أمريكا.. ودبلوماسية الكذب والخداع..!
تاريخ النشر: 18th, July 2024 GMT
تتبنى واشنطن مع العالم دبلوماسية الكذب والخداع وتسخر لهذه الدبلوماسية ماكينة إعلامية جبارة تعمل على مدار الساعة دون توقف يعمل فيها آلاف من الإعلاميين والمفكرين والمثقفين والفلاسفة، ينتمون لجميع شعوب العالم تقريبا ويتحدثون بكل اللغات الإنسانية الحية، مهمتهم تنحصر في تسويق أكاذيب أمريكا ومنحها صبغة المصداقية وتظهر الخداع وكأنها حقائق، نشاط يطال مختلف الجوانب الحياتية والحضارية والقضايا الدولية التي تعمل أمريكا على تطويعها خدمة لمصالحها الجيوسياسية ولمصالح الحليف الوحيد والأوحد لها على خارطة الكون وهو (الكيان الصهيوني)،هذا الكيان هو الحليف الوحيد لأمريكا رغم حلفائها الكثر على خارطة الكون غير أنها لا ترى فيهم أكثر من حلفاء تكتيكيين تسخرهم لخدمة كيانها اللقيط في المنطقة و ليس لأحدهم مكانة في حساباتها واهتمامها الاستراتيجي كما هو الحال مع (الكيان الصهيوني) الذي يستمد أهميته في استراتيجية أمريكا من أهمية المنطقة التي زرع فيها هذا الكيان وهي الوطن العربي الذي يحتل موقعا استراتيجيا على الجغرافية الكونية وإضافة إلى ما يمتلك الوطن العربي من ثروات ومواد خام، فإنه أيضا يتحكم بالممرات البحرية وبطرق التجارة الدولية، إضافة إلا ما لدى هذا النطاق الجغرافي من مخزون استراتيجي روحي، حيث يعد مهبط الديانات السماوية وهو مصدر الطاقات الروحية وبالتالي فإن وجود هذه المقومات المادية والمعنوية والروحية والتراكم الحضاري الروحي، كل هذه المقومات كانت وراء زرع الكيان الصهيوني في قلب الوطن العربي خوفا من امتلاك هذا النطاق الجغرافي لسيادته وقراره والتحكم بثرواته، لأن هذا إن حدث فإنه كفيل بجعل الوطن العربي يتحكم بالعالم وبقدراته ومصيره وهذا ما ادركته القوى الاستعمارية مع بدء انطلاق فجر اليقظة القومية بعد تراجع دولة الخلافة العثمانية في بداية القرن المنصرم والذي برزت على إثر هذا التراجع المخططات الاستعمارية بدءا من اتفاق دول أوروبا في مطلع القرن الماضي، برعاية بريطانيا على إيقاف الصراعات البينية فيما بينها، والتفكير بمصادر الطاقة والمواد الخام التي تحتاجها دول الغرب وأمريكا والتي لا توجد في أوروبا، فيما الموجود منها في أمريكا قد لا يفي باحتياجات المصانع الأوروبية _الأمريكية.
وكان لابد من زراعة الكيان الصهيوني في قلب الوطن العربي بعد أن تعمدت العواصم الاستعمارية على قطع الطريق أمام فكرة قيام الدولة العربية الواحدة التي كان الحديث عنها يتبلور لتحل محل الدولة العثمانية، ولكي تفشل فكرة أو مشروع الدولة العربية الواحدة عملت العواصم الاستعمارية وفي المقدمة منها بريطانيا على تأسيس أنظمة وظيفية في المنطقة وتنصيب أسر قبلية وعشائرية ارتبطت بالعواصم الاستعمارية، وحدث هذا قبل الإعلان عن قيام الكيان الصهيوني الذي تم الإعلان عنه بعد التأكد من دور هذه الأنظمة الوظيفية في القبول به والعمل على تمكينه، وكانت أمريكا التي قدمت نفسها كدولة الحرية والديمقراطية والمؤمنة بحق الشعوب في تقرير مصيرها، وكان هذا الإيمان بمثابة سلاح تدميري بالنسبة للأمة العربية التي وجدت نفسها ممزقة ومقسمة إلى كانتونات (قُطرية) ودويلات عائلية صممها الاستعمار وفقا لاتفاقيات (سايكس _بيكو) التي قطعت طريق الوحدة العربية وسقطت فكرة الدولة العربية الواحدة، وقد استثنت تلك الاتفاقية جغرافية الحجاز من التقسيم لثلاث دويلات بمنحها لآل سعود، مقابل التزام هذا النظام بحماية الكيان والقبول به _الذي عملت على إيجاده، برعاية بريطانية _أمريكية، ليكون بمثابة قاعدة عسكرية استعمارية متقدمة في الوطن العربي، بعد أن وجدت الدول الاستعمارية أن بقاءها كقوى استعمارية بصورة مباشرة في الوطن العربي فعل من مستحيل خاصة بعد قيام ثورة أكتوبر الاشتراكية في روسيا الاتحادية عام 1917م..!
كان وقع الثورة الاشتراكية الروسية قد أحدث ارتباكا في حسابات الدول الاستعمارية، تماما كما أحدثت الثورة الإيرانية عام 1979م ذات الارتباك لدى أنظمة الوطن العربي التي تبنت الفكرة الأمريكية _الصهيونية _الاستعمارية من الثورة الإسلامية الإيرانية واعتبارها مصدر خطر لأنظمة دول المنطقة، تماما كما اعتبرت العواصم الاستعمارية ثورة أكتوبر الاشتراكية مصدر خطر لنفوذها ولمصالحها الاستراتيجية ونفوذها الجيوسياسي..!
اعتمدت أمريكا على دبلوماسية الكذب والخداع ليس مع أعدائها والمناهضين لسياستها الاستعمارية في المنطقة، بل حتى مع حلفائها المفترضين من أنظمة المنطقة الموالية لها، ولم تَصْدُق أمريكا يوما مع حلفائها في المنطقة والعالم، بقدر وفائها وإخلاصها ومصداقيتها مع حليفها الوحيد على خارطة الكون وهو (الكيان الصهيوني) الذي تحرص أمريكا على تفوقه وديمومته وترسيخ وجوده في جغرافية المنطقة وهي مستعدة لتخوض حربا كونية دفاعا عنه وعن بقائه وعن جرائمه لأنه مصدر استقرار مصالحها التي تنهبها من دول وشعوب المنطقة، بدليل موقفها من جرائمه غير المسبوقة بحق الشعب العربي الفلسطيني..!
لقد مكن هذا الكيان أمريكا من نهب ثروات العرب والأفارقة والأسيويين، ومكنها من إحكام قبضتها على طرق التجارة الدولية والحفاظ على نفوذها الجيوسياسي في منطقة جغرافية مهمة ومحورية، منطقة من يسيطر عليها وعلى قدراتها يسيطر على العالم بأسره..!
وفي كل هذا اعتمدت أمريكا على دبلوماسية الكذب والغدر والخداع وعلى هيمنة القوة ووحشيتها إن تطلب الأمر ذلك..!!
كانت وراء تفجر الحرب العراقية _الإيرانية، وقبلها تفجر الحرب الأفغانية ودفع العرب والمسلمين بكل قدراتهم في تلك الحرب باسم الدفاع عن الإسلام ومواجهة النفوذ الشيوعي وهذا ما سبق أن فشلت به من خلال (حلف بغداد) الذي أسقطه الزعيم الراحل جمال عبد الناصر _رحمه الله _ والملاحظ أن أمريكا التي وقفت وراء حرب الدفاع عن الإسلام في أفغانستان هي ذاتها التي فجرت الحرب ضد الثورة الإسلامية في إيران..!
وهي ذاتها التي اتخذت من أحداث 11 سبتمبر عام 2001م التي كانت من صناعتها ومن تخطيط أجهزتها الاستخبارية، واتخذت منها ذريعة لاستباحة سيادة دول العالمين العربي والإسلامي باسم (مكافحة الإرهاب)..!
متخلية عن حلفاء الأمس في أفغانستان من الجماعات الإسلامية التي أسستهم ورعتهم وقدمت لهم كل أشكال الدعم وشجعت دول وأنظمة العالمين العربي والإسلامي على دعمهم وتسهيل مهمتهم الجهادية في أفغانستان، وهي من أطلقت عليهم مسمى (المقاتلين من أجل الحرية)، ثم انقلبت عليهم بعد انقضاء مهمتهم واتخذت منهم أعداء بعد أن سقط عدوها الاستراتيجي الاتحاد السوفييتي، ثم راحت تطاردهم عبر قارات العالم، قبل أن تجد نفسها أمام تقدم ( الصين) المضطرد، ثم أمام إعادة ( روسيا الاتحادية) دورها ونمو وتطور قدراتها وعودة نفوذها الجيوسياسي، فاستعادت أمريكا علاقتها بالجماعات الإسلامية التي هي مجرد (جماعات للإيجار) أعداءها دائما هم خصوم أمريكا والكيان الصهيوني، إذ لم نر من هذه الجماعات موقفاً من أمريكا والكيان الصهيوني والدول الغربية بدليل موقف هذه الجماعات من حرب الإبادة التي تشنها أمريكا والكيان الصهيوني في غزة، فيما الجماعات الإسلامية بكل مسمياتها لم تحرك ساكنا بل ذهبت للقيام بتفجيرات في أراضي جمهوريات روسيا الاتحادية والكثير من منتسبي هذه الجماعات نقلتهم أمريكا من أكثر من بلد إلى أوكرانيا ليقاتلوا في صفوف الجيش الأوكراني كمرتزقة..؟!
لكن تبقى معركة (طوفان الأقصى) أيقونة لتحول جيوسياسي تداعياته كفيلة بأن تعصف بحسابات أمريكا وأذنابها، وهذا ما سوف تكشف عنه تداعيات الزمن القادم.
المصدر: الثورة نت
إقرأ أيضاً:
كيف يتم تجنيب المنطقة الحرب بين أمريكا وإيران؟
لا يزال الخلاف بين الولايات المتحدة الأمريكية وإيران قائمًا، منذ قيام الثورة الإيرانية عام 1979م، ولا تزال الأزمة تبارح مكانها، وقد بدأت الأزمة في ذروتها، مع قصة الرهائن الأمريكيين، الذين اعتقلوا في طهران، بسبب اتهامات إيرانية لأمريكا للسياسة الأمريكية، ثم الطلب الإيراني لأرصدة مالية لإيران في الولايات المتحدة، قبل الثورة، وهؤلاء الذين تم اعتقالهم، هم من أعضاء السفارة الأمريكية في طهران، ثم برزت قضية المفاعل النووي الإيراني، التي لا تزال الأزمة قائمة بينهما بسببه، منذ أكثر من عقدين تقريبًا، ولا تزال تتفاقم وتخف قليلًا، وتعود وفق المزاج الإسرائيلي وتحريضه، والذي يتوجس من مخاطر هذا المفاعل النووي، حتى لا يتحول إلى أسلحة نووية. ومنذ عدة أسابيع، مع وصول الرئيس «ترامب» للرئاسة، بدأت الأزمة تعود بالتهديد والوعيد من قبل الولايات المتحدة، إذا لم توافق على التفاوض، وفق الشروط التي أرادها ترامب للجلوس مع إيران، أو الإقدام على ضربة عسكرية، بحسب بعض التصريحات الأمريكية، وردت إيران أنها لا تقبل التهديد بالقوة لفرض الشروط، وسوف ترد على أي محاولة لقصفها، وأنها تملك من القوة القادرة على ضرب مصالحها في المنطقة.
ولا شك أن أي موقف عسكري من قبل الولايات المتحدة على إيران، سوف يلحق ضررًا بالمنطقة، بشكل أو بآخر، وهذا ليس في مصلحة استقرار المنطقة ولا العالم، والولايات المتحدة لها مصالح بترولية وعسكرية ومصالح كثيرة، سوف يلحقها الضرر من أية عملية عسكرية على إيران، وسياسة التهديد والفرض والإرغام بالقوة، لن تجدي في الحلول السياسية، ولن تحقق أهدافها مهما كانت الفروق العسكرية بين الطرفين، بل ستكون آثارها كبيرة على المنطقة، وعلى وأوروبا، فالحروب، لفرض سياسات ، لم تحقق نجاحًا في كل العالم، وإن نجحت لفترة، فإنها لا تستمر بعدها وتتراجع وتنسحب، وهذا ما جرى للعراق بعد احتلاله، ثم احتلال أفغانستان ثم عادت طالبان مرة أخرى للحكم.. فقبل عقدين من الآن، صدر كتاب بعنوان (أوراق منسية.. أحاديث هزة الخليج)، للكاتب والمؤلف، رياض نجيب الريّس، ومن ضمن هذه الأحاديث التي اعتبرها الريّس، أنها هزة الخليج، حديث صحفي أجراه رياض الريس، مع السلطان قابوس بن سعيد ـ رحمه الله ـ بمدينة صلالة، في 2 أبريل 1981م، ونشر بمجلة المستقبل المهاجرة في باريس. وكان بالفعل كلامًا نفيسًا وعميقًا ودقيقا، لاستشراف المستقبل الأفضل للمنطقة، ويمكن أن نطرحه في هذا الوقت للعبرة والاستفادة مما قيل عن الأزمات والصراعات، على الرغم من مرور أكثر من أربعين عاما على هذا الحديث. ومما قاله السلطان قابوس ـ طيب الله ثراه ـ إن إيران قوية ومستقرة، أفضل لجيرانها وللمنطقة. إن التعامل مع الحكم المستقر هو التعامل مع الوضوح» ـ مضيفا في فقرة أخرى من الحديث ـ: عمان وإيران تحكمهما سياسة الاحترام المتبادل، وعدم التدخل في الشؤون الداخلية، ونسعى باستمرار إلى تطوير علاقاتنا معها ودعهما. إن إيران غير المستقرة ستأتي بكارثة على المنطقة. وقال السلطان قابوس للصحفي رياض الريس: (تذكر كلامي)». كان الحديث قد جرى ـ كما أعتقد ـ في فترة المشكلات التي حصلت بعد الثورة الإسلامية، والتفجيرات التي أدت برئيس الجمهورية محمد علي رجائي، وكذلك استهداف رئيس البرلمان محمد حسين بهشتي وآخرين، فقتل مع عشرات النواب في الفعل الشنيع، من قبل منظمتي فدائيي خلق، ومجاهدي خلق، الماركسية واليسارية.
ولا شك أن هذا الطرح الحصيف من السلطان قابوس، هو أن تستوعبه كل المنطقة جيدًا، وتتخذه أسلوبا وطريقا يخدم الطرفين، دول الخليج وإيران، ويبعد هواجس التخوف والتوتر بينهما، ومكائد الآخرين وحسابتهم، وإستراتيجياتهم الخاصة، لتتجنب المنطقة أهوال الحروب والتوترات، التي لن تستفيد منها لا إيران، ولا دول مجلس التعاون، ولو حصل ـ لا سمح الله ـ حرب في هذه المنطقة، فإنها ستجرها إلى المجهول، لا يعرف مداها إلا الله، ولا مخاطرها، وسيكون الجميع خاسرين، في كل المجالات، وسنبكي بعدها على الأطلال، لأن الأثمان ستكون باهظة ومكلفة، لكل الأطراف، بدلا من التنمية والاستقرار، ورفاهية الشعوب ونهوضها.
ومع بروز مسألة المفاعل النووي الإيراني ـ كما أشرنا آنفًا ـ وبروزها كقضية دولية، من خلال الضغط على إيران بعدم تخصيب اليورانيوم، من قبل أغلب الدول الكبرى في مجلس الأمن لوقف ـ كما يعتقدون ـ محاولة امتلاك إيران السلاح النووي، وبهذا دخلت القضية أبعادًا خطيرة وشائكة، وإسرائيل تطرح ـ وهي المحرض الأكبر ـ أن إيران تحاول تحت ستار البرنامج السلمي، إنشاء منشآت الوقود النووي اللازمة، لإنتاج مواد قابلة للانشطار من أجل برنامج نووي، أو غيرها من التوترات مع السياسة الأمريكية.. لكن إيران أصرت على حقها في التخصيب وفي الحصول على هذه الطاقة النووية السلمية. والكثير من دول العالم ترى: أن من حق إيران امتلاك الوقود النووي السلمي، وتطوير هذا البرنامج للأغراض العلمية والتكنولوجية، ومثلما حصلت إسرائيل وباكستان والصين، وقبل ذلك الدول الكبرى فإن إيران من حقها الحصول على هذا العلم وأدواته التكنولوجية، في المجال السلمي ـ مثلها مثل الآخرين ـ وهذه خطوة منطقية ولا يجوز القفز عليها، لكونها من بديهيات الواقع الراهن. كما أن على إيران أن تنفتح أكثر على دول مجلس التعاون الخليجي، وعلى تعزيز التفاهم معها لتطمينها من جهة، وفي تأكيد رغبتها في استقرار المنطقة والتعاون، مع دولها بما يبعد شبح الحروب والصراعات والتوترات، التي لا يستفيد منها إلا أعداء الأمة، وتجار السلاح وقوى الهيمنة والعولمة. وتتحرك بما يطمئن دول المنطقة من توجهات إيران العسكرية، ومدى رغبتها في استقرارها، في التعاون المشترك وحل القضايا العالقة، وهذا في صالح الجميع، وستسهم في استنهاض المنطقة كلها، لإبعاد التوجسات والصراعات والتوترات، التي عانت وتعاني منها المنطقة حتى الآن، والشواهد كثيرة ومتوفرة ولا نريد فتح الملفات. كذلك فإن التصريحات النارية تجاه السياسات هنا وهناك، ليست داعمة للتقارب بين الطرفين، إيران ودول المنطقة، وهذه تستغل كثيرًا في الغرب، ويستعملها اللوبي الصهيوني في الترويج لمقولة أن إيران تستعد من خلال مفاعلها النووي لإنتاج أسلحة نووية لإبادة إسرائيل من الوجود، كما يروج اللوبي الصهيوني من خلال برنامج إيران النووي، لتدمير إسرائيل ومحوها من الوجود، وهذه، ذرائع إسرائيلية استغلها ساسة إسرائيل منذ أكثر من عقدين حتى الآن، لطرح هذه القضية في الدوائر الأمريكية والغربية، لخطر المفاعل النووي الإيراني، مع أن هذه الفكرة لا نعتقد بصوابها تمامًا وهي مقولة غير صحيحة .
فإذا كان الهدف من هذا السلاح، تدمير إسرائيل من أجل الفلسطينيين، فإن هذا السلاح النووي سوف يقتل ملايين الفلسطينيين أيضا وربما دول الجوار المحيطة بإسرائيل ومنها لبنان، مع وجود حزب الله فيه والمؤيد من إيران!! فهذه التوجسات هي صناعة إسرائيلية بماركة مسجلة، ولا نقول إلا ما قاله الحديث الشريف (الحكمة ضالة المؤمن فأنى وجدها فهو أحق الناس بها)، ومن هنا نعتقد أن على الولايات المتحدة أن تتحرك للحلول السلمية، عن طرق التفاوض، فعليها أن تبعد التهديدات بالحلول العسكرية، أو التلويح بها لمحاورة الآخر المختلف معه، والحوار ضرورة عقلية لأبعاد شبح الحروب والصراعات والتوترات، ولا مناص من استعمالها واقتناصها، من التأكيد على التفاوض، الذي يجعله سهلا وميسورا بدل التهديدات ورفع سقف المطالب التي تفرض، وإبعاد التوتر والصراع بشتى الوسائل والطرق والأساليب عنها، وعن جيرانها.. وإذا كان المجتمع الدولي يريد منطقة خالية من الأسلحة النووية، فان العدل والإنصاف، يدعوان أن يكون الجميع ملتزمين بهذا الأمر، أما أن يكون البعض يملك السلاح النووي والبعض الآخر يُحرم عليه، فإن المشكلات ستظل قائمة ولا تنتهي.
والحقيقة أن هذا السكوت على امتلاك إسرائيل أسلحة نووية يعد سابقة خطيرة، تشجع إسرائيل على اختلال التوازن الاستراتيجي والعسكري، في الشرق الأوسط، ومن ثم رفض الانصياع إلى القرارات الدولية، لأن الأطراف المعتدى عليها ـ لا تملك المقدرة العسكرية ـ ومنها النووية ـ على رد التهديد.
ومن هنا فإن هذا السكوت والتجاهل سيجر المنطقة إلى أحوال وإلى ضياع الفرص في السلام العادل والدائم. وإذا كانت هناك خطوات لإنتاج السلاح النووي عند بعض الدول في المنطقة، فإن من المنطقي أن يتم الحديث عن مخاطر هذا السلاح بصورة عامة، حتى تكون المنطقة كلها خالية من الأسلحة النووية وتكون الكفة متعادلة بين كل الأطراف، وليس استثناء بعض الأطراف، وتركها تعربد وتحتل وتهدد لمجرد أنها تلقى التأييد والمساندة من بعض الدول الكبرى. ونتذكر عندما أطلق الرئيس الراحل صدام حسين، تصريحاته بتدمير نصف إسرائيل، استغلها اللوبي الصهيوني، وروّج لكذبة أسلحة الدمار الشامل العراقية، مع أن هذه أكاذيب وتم الاعتراف بها عندما ظهرت، وكان ما كان بعد ذلك بالنسبة للعراق، وهذا قياس مع الفارق كما يقول الأصوليون، لكننا نرى أن إيران تحتاج إلى جيرانها وأصدقائها، مثلما جيرانها وأصدقاؤها يحتاجون إليها، وتلك مسألة طبيعية وفطرة إنسانية، أشار إليها العلامة ابن خلدون في مقدمته، وهو ما يعرف بالاجتماع الإنساني وحاجة الإنسان إلى أخيه والعكس، والجميع يتمنون لإيران النهوض والتقدم والاستقرار، مع علاقة جيدة وقوية مع جيرانها، حيث الروابط القوية التي تجمع بين الشعب الإيراني وشعوب منطقة الخليج والجزيرة العربية من العلاقات التاريخية الوطيدة عبر قرون من حسن الجوار وعلاقات المصاهرة، وغيرها من الوشائج الضاربة في عمق التاريخ، وقبل ذلك رابطة الدين التي نعدها أقوى الروابط وأوثقها عرى، قد لا نحتاج معها إلى الشرح والتبيان، مع أحقية إيران الاحتفاظ والاستفادة من التكنولوجيا، وما تمليه ثوابتها والتفاف شعبها ومصلحتها العليا، لكن لابد للجميع من التقارب والتفاهم، وزرع الثقة، ومناقشة الخلافات بروح العلاقة التاريخية المتينة، لأن الجميع سيبقى، ولا يستطيع أحد إلغاء جاره، فالجغرافيا ثابتة، لذلك لا مفر من التقارب والتعاون، واستقرار إيران من استقرار دول المنطقة والعكس الصحيح، فليس هناك مصلحة، لكل المنطقة في إثارة التوترات والأزمات وتعكير الأجواء.. نعم إن إيران المستقرة غير المضطربة، خير لجيرانها، من إيران غير المستقرة.
ولا شك أن تغيير الولايات المتحدة الأمريكية سياستها، تجاه طريقة الحل بالتفاوض في مسقط، بحسب ما نشر، يعتبر خطوة مهمة بلا شك لتقريب وجهات النظر، وهذا يعني أن هناك انفراجًا في التعاطي مع أزمة المفاعل النووي الإيراني، بدلًا من التهديد بالقوة أو استخدامها، إلى حوار من خلال التفاوض، قد يسهم في الحل الذي تأخر كثيرًا، وهو الجلوس بين الطرفين لإيجاد مخرج بينهما، ويثمر حلولًا إيجابية بينهما، وربما يساهم في اتفاق كما كان الاتفاق في مسقط قبل عدة سنوات، يبعد التوترات والأزمات في المنطقة، وهو بلا شك مطلب الجميع، إن حسنُت النيات بين أطرافه.
عبدالله العليان كاتب وباحث فـي القضايا السياسية والفكرية ومؤلف كتاب «حوار الحضارات فـي القرن الحادي والعشرين»