عادل عزام يكتب: ومن الأخلاق «خليل ومختار»
تاريخ النشر: 18th, July 2024 GMT
«الرياضة أخلاق، والأخلاق رياضة» هما عندى لا ينفصلان، من رحم الأخلاق يولد الأبطال والبطلات، ومن المنافسة النزيهة تنمو الأخلاق، فلا معنى ولا فائدة كاملة الأركان من الفوز بالبطولات حتى ولو كانت كأس العالم أو ميدالية فى الأولمبياد بدون الجمع بين النصف الحلو للآخر فى كل زمان ومكان، «الروح - الرياضية».
مبادرة وعى من «المتحدة» لتطهير الأخلاق الرياضية من ملوثات «اللايكات» وسوء التصرف.. ورسالة لكل أفراد المنظومة «التاريخ لن يرحم»
حسناً بادرت «الشركة المتحدة» بحملات وقرارات رادعة لعودة الرياضة من أجل الرياضة، تكريس الفوز يقابله خسارة، وتطهير الأخلاق الرياضية من ملوثات من لا يدركون قيمة الكلمة والتصرف، ولا يضعون فى حساباتهم ما يمكن أن تصنعه هفواتهم فى عقول ملايين يتابعونهم ويتعلقون بهم فى الداخل والخارج.
القيم الأخلاقية فى العموم والشمول قدّستها كل الديانات السماوية ووضعتها أساس الإنسانية، وعند الجمع بين «الأخلاق والرياضة» هناك قواسم بالجملة مشتركة لا يمكن اختزالهما فى جملة مواثيق أو قوانين أو حتى لوائح، لا قائمة واحدة معتمدة، اليونيسكو جعلها فى ميثاقه الدولى هدفاً لروح الإخاء، والمنافسة النزيهة، وفى العموم والشمول لخصها أمير الشعراء أحمد شوقى فى «إنما الأمم الأخلاق ما بقيت فإن هم ذهبت أخلاقهم ذهبوا».
وعند استحضار الصورة الجميلة للرياضة المصرية، تطل علينا من دفاتر زمان وأخلاق زمان الجميلة أكثر من صورة خالدة، فى مقال سابق حمل عنوان «الذهب أخلاق» كان البطل محمد على رشوان، ومن حسن الحظ مع مبادرات الشركة المتحدة أن يكونا أكبر مشهدين للروح الرياضية والأخلاق الحسنة كروياً من داخل قطبى الكرة الأهلى والزمالك، القصة الأولى بطلها مختار مختار نجم وقائد الأهلى والمنتخب السابق لاعباً ومدرباً، واحد من أفذاذ ومواهب الساحرة المستديرة المصرية، جاء من نادى إسكو للأهلى حاملاً معه طموحات لا حدود لها، ما يملكه من قدرات فنية وسرعة فائقة بالكرة وضعته على القمة فيما يقرب من 153 مباراة مع النادى الأحمر محملاً بالبطولات المختلفة، المجد يقترب خطوة خطوة، وفجأة كل شىء توقف، انتهت المسيرة كلاعب، تدخل عنيف من سعيد الشيشينى فى مباراة المقاولون العرب فى بداية دورى 1984، يرسم خط النهاية، العمليات الجراحية لم تفلح، وحان وقت المغادرة واعتزال الكرة مجبَراً.
غادر مختار مختار الملاعب فى مجده، رضى بقضاء الله وقدره، لم يتذمر رغم حاجته لمواصلة مشواره مادياً، لم يلعن ولم يسب، ولم يحمل أى ضغينة للشيشينى، وعلى عكس المتوقع أصر على أن يكون بطل نهايته كلاعب هو بطل مشهد مباراة اعتزاله يوم 24 يناير، 1986، وضع يده فى يد سعيد الشيشينى، جاء به وطاف به الملعب معلناً أمام الجميع أن الشيشينى لم يتعمد إصابته، وأنه أبداً لم يغضب منه، اللقطة زلزلت المهرجان، والتكريم صار نموذجاً للتسامح والروح الرياضية، اللقطة لاقت ردود فعل واسعة من الجمهور الذى أزال أى رواسب تجاه الشيشينى، كما كان سعيد الشيشينى نفسه غاية فى السعادة، المشهد الأخلاقى عبر العالم، وتقديرها المباشر كان منح مختار مختار جائزة اللعب النظيف والروح الرياضية من اللجنة الدولية للعب النظيف بهيئة اليونيسكو.
ومن داخل جدران القلعة البيضاء، ولدت قصة أخلاقية أخرى، على خليل لاعب مصر والزمالك السابق، لاعب وإنسان مهذب داخل وخارج الملعب، منعه صراع النقطة والجرى خلف الفوز ببطولة مزيفة من مخالفة ضميره وأخلاقه، امتلك ثقافة الاعتراف بالحق حتى ولو كان على حساب خسارة بطولة، الزمالك كان فى موقف صعب و«فى عرض نقطة» كما يقولون، للفوز بالدورى فى موسم 1977، الأبيض أمام مباراة صعبة أمام الإسماعيلى وما أدراك ما دراويش زمان، المباراة تمر، وجمهور القلعة البيضاء ينتظر هدف الإنقاذ، على خليل فعلها ومنح فريقه التقدم بهدف، الحكم الدولى أحمد بلال يجرى لمنتصف الملعب معلناً تقدم الزمالك، الجمهور يشعل الملعب، الفرحة بقرب الفوز ببطولة الدورى لا مثيل لها، عفواً انتظر، الكرة من خارج المرمى، على أبوجريشة يذهب نحو الحكم الدولى صارخاً «مش جول».. «اسأل على خليل لو قالك هدف احسبه» قالها «جريشة» بشجاعة وثقة فيمن طلب شهادته، «خليل» نطق بالحقيقة، «ليست هدفاً.. الكرة من خارج الشباك الممزقة» الحكم يأخذ بالشهادة ويلغى الهدف، المباراة تنتهى بالتعادل السلبى، الزمالك يخسر الدورى، وعلى خليل يفوز للأخلاق الكريمة، كاتباً لنفسه شهادة تتوارثها الأجيال بكلمات من حقه أن يتباهى بها دائماً «فضلت أن نخسر بطولة على أن أكون مزوراً».
نعيد قصص أخلاق نجوم أعطوا الكثير للرياضة المصرية لمواجهة طوفان أعمى يلهث وراء الماديات والربح من الميديا ونسبة المشاهدة واللايكات دون أى معايير أو قيم، لمواجهة طوفان يساند ويدعم من يدفع أكثر، طوفان ينهش فى عقول الأجيال القادمة، ويضع أمام شبابنا فلكلور رياضياً بلغة ساقطة وتصرفات خارج النص للأسف، من فضلكم «إداريين ومدربين ولاعبين ومعلقين ونقاد ومحللين ومشجعين»، لا نريد حشو الرياضة بأفكار مسمومة، نريد تصرفات وكلمات تحافظ على أجيالنا، ولا تخدّم على المصالح الخاصة و«السبوبات».. والتاريخ لن يرحم.
المصدر: الوطن
كلمات دلالية: الرياضة الرياضة المصرية على خلیل
إقرأ أيضاً:
المعلم الأول.. ذكرى وفاة الشيخ محمود خليل الحصري الـ 44
تحل اليوم الذكرى الـ 44 على رحيل القارئ الشيخ محمود خليل الحصري، أحد أعلام دولة التلاوة المصرية، والذي عرف بكونه المعلم الأول.
حرص القارئ الشيخ محمود خليل الحصري، في أواخر أيامه على تشييد مسجد ومعهد دينى ومدرسة تحفيظ بمسقط رأسه قرية شبرا النملة، وأوصى في خاتمة حياته بثلث أمواله لخدمة القرآن الكريم وحُفَّاظه، والإنفاق في جميع وجوه البر.
ونستعرض في هذا التقرير أبرز المحطات في سيرة أحد أهم قرّاء مصر والعالم في العصر الحديث، وشيخ عموم المقارئ المصرية الأسبق، من خلال السطور التالية:
1- وُلد في غرة ذي الحجة سنة 1335 هـ الموافق 17 سبتمبر من عام 1917 في قرية شبرا النملة التابعة لطنطا بمحافظة الغربية، وكان والده قبل ولادته قد انتقل من محافظة الفيوم إلى هذه القرية التي ولد فيها، وقد أجاد قراءة القرآن الكريم بالقراءات العشر.
2- ألحقه والده الكتاب في عمر الأربع سنوات ليحفظ القرآن وأتم الحفظ في الثامنة من عمره، كان يذهب من قريته إلى المسجد الأحمدى بطنطا يوميا ليحفظ القرآن وفي الثانية عشر انضم إلى المعهد الديني في طنطا، ثم تعلم القراءات العشر بعد ذلك في الأزهر.
3- أخذ شهاداته في علم القراءات ثم تفرغ لدراسة علوم القرآن لما كان لديه من صوت متميز وأداء حسن، وفي عام 1944م تقدم إلى امتحان الإذاعة وكان ترتيبه الأول على المتقدمين للامتحان في الإذاعة، وفي عام 1950م عين قارئا للمسجد الأحمدي بطنطا، كما عين في العام 1955م عين قارئا لمسجد الحسين بالقاهرة.
4- أدرك الشيخ الحصري منذ وقت مبكر أهمية تجويد القرآن في فهم القرآن وتوصيل رسالته.
5- أول من سجل المصحف الصوتى المرتل برواية حفص عن عاصم.
6- أول من نادى بإنشاء نقابة لقراء القرآن الكريم، ترعى مصالحهم وتضمن لهم سبل العيش الكريم.
7- نادى بضرورة إنشاء مكاتب لتحفيظ القرآن في جميع المدن والقرى، وقام هو بتشييد مسجد ومكتب للتحفيظ بالقاهرة.
8- رفض الشيخ أن يتقاضى مقابلًا ماديًّا على تسجيلاته الصوتية لكتاب الله تعالى، فقد كتب في مظروف الإذاعة المخصص لكتابة الأجر: "لا أتقاضى أي مال على تسجيل كتاب الله".
9- تزوج عام 1938م، وكانت معظم مسؤوليات التربية تقع على كاهل زوجته بسبب انشغاله بعمله وسفره، ويروي أحد أبنائه: "كان يعطي كل من حفظ سطرًا قرش صاغ بجانب مصروفه اليومي، وإذا أراد زيادة يسأل ماذا تحفظ من القرآن فإن حفظ وتأكد هو من ذلك أعطاه، وقد كانت له فلسفة في ذلك فهو يؤكد دائمًا على حفظ القرآن الكريم حتى نحظى برضاء الله علينا ثم رضاء الوالدين، فنكافأ بزيادة في المصروف، وكانت النتيجة أن ألتزم كل أبنائه بالحفظ، وأذكر أنه في عام 1960م كان يعطينا عن كل سطر نحفظه خمسة عشر قرشًا وعشرة جنيهات عن كل جزء من القرآن نحفظه، وكان يتابع ذلك كثيرًا إلى أن حفظ كل أبنائه ذكورًا وإناثًا القرآن الكريم كاملًا والحمد لله".
10- ابنته -ياسمين الخيام- حاصلة على ليسانس آداب قسم فلسفة وعلم نفس، وعملت بعد تخرجها بمجلس الأمة (مجلس الشعب) حتى درجة وكيل أول وزارة، وهي الآن ترأس جمعية الشيخ الحصري للخدمات الدينية والاجتماعية.
11- في عام 1965م قضى الشيخ محمود خليل الحصرى عشرة أيام كاملة فى مسجد بباريس، وأسلم على يديه عشرة من الفرنسيين وثمانية عشرة أمريكيا أيضًا من بينهم طبيبان وثلاثة مهندسين بسبب جمال صوته وفى مدينة سان فرانسسكو تقدمت سيدة أمريكية مسيحية لتعلن أن قراءته مست وجدانها وأحست من عمق نبرات القراءة أن القرآن الكريم على حق، رغم أنها لم تفهم كلماته، ولذلك أشهرت إسلامها على يد الشيخ الحصرى ووعدته بأن تلتحق بأحد المراكز الإسلامية لتتعلم اللغة العربية.
12- الشيخ محمود خليل الحصري، لقب بالشيخ المعلم، أو المعلم الأول لأنه بدأ وكان أولًا في العديد من الأشياء، وجميعها كانت تحقق نقلة نوعية في التعامل مع القرآن الكريم، وهو ما جعله يفوز بلقب المعلم.
13 - حصل الشيخ الحصري على وسام العلوم والفنون من الطبقة الأولى في عيد العلم عام 1967م.
14 - رحل الشيخ الحصري عن عالمنا في يوم الاثنين 16 محرم سنة 1401هـ، الموافق 24 نوفمبر 1980م، وبقي صوته يجوب العالم، ويُعلّم الأجيال، ويشنِّف الآذان، ويثلج الصدور بقراءته العذبة المتقنة.