يجلس متكئا على كنبته كعادته اليومية، لا يتحرك يمينًا ولا يسارًا، بينما ظلت عيناه مثبتتين على أسرته، وكأنه يلقي عليهم نظرة الوداع، لتكن تلك اللحظات الأخيرة في حياة الشهيد الفلسطيني محمد البهار، من ذوي الهمم، والذي راح ضحية هجوم كلاب جيش الاحتلال الإسرائيلي، بعدما نهشت جسده، كما ينهش الاحتلال في جسد فلسطين، ليكن ذلك المشهد أمام نصب عين شقيقه الأكبر جبريل بهار، الذي يروي لـ«الوطن» لحظات هجوم جيش الاحتلال على أسرته ومحاصرتهم 7 أيام كاملة.

الحصار لمدة 7 أيام متواصلة

«نفد الأكل والمياه وظللنا محاصرين 7 أيام».. بهذه الكلمات بدأ الشقيق الأكبر جبريل، الذي ظل متذكرًا معاناة أسرته لحظة محاصرة جيش الاحتلال لمنزله: «يوم 27/ 6 كانوا أهلي متحاصرين في الشجاعية، حاصرونا وما كنا نقدر نطلع من البيت، كان فيه ناس بتستشهد في الشارع، والقذائف كانت في كل مكان، والدتي كبيرة في السن ومحمد حركته ثقيلة، ما كان ينفع يخرجوا بره الدار، ظلوا في البيت لا يستطيعوا الخروج لمدة 7 أيام متواصلة».

تابع «جبريل» أن الوضع كان صعبا جدًا، خاصة أن منزلهم كان مطلًا على الشارع، فما كان منهم سوى الاحتماء في الغرف الداخلية، خوفًا من أن تصيبهم الصواريخ والقذائف التي تملأ الأرجاء بالخارج: «لجأت الأسرة إلى الاختباء في الحمام والمطبخ والممر، وعايشين على المعلبات، كانت آخر كرتونة معهم، والمياه خلصت وما ضل منها شيء، وكانوا ما بيتكلموا أبدا، خوفًا من أن يعرف جيش الاحتلال بوجودهم ويقتلهم».

يوم الهجوم على المنزل

في يوم 3 من شهر يوليو الجاري، كانت الدبابات موجودة خارج المنزل، وعلى الرغم من احتياطات الأسرة وحذرها، إلا أن بكاء الصغار ونحيبهم كان القشة التي قصمت ظهر البعيرة، فلم تعد أجسادهم تتحمل المزيد، ليطلقوا صراخًا مدويًا سمع صداه جيش الاحتلال، لتلتهب نيرانه وتثور هوجته ويقتحم المنزل في لمح البصر على حين غفلة: «الجيش دخلوا من الشبابيك اللي فوق باب الدار، صعدوا الدرج الأول وظلوا يضربوا بالنار ويطلقوا الرصاصات، ودخلوا بالكلاب اللي كان مثبت عليها كاميرات، أهلي ظلوا يشردوا على أماكن مختلفة في الدار، ومحمد كان قاعد على الكنبة وما كانش بيتحرك كتير، وعقله الإدراكي وكأنه ابن عامين، والكلب ظل ينهشه، عضه من صدره وبعدين إيده.. الكلب ما رحمه».

وتابع شقيق الشهيد محمد البهار: «أمي فضلت تصرخ عليهم، ليخرج الجيش على صوتها وهجم عليها وعلى الأطفال الصغار، وفيه مجموعة من رجال الجيش هاجمت على محمد وصوبوا الليزر على جسده والجيش ظل ينتشر في الدار، وجمعوا الكنبات اللي في الدار وظلوا جالسين عليها، ودخلوا القناصة للدار وبقينا محاصرين في ذلك اليوم لمدة 6 ساعات متواصلة، وبعدها نزلوا أمي في البدروم ومعها الأسرة، وبعدها قالوا يلا اخرجوا برا الدار، ولحظة خروجهم كانت الدبابات في الشارع تضرب نحوهم، حتى انحموا في أحد المنازل المهجورة، وظلوا على هاد الوضع لحد ما سمعوا صوت أناس في الشارع ظلوا يسيروا معهم وكانوا هيموتوا لولا الله».

محمد اتدفن جنب الدار

«وبعدها يوم 10/7 رحت الدار بتاعنا، ولقيت محمد مستشهد في الغرفة وجسده منتفخ والدم في كل مكان حوله، وده كان آخر مرة أشوفه فيه، ومعرفتش أدفنه فين ودفنته خلف الدار بتاعنا»، بهذه الكلمات ختم شقيق الشهيد، تفاصيل القصة المأساوية.

المصدر: الوطن

كلمات دلالية: جيش الاحتلال جیش الاحتلال

إقرأ أيضاً:

صوت الشارع العالمي.. حين تتحول المظاهرات إلى مقاومة دبلوماسية

 

 

 

سالم بن حمد الحجري

في مشهد يتكرر في شوارع العواصم الكبرى، من نيويورك إلى لندن، ومن كيب تاون إلى كوالالمبور، يخرج الناس إلى الساحات حاملين صور غزة تحت الركام، وأصواتهم تهتف للعدالة وتدين الاحتلال، هذه المظاهرات التي اندلعت ردًا على الجرائم المتواصلة التي يرتكبها الاحتلال الصهيوني في قطاع غزة، ليست مجرد موجة عاطفية عابرة؛ بل هي تعبير سياسي وإنساني بالغ الدلالة.

المتظاهرون، من خلفيات وأديان وثقافات متعددة، يوحّدهم موقف أخلاقي ضد الإبادة، وضد صمت العالم وتخاذله. لقد بات واضحًا أنَّ هذه الاحتجاجات لم تعد فقط وسيلة لإفراغ الغضب، بل تحوّلت إلى أداة ضغط حقيقية تُحرج الحكومات، وتدفعها إلى مراجعة مواقفها وتحالفاتها، فالصور القادمة من غزة تمثل أبشع صور الإبادة الجماعية، بيوت مدمّرة وأطفال تحت الأنقاض، ومشافي تقصف وحتى مستودعات الطعام وأماكن الإيواء، وحصار ومنع لدخول مسببات الحياة من غذاء ودواء كلها مشاهد تهز الضمير العالمي، ولكن ما يُعطي هذه الصور وزنًا سياسيًا هو ذاك الصوت الجماهيري الذي يصرخ: "كفى"!

إنَّ ما نراه اليوم هو شكل من أشكال المقاومة العابرة للحدود، مقاومة لا تحمل سلاحًا، لكنها تملك سلاح الرأي العام والمقاطعة والدعوة للمحاسبة، هذه المقاومة لا تنتمي لجغرافيا محددة؛ بل إلى ضمير الإنسان، وفي زمن التواطؤ الرسمي والصمت الإعلامي الممنهج، يصبح هذا الحراك الشعبي بمثابة وثيقة حيّة تُدون الرواية الحقيقية، وتعيد تعريف مفاهيم مثل العدالة والكرامة والحرية، واصطفاف بجانب الحق الذي تمثله القضية الفلسطينية.

ورغم محاولات الاحتلال المستمرة لتشويه الصورة وخلط الأوراق، إلا أن الشارع لا يُخدع بسهولة؛ بل إنه يزداد وعيًا وتنظيمًا، ويجعل من كل مظاهرة منصة للفضح والمساءلة، ومن كل لافتة رسالة تتجاوز الحدود، ولكن، كما يعوّل الاحتلال على تفوقه العسكري، فإنه أيضًا يعوّل على تعب الناس ونسيانهم واعتيادهم على المشهد المتكرر للمجازر وآثار المجاعة والنزوح، لذا فإنَّ استمرار هذا الصوت، وتنامي زخمه، لم يعد ترفًا نضاليًا؛ بل ضرورة إنسانية عاجلة، فالصوت العالي وغضب الجماهير ليس مجرد ضجيج؛ بل هو رأي عام صادق يُمكن ترجمته إلى موقف سياسي ودبلوماسي يمكن أن تستثمره الحكومات؛ باعتباره مطلبا شعبيا وورقة ضغط دولي في المؤسسات الدولية الراعية للأمن والسلم، ويبني تحالفا دوليا يدفع إلى وقف الحرب ويُربك غرف السياسة المغلقة، ويمنح المقهورين أملًا، ويُبقي الذاكرة حيَّة، وكما يقول نيلسون مانديلا: "دائمًا ما يبدو المستحيل كذلك... حتى يُنجَز".

"لن نترك غزة وحدها" قالها الرئيس المصري الراحل محمد مرسي، وهو ما يجب أن يكون بكل وسائل المقاومة المتاحة، فلا بُد للقيد أن ينكسر.

لأجل غزة، لأجل العدالة، لأجل الإنسان... فلنُبقِ الصوت عاليًا.

مقالات مشابهة

  • كلاب مُدربة من هولندا.. وسيلة إسرائيل الجديدة لتعذيب الفلسطينيين | شهادات من الجحيم
  • تمارا حداد: الشارع الإسرائيلي في مفترق طرق والمعارضة أصبحت خطرًا على نتنياهو| فيديو
  • جالانت يكشف: صورة "النفق الضخم" في محور فيلادلفيا كانت خدعة إعلامية من الجيش الإسرائيلي
  • مشاكل في الركبة وعلاج تحفظي.. الزمالك يكشف تفاصيل إصابة عواد
  • صورة: الاحتلال يفجر منزل عائلة الشهيد محمد شهاب في الرام شمال القدس
  • الزمالك يكشف تفاصيل إصابة محمد عواد
  • صوت الشارع العالمي.. حين تتحول المظاهرات إلى مقاومة دبلوماسية
  • نجل شقيق عبدالحليم حافظ يكشف التفاصيل الكاملة لفتح مقبرة العندليب
  • بينهم شقيق الجضران.. الأحرار تكشف تفاصيل المحكومين في إغلاق النفط
  • «مكافحة الإدمان» يكشف حقيقة إجراء تحليل مخدرات عشوائي للمواطنين في الشارع والمترو