يحلو لجداتنا -اللاتي يُغرقننا بالحلاوة والدلال- أن يسألننا القُبل أحيانا، «حبيني على خدي»، أو يقول لك أهلك: «قوم حب حبوتك على راسها». هذا التعبير الرقيق، الذي لا يُفرّق بين المحبة، وطريقة التعبير عنها، يبقى عالقا في بيوت جداتنا، في السواحل والسفوح والجبال، دون أن نمنحه فرصة السفر معنا. لا نذكر متى تحولت الحبّة، إلى بوسة، قبل أن تُصبح قُبلة؟ كما لا نذكر متى تحولت الزليغات والزلاغات والدلاغات إلى جوارب؟ لكننا قادرون على أن نحدس كيف حصل هذا؟ في رحلتنا التعليمية، في رحلتنا المهنية، أسفارنا.

لكن في كل شيء يحدث بطبيعية، قصد أيضا.

لنعد خطوة للوراء ونسأل: من أين يأتي الذوق؟ ينظر شهاب الخشاب في معنى الذوق ووظيفته، في المقالة التي عنونها بـ «التميُّز» في كتابه «الفَهَّامَة». ثمة أولا، تصور للجمال باعتباره وضعا عقلانيا خالصا. بمعنى أن ثمة ما يُمكن أن يُحكم عليه بذوق نزيه تماما بأنه جميل بالمطلق. يُقابله التصور بأن تذوق الجمال هو شيء مكتسب، متأثر بالمكان الذي تنشأ وتنشط فيه، والناس الذين تُخالطهم، بل وأن له وظيفة أساسية، وهي المُمايزة الطبقية. فبينما تُمايز الطبقة العليا والمتوسطة العليا (التي تمتلك الثروة، والتي يدرس أبناؤها في أرقى الجامعات) نفسها بمظاهر الثراء في الملبس، والمسكن، واللوحات التي تقتنيها، والموسيقى التي تسمعها. يُمايز حملة الشهادات (الذين يمتلكون التعليم، ولا يمتلكون المال) أنفسهم عن الطبقة العاملة أو الدنيا بإظهار ذوقهم الرفيع فيما يلبسونه، ويُشاهدونه، وفي الطريقة التي يسلكونها، ويتكلمون بها. فبينما يذهب الناس إلى السوبرماركت ويشترون بطاطس ترتيلة، يذهب متعلمو الطبقة الوسطى إلى السوبرماركت، ليشتروا التورتيا.

أيا يكن الأمر، إن كان رغبة في الدقة، أو إظهار متعمد للتفوق، فالنتيجة واحدة: خسارة طرق التعبير التي لابد وأنها بمعنى ما جزء من طريقتنا في التفكير. دون أن يكون لنا وسيلة لتتبع هذا الأثر عندما يكفي أن يكون جزءا نشطا من قواميسنا.

لكثرة تعرضنا لمصطلح ما ننسى رديفه في لهجاتنا، خصوصا إذا كُنا نتحدث مع أشخاص خارج المنطقة، أو البلد، أو القارة. كلما ابتعدوا عنا كلما ابتعدنا عن طريقتنا الأولى في الكلام. نتغرب حتى تعود لهجتنا الأولى هي الغريبة. أعني أننا نقبل أن هذه هي طبيعة اللغة، تنمو معنا وبنا. مع هذا لا يُمكن لقلبك إلا أن يذوب حين تسمع التعابير القديمة وقد بُعثت من جديد عبر الشفاه العجوزة.

في كتابه «الفَهَّامَة»، الذي جمع فيه شهاب الخشاب مقالاته التي سبق وأن نُشر أكثرها على منصة «كتب مملة»، يكتب لنا هذا الشاب مقالاته الفلسفية باللغة العامية. يُبرر هذا في مقدمة الكتاب، بأنه كان قادما من فكرة أن الكتابة بالعامية أسهل له ككاتب، وأنه افترض أنها ستُلاقي إقبالا أكبر لدى القراء. لكنه بعد يُراجع موقفه، ويعترف بأن وصول اللهجة المصرية محدود مقارنة بالفصحى، خصوصا إن كنت تأمل أن يُقرأ كتابك خارجها. ثم أن موضوعات الفلسفة تُقرأ عادة بالفصحى. ثمة ألفة واعتياد تُخاطر الدارجة -على عكس ما يتوقع المرء أول الأمر- بخسارتها.

بصراحة لا أتمنى أن يثبطه هذا عن الاستمرار في المحاولة. إذ لا يبدو أن موضوع ردم الهوة بين اللغة المحكية والمكتوبة يشغل أحدا عدا الكتاب المصريين. وهم وحتى وإن لم يتبنوا هذا الموقف بشكل رسمي، فبإمكاننا أن نلمسه في أسلوب أُدبائهم حين يكتبون.

دعونا لا ننسى وظائف اللغة والذوق الأخرى. أي أن تعمل كأدوات تعبير وترشيح (فلترة)، لتجمعنا بمن يستسيغوننا ويستسيغون طرقنا.

المصدر: لجريدة عمان

إقرأ أيضاً:

سرّ جديد عن اغتيال نصرالله.. من الذي خطط لذلك؟

نشر موقع "n12" الإسرائيليّ تقريراً جديداً تحدث فيه عن وحدة إسرائيلية سريّة تعتبر مسؤولة عن تقييم عمليات القصف التي ينفذها سلاح الجو الإسرائيلي ضد أهداف يستهدفها، مشيراً إلى أن هذه الوحدة وهي "خدمة تكنولوجيا الإستخبارات"، تعمل على رسم خرائط للأهداف وفهم مدى الضرر الذي تسببه الذخائر بعد كل هجوم يتم بالقنابل والصواريخ.   ويقول التقرير الذي ترجمهُ "لبنان24" إنّ الوحدة تعمل على رصد أمرين أساسيين، الأول وهو معرفة ما إذا كان الهدف الموجود في دائرة القصف قد طالته الضربة فعلاً، فيما الأمر الثاني يتصل بمعرفة ما إذا كانت النقطة المحددة التي أرادت القوات الجوية ضربها قد تم استهدافها حقاً، وذلك وفق ما يقول أحد الضباط المرتبطة بتلك الوحدة ويُدعى المقدم "م."، وهو يشغل قسم رسم الخرائط والتكنولوجيا في الوحدة.   وفي سياق حديثه، يقدم الضابط مثالاً على اغتيال القيادي البارز في حركة "حماس" صالح العاروري في بيروت مطلع شهر كانون الثاني 2024، إذ قال: "لقد كانت حادثة بسيطة، ولم يكن علينا التأكد من اغتيال العاروري بشكل عميق، لأن حزب الله أبلغ عن ذلك. ولكن هناك حالات أكثر تعقيداً وتشابكاً، فلنقل على سبيل المثال إذا هاجمت نظاماً للأسلحة، فإن العدو ليس لديه مصلحة في الاعتراف بذلك. لن يقول أحد هذا الأمر، لذا فإن مهمتنا هي معرفة ذلك والإعلان عنه".   ويشير التقرير إلى أن القوات الإسرائيلية لعبت دوراً مهما في أبرز عمليات الاغتيال منذ بداية الحرب، وقال: "لقد لعبت قوات الإسرائيلية دوراً هاماً في أبرز عمليات الاغتيال منذ بداية الحرب". هنا، يتحدث قائد وحدة "خدمة تكنولوجيا الاستخبارات" المقدم "ل." قائلاً: "هناك أماكن تتطلب التخطيط الدقيق. لقد كنا شركاء في كل عمليات اغتيال كبار قادة حزب الله في الضاحية. أما مكان إقامة الشخص المسؤول ومتى كان هناك، فهذه معلومات يوفرها لنا فرع الاستخبارات، ولكن مسؤولية التنفيذ والتخطيط الفردي تقع على عاتقنا. لقد تعلمنا من كل عملية إقصاء، ونوجه الطيارين بحيث يتم ضرب ما نريده، ولا يتم ضرب ما لا نريده. نحن نعرف كيف نرفع العلم ونقول إذا فشلنا في الضرب، ونقوم بالتحقيق للمرة المقبلة".     المسؤول ذاته كشفَ أن وحدته لعبت دوراً كبيراً في عملية اغتيال أمين عام "حزب الله" السيد حسن نصرالله، وقال: "لقد خطط سلاح الجو للهجوم خصوصاً أنه كان في قلب الضاحية الجنوبية لبيروت".   وتابع: "كانت هناك حاجة إلى الدقة والاحترافية.. في النهاية هناك نقطة يجب ضربها. لم نكن نعرف أننا نعمل على القضاء على نصرالله، لكننا فهمنا أن الأمر كان حساساً للغاية. فقط بعد النظر إلى الوراء، أدركنا أننا كنا شركاء في القضاء على أمين عام حزب الله". المصدر: ترجمة "لبنان 24"

مقالات مشابهة

  • رئيس يويفا خائفا على مستقبل أوروبا: الغرب متغطرسون وحرية التعبير لم تعد موجودة
  • نقيب الصحفيين: الصورة الصحفية لا تزال قادرة على التعبير عن المجتمع
  • المليشيا الإرهابية تركب التونسية!
  • البدوي الذي يشتم رائحة الثلج ..!
  • تصريح صابرين عن الحجاب يشعل الجدل: هل رفضت العودة أم أساءت التعبير؟
  • سرّ جديد عن اغتيال نصرالله.. من الذي خطط لذلك؟
  • 32 وظيفة خالية بجامعة عين شمس | قدم الآن
  • جامعة المجمعة توفر 114 وظيفة شاغرة
  • فانس يربط الدعم العسكري الأمريكي لألمانيا بحرية التعبير
  • حظك اليوم برج العذراء الجمعة 21 فبراير.. لا تتردد في التعبير عن مشاعرك