آخر تحديث: 18 يوليوز 2024 - 9:57 صكاظم جماسي
يهاجمني كل يوم، ما أن يكتمل حلول الظلام وحتى ما قبل طلوع الفجر، اعتدت الأمر، ما أن أسمع تكسر أعواد القصب تحت ثقل خطواته، إثب بعزم من فراشي لألاقيه، عشرات المرات يحاول غرز واحد من قرنيه أو كليهما في بطني أو أحدى خاصرتي، فلا يفلح، أتفاداها برشاقة مصارع تايكوندو محترف، أسطره حيثما تيسر لي، ثم بخفة غزال أقفز ممتطيا ظهره، أظل أدمغ برأسه وأدمغ حتى ينفضني بعيداً عنه، لا أزعم أن لا خسائر من خدوش ورضوض تلحق بجسدي، غير أنني بقيت مصرا وعنيدا أشد من عناد بغل، أطيح نعم، ثم أطيح ولكنني أنهض من جديد.
.الأحلام التي تناسلت عما خلفته في العمق من طبقات أرواحنا، زاد عوزنا في الشتاءات الباردة، حكايات أمهاتنا، رسخت في مكان قصي من روحي هيئة الأميرة الفاتنة التي اختطفها الجني المقنع بقناع وجه بشري وديع، وبثياب قارئ بخت جوال، وهي سليلة ترف وغنج الحسب الملكي النبيل، حلم اللقاء بها سكن عقلي وقلبي، ولما نبتت شعرات شاربي ونزل ماء الفحولة في أعضائي، بدأ، هيمنته المطلقة على كياني أجمعه، يا إلهي كم من عبرات أقامت في صدري، وكم من تأوهات ذرفتها رئتاي، وكم من دموع سفحتها عيناي، وكم .. وكم ..مالا يعد من أوجاع توجعت به روحي، تزورني كلما خلوت بنفسي، إن كان نهارا أو كان ليلا، أشرع ذراعي فترتمي في حضني، امسد خصلات شعرها الطويلة، تشرنقني وجها لظهر، تدغدغ أبطي وخاصرتي وماخلف أذني، أهتاج كمحموم، اخاطبها ملتاعا: أميرتي.. رضيع مقمط أنا، حرريني، ضمآن ناشف الريق أنا، أرضعيني، مريض أنا حبا، طببيني.
ومن دون أن أدري تمضي أصابعي الاحدى عشرة تجول وتصول في كل زاوية ومنحنى في خارطة جسدها السائل اللدونة والباهر الترافة، مولها أشهق.. ياألهي هل لك أن تنشغل بباقي خلقك وتنساني هنا، أتركني.. أتوسل أليك.. لست أريد أيما جاه أو مال أو سعادة، فقط أريد الذوبان تماما كما قطعة ثلج بلهيب نار العشق..
آه كم كتمت لسعات جمر الشوق، كم ذقت من مرارات وخيبات، صابرا مجالدا، حتى أشار ألي ذات ليلة، هاتف من غور عميق أجهله، في لحظة إشراقة صوفية باهرة، أن أمضي إلى الأهوار.. واجتهد أن تصطاد سمكة مشعة بألوان الطيف كلها، كل صدفة بلون، سمكة لا أرشق ولا أبهى من قوامها، ستطلب منك أن تطلقها، فتكافئك بأن تقودك إلى حيث محجر الأميرة، في قصر الغول ذي القرنين، الرابض في أعماق الهور الأكبر.. هناك ستحظى ببغيتك فتستريح.
حملت حقيبة ظهري راحلا إلى هناك، وفيما اقطع مفازات ومحطات، مكابدات تفوق الوصف، كنت أشهد أشباها لي يتكاثرون قدما، من هنا وهناك، سائرون بذات الاتجاه.حط المقام بنا على” چباشات” رقاع مرتفعة عن سطح الماء قوامها طبقات متراصة من القصب، في مسطح هور فسيح، شكلت فيما بعد مقامات لنا، كل في چباشته، ننهض باكرا نصطاد قوت يومنا، ونعود عصرا إلى مناماتنا، مكدرة لا تسكن أو تهجع نفوسنا، نتقلب ساعات الليل جميعها، حالمين بلقاء أميرتنا المشتهاة.
بتعاقب الليالي تتناهى ألي صرخات وأنات محتضرين، فيما أشهد في النهارات التاليات نقصانا متواترا بعدد الصيادين، وظل الحال مستمرا حتى قدم النهار الذي وجدت نفسي فيه الصياد الأوحد.من ليلة ذاك النهار بدأ مسلسل حفلي الليلي بالقتال مع الغول.. يهاجمني كل يوم، ما أن يكتمل حلول الظلام وحتى ما قبل طلوع الفجر، أعتدت الأمر، ما أن أسمع تكسر أعواد القصب تحت ثقل خطواته، إثب بعزم من فراشي لألاقيه، عشرات المرات يحاول غرز واحد من قرنيه أو كليهما في بطني أو أحدى خاصرتي، فلا يفلح، أتفاداها برشاقة مصارع تايكواندو محترف، أسطره حيثما تيسر لي، ثم بخفة غزال أقفز ممتطيا ظهره، أظل أدمغ برأسه وأدمغ حتى ينفضني بعيدا عنه، لا أزعم أن لا خسائر من خدوش ورضوض تلحق بجسدي، غير أنني بقيت مصرا وعنيدا أشد من عناد بغل، أطيح نعم، ثم أطيح لأنهض من جديد.تترادف الليالي وتترادف الخدوش والرضوض، وتصبح جروحا وكسور، فيما يرك متواترا الحيل مني، لا اصطدت سمكة الطيف، ولا ناصر أو معين معي، ولا ثمة رأفة يبديها الله بحالي..كثرت الطعنات بالمسكين جسدي، فيما العزم بروحي باق كما هو، ولكن مانفع العزم من دون حيل؟ الحيل الذي راح يرك ويرك.. ثم يئن ويئن.. أوطأ فأوطأ.. أخفت فأخفت.. ثم.
المصدر: شبكة اخبار العراق
إقرأ أيضاً:
مصانع العقول: الجامعات التي تغير العالم الحلقة 3
فبراير 6, 2025آخر تحديث: فبراير 6, 2025
محمد الربيعي
بروفسور متمرس ومستشار دولي، جامعة دبلن
بدأت قصة علاقتي بمعهد كاليفورنيا للتكنولوجيا (كالتيك) بدعوة لالقاء محاضرة. حينها، لم اكن اتوقع ان هذه الزيارة ستكون بمثابة رحلة استكشافية في عالم العلم والمعرفة. في اليوم الأول، انصب تركيزي على التعرف على بعض اعضاء هيئة التدريس. لكن مع مرور الوقت، بدأت اكتشف جوانباأخرى لهذا المعهد. في اليوم الثاني، انخرطت في نقاشات مطولة مع باحثين شباب،اأذهلني حماسهم وأفكارهم المبتكرة. في اليوم الثالث، تجولت في أروقة المعهد وتأملت في البيئة التي تشجع على الابداع والابتكار. مع نهاية الزيارة، ادركت انني لم اكن مجرد ضيف، بل كنت جزءاً من تجربة فريدة. لقد كانت رحلة متسلسلة، بدأت بدعوة، ثم تحولت الى سلسلة من العلاقات والتفاعلات المثمرة، لتنتهي بانطباع راسخ عن كالتك كصرح علمي شامخ.
يتميز معهد كاليفورنيا للتكنولوجيا (كالتيك) بتركيزه الحصري والدقيق على العلوم والهندسة والتكنولوجيا، مما جعله بحق مركزا عالميا للبحث والابتكار في هذه المجالات الحيوية. هذا التركيز لا يقتصر على تقديم مناهج دراسية متخصصة، بل يتعداه الى توفير بيئة حاضنة للابداع والاكتشاف العلمي. يتميز ايضا بحجمه الصغير نسبيا مقارنة بالجامعات الكبرى، وهذا الحجم يتيح نسبة عالية جدا بين الطلاب واعضاء هيئة التدريس، مما يعزز التفاعل الوثيق والمباشر بين الطرفين، ويضمن توجيها شخصيا فريدا لكل طالب، حيث يحظى الطلاب بفرصة العمل عن كثب مع كبار العلماء والباحثين. تعتبر البيئة البحثية المكثفة والغنية بالفرص من ابرز سمات كالتيك، حيث يشجع الطلاب، من المراحل الجامعية الاولى وحتى الدراسات العليا، على المشاركة الفعالة في ابحاث متطورة ورائدة جنبا الى جنب مع اعضاء هيئة تدريس عالميين معترف بهم دوليا، مما يكسبهم خبرة عملية قيمة ويساهم في تطوير مهاراتهم البحثية. اضافة الى ذلك، يدير كالتيك بكل فخر واقتدار مختبر الدفع النفاث (JPL) التابع لوكالة ناسا، وهو مركز رائد عالميا لابحاث الفضاء واستكشافه وتطوير الروبوتات والمركبات الفضائية، ما يتيح للطلاب فرصة فريدة للمشاركة في مشاريع فضائية حقيقية. واخيرا، خرج كالتيك على مر تاريخه العديد من العلماء والمهندسين ورجال الاعمال البارزين الذين تركوا بصمات واضحة في مجالاتهم، بمن فيهم الحائزون على جائزة نوبل في مختلف فروع العلوم والذي يقدر عددهم بسبعين عالما، ما يؤكد جودة التعليم والبحث في هذه المؤسسة المرموقة.
تاسس معهد كاليفورنيا للتكنولوجيا في عام 1891 باسم متواضع هو “مدرسة ثروب للفنون اليدوية” على يد رجل الاعمال والسياسي اموس جي ثروب. كانت المدرسة في بداياتها تركز على تعليم الحرف اليدوية والمهارات التقنية، ولكنها سرعان ما بدات في التطور والتوسع في مجالات العلوم والهندسة. تطورت المؤسسة عبر السنين بشكل ملحوظ، وشهدت تغيير اسمها عدة مرات قبل ان يعرف باسمه الحالي، معهد كاليفورنيا للتكنولوجيا، في عام 1920، وهو الاسم الذي يعبر بدقة عن طبيعة المؤسسة واهدافها. نما كالتيك تدريجيا ليصبح جامعة بحثية رائدة على المستوى العالمي، واكتسب سمعة مرموقة بفضل مساهماته الهامة والجذرية في مجالات العلوم والهندسة، حيث يعتبر منارة للعلم والمعرفة والتكنولوجيا على مستوى العالم.
يجري معهد كاليفورنيا للتكنولوجيا ابحاثا متطورة ورائدة تتجاوز حدود المعرفة في مجالات متنوعة وشاملة، تشمل الفيزياء النظرية والتجريبية، حيث تجرى دراسات معمقة حول الكون وقوانينه الاساسية، وصولا الى دراسة الجسيمات دون الذرية، وعلم الفلك واستكشاف الفضاء، من خلال دراسة الكواكب والنجوم والمجرات، وتطوير التلسكوبات والمركبات الفضائية، والكيمياء بجميع فروعها، من الكيمياء العضوية وغير العضوية الى الكيمياء الحيوية والفيزيائية، والاحياء الجزيئية والخلوية، التي تركز على دراسة العمليات الحيوية على المستوى الجزيئي والخلوي، والهندسة بفروعها المختلفة من الميكانيكية الى الكهربائية والفضائية، حيث تطور تقنيات جديدة في مجالات الروبوتات والطاقة والنقل، وعلوم الارض والكواكب ودراسة الظواهر الطبيعية، مثل الزلازل والبراكين والتغيرات المناخية. هذه الابحاث لا تثري المعرفة العلمية فحسب، بل تساهم ايضا في حل مشاكل عالمية ملحة.
ضم معهد كاليفورنيا للتكنولوجيا عبر تاريخه كوكبة من اشهر العلماء الذين ساهموا باسهامات جليلة في مختلف المجالات العلمية. من الصعب حصرهم جميعا، لكن ابرزهم ريتشارد فاينمان عالم فيزياء نظرية شهير، حائز على جائزة نوبل في الفيزياء عام 1965 عن اعماله في الديناميكا الكهربية الكمية، وموراي جيل مان عالم فيزياء نظرية حائز على جائزة نوبل في الفيزياء عام 1969 عن اكتشافاته المتعلقة بتصنيف الجسيمات الاولية وتفاعلاتها، وكارل ساغان عالم فلك وكاتب ومروج للعلوم اشتهر بابحاثه في مجال الكواكب وبرنامجه التلفزيوني “الكون” ، ولينوس باولنغ عالم كيمياء حائز على جائزتي نوبل، الاولى في الكيمياء عام 1954 عن ابحاثه في طبيعة الرابطة الكيميائية، والثانية جائزة نوبل للسلام عام 1962 لنشاطه ضد التجارب النووية، واحمد زويل عالم كيمياء مصري امريكي حائز على جائزة نوبل في الكيمياء عام 1999 عن اختراعه ميكروسكوب الفيمتوثانية الذي يمكن من خلاله رؤية حركة الذرات داخل الجزيئات عند حدوث التفاعلات الكيميائية، وجون فون نيومان عالم رياضيات وفيزياء وحاسوب مجري امريكي، ساهم في تطوير الحاسوب الحديث ونظرية الالعاب.
يولي كالتيك اهمية كبيرة لمشاركة الطلاب في هذه الابحاث، سواء في مرحلة الدراسة الجامعية الاولية او الدراسات العليا. ففي المرحلة الجامعية الاولية، يشجع الطلاب على الانخراط في مشاريع بحثية صغيرة تحت اشراف اعضاء هيئة التدريس، مما يكسبهم خبرة عملية قيمة ويساعدهم على تطوير مهاراتهم البحثية والتفكير النقدي. اما في الدراسات العليا، فيعتبر البحث العلمي جزءا اساسيا من البرنامج الدراسي، حيث يعمل الطلاب على مشاريع بحثية معمقة تساهم في دفع عجلة التقدم العلمي.
يمتلك كالتيك مرافق حديثة ومتطورة على اعلى مستوى عالمي، تساعد الباحثين والطلاب على اجراء ابحاثهم بكفاءة وفعالية. تشمل هذه المرافق المختبرات المجهزة باحدث التقنيات والاجهزة، التي تمكن الباحثين من اجراء تجارب معقدة ودقيقة، والمراصد الفلكية المجهزة باقوى التلسكوبات، التي تتيح رصد ودراسة الاجرام السماوية بدقة عالية، ومراكز الحوسبة عالية الاداء التي تمكن الباحثين من اجراء عمليات محاكاة معقدة وتحليل كميات هائلة من البيانات. هذه المرافق توفر بيئة بحثية مثالية تشجع على الابتكار والاكتشاف.
يتعاون كالتيك بشكل وثيق مع مؤسسات بحثية وجامعات مرموقة في جميع انحاء العالم، مما يعزز تبادل المعرفة والخبرات بين الباحثين والعلماء من مختلف الجنسيات والخلفيات العلمية، ويساهم في تقدم البحث العلمي على المستوى الدولي. هذه الشراكات تتيح للطلاب والباحثين في كالتيك فرصة التعاون مع باحثين من مؤسسات اخرى، والاطلاع على احدث التطورات في مجالاتهم.
يعتبر كالتيك بحق من افضل الجامعات على مستوى العالم للعديد من الاسباب، منها تميزه الاكاديمي ومعاييره الصارمة في اختيار الطلاب واعضاء هيئة التدريس، مما يضمن وجود نخبة من العقول الشابة والخبيرة في مكان واحد، وبحثه الرائد الذي يساهم بشكل فعال في تقدم العلوم والهندسة وخدمة البشرية، من خلال تطوير تقنيات جديدة وحلول مبتكرة لمشاكل عالمية، وبسبب خريجيه المؤثرين الذين يحدثون تغييرا ايجابيا في مجتمعاتهم من خلال ابتكاراتهم واكتشافاتهم، وبسبب تصنيفاته العالمية المتقدمة باستمرار في جميع قوائم تصنيف الجامعات العالمية المرموقة، ما يؤكد جودة التعليم والبحث في هذه المؤسسة المرموقة. هذه العوامل مجتمعة ترسخ مكانة كالتيك كاحدى اهم المؤسسات العلمية والبحثية في العالم، ومساهمته الكبيرة في اعداد جيل جديد من العلماء والمهندسين القادرين على قيادة مستقبل العلوم والتكنولوجيا.