في الوقت الذي تتصاعد فيه المعركة الاقتصادية التي يخوضها مجلس القيادة الرئاسي لكسر الغطرسة الحوثية وإجبارها على الجنوح للسلم، تتعدد عناصر القوة لدى المجلس كممثل شرعي للشعب اليمني وسلطة عليا للدولة. في مقابل ذلك تنحصر عناصر القوة لدى مليشيا الحوثي في ما تعتبره تفوقاً عسكرياً على القوات الشرعية من حيث الطيران المسيّر والصواريخ البالستية والقوارب المفخخة.

مع ذلك، يُجمع المراقبون على أن القوات الشرعية قادرة على التصدي عسكرياً لأي هجوم تصعيدي من قبل المليشيا الحوثية، علاوة على تأكيدات وزير الدفاع محسن الداعري على جاهزية الجيش الوطني والقوات الممثلة في مجلس القيادة الرئاسي لمواجهة الحوثيين بل وتحرير العاصمة صنعاء من قبضتهم.

على وقع المعركة الاقتصادية ذهب زعيم المليشيا الحوثية إلى تصعيد لهجة التهديد بإشعال جبهات القتال بجولة حرب جديدة رداً على قرارات البنك المركزي في عدن لإصلاح القطاع المصرفي، وهي القرارات التي من شأنها أن تجرد المليشيا الحوثية من مواردها المالية القادمة من خارج اليمن أو من المناطق المحررة والتي تغذي بها مجهودها الحربي مستغلة سيطرتها على المقرات الرئيسة للمؤسسات الحكومية والخاصة في العاصمة صنعاء. ولم يكتف زعيم المليشيا بالتهديد بإشعال جولة جديدة من الحرب ضد مجلس القيادة الرئاسي والحكومة الشرعية، بل طال تهديده السعودية التي يتهمها بالوقوف وراء قرارات البنك المركزي الأخيرة.

ورغم أن مجلس القيادة الرئاسي يمتلك الكثير من عناصر القوة لاستعادة مؤسسات الدولة، إلا أن شمولية التهديد الحوثي للسعودية يمكن أن يدفع الرياض إلى العودة لمربع المواجهة العسكرية رغم سعيها منذ أكثر من عامين إلى التهدئة ودعم جهود السلام في اليمن، وإذا ما تمادى التهديد الحوثي إلى تنفيذ هجمات عسكرية على أهداف سعودية في أراضي المملكة، فسوف يضاف عنصر قوة عسكري آخر إلى صف المجلس الرئاسي، بما يجلبه انخراط السعودية في جولة حرب جديدة من مواقف إقليمية ودولية ضد المليشيا الحوثية.

لكن طبيعة المعركة الراهنة تتطلب عناصر قوة سياسية واقتصادية بالدرجة الأولى، وفي هذا الجانب يبدو مجلس القيادة الرئاسي مدركاً لقوته السياسية وضعفه الاقتصادي، خصوصاً أن قرارات البنك المركزي التي تهدف لإصلاح القطاع المصرفي وتجفيف موارد المليشيا الحوثية من العملة الصعبة لم يرافقها استقرار لسعر العملة الوطنية في المناطق المحررة بل انهارت خلال شهر أكثر من الانهيار الذي كانت تتعرض له بين عام وآخر. هذا التحدي الاقتصادي يراه المراقبون جبهة واسعة بحد ذاتها في إطار المعركة الكبرى مع المليشيا الحوثية، وينبغي على مجلس القيادة الرئاسي وإدارة البنك المركزي الاستفادة من الدعم السعودي والإماراتي لحفظ استقرار العملة الوطنية وقدرتها الشرائية في المناطق المحررة لكي يستطيع المجلس الرئاسي التحدث عن توحيد العملة الوطنية في أي مفاوضات من مصدر قوة ملموسة شعبيًا.

وفي حين يرى مراقبون كثر أن المعركة الاقتصادية لمجلس القيادة الرئاسي لا يجب أن تقتصر على وقف العبث الحوثي بالقطاع المصرفي والخطوط الجوية والاتصالات، تكشف تحركات وتصريحات رئيس وأعضاء مجلس القيادة الرئاسي أنهم يدركون عناصر القوة المتعددة لديهم، خصوصاً في الجانب السياسي. تشير إلى ذلك اللقاءات المكثفة مؤخراً لرئيس وأعضاء المجلس بسفراء الولايات المتحدة وبريطانيا والإمارات والكويت، إلى جانب اللقاءات الدبلوماسية على مستوى وزاري وما دونه. حيث يرى المراقبون أن تركيز رئيس وأعضاء المجلس الرئاسي على "المركز القانوني للدولة" وتذكير المجتمع الدولي به، يعتبر حجر الزاوية في هذه المرحلة من المعركة مع المليشيا الحوثية وداعمها الرئيس إيران.

على سبيل المثال، شدد رئيس مجلس القيادة الرئاسي رشاد العليمي في لقائه بالسفير الأمريكي ستيفن فاجن، الثلاثاء، على ضرورة أن يلتزم مجتمع المانحين بتعهداته لخطة الاستجابة الإنسانية وتوريد الدعم المالي إلى البنك المركزي في عدن والتسريع بإجراءات نقل مقرات المنظمات الدولية وشركائها المحليين إلى العاصمة المؤقتة عدن، ولم يغفل تذكير السفير الأمريكي أن كل هذه الإجراءات يجب أن تكون مبنية على "الالتزام الصارم بالمركز القانوني للدولة العضو في الأمم المتحدة".

هذا التشديد الرئاسي على ضرورة الالتزام الصارم بالمركز القانوني للدولة من قبل المجتمع الدولي، وعلى الأخص مجتمع المانحين لليمن، هو ما يعتبره المراقبون حجر الزاوية في المعركة السياسية والاقتصادية للسلطة الشرعية، كون المجتمع الدولي ظل يتعامل مع المليشيا الحوثية تحت غطاء الضرورة الإنسانية لتقديم المساعدات في مناطق سيطرتها، وتحت هذا الغطاء تم تمرير وصف المليشيا بسلطة أمر واقع، وهو ما كان يجب أن ترفضه السلطة الشرعية منذ السنوات الأولى للانقلاب الحوثي وإشعاله الحرب الشاملة. وفي سياق تأكيده على ضرورة الالتزام الصارم بالمركز القانوني للدولة، طالب العليمي الولايات المتحدة والمجتمع الدولي بضرورة دعم الإصلاحات الحكومية وجهودها "لردع أي تهديد للمركز القانوني للدولة، وفرض سيطرتها على كامل التراب الوطني، وتأمين خطوط الملاحة الدولية، والمنشآت الوطنية الحيوية للشعب اليمني"، والتهديد الذي يتربص بكل هذه الجهود هو التهديد الحوثي لا غير.

في اليوم التالي، الأربعاء، عقد السفير الأمريكي ستفن فاجن لقاءً مع عضو مجلس القيادة الرئاسي عيدروس الزبيدي، ومرة أخرى سمع السفير فاجن تأكيداً رئاسيًا آخر على أن "القضاء على التهديد الذي تمثله المليشيا الحوثية الإرهابية المدعومة من النظام الإيراني، على الأمن والسلم الدوليين، يتطلب استراتيجية ردع محلية، وإقليمية، ودولية، شاملة"، وفي مقدمة هذه الاستراتيجية "التعاون الحقيقي" بين دول المنطقة والعالم. وفي سياق مناقشة تطورات جهود إحلال السلام في اليمن والمنطقة أكد الزبيدي على جاهزية مجلس القيادة الرئاسي للانخراط في أي عملية سياسية لإحلال السلام في البلاد "من خلال الفريق التفاوضي التابع للمجلس والذي يمثل مختلف القوى السياسية المنضوية في إطار مجلس القيادة". 

ويرى مراقبون، أن تمسك الزبيدي بضرورة تفعيل الفريق التفاوضي التابع للمجلس الرئاسي يندرج في إطار ما اعتبروه "حجر الزاوية" في عناصر قوة السلطة الشرعية، مشيرين إلى ضرورة تلافي ما حدث في مفاوضات مسقط الأخيرة بين الجانب الحكومي ومليشيا الحوثي، حيث بدت مشاركة الجانب الحكومي بالفريق القديم وكأنها أغفلت أهمية تفعيل الفريق التفاوضي المتوافق عليه من قبل جميع أعضاء المجلس.

تتوالى مستجدات المعركة السياسية والاقتصادية التي يخوضها مجلس القيادة الرئاسي بكافة القوى الممثلة فيه، ومن خلال مؤسسات الدولة، ومع تمسك جميع مسؤولي السلطة الشرعية بضرورة التزام المجتمع الدولي والإقليمي بالمركز القانوني للدولة العضو في الأمم المتحدة، سوف تحظى قراراتهم بالمزيد من الدعم والتأييد الشعبي والاحترام الدولي.

المصدر: نيوزيمن

كلمات دلالية: مجلس القیادة الرئاسی الملیشیا الحوثیة المجتمع الدولی البنک المرکزی حجر الزاویة عناصر القوة

إقرأ أيضاً:

الصول:الرئاسي أنفق 200 مليون دينار على ملف المصالحة من دون تحقيق أي نتائج

ليبيا – صرح عضو مجلس النواب علي الصول أن المجلس الرئاسي لا يتمتع بالشرعية ولا علاقة له بإصدار قانون المصالحة الوطنية، مؤكدًا أن مجلس النواب لن يرد على أي مخاطبات صادرة عن المجلس الرئاسي.

وفي تصريحات خاصة لمنصة “فواصل“، أوضح الصول أن اختصاص المجلس الرئاسي يقتصر على استلام ملف المصالحة الوطنية، وليس تحويل القانون. وأكد أن قانون المصالحة يجب أن يصدر عن لجان مجلس النواب بالتنسيق مع الوزارات المختصة بالمصالحة.

وأشار إلى أن جميع الأعيان حضروا ملتقى المصالحة في بنغازي، بما في ذلك أعيان مدينة مصراتة، وأضاف: “نحن مستمرون في اعتماد قانون العدالة الانتقالية، والمجلس الرئاسي لا وزن له أمام الأعيان والقبائل الليبية”.

كما انتقد الصول أداء المجلس الرئاسي قائلاً: “المجلس أخفق في مهمته الأساسية، وهي توحيد المؤسسة العسكرية، بالإضافة إلى قانون المصالحة الوطنية الذي أنفق عليه 200 مليون دينار دون تحقيق أي نتائج ملموسة”.

وتساءل الصول عن جدوى عقد اجتماعات المصالحة الوطنية خارج ليبيا، مشيرًا إلى أن مجلس النواب أصدر قانون العفو العام، ولا يرى أي مبرر إضافي لإجراء مصالحة.

وتوقع أن تُعقد جلسة مجلس النواب يوم الاثنين المقبل لاعتماد قانون العدالة الانتقالية، بغض النظر عن موقف المجلس الرئاسي، مؤكدًا أن هذا الأمر من اختصاص مجلس النواب، وأن المجلس الرئاسي لا يمكنه فرض أي قانون على البرلمان.

مقالات مشابهة

  • جماعة الحوثي تشترط على السعودية إقالة أعضاء في مجلس القيادة الرئاسي لتوقيع اتفاق سلام
  • مجلس الوزراء يقرّ الميزانية العامة للعام المالي 2025
  • عاجل | مجلس الوزراء يقرّ الميزانية العامة للعام المالي 2025
  • مجلس الوزراء يعقد غدا جلسةً للميزانية العامة للدولة لعام 2025
  • الصول: اختصاص الرئاسي هو استلام ملف المصالحة وليس تحويل القانون
  • أوحيدة: لا نتلقى تعليمات من “الرئاسي”.. وسنناقش قانون المصالحة غدًا
  • مجلس القيادة الرئاسي يناقش تطورات الأزمة الاقتصادية ويراجع قراراته السابقة
  • الصول:الرئاسي أنفق 200 مليون دينار على ملف المصالحة من دون تحقيق أي نتائج
  • مجلس القيادة يجتمع ويناقش عدة ملفات في مقدمتها سعر العملة والتصعيد الحوثي بالجبهات
  • مجلس القيادة الرئاسي يواصل مناقشاته للأوضاع الاقتصادية والسياسية في اليمن