكن لن تحدث مواجهة مفتوحة، فالفارق في القوة بين البحرية الإيرانية والأميركية كبير، ومهما كانت قوة البحرية الايرانية فإن ذلك لن يسمح لها بمواجهة شاملة وإن كانت قادرة على إلحاق الضرر والإرباك.
بدوره، قال الباحث الإيراني المتخصص في القضايا الإقليمية والإستراتيجية حسين رويوران إن التصعيد الجاري أميركي وليس إيرانيا، وإن ما قامت به طهران من احتجاز ناقلات كان رد فعل على احتجاز ناقلة إيرانية وسرقة نفطها من طرف الولايات المتحدة.
وأضاف رويوران في حديثه لما وراء الخبر أنه إذا كانت أميركا تتصور من خلال التحشيد العسكري في المنطقة قدرتها فرض أمر على إيران فإنها تكرر خطأ استخدام آلية سبق أن فشلت، معتبرا أن ما قامت به واشنطن يهدف إلى توتير الأجواء ودفع المنطقة للعودة تحت مظلتها الأمنية.
أطراف أخرىوفي هذا السياق، يرى رويوران أن الرسالة الأميركية تستهدف أطرافا أخرى في المنطقة غير طهران، وذِكر إيران ما هو سوى مبرر لتمرير تلك الرسالة إليهم، حيث تتخوف واشنطن من مساعي دول في المنطقة لإيجاد مسارات أخرى للحماية والدفاع.
وأكد الباحث الإيراني على أن بلاده باتت تمتلك قوة رادعة من حقها أن تستعرضها بهدف منع الحرب لا إشعالها، مشددا على أن إيران لن تبدأ أي حرب مع أي طرف في المنطقة حتى أميركا باستثناء الكيان الصهيوني، لكنها لن تتوانى في الدفاع عن نفسها.
بدوره، يبرر بريت بروين مدير التعاون الدولي السابق في البيت الأبيض خلال إدارة الرئيس الأسبق باراك أوباما ما قامت به بلاده بتزايد الخطر الإيراني في المنطقة وشعور واشنطن بقلق نتيجة خطوات طهران الأخيرة، ومنها ترددها في دخول أي مفاوضات جادة بشأن مشروعها النووي.
وذكر في حديثه لما وراء الخبر أن إيران لديها تاريخ طويل من النشاطات خارج ما هو مقرر، على حد تعبيره، كما أنها هاجمت مصالح الولايات المتحدة وغيرها في المنطقة، خطرها أصبح أكبر مما كان عليه، وهذا ما استدعى اتخاد خطوات لإرسال رسالة إلى طهران بأن أي هجمات قادمة ستواجه برد سريع وقوي.
واتفق بروين مع الدويري على استبعاد المواجهة المباشرة، لكنه في الوقت ذاته يرى أنه لا يمكن ترك طهران تواصل تهديداتها ونشاطاتها دون مواجهة، لأن ذلك سيعرض المنطقة لمزيد من الاضطراب، وما تقوم به واشنطن لا يخدم مصالحها في المنطقة وحسب، وإنما لأجل حماية الاقتصاد العالمي.
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: ما وراء الخبر فی المنطقة
إقرأ أيضاً:
انحسار النفوذ الإيراني في المنطقة وتداعياته
منذ اغتيال الشهيد إسماعيل هنية رئيس المكتب السياسي لحركة حماس، توالت إشارات الاستفهام والتساؤلات حول مدى جديّة المواقف الإيرانية، سواء بالرد على انتهاك سيادتها، أو بمواصلة دعمها لأذرعها في لبنان وسوريا والعراق. كما ضَعُفت وتيرة الحديث عن الوضع في قطاع غزة الذي ما زال يشهد أبشع مجازر إبادة جماعية عرفتها البشرية منذ عقود طويلة. وقد برز ذلك التراجع في تصريحات المسؤولين الإيرانيين في مناسبات عديدة.
بالمقابل تزايد الحديث عن البرنامج النووي الإيراني، وإمكانية التوصل إلى اتفاق جديد مع الأطراف الدولية، وعلى رأسها الولايات المتحدة.
واليوم ما شهدته الساحة السورية من تطورات دراماتيكية، لاحظنا هذا التراجع الكبير لإيران عن مواقفها السابقة في دعمها للرئيس المخلوع الأسد، وفي تراجعها أيضاً عن وصف القيادة السورية الجديدة من عصابات إرهابية مسلحة، إلى إمكانية التعامل معها مستقبلاً، وكان خطابها أشبه بمواقف الدول الغربية؛ بتأكيد حرصها على سيادة سوريا ووحدة أراضيها، والاستعداد لإعادة فتح سفارتها بدمشق، ولم يكن تصريح وزير خارجيتها عراقجي، إلا محط تنازل كبير ومثير للدهشة عندما قال مؤخراً، في خضم هذه الأحداث «لا يمكن التنبؤ بمصير الرئيس السوري بشار الأسد»، وكأن هذا يحمل في طياته عبارة صريحة ورسالة إلى الولايات المتحدة تحمل في مضامينها تخلي إيران التام عن مؤازرتها، بل تبنيها لرمز النظام المخلوع.
وما سحب المستشارين الإيرانيين وكبار قادة الحرس الثوري والعسكريين مع عائلاتهم من سوريا – قبل بدء هذه الأحداث وفي تلك الظروف التي يعاني منها النظام في مواجهة معضلة انهياره الوشيك – إلا دليل أقوى على مدى هذا التراجع الإيراني في دعم الحليف السوري.
ولعل هذا يقود إلى العودة بالذاكرة إلى الوراء قليلاً، في معرض مراجعة المواقف الإيرانية من حزب الله والمقاومة في غزة، التي كانت عرضة – كما بدا واتضح لاحقاً – للمساومة عليها مقابل ضمان مصالح إيران مع الولايات المتحدة؛ حينما صرح رئيسها الجديد آنذاك من على منصة الأمم المتحدة بأنهم والأميركيين إخوة ولا خلاف بينهم، وبأن كل شيء قابل للنقاش.
ومن ناحية أخرى، لم يكن الرد الإيراني على الرد الإسرائيلي في تلك الآونة، إلا ردا خجولا لا يرتقي إلى سلة المواقف السابقة النارية، التي اعتبرت آنذاك تهديدا باتساع الحرب، لتشمل دول المنطقة برمتها.
إن هذا التراجع الايراني الذي شهدته الأيام السابقة في عدم دعم ومؤازرة الأسد الحليف الأول لهم؛ كان أحد عوامل السقوط المدوي لنظامه، وبسط قوات المعارضة السورية المسلحة سيطرتها على البلاد في غضون أحد عشر يوماً. وقبل ذلك، تَركْ حزب الله فريسةً لقوات الاحتلال الإسرائيلي الغازية، تحت مسمى الإبقاء على قواعد الاشتباك التقليدية – مع تعديلات طفيفة – من دون اللجوء لاستخدام ترسانة الأسلحة، خاصة الصواريخ الدقيقة التي طالما تحدث عنها حزب الله؛ ما مكّن دولة الكيان من تصفية قياداته، وإخضاعه لاتفاق أقل ما يُقال عنه أنه لم يكن في صالح لبنان، أو حزب الله أو ما كان يسمى «محور المقاومة».
هذا التراجع لا تفسير له ، سوى إعادة تموضع للسياسة الإيرانية في مواجهة استحقاقات جديدة مع قدوم الرئيس ترامب إلى البيت الأبيض، واستِعار الحملة الغربية لإنهاء النفوذ الإيراني وأذرعه من المنطقة، أكثر من كونه مجرد «تقليم أظافر إيران».
وهذا بدوره يمثل انحسارا، بل هزيمة لسياسة إيران في المنطقة، وانكفاء مشروعها بكل مقدراتها العسكرية التي كانت تمتلكها، وإسقاطاً لهيمنتها على المنطقة، وإدخال «محور الممانعة» في غياهب المجهول، مع تعاظم الدور الإسرائيلي في لبنان، واحتلال آخر لأراضٍ سورية جديدة، وتدمير القدرات العسكرية للجيش السوري بعد هروب أزلام وقيادات النظام، وتفكيك وحدة الساحات، وتزايد مجازر الإبادة في قطاع غزة، وظهور بوادر استيطان حقيقية إسرائيلية في الضفة الغربية وشمال غزة، تمهيداً لمشروع الضم المنتظر، وتعاظم اعتداءات المستوطنين على السكان الفلسطينيين ومصادرة أملاكهم هناك، واستمرار نتنياهو بفرض شروط جديدة على المقاومة بشأن صفقة تبادل الأسرى، والعمل على تعطيلها بهدف مواصلة حربه الإجرامية على قطاع غزة.
التردد في دعم المقاومة بكل أطيافها، دعما حقيقيا قد أفضى إلى إضعاف المقاومة،
السؤال الذي يطرح نفسه هنا، هل ما حدث هو تراجع إيراني حقا؟ أم أن هناك قراءة لا موضوعية، بل خاطئة لموقف إيران وسياستها؟
إن تذبذب المواقف الإيرانية منذ السابع من أكتوبر 2023 وبدء معركة طوفان الأقصى، التي شكلت انعطافة استراتيجية أظهر إمكانية هزيمة المشروع الصهيوني بكل أشكاله وصوره، هذا التذبذب، بل التردد في دعم المقاومة بكل أطيافها، دعما حقيقيا قد أفضى إلى إضعاف المقاومة، وأدى إلى هذه النتائج التي كانت ستشكل تفاصيل المشهد الجيوسياسي الجديد للشرق الأوسط لصالح المقاومة، وليس لصالح مشروع نتنياهو- ترامب القادم من خلال خريطة «الازدهار» التي سبق أن عرضها نتنياهو. والسؤال أيضا، هل هُزمتْ إيران أخيراً في هذا الصراع في المنطقة؟
أم أن هناك خلطا للأوراق والمطلوب إعادة ترتيبها من جديد؟ وهل كانت القراءة الإيرانية للأحداث قراءةً خاطئة؟ وهل كان تقديرها للأطراف كافة، سواءً في «محور المقاومة»، أو من جهة فصائل المعارضة السورية المسلحة ضعيفاً وغير دقيق؟ إن الإجابة على هذا السؤال ستأتي ربما من دمشق أو من غزة، ولربما الأيام المقبلة سيكشف عن حقائق مهولة حيال المواقف الإيرانية الأخيرة، والتي أدت إلى هذه النهايات الصادمة وغير المتوقعة.
ختاما، إذا كان نتنياهو وقادة الكيان قد حققوا إنجازات، أو ما سموها انتصارات في ساحة لبنان وسوريا، من خلال انحسار النفوذ الإيراني وإضعاف أذرعه في المنطقة، فإن هزيمتهم ما زالت معلّقة على أنقاض غزة، وفي رمالها وأمام شعبها الشهيد الحي الصامد.
القدس العربي