زمن العراقيين المشكوك في جماله
تاريخ النشر: 18th, July 2024 GMT
آخر تحديث: 18 يوليوز 2024 - 8:58 صبقلم: فاروق يوسف يميل العراقيون بطبعهم إلى التغني بالماضي الجميل. وهو زمن لم يعشه الكثيرون منهم كي يتحققوا من جماله. وهم في ذلك يختلفون.البعض منهم يعتبر العهد الملكي زمنا جميلا. لو بقي العراق ملكيا لما انتهى إلى ما هو عليه الآن، مستقبله غامض وشعبه غائب أو مغيّب وثرواته منهوبة.
يقول ذلك البعض “العراق كان فقيرا حقا. غير أنه كان دولة لم تتمكن منها الأحزاب ولم يقتتل أبناؤه لأسباب حزبية وجهوية وأخيرا طائفية. كان بلدا راضيا بقسمته، مرضيا عليه”. تلك وجهة نظر لم تحسب للفقر والجهل حسابا. لكن المتحمسين لما حدث يوم الرابع عشر من تموز 1958 الذي مرت ذكراه صامتة قبل أيام يقولون ولهاً بحب الزعيم عبدالكريم قاسم “إن بلدهم لم يعرف الاستقلال والسيادة وشعبهم لم يتعرف على الحرية والكرامة إلا بعد ثورة تموز”. وهو رأي يجازف بنسيان ما حدث بعد ذلك من مجازر، لا تزال مستمرة حتى اليوم.لا أرغب هنا في أن أدخل طرفا في جدل، لا أعتقد أن له قيمة في صناعة المستقبل بقدر ما هو استجابة لميل العراقيين إلى التناحر رغبة منهم في تمجيد الماضي من غير مراجعته والبحث عن إجابات على أسئلته الشائكة. ولأني صرت بحكم التجربة الشخصية على يقين من أن القسوة هي واحدة من أهم خصائص الشخصية العراقية عبر التاريخ فقد كان هناك سؤال يلحّ عليّ هو “لماذا لم يباشر العراقيون إحياء حفلاتهم الدموية خلال العهد الملكي في ما ارتبطت عربداتهم بالعهد الجمهوري؟”.هناك حقيقة تاريخية تشكل عصب الجواب على ذلك السؤال وهي أن العائلة الملكية لم تكن عراقية فهي استقدمت من الجزيرة العربية كما أن النخب السياسية العراقية التي أحاطتها وشكلت حكوماتها كانت تتألف من عراقيين تربّوا على احترام القانون والنظام والدولة. كانوا أولاد عوائل محترمة حرصوا على احترام سمعة عوائلهم. سيُقال “ذلك تعامل تبسيطي مع ظاهرة الاستعمار”. ولكن الاستعمار هو الذي أقام دولة العراق الحديثة بحدودها السياسية المعترف بها دوليا. لم يعرف العراقيون الكهرباء إلا عام 1917 وهو العام الذي انتهت فيه الحرب العالمية الأولى التي كان سقوط السلطنة العثمانية واحدا من أهم منجزاتها. حينها انتهت ظلمة خمسة قرون.وبالرغم من أن العراقيين قاوموا الاستعمار البريطاني وشهدت المرحلة الملكية عددا من المحاولات الانقلابية التي فشلت وتم القبض على منفذيها غير أن كل ذلك لم يفتح للعنف باباً ولم يسمح للفوضى بخلخلة الحياة المدنية المستقرة. بعد سقوط النظام الملكي انفتح الباب لحملة السلاح الذين كانت لديهم شروطهم لإقامة نظام جمهوري وكان من أهم تلك الشروط أن يقيموا أعراسا دموية. كانت تلك الأعراس مؤجلة بسبب وجود نظام يقوده أشخاص لم يكونوا دمويين ولم يجر العنف في عروقهم. مع عبدالكريم قاسم الذي يعتبره البعض نصيرا للفقراء بدأت دورة العنف. حين تمكن العراقيون من حكم أنفسهم بأنفسهم برزت ظاهرة العنف التي لم تكن في حاجة إلى أسباب لتفسيرها. فبقدر ما يكون العراقي عاطفيا حين يرضى بقدر ما يكون عنيفا حين يغضب. ولقد لعبت الأحزاب دورا خطيرا في صنع المزاج العراقي الغاضب الذي لم يكن يتحمل أيّ نوع من الدعابة. لقد تذابح العراقيون ما أن تُركوا لأنفسهم. حين قام البعثيون بانقلابهم عام 1968 أطلقوا على انقلابهم تسمية “الثورة البيضاء”. بمعنى أنها ثورة من غير دم. غير أن ذلك لم يكن يعبّر عن الحقيقة.مرت بضع سنوات في هدوء ورخاء نسبيين وهي جزء من سبعينات القرن العشرين يعتبره الكثيرون زمنا جميلا لكن ما يتم تناسيه من أجل أن يكون ذلك الزمن جميلا أن الانقلاب البعثي بدأ بواحدة من أبشع حفلات القتل العلني، يوم تم تنفيذ أحكام الشنق بعدد من اليهود الذين أتهموا بالتجسس في ساحة التحرير ببغداد أمام أنظار الجمهور. يتأسف البعض اليوم لأن زعماء الانقلاب الجمهوري أمروا بقتل الملك الشاب وعائلته من غير أن يمر ذلك البعض بالمجازر التي ارتكبها الشيوعيون في الموصل وكركوك والتي كانت تحفيزا للمجزرة الكبرى التي راحوا ضحيتها حين استولى أعداؤهم البعثيون على الحكم عام 1963.في العهد الملكي كانت هناك خصومات سياسية لا تصل إلى مرحلة التصفية الجسدية. أما في العهد الجمهوري وقد صار العراقيون سادة أنفسهم فقد تحولت الخلافات العقائدية إلى سبب لاستدعاء العنف المترسب في الشخصية العراقية. لقد ذبح العراقيون بعضهم البعض الآخر بالتناوب من غير رحمة كما لو أنهم يفعلون ما هو ضروري لكي يؤكدوا عراقيتهم التي عُجنت بالقسوة.كان طارق عزيز وهو سياسي ودبلوماسي محنك وشديد الالتزام ببعثيته وهو ما يعني عراقيا أنه لا يؤمن بالديمقراطية ولا بالتعددية الحزبية وكان من أنصار الشرعية الثورية، غير أنه حين سُئل في آخر حياته عن أهم صفة كان صدام حسين يتميز بها وهو صديقه قال “كان عنيفا”.
المصدر: شبكة اخبار العراق
إقرأ أيضاً:
عاجل. لافروف: لا يمكن السماح بانهيار سوريا رغم رغبة البعض في ذلك ويجب إشراك الجميع في العملية السياسية
لافروف: لا يمكن السماح بانهيار سوريا رغم رغبة البعض في ذلك ويجب إشراك الجميع في العملية السياسية
اعلانالصحفيون يعملون على تحرير هذه القصة، سيتم التحديث بأسرع وقت بالمزيد من المعلومات فور ورودها
Go to accessibility shortcutsشارك هذا المقالمحادثةأخباراعلاناخترنا لك يعرض الآن Next عاجل. طرطوس: مقتل 14 من قوات الحكومة السورية الحالية خلال "محاولة اعتقال ضابط في نظام الأسد" يعرض الآن Next السلطة السورية الجديدة تحرق مليون حبة كبتاغون في مستودع تابع لمخابرات الأسد بدمشق يعرض الآن Next حصار وقتل في غزة واتهام متبادل بين حماس وإسرائيل حول عدم الجدية في المفاوضات يعرض الآن Next زيلينسكي يحتفل بعيد حانوكا اليهودي بحضور مجموعة من الحاخامات ويقول إن "النور سينتصر على الظلام" يعرض الآن Next حملة غير مسبوقة لقوات أمن السلطة داخل مخيم جنين في الضفة الغربية المحتلة اعلانالاكثر قراءة فرنسا: إنقاذ 240 شخصا في جبال الألب بعد أن بقوا عالقين في الجو بسبب انقطاع الكهرباء عن مصعد التزلج أردوغان يهنئ الشعب السوري على رحيل "الأسد الجبان الذي فرّ" ويحذر الأكراد من استغلال الظروف غواتيمالا: السلطات تستعيد عشرات الأطفال والنساء من قبضة طائفة يهودية متشددة مقتل 38 راكبًا على الأقل من بين 67 كانوا على متن طائرة أذرية تحطمت في كازاخستان هجوم روسي ضخم بالصواريخ الباليستية على قطاع الطاقة في خاركيف وإحباط محاولة اغتيال في روسيا اعلانLoaderSearchابحث مفاتيح اليومعيد الميلادسورياضحاياقطاع غزةالسنة الجديدة- احتفالاتقتلأعياد مسيحيةالمسيحيةهيئة تحرير الشام فولوديمير زيلينسكيوفاةبشار الأسدالموضوعاتأوروباالعالمالأعمالGreenNextالصحةالسفرالثقافةفيديوبرامجخدماتمباشرنشرة الأخبارالطقسآخر الأخبارتابعوناتطبيقاتتطبيقات التواصلWidgets & ServicesAfricanewsعرض المزيدAbout EuronewsCommercial ServicesTerms and ConditionsCookie Policyسياسة الخصوصيةContactPress officeWork at Euronewsتعديل خيارات ملفات الارتباطتابعوناالنشرة الإخباريةCopyright © euronews 2024