الصيف والفراغ وأهمية بناء الوعي
تاريخ النشر: 17th, July 2024 GMT
قالت العرب قديما إن الفراغ من أكثر الآفات فتكا بالمجتمعات، ورغم أن التحولات الكبيرة التي تشهدها المجتمعات الإنسانية بسبب الثورة المعلوماتية إلا أن الفراغ ما زال موجودا، بل أصبح أكثر خطورة.. فلا يعني وجود ملهيات إلكترونية سواء كانت ألعابا أم برامج هدامة زوال الفراغ، بل إن الكثير من هذه الأدوات ترسخ وجود الفراغ وما يرافقه من ضياع اجتماعي.
وتعتبر الإجازة الصيفية للطلاب مساحة زمنية طويلة يجدون أنفسهم خلالها أمام الكثير من أوقات الفراغ؛ ولسوء الحظ، فإن فترة الفراغ هذه غالبا ما تؤدي إلى قضاء ساعات أمام الألعاب الإلكترونية ووسائل التواصل الاجتماعي. ورغم أن هذه المنصات توفر الترفيه والاتصال، إلا أنه لا يمكن تجاهل جوانبها السلبية. يمكن أن يؤدي قضاء وقت طويل أمام الشاشات إلى نمط حياة خامل، ومشاكل في الصحة العقلية، وانخفاض في الوعي الثقافي والمعرفي، وتبني قيم تغريبية وسلبية في عمومها؛ ولذلك لا بد من الإشارة وبشكل واضح وجلي إلى أهمية البرامج والفعاليات الصيفية التي تنظمها المؤسسات الحكومية والأهلية عبر الأندية الرياضية والثقافية أو عبر الكثير من مؤسسات المجتمع المدني التي تملأ الفراغ بتجارب إيجابية ومثرية.
تؤدي البرامج والفعاليات الصيفية المصممة خصيصًا للطلاب دورا مهما في مكافحة الآثار الضارة لآلة الإلهاء الجديدة للثورة التكنولوجية. وتوفر البرامج المصممة بذكاء وخبرة فرصًا للنمو الشخصي وتنمية المهارات والتفاعل الاجتماعي البناء، ويتيح الدخول في برامج وفعاليات ثقافية وفنية وخدمة المجتمع والمعسكرات التعليمية للطلاب استكشاف اهتماماتهم ما يعزز أسلوب حياة متكاملا وأكثر صحة.. سواء كانت صحة بدنية أم صحة نفسية.
وتسهم الأنشطة الصيفية بشكل كبير في بناء الصحة العقلية، وتوفر الأنشطة الإبداعية مثل الفن والموسيقى والدراما مساحة للتعبير عن الذات وتعلم المعنى الحقيقي للحرية التي تلتزم بالمسؤولية في تعاطيها مع الآخر أو مع الأحداث التي تدور حولنا. وتعمل هذه الأنشطة على تعزيز القدرات المعرفية وتعزيز احترام الذات وتقليل مستويات التوتر. كما تعمل المعسكرات وورش العمل التعليمية على تحفيز الفضول الفكري، ما يساعد الطلاب على الاحتفاظ بمعارفهم وتوسيعها خلال فترة الاستراحة. إن التعرض للأفكار والتجارب الجديدة يعزز التفكير النقدي ومهارات حل المشكلات، والتي تعتبر ضرورية في عالم اليوم سريع التطور.
إن المرحلة التي نعيشها بما فيها من تحديات ومتغيرات تحتاج إلى أن تنتبه جميع مؤسسات المجتمع بما في ذلك المؤسسات الحكومية إلى أهمية البناء المعرفي والقيمي لمختلف الأجيال، وأن أي تراخ في هذا البناء من شأنه أن يترك المجال مفتوحا ليمر عبر آلاف البرامج والتطبيقات التي تستهدف الشباب والنشء ولديها من المغريات والأساليب ما يفوق التوقعات.
ومع استمرار العصر الرقمي في تشكيل حياتنا، فمن الضروري موازنة جوانبه السلبية بتجارب إيجابية وبناءة، لذلك فإن المراكز الصيفية وغيرها من البرامج تعتبر في غاية الأهمية لبناء الوعي وتوجيه الطلاب نحو حياة أكثر صحة ونشاطًا وثراءً ثقافيًا.
المصدر: لجريدة عمان
إقرأ أيضاً:
خالد عامر يكتب: قرارات إعلامية مدروسة
الإعلام أداة موضوعية تدافع عن ثوابت المجتمع ومنظومته القيمية، فالإعلام ليس ابتزازًا ولا إساءة ولا تسقيطًا، فوسائل الإعلام، كما هو معروف، لها قوة تفوق قوة السلاح العسكري، وتلعب دورًا حاسمًا في تشكيل الرأي العام وتحديد مجريات الأحداث، وضبط الإيقاع الإعلامي لضمان توصيل الرسالة الصحيحة إلى الجمهور وتحقيق الأهداف المطلوبة.
لكن مؤخرًا، تحول الإعلام إلى وسيلة لترويج الدجل والشعوذة والاستخفاف بعقول الناس، بل امتد الأمر إلى الأديان، فنشاهد شيوخ الفضائيات أكثر من يثير الفتن بين الناس من خلال فتاويهم التي هي بعيدة عن صحيح الدين، عبر الاتفاق على مداخلات تثير الجدل أو مناظرات مشبوهة لصناعة الترند، وآخر يدعي أنه عالم فلك ويتنبأ بمصير البلاد والعباد، وهم في الحقيقة أخبث خلق الله.
فكان قرار رئيس الهيئة الوطنية للإعلام، الكاتب أحمد المسلماني، لضبط الإيقاع الإعلامي وإعادة الأمور إلى نصابها الصحيح، بتوجيه جميع قنوات وإذاعات ومواقع الهيئة بحظر استضافة العرافين والمنجمين، والابتعاد عن الترويج لخرافاتهم، مهما كانت شهرتهم، هؤلاء الأشخاص يستهدفون إهانة العقل وتسفيه المعرفة، ويؤسسون شهرة كاذبة على توقعات عشوائية لا سند لها، بهدف رفع نسب المشاهدات لتحقيق الأرباح المادية.
ويسبق هذا القرار الخاص بالمشعوذين، قرار آخر متعلق بالبرامج الدينية التي تثير الفتنة وتهدم ثوابت الدين، من خلال منع الإطالة والمداخلات، لأن معظم هذه المداخلات تكون مصطنعة ومنفلتة، وتهدف إلى صناعة الترند والفتاوى الغريبة من شيوخ ليس لهم علاقة لا بالأزهر الشريف ولا بدار الإفتاء، إلا القليل منهم، فمعظم شيوخ الفضائيات لا يقدمون إلا الهراء الفارغ، أما الشيوخ الحقيقيون، فستجدهم في الأزهر الشريف ودار الإفتاء وإذاعة القرآن الكريم وبعض البرامج الدينية المتخصصة.
هذه القرارات تعيد الأمور إلى نصابها الطبيعي، فدار الإفتاء تقوم بدورها في تقديم الفتوى لمن يحتاج، والأزهر يقوم بدوره في نشر تعاليم الدين الإسلامي الوسطي الخالي من العنف والتطرف، فكل الأديان بها أشخاص متطرفون فكريًا وعقائديًا.
ولم ينس المجلس ما نشهده من انفلات أخلاقي ومهني في بعض البرامج الرياضية، وتعصب يصل في بعض الأحيان إلى الشجار الدموي وأحيانًا الكراهية بين أفراد الأسرة الواحدة، فأصدر قرارات محترمة لضبط أداء البرامج الرياضية.
هذه الضوابط والقرارات الجديدة ممتازة وتصُب في مصلحة الإعلام المصري، وتسهم في الحد من فوضى تلك البرامج لضبط الإيقاع الإعلامي، لأنه أمر ضروري لضمان توصيل الرسالة الصحيحة إلى الجمهور بشكل صحيح ودقيق لتحقيق الأهداف المرجوة وتعزيز الثقة بين الجمهور والإعلام، للحفاظ على بلدنا الغالية مصر.