أبدى الفنان محمد هنيدي رأيه في الاختلاف بين المناطق الشعبية والكمبوندات، وذلك خلال ظهوره في برنامج "بيت السعد" المذاع على قناة MBC مصر والذي يقدمه كلًا من عمرو سعد وأحمد سعد. 

 

أكد هنيدي أن الجميع بشر، وجميعنا يعيش في هذه البلاد، لكنه شدد على الترابط الاجتماعي القائم في المناطق الشعبية، حيث يعتمد الجيران على بعضهم في الحياة اليومية بشكل أكبر مقارنة بالكمبوندات.

في سياق آخر، قال عمرو سعد عن بدايات محمد هنيدي: "الفنانون يعبرون عن معاناتهم وظروفهم الصعبة قبل أن يحققوا الشهرة، لكن محمد هنيدي كان استثناءً على الرغم من كونه شخصًا مشاغبًا في طفولته ورفضه للعديد من الأعمال، إلا أن طيبته وإنسانيته برزت دائمًا."

 محمد هنيدي 

وفيما يتعلق بعلاقته مع شقيقه أحمد سعد في الطفولة، أفاد عمرو سعد قائلاً: "كنت دائمًا أضرب أحمد، كان يجب عليه أن يتعلم الانضباط، وهو ما يعكس الفارق الذي يجب أن يكون بين الأكبر والأصغر في الأسرة."

 

فيلم الإسترليني لمحمد هنيدي 

من ناحية أخرى، ينتظر محمد هنيدي عرض فيلمه الجديد "الإسترليني"، من تأليف إيهاب بليبل وإخراج حسين المنباوي، على الرغم من أن العمل يواجه تحديات مالية بسبب الميزانية الضخمة المطلوبة لإتمامه، وكان من المقرر أن يتم تصويره في مصر والسعودية.

 

أخيرًا، فيلم "مرعي البريمو" يعد آخر أعمال محمد هنيدي، حيث شارك فيه مع عدد من النجوم الآخرين مثل غادة عادل، نانسي صلاح، وغيرهم، مما يعكس مجموعة متنوعة من المواهب في السينما المصرية.

 

يستعد الفنان محمدهنيدي لطرح أحدث أعماله الفنية مسرحية "ميوزيكال سكول" في المملكة العربية السعودية ضمن فعاليات موسم الرياض.

مسرحية ميوزيكال سكول 

ونشر تركي آل شيخ البوستر الدعائي للمسرحية عبر حسابه الرسمي على موقع تبادل الصور والفيديوهات "إنستجرام"، معلقًا: "المسرحية الكوميدية ميوزيكال سكول من بطولة الفنان محمد هنيدي على مسرح بكر الشدي ضمن مسرحيات جولة المملكة والفعاليات المصاحبة لكأس العالم للرياضات الإلكترونية في الرياض .. من 20 يوليو إلى 24 يوليو".

 

ومن المقرر عرض مسرحية ميوزيكال سكول للفنان محمد هنيدي علي مسرح أبو بكر الشدي في الفترة من 20 إلي 24 يوليو، ويقدم خلال المسرحية شخصية رمضان مبروك أبو العلمين الشهيرة التي قدمها في فيلم يحمل نفس الاسم عام 2008.

مسرحية ميوزيكال سكول قصة مسرحية ميوزيكال سكول 

تدور قصة المسرحية حول رمضان مبروك أبو العلمين الذي يقوم بإدارة مدرسة بعدما طلب مالكها منه مساعدته في إداراتها، ولكنه يواجه مجموعة من المواقف التي تعيقه عن إحلال النظام في المدرسة فيحاول التغلب عليها في إطار كوميدي ساخر.

 

أبطال مسرحية ميوزيكال سكول

ويشارك مع محمد هنيدي في بطولة المسرحية عدد الفنانين، حيث تلعب دور البطولة النسائية أمامه الفنانة نيرمين الفقي، بالإضافة إلى نجوم الكوميديا محمود حافظ، محمد ثروت، نانسي صلاح، وأحمد سلطان.

المصدر: بوابة الوفد

كلمات دلالية: محمد هنيدي برنامج بيت السعد عمرو سعد أبرز تصريحات أحمد سعد أحمد سعد مسرحیة میوزیکال سکول محمد هنیدی

إقرأ أيضاً:

تاريخ العلاقات العُمانية - الهندية وأثر التعددية وثقافة الاختلاف في التفاهم الحضاري

تحاول هذه الورقة الاقتراب من العلاقات التاريخية بين عُمان والهند عبر ثلاثة مكونات: أولها الطبيعة الجغرافية وطبيعة المياه المشتركة التي تؤهل لتلك العلاقات؛ بينما يتمثل المكون الثاني في التباين الإنساني والإقليمي الذي كان علة تحريك الاقتصادات القديمة والحديثة؛ وأخيرا طبيعة الثقافة والعقيدة السياسية لسلطة الدولة وسمات المجتمع العماني؛ مما أتاح المزيد من الانفتاح على الآخر والبحث عن فرض التبادل للفائض من الإنتاج. تقترن السياسة أبدا بالمصلحة؛ وإدارة المصلحة تتكئ على التباين بين المكونات الإنسانية وتشتغل اشتغال «العقيدة السياسية» في المجتمعات المدنية؛ وبحسب ما يرى عبدالإله بلقزيز لا شيء في السياسة غير تحقيق مصلحة أو الدفاع عن مصلحة متحققة؛ كالمحافظة على الإنجازات أو الرغبة في الحصول على منافع مختلفة خلقتها التباينات في الكيانات السياسية المختلفة وفق التنوع الثقافي والجغرافي على مساحة الكرة الأرضية؛ ويشير القرآن إلى مسألة الاختلاف في الثقافات ومن بينها اللغات، والقدرات والمهارات؛ وما يرتبط بها من إنتاج زراعي أو صناعي يبحث عن أسواق التبادل؛ إذ يقول الله تعالى: ﴿أَهُم یَقسِمُونَ رَحمَتَ رَبِّكَ نَحنُ قَسَمنَا بَینَهُم مَّعِیشَتَهُم فِی ٱلحَیَوٰةِ ٱلدُّنیَا وَرَفَعنَا بَعضَهُم فَوقَ بَعض دَرَجَـٰت لِّیَتَّخِذَ بَعضُهُم بَعضا سُخرِیّا وَرَحمَتُ رَبِّكَ خَیر مِّمَّا یَجمَعُونَ﴾؛ فهذا التباين علة التبادل والعلاقات بين المجتمعات الإنسانية - كما يراه المفسرون - هي قِسْمَة تَقْتَضِيها مَشِيئة الله المَبْنِيَّةُ عَلى اَلْحِكَمِ والمَصالِحِ ولَمْ يفَوِّض الله أمْرَها إلى البشر عِلْمًا بِعَجْزِهِمْ عَنْ تَدْبِيرِها بِالكُلِّيَّةِ.

ويرتبط هذا الاختلاف الطبيعي في الأرض بالاختلاف الأيديولوجي أو الثقافي؛ إذ الاقتصاد وحركته علة التباين والمصالح وهما محركا العلاقات الإنسانية بين الحضارات على مر التاريخ؛ كما أنها تفسح المجال إلى فهم الهُويات لتتحول من انغلاقها إلى ديناميتها عبر حالة التثاقف والتبادل؛ إذ يقول الله تعالى: ﴿وَمِن ءَایَـٰتِهِ خَلقُ ٱلسَّمَـٰوَ ٰتِ وَٱلأَرضِ وَٱختِلَـٰفُ أَلسِنَتِكُم وَأَلوَ ٰنِكُم إِنَّ فِی ذَ ٰلِكَ لَـَٔایَـٰت لِّلعَـٰلِمِینَ﴾، وما تزال الثقافة هي المحرك نحو النمو والرغبة بين المجتمعات وهي سبيل التباين والاختلاف ليكون المدخل الإنساني نحو بناء علاقات تجارية وثقافية مدخلا للاكتشاف والفهم أو التعارف بعيدا عن الانغلاق والتشنج. ولا يمكن للثقافة أن تتحرك أو تنفتح في عزلتها فهي بنية فوقية وفق نظرية كارل ماركس تتأثر بالبنى المادية (= حركة الاقتصاد)؛ وهذا ما جعل القارة الهندية في مجملها تمثل الظهير الاقتصادي والتنموي والحضاري لمنطقة الخليج والجزيرة العربية.

إن هذا الفهم للطبيعة الإنسانية والأقاليم، والاختلاف الثقافي وما بينهما وبين التواصل الحضاري من وشائج ومحفّزات جعلت من الدولة البوسعيدية تدرك أهمية الآخر في بناء الاقتصاد ومتانة الهوية ومرونتها؛ لا سيما في مجال التعددية الدينية؛ واستوعب السلطان قابوس - رحمه الله تعالى وطيب ثراه - هذا البعد الحضاري في بناء عُمان الحديثة باعتبارها دولة المواطنة والمؤسسات، ونجده يشير في مناسبات شتى إلى أهمية اكتشاف الآخر وصداقته، وإلى خطورة الانغلاق والتطرف الفكري أو الديني؛ فقد جعل ذلك من الثوابت السياسية تعزيزا لقيم الحق والعدل ووشائج الأخوة، والصداقة وتوطيد الأمن والسلام لخير الإنسانية. وقد ترجمت هذه العقيدة السياسية في الدستور العماني (= النظام الأساسي للدولة) وهو حالة تعبيرية عن نظام الدولة للحفاظ على الاستقرار السياسي والاجتماعي؛ ويعبر عن ثقافة النظام نفسه بكل مؤسساته، ويستدعي هويته الوطنية والثقافية؛ كما يعبر الدستور عن تلكم العلاقات بين الناس أنفسهم في المجتمعات الدستورية أو المدنية؛ فهو يختزل مبادئ الثقافة السياسية التي تشتغل عليها كل المؤسسات والمنظومات في المجتمع لتطوير نظام قائم على الوعي السياسي، وسلطة القانون، والحريات؛ لذا يوفر النظام الأساسي موانع للمجتمع من أي انزلاق طائفي أو عصبوي عاطب للمنظومة السياسية. إن النهج القائم على حقوق الإنسان نهجٌ يعبر عن الحالة الدستورية والعقد الاجتماعي في دولة ما؛ فالاستدخالات الدستورية النابعة من شرعة الحقوق تتضمن الاعتراف المبدئي بالانتماء إلى الإنسانية باعتبارها هوية كونية وثقافة أساسية لبناء كل اجتماع سياسي، وتبدأ هذه الثقافة الحقوقية في النظام الأساسي من الديباجة التي تمثل أهم الدعائم الحقوقية: العدالة؛ دعائم الحق والأمن؛ مشاركة أبناء الوطن، وتمكينهم من صنع مستقبلهم (= المشاركة السياسية)؛ والحقوق الواجبات، والحريات العامة.

نلاحظ أن العقيدة السياسية العُمانية تقتضي أن تكون الدولة مبنية على منطق المشتركات المدنية أو السياسية؛ فالدولة تجعل العلاقة السياسية مبنية في طرفيها (= السلطة والمواطن) على الحقوق والواجبات، بغض النظر عن الانتماءات الإثنية أو الثقافية أو الدينية؛ بحيث تكون الدولة صاحب السيادة في توفير الأجواء التي تحمي الاختلاف الديني وحق الاعتقاد؛ الأمر الذي دفع السلطان قابوس -طيب الله ثراه- إلى إنشاء وزارة الأوقاف والشؤون الدينية عوض «الشؤون الإسلامية»؛ ليكون من حق الإنسان المواطن والمقيم أن يُحترَمَ في معتقداته ودينه، ومن واجبات الدولة حماية دور العبادة والاختلاف، وهو ما نلاحظه في المرسوم السلطاني رقم (84/ 1997م) بإجراء تعديل في مسميات بعض الوزارات.

إن أجواء التعددية الدينية في تاريخ عمان الحديث سمة للدولة الوطنية الحديثة التي بدأت تباشيرها مع نشأة الدولة البوسعيدية، على الرغم من وجودها في تاريخ عمان الطويل؛ سواء أكانت في سياق الدين الإسلامي من حيث تعددُ مذاهبه؛ أم كانت بين الانتماءات الدينية المختلفة؛ إذ تلفت فاليري هوفمان إلى السمة الحضارية الفارقة وهي العيش المشترك والسلم الاجتماعي، وتشير إلى هذه الظاهرة الحضارية في زنجبار إبان حكم السلطان ماجد بن سعيد بن سلطان (1856- 1870م) الذي كان يشجع الأجواء النقدية بين النزعات الدينية بطرق علمية دون وجود نزعات طائفية حتى لو تعلق النقد بمذهبه، والأمر نفسه حدث بشأن رعايا الدولة من التجار الهنود في ولاية المصنعة الذين تأثروا بالحروب الداخلية أو حركات التمرد على الدولة إذ أشار صاحب الجلالة السلطان تيمور بن فيصل (1886- 1965م) إلى واجبه في حفظ مصالح التجار وأمنهم لتحقيق المصالح المشتركة.

(2)

إن الارتباط الحضاري بين المكونات الإنسانية لا يخضع لمجرد التبادل التجاري ولغة المصالح وإن كان ذلك من أسبابه الطبيعية؛ لعلل التباين في الإنتاج والعرض والطلب والتباينات الجغرافية؛ وإنما تخضع العلاقات لمنطق الثقافة؛ لذلك نشأت الدراسات الهندية في التراث الإسلامي على يد أبي الريحان البيروني في «تحقيق ما للهند من مقولة مقبولة في العقل أو مرذولة»؛ إذ رأى أن التباين الحضاري بين التراث الإسلامي والهندي لا بد أن يتكئ على منطق الموضوعية والوصف دونما ميل أو انحياز، وقد تتحول منتجات طبيعية تأتي من خارج الحدود الجغرافية إلى جزء من ثقافة المنطقة العربية كالقهوة والأرز ناهيك عن الأزياء وقطع النسيج والأخشاب؛ مما يزيد من حجم التواصل والارتباط بين المنطقة العربية والقارة الهندية، وهذا ما يفسّر العلاقة بين البنى الفوقية والتحتية في الحركة الاجتماعية والحضارية.

يصف ابن بطوطة مدينة قلهات العمانية التي زارها في فترة سابقة بأنها على الساحل، وهي حسنة الأسواق ولها مسجد من أحسن المساجد حيطانه بالقاشاني. وأنه أكل بهذه المدينة سمكا لم يأكل مثله في إقليم من الأقاليم، وهم «يشوونه على ورق الشجر ويجعلونه على الأرز ويأكلونه، والأرز يجلب إليهم من أرض الهند وهم أهل تجارة ومعيشتهم مما يأتي إليهم في البحر الهندي»؛ مما يجعلنا نضع هذه العادات الثقافية المرتبطة بالتجارة والمصالح وفنون الطعام مدخلا لفهم الهُوية من حيث هي خصوصية شعب من الشعوب؛ لفهم وحدة الإقليم وفق تعبير ولكنسون عبر سمتين هما التناسق، والتكامل؛ إذ يساعد التشابه الثقافي والاجتماعي المرتبط بالخصوصية الطبيعية والتجانس الاقتصادي على تفسير منطقة ما بصفات تختلف عن الأخرى، ويأتي جزء من هذه الوحدة نتيجة التنوع في القاعدة العريضة للمصدر؛ بحيث تعتمد بعض المدن على بعض بسبب دورة المنتجات الزراعية؛ مما يساعد على صياغة الهوية السياسية. ويضيف ولكنسون أنه لا يمكن لأي إقليم أن يبقى منعزلا تماما؛ مما يفتح المجال للمقايضات مع العالم الخارجي؛ بما أن المنطقة (= عُمان) على درجة عالية من الإنتاج الزراعي؛ ليأتي دور الوسطاء (= التجار الهنود) في عمان لممارسة دورين في تبادل السلع والمنتجات؛ كان الدور الأول يتمثل في استلام المنتجات الزراعية وإعادة تصديرها؛ وتمثل الثاني في استجلاب منتجات أصبحت جزءا من الثقافة العربية وإعادة توزيعها؛ وهو ما جعل هذا الدور جزءا أصيلا من سمات الإقليم ووحدته؛ وهذا ما يجعل الباحثين يعتقدون بعراقة الصلات الحضارية بين الهند والمنطقة العربية عموما وبينها وبين عمان على وجه خاص؛ إذ يصفها رضوان الرحمن بأنها صلات استمرت منذ قرون، ولم تكن مبنية على الاقتصاد فحسب؛ بل كانت مبنية على ارتباطات حضارية بسبب سيادة الأمن والاستقرار في المنطقتين؛ مما أسهم في بناء ما يسمّيه بـ«الثقافة الساحلية»؛ إذ كان العمانيون يمثلون دور «الوسيط التجاري بين موانئ الخليج والجزيرة العربية، وموانئ المحيط الهندي، وموانئ البحر الأحمر»، وهي علاقات امتدت زمنا ووردت في مصادر كلاسيكية قديمة كالنصوص السومرية. ويضيف أن الهند من أكثر المناطق التي ارتادها العمانيون بسبب الرياح الموسمية في تسيير الرحلات الحرية؛ فالهند بالنسبة إلى العمانيين هي «السوق المفتوحة» يصدرون إليها «اللؤلؤ، والخيول العربية، واللبان، والتمور، والليمون» ويستوردون «الأخشاب، والصندل، والعود، والمسك، والعنبر، والعاج، والتوابل، والأحجار الكريمة»، وتحولت هذه السلع التي قد لا تنتجها المناطق العربية إلى جزء من ثقافة المنطقة وهويتها بفعل هؤلاء التجار البحارة العمانيين الذين فهموا طبيعة البحر والمناخ وأحوال الطقس، ولم يقتصر دورهم على التبادل التجاري وإنما تجاوز إلى الأدوار الثقافية والحضارية بسبب الاستيطان والهجرات القديمة إلى الهند؛ مما يجعل التواصل الحضاري بين عمان وجهورية الهند تواصلا حضاريا عريقا يضرب بجذوره في عمق التاريخ الإنساني. ويؤكد ولكنسون نظام التبادل الاقتصادي الحضاري في عمان الذي نشأ من الألفية الخامسة إلى الرابعة قبل الميلاد بفضل نظام التقايض الذي ربط بين الشعوب؛ لا سيما ما يسميه الإغريق بحضارة «آكلي الأسماك» التي سبقت حضارة الهند، وهو مجتمع تنوعَ ليصبح مجتمعا زراعيا يسجل حضوره القوي في التجارة البحرية.

(3)

يشير مقدام الفياض إلى التداخل بين المياه العربية والمحيط الهندي الذي مكَّن الانفتاح مندفعا بحركة المصالح التجارية؛ لا سيما وأن الهند تتسم بموارد طبيعية وفيرة، ومصادر غنية، وإمكانات عالية قادرة على تصدير الفائض من منتجاتها ورؤوس أموالها، ونقل خبرة أبنائها ومهرتها من العمال إلى مختلف الأقطار، وكانت عُمان من أبرز هذه المحطات لأسباب إقليمية وسياسية أو ثقافية جاذبة؛ حتى أطلقت بعض المصادر اللاتينية على هذه المناطق «تخوم الهند» بسبب الامتزاج البشري والثقافي، وهذا ما يجعلنا نحاول الاقتراب من ظاهرة هجرة الشعوب الهندية إلى هذه التخوم. على أننا سنشتبك مع دراسة عُمانية أخرى كانت أطروحة دكتوراه مهمة في جامعة السلطان قابوس للباحث إسماعيل بن أحمد وإذا كان الفياض يجد صعوبة بالغة في تحديد أول تاجر هندي قرر الاستقرار في عمان؛ ليكون نواة في تشكيل الجاليات الهندية التجارية على السواحل العمانية؛ فإن الزدجالي حاول تقديم قوائم تتسم بالدقة إلى درجة كبيرة لحصر الأسر الهندية التي امتهنت التجارة في المنطقة في فترة الدراسة؛ بيد أن العودة إلى ابن بطوطة تجعلنا نعتقد بوجاهة إشارة الفياض بوجود مستوطنة هندية في قلهات تشير إليها بعض اللقى الأثرية كوجود بقايا معبد هندوسي في قلهات يجعل التعددية الدينية في عمان حالة ثقافية تتسم بالثبات في تاريخها، وكانت قلهات هي الميناء العماني الرئيس في حقبة الاحتلال البرتغالي (1507م- 1650م). وتعزو بعض الدراسات استقرار التجار الهنود في عمان إلى ميزة التسامح التي عرف بها سلاطين الدولة البوسعيدية، ومعاملاتهم الحسنة لهم؛ مما شكل حافزا قويا للهجرة إليها منذ نهاية القرن الثامن عشر؛ ليكونوا الفئة التجارية الأولى، ووصلت سلطتهم إلى زنجبار وجوادر، وعاش هؤلاء التجار وبجميع أعراقهم وانتماءاتهم الدينية حياة مستقرة في ظل حكم غير متعصب دينيا أو عرقيا، يعاملهم باحترام، ويمنحهم حرية ممارسة شعائرهم الدينية والمكانة الاجتماعية اللائقة، ويوفر المناخ الاجتماعي المشجع على التعايش بين شتى المذاهب والأعراق؛ مما أدى إلى حالة اقتصادية مستقرة ما تزال تتسم بالاستمرار.

على أن الهجرات من القارة الهندية لم تقتصر على مجرد ممارسة التجارة وامتهانها، وإنما للبحث عن حيوات هادئة لممارسة التدين، والحفاظ على الهويات الدينية التي سرعان ما وجدت طريقها إلى هوية دينامية تأخذ من ثقافة المنطقة والاندماج في معطياتها التاريخية الخاصة؛ فكانت الهجرات الهندية من المسلمين ومن غيرهم قرارا نابعا من إرادة هذه الجاليات ورغبتها في البحث عن ملاذات آمنة؛ «واشتهر عن البانيان أنهم كانوا يحيون حياة الثراء والبحبوحة، وامتلاكهم قاعدة اقتصادية متينة في وطنهم الأم (= الهند) بسبب نجاحهم في مجال التجارة، وما لاقوه من روح التسامح والمعاملة الإنسانية العربية المعهودة مع الجاليات الأجنبية (= المسلمة وغيرها)، بما في ذلك السماح لهم بإنشاء دور عبادتهم وإيداع الأبقار فيها، وحرق موتاهم، وإقامة المدارس الخاصة بهم، وحرية عملهم في مختلف المجالات، والتصرف بالفائض المالي بإرساله كله أو بعضه إلى مواطنيهم، وظلوا محتفظين بلغتهم الأم، وعاداتهم ولباسهم، ولم يشهدوا في تاريخهم أية محاولة لإجبارهم على الاندماج مع غيرهم».

يؤصّل الباحث العماني الحصيف بدر العبري مسألة التسامح أو التعددية الدينية في عمان الماضي والحاضر؛ لتكون جزءا من الثقافة الدينية في مدونات الفقهاء العمانيين من الإباضية وغيرهم، ويرى بأنها حالة اجتماعية راسخة في نصوص الفقه والممارسات اليومية سواء أكانت بين المذاهب الإسلامية وأتباعها أم كانت بين المسلمين وبقية الناس من أتباع الديانات الأخرى، ولا يعني ذلك خلو الأوضاع الاجتماعية أحيانا من بعض الممارسات التي لا تنتمي إلى الثقافة الدينية الأصيلة، ولكنها تخالف القاعدة التي أصبحت جزءا من ثقافة المجتمع وممارساته؛ فـ«التسامح الفقهي مع اليهود والنصارى والمجوس والبانيان، والذين شاركوا العمانيين ردحا من الزمن في وطنهم، وشاركوهم في معاملاتهم» هو السمة البارزة لهذا المجتمع وسلطاته المتعاقبة، والشأن نفسه في الفقه السني، والشيعي.

(4)

تقتضي إدارة التبادل التجاري النابع من التباين الإنساني والطبيعي بين الأقاليم وجود ثقافة قادرة على توفير الأجواء الكفيلة بتوفير مناخات لهذه الجاليات الراغبة في استيطان المنطقة وإدارة تجارتها؛ وهذا ما يبرز أهمية «العقيدة السياسية» بوصفها أيديولوجيا الدولة البوسعيدية المؤمنة بالبعد الإنساني وأهميته في إدارة الحضارة والتنمية؛ مما شجع هجرة التجار الهنود إلى عمان في فترات تاريخية طويلة ولكننا نلاحظ وجود قوائم لأسر هندية في الفترة (1744- 1970م) استقرت في سلطنة عمان بسبب البعد الإنساني وإيمان السلطة به؛ إذ يقدم إسماعيل الزدجالي أسماء هذه الأسرة ويمهد نظريا للعوامل والدوافع الداخلية والخارجية التي جعلت من التجار الهنود يرون عُمان الإقليم المناسب لاستيعاب الحركة التجارية ودور الوساطة فيها. وعندما نعود إلى ظروف الاستقرار في المنطقة؛ فإننا نلاحظ أنها عوامل مبنية وفق الرؤية السياسية التي أصبحت عقيدة الدولة، وثقافة بنيوية للسلاطين منذ المؤسس الإمام أحمد بن سعيد (1744- 1783م) فقد أعطى للتجار البانيان تصريحا لإقامة ثلاثة معابد في مسقط؛ فالاهتمام بالبنى الاقتصادية أهم السمات البنيوية التي ميزت الدولة البوسعيدية، وهو أمر لا يعود إلى إدارة المصلحة الاقتصادية والسياسية فحسب، وإنما يرجع إلى طبيعة السمة الثقافية لسلاطين الدولة، كما يحدد العبري العامل الاجتماعي الدافع إلى توفير الظروف الحماية للتجارة؛ ومردُّ هذا العامل إلى طبيعة الثقافة السائدة في الأوساط الاجتماعية؛ مما دفع الهندوس (= البانيان) عدم الاكتفاء بالاستقرار وإنما الاندفاع إلى التعايش والاندماج الثقافي أحيانا مع المحيط. وسجّل الإنجليز في يومياتهم هذه السمات في عمان، ومن بين هؤلاء المبشّر المسيحي الإنجليزي وليام بالجريف بأنهم يتسمون بالتسامح مع كل الأجناس والديانات والعادات بغض النظر عن الانتماء الديني، وهذا قلّما يوجد في بقاع الأرض؛ مما جعل التجار الهنود يجدون أنفسهم يعيشون بحرية في عمان بوصفها «الموطن الثاني» لهم؛ ليمارسوا عباداتهم، ويقيموا شعائرهم الجنائزية، وهي سماتٌ تجعل من عمان منطقة إنسانية واسعة الإطار والبعد الحضاري، وتجعل من الهوية الوطنية حالة دينامية على درجة عالية من المتانة.

لم يكن التاجر الهندي مجرد «بائع» في البيئة العمانية أو وسيط تجاري كما يشير الزدجالي وإنما ولد فيه انتماء عميق لعمان نلاحظه في شخصية رام شاندرا رادجي R. C. Raadji فقد اقترح على الإمام سعيد بن أحمد الانتقال إلى مسقط؛ ولعل ذلك كان وراء انتقال ابنه حمد بن سعيد عام (1789م) وكان ذلك سببا لازدهار النشاط التجاري البحري وحقق الأرباح إلى خزينة الدولة؛ ولم يكتف التجار الهنود على تشجيع الحكام على إدارة التجارة؛ وإنما يسهم التاجر الهندي في إدارة الموارد المالية فقد استحدث موجي بهيماني M. Bahimani وابنه غوبالجي Gjobalgi نظام الجمارك في عهد السيد سلطان بن أحمد (1792- 1804م). وتكشف عراقة الأسر الهندية في سلطنة عمان عن طبيعة الثقافة السياسية والاجتماعية، وإيمان «السلطان العماني» دائما بعمق الإنسانية والتعددية، وحضور الاقتصاد بوصفه محركا للعلاقات بين الشعوب بكل أطيافها؛ إذ نلاحظ تأسيس شركات تجارية عائلية مطلع القرن السابع الميلادي واستمرارها في عهد الدولة البوسعيدية وبقائها إلى هذا التاريخ مثل شركة أسرة دانجي موراجي شبيكة D. M. Shabika في (1600م) وشركة نارينداس براجي فلابداس N. P. Vallaphdas في (1650م)؛ مما شجع المزيد من العلاقات الهندية العمانية التجارية بموجب الاتفاقيات وأسلوب إدارة الدولة لها. وحصر الزدجالي مجموعة من الأسر الهندية التي استقرت في عمان خلال الفترة التي حددها في دراسته (1744- 1970م) وإن كانت بعض هذه الأسر وصلت عمان قبل هذا التاريخ المحدد مثل أسرة شبيكة، والتي بلغت (12) أسرة كان لها الدور الكبير في تأسيس مؤسسات تجارية ودفع الحركة التنموية في البلاد وتشجيع الهجرات التجارية، كما كان لها الدور الكبير تصدير السلع العمانية مثل التمور والليمون الجاف إلى الهند؛ لتعود السفن إلى عمان بالمواد الغذائية والبهارات والحبوب والأخشاب والأقمشة.

سعود بن عبدالله الزدجالي كاتب وباحث عماني

ألقيت هذه الورقة في العاصمة الهندية نيودلهي في ذكرى الـ(70) عاما على العلاقات التاريخية بين سلطنة عمان.

مقالات مشابهة

  • تاريخ العلاقات العُمانية - الهندية وأثر التعددية وثقافة الاختلاف في التفاهم الحضاري
  • مسلسل شهادة معاملة أطفال الحلقة 26.. محمد هنيدي يعيش قصة حب مع المساعدة الإلكترونية siri
  • تفاصيل الدورة الأولى لمهرجان الفضاءات المسرحية المتعددة
  • شهادة معاملة أطفال الحلقة 25.. هنيدي يطلب من والدته السماح
  • «فرح داخل فيلا».. محمد هنيدي ينتهي من تصوير «شهادة معاملة أطفال»
  • حين يتحدث الضمير: تضامن ثابت مع الدكتور محمد تركي بني سلامة
  • تعرف على فعاليات البيت الفني للفنون الشعبية في عيد الفطر المبارك
  • السيناريست محمد سليمان عبد المالك في حوار خاص لـ"البوابة": "شهادة معاملة أطفال" تجربة جديدة بالنسبة لي ولمحمد هنيدي.. استعنت بورش كتابة في "شباب امرأة" للخروج بأفضل ما يمكن
  • محمد سليمان عبد المالك: "شهادة معاملة أطفال" تجربة جديدة بالنسبة لي ولمحمد هنيدي
  • محمد رمضان يتحدث عن سر نجاحه ويوجه رسالة للشباب