الاستعلاء الصهيوني تجاه الشعب العربي الفلسطيني
تاريخ النشر: 17th, July 2024 GMT
بعد السابع من أكتوبر العام المنصرم وفي اليوم التاسع منه، بعدما شنت إسرائيل الحرب المسعورة التي ركزت على الإبادة الجماعية، والتدمير الممنهج لكل قطاع غزة وتهجير المواطنين من منازلهم، تحدث وزير الدفاع الصهيوني «يوآف غالانت» أمام عدسات المصورين والصحفيين قائلاً: «إسرائيل تحارب حيوانات بشرية وتتصرف وفقاً لذلك»، ومن عدة أيام، كرر «غالانت» العبارات نفسها، وزاد عليها أنه سيحاربهم جوا وأرضا وبحرا! وهذه النظرة الفوقية الاستعلائية، ليست بعيدة عن العقلية الصهيونية التي استباحت الأرض العربية الفلسطينية، منذ عام 1948، وقتلت عشرات الآلاف من الفلسطينيين،وطردتهم من أرضهم بدعاوى ليست لها حجج لا تاريخية ولا قانونية، صحيح أن بعض اليهود كانوا يسكنون فلسطين، مثلما يسكن غيرهم في الشام ومصر والعراق والمغرب العربي وتركيا وإيران، والكثير من بلدان العالم الإسلامي، كونهم لهم ديانة سماوية، (ولهم ما لنا وعليهم ما علينا).
وهذه الأقوال لوزير الدفاع الإسرائيلي، تبرز العنصرية الاستعلائية ضد الشعب العربي الفلسطيني، وهي في الوقت نفسه نظرة لها نزعة ظالمة شامتة لهذا الشعب الذي اقتلع من أرضه، وتم تهجيره والسيطرة على كل ممتلكاته، ولم يكتف الصهاينة بذلك، بل إن الشماتة امتدت إلى جنس هذا الشعب، واعتبارهم مثل أي حيوان! لذلك كانت الإبادة الجماعية بعد السابع من أكتوبر العام المنصرم، ولا شك أنه حتى الحيوانات كما نعرف ويعرف الغرب الذي يتشدق بحقوق الحيوان أيضاً، حتى في مسألة حقوق الحيوان، فلم تكن له وقفة جادة لما يحصل كل يوم في غزة من مجازر، بعدما ما تم تحييد محكمة العدل الدولية - وتقييد الأمم المتحدة عن اتخاذ قرارات تجاه ما يجري في غزة وفي الضفة والقدس، ولكن تصريحات «غالانت»، كما يقول الكاتب نواف الزرو، ليست جديدة أو أنه يتفرد فيها في المشهد الصهيوني، بل تشكل امتدادا لتراث هائل من الأدبيات الصهيونية العنصرية وثقافة القتل والإبادة لديهم تعود كلها حتى إلى زمن هرتزل، فالتراث الدموي الإرهابي الصهيوني يمتد من هرتزل حتى غالانت في حربهم الجارية على غزة..!.
فالنـزوع للعنف والإرهاب والدم والقتل والمذابح، نزوع متأصل في الأيديولوجيا الصهيونية، فهي من جهة أيديولوجيا عنصرية قامت على أساس الانعزال والتميز والتفوق على - الأغيار - الغوييم - عامة، ومن جهة ثانية اتبعت نهجا انتقائيا في استرجاع الموروث الديني والاتكاء عليه، باعتماد الجانب المحرض على العنف والقتل والتدمير في التعامل مع «الأغيار» وهنا مع العرب الفلسطينيين».
كما أن ما قاله وزير الدفاع الصهيوني، ليس فكرة جديدة، في مسألة القتل والهدم والترويع، وهذه وردت في كتاباتهم القديمة، وطبقت بالفعل بعد حرب عام 1948، فالمنظمات الصهيونية المتطرفة، التي أقامها المؤتمر اليهودي، مثل الهاغنا، والأرجون، وشتيرن، البالماخ، قامت بأبشع الجرائم في فلسطين، خاصة في أراضي 1948، فالذي جرى للشعب الفلسطيني، في مناطق شاسعة من أراضي فلسطين فوق التصور، من حيث القتل والترويع والتهجير، وهذه المآسي تكشف عن نفسها الآن، وكأن التاريخ يستعيد ما جرى في بداية الاحتلال الصهيوني في حروب 1948، و1973، وقد أشرت في كتابات سابقة إلى إبادات جماعية حصلت في فلسطين ولبنان ومصر: فالإبادة الجماعية، ولعقود مختلفة حصلت مذابح وإبادات جماعية لمدنيين، من أطفال ونساء وشيوخ في دير ياسين، وصبرا وشاتيلا وكفر قاسم، وقانا في لبنان، ومدرسة بحر البقر في مصر، وأخيرا المذابح التي جرت في غزة بعد السابع من أكتوبر الماضي، وهم بعشرات الألوف، وشملت الإبادة الجماعية النازيين الجدد حتى المستشفيات والمدارس، وهي بلا شك جرائم بكل المقاييس القانونية والأخلاقية والإنسانية. ويذكر د.عبد الوهاب المسيري في بعض مؤلفاته عن العنصرية الصهيونية، وارتباطها بالرؤية النازية في التوجه الإقصائي، مسألة حقيقية وليست مجرد تُهمة بسبب الاختلاف مع الصهيونية سياسيا، فيقول المسيري: إن البعد المعرفي والحضاري لدراستي عن الصهيونية، وأشرت إلى ضرورة دراسة الظاهرة النازية بالطريقة نفسها بحيث يُنظر إلى كل من الصهيونية والنازية باعتبارهما جزءاً لا يتجزأ من الفكر الغربي والحضارة الغربية من ثم لا يمكن دراستهما بمعزل عن التيارات الفكرية والحضارية الغربية المختلفة، وهو أن الدراسات الغربية في الموضوع قلما تتجاوز البُعد السياسي الاعتذاري، فهذه الدراسات لقد أخفقت في أن تبين أن النازية لم تكن انحرافا عن الحضارة الغربية، وإنما هي تيار أساسي فيها كالصهيونية تماما».
فأين القوانين التي تجرم الإبادة الجماعية في القوانين الدولية؟ مع أن المادة الثانية من القانون الدولي الإنساني، حدد في «منع جريمة الإبادة الجماعية والمعاقبة عليها» وتم إقرارها عام 1948، وتم تطبيقها 1951، واعتبرت العقوبة تشمل: «(أ) قتل أعضاء من جماعة،(ب) إلحاق أذى جسدي أو روحي خطير بأعضاء الجماعة،(ج) إخضاع الجماعة، عمداً لظروف معيشية يراد منها منها تدميرها المادي كلياً أو جزئياً (ه) نقل أطفال من الجماعة، عنوة إلى جماعات أخرى». وكل هذه النصوص تنطبق على الفلسطينيين في كل العقود التي مرت عليهم منذ النكبة الأولى. وكذلك ما جاء في الإعلان العالمي الذي أصدرته الأمم المتحدة 1948، حيث كان واضحًا وعامًا في نصوصه، ففي المادة الثانية يقول هذا الإعلان: إن«لكل إنسان حق التمتع بكافة الحقوق والحريات الواردة في هذا الإعلان، دون أي تمييز، كالتمييز بسبب العنصر أو اللون أو الجنس أو اللغة أو الدين أو الرأي السياسي أو أي رأي آخر، أو الأصل الوطني أو الاجتماعي أو الثروة أو الميلاد أو أي وضع آخر، دون أي تفرقة بين الرجال والنساء. وفضلا عما تقدم فلن يكون هناك أي تمييز أساسه الوضع السياسي أو القانوني أو الدولي لبلد أو البقعة التي ينتمي إليها الفرد سواء كان هذا البلد أو تلك البقعة مستقلا أو تحت الوصاية أو غير متمتع بالحكم الذاتي أو كانت سيادته خاضعة لأي قيد من القيود». إذن المسألة أبعد ما تكون من قضية الحقوق الإنسانية، فهي سياسية وفكرية، وتُحدد وفق هذا المعيار، ومن هنا يعيش الشعب العربي الفلسطيني هذه المأساة الإنسانية، دون أن تتحقق له الحياة الإنسانية الكريمة، والحق في استعادة وطنه وأرضه المحتلة، وما يجري من انتهاكات إسرائيلية وجرائم حرب، يعكس أحد المعايير غير العادلة في عصر ما يسمى بمكاسب حقوق الإنسان؛ حيث الكلام عنها لا يتوقف، لكن الواقع غير ذلك عندما لا يتم اتخاذ موقف لهذه الانتهاكات التي لم تتوقف، والولايات المتحدة تأتي بأقوال تبدو في الظاهر جيدة، لكن السياسة المؤيدة لإسرائيل مستمرة، والسلاح يرسل لها لتدمير الأبرياء!
والذي يؤكد هذا الموقف المتطرف من الفكر الصهيوني، هو استمرار نفس الأساليب التي اتبعتها العصابات الصهيونية منذ بدايات تأسيسها، وهذه الأفعال التي حصلت وتحصل للشعب الفلسطيني، يعترف بها حتى باحثون إسرائيليون، بما يحصل من قتل وتهجير يوميا للأبرياء، ففي كتابات من داخل إسرائيل ومن خارجها، يرى «المفكر الصهيوني آحاد عام 1891 أن المستوطنين الصهاينة يُعاملون العرب باحتقار وقسوة، وينظرون إليهم باعتبارهم متوحشين صحراويين، لا يرون ولا يفهمون شيئًا مما يدور حولهم». كما قال أحد الباحثين الإسرائيليين أوائل القرن الـ20 إن الصهاينة يُعاملون العرب كما يُعامل الأوروبيون السود. وأما أهارون أرونسون (ت 1919م) -أحد زعماء المستوطنين الأوائل أواخر القرن الـ19 وأوائل القرن الـ20- حذّر الرواد الصهاينة من أن يسكنوا بجوار «الفلاح العربي الجاهل الذي تتحكم فيه الخرافات، وأكّد لهم أن كل العرب مرتشون».
هذا الاحتقار للآخر هو سيّد الموقف في الفكر الصهيوني، ولا اعتبار لغيرهم، ولذلك جاءت كلمة الحيوانات البشرية، وما سبق طرحه من آراء يدلّل بشكل واضح على تلك الرؤية تجاه الشعب الفلسطيني، فهذه النظرة العنصرية لا تساهم في سلام مرتقب ولا حلول عادلة، إذا تخلت الدول الكبرى، ومنها الولايات المتحدة عن اتخاذ موقف قوي ومنصف للحق الذي أقرته الأمم المتحدة في الحروب السابقة، وهذه ستكون مشكلة إن لم يتم إقصاء اليمين المتطرف الذي يجر المنطقة إلى حروب كبيرة، وهذه ليست من مصلحة العالم كله، فعند غياب العدل ستبقى الحروب والصراعات قائمة، فالحقوق لا تسقط بالتقادم، ولا باحتقارهم والاستعلاء عليهم بحجج وهمية في احتلال أراضي شعب آخر يدوم الظلم عليهم.
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: الإبادة الجماعیة
إقرأ أيضاً:
الخارجية الفلسطينية: جرائم الاحتلال في الضفة جزء من حرب الإبادة ضد الشعب الفلسطيني
القدس المحتلة-سانا
أكدت وزارة الخارجية الفلسطينية أن جرائم المستوطنين في الضفة الغربية امتداد لحرب الإبادة التي يشنها الاحتلال الإسرائيلي لليوم الـ 395 على قطاع غزة، مشيرة إلى أن فشل المجتمع الدولي في وقف الحرب يشجع الاحتلال على تصعيد إرهابه في الضفة.
وأدانت الوزارة في بيان اليوم نقلته وكالة وفا اقتحام مستوطنين بحماية قوات الاحتلال مدينة البيرة فجراً وإحراقهم منازل وعدداً من السيارات، مبينة أن الاحتلال يعمل على نقل تجربته الفاشية في القطاع وتطبيقها في الضفة الغربية وتسريع حلقات ضمها وتهجير أهلها، مشيرة إلى أن السقوط المدوي للإنسانية أمام معاناة الشعب الفلسطيني في قطاع غزة والمجازر البشعة بحقه يعطي انطباعا للمستوطنين بتوفير غطاء لارتكاب المزيد من الجرائم.
وأوضحت الخارجية أنها ستواصل حراكها على جميع المستويات لفضح جرائم الاحتلال ومستوطنيه، مطالبة الأمم المتحدة باحترام التزاماتها والمبادئ الإنسانية التي تدعي الحرص عليها وترجمتها إلى خطوات عملية ضاغطة على الاحتلال للانصياع لقرار الجمعية العامة للأمم المتحدة الصادر في أيلول الماضي الذي اعتمد الرأي الاستشاري لمحكمة العدل الدولية بشأن إنهاء الاحتلال في غضون 12 شهراً.