أربع عواقب لنتيجة الانتخابات الفرنسية الصادمة
تاريخ النشر: 17th, July 2024 GMT
الانتخابات البرلمانية المفاجئة التي اختتمت في 7 يوليو دعا إليها الرئيس ايمانويل ماكرون لاستعادة اليد العليا بعد أداء حزبه الضعيف في انتخابات البرلمان الأوروبي في يونيو.
لكن نتيجتها حققت عكس ذلك وأوجدت فوضى سياسية قوَّضت سلطة الرئيس وهزت قواعد الجمهورية الخامسة على نحو لم يحدث من قبل، لم يقع ما كان يُخشَى منه وهو فوز حزب التجمع الوطني اليميني المتطرف الذي تقوده مارين لوبان وكسب تحالف الجبهة الشعبية الجديدة اليساري على أكثرية المقاعد، لكن لم يحصل أي حزب على أغلبية مطلقة، غبار المعركة الانتخابية أبعد من أن ينجلي، لكن هنالك أربعة استنتاجات يمكن استخلاصها من نتيجتها.
المؤسسات الفرنسية
ستكون سياسة فرنسا أقل «رئاسية» وهذا سيعرِّض الجمهورية الخامسة لضغوط خطيرة. فهي ترتكز على رئيس دولة قوي منذ تأسيسها بواسطة شارل ديجول، وكأنما كان الرئيس ماكرون يتوقع انحسار صلاحيات الرئاسة، فقد قام بتعيين أكبر عدد ممكن من السفراء والمحافظين وموظفي الخدمة المدنية قبل الجولة الثانية من الانتخابات في 7 يوليو، ويبدو أنه كان يتوقع اقتسام السلطة (وليس الانفراد بها) من الآن فصاعدا. وستبدو الجمهورية الخامسة أشبه بالجمهورية الرابعة التي اعتمدت على البرلمان واشتهرت بائتلافاتها الحكومية الهشة وغير المستقرة.
ستشكل الجمعية الوطنية التي انتُخبت لتوِّها الحكومة القادمة في نهاية المطاف مهما استغرق ذلك من وقت، ولن تتشكل أساسا بواسطة قصر الأليزيه كما كانت هي الحال مع الحكومات التي سبقتها. وسيُفرض اختيار رئيس وزراء جديد قادر على تأمين أغلبية مستقرة على الرئيس من خارج صفوف حزبه «حزب النهضة» والذي كان أداؤه في الانتخابات أفضل من المتوقع.
حتى الآن ظل ماكرون يختار رئيس الحكومة الذي يريده. أما الآن فتحالف «الجبهة الشعبية» المكون من أحزاب يسارية والذي حصل على معظم المقاعد في الجولة الثانية يعد نفسه في وضع يمكنه من تشكيل الحكومة. ذلك على الرغم من أنه بعيد عن تأمين الأغلبية المطلقة ويتوجب عليه مواجهة الانقسامات الداخلية وصراعات السلطة.
ومع اشتداد الضغوط من اليسار يتشكل الآن نوع جديد من التعايش. في أوضاع التعايش السابقة (في الفترة من 1986 إلى 1993 في ظل رئاسة فرانسوا ميتران و1997 تحت قيادة جاك شيراك) كان الصراع حول السلطة يدور بين قصر الأليزيه (مقر رئيس الجمهورية) وماتينون (مقر رئيس الوزراء).
هذه المرة سيتموضع مركز الجاذبية السياسي في الجمعية الوطنية. وهي لا يمكن حلها مرة أخرى قبل يوليو 2025 وستتحكم في مصير أي وزارة، حتى ذلك التاريخ على الأقل.
وهكذا ضعفت سلطة الرئيس، فمع ضربتين انتخابيتين قاسيتين في غضون شهر وانقسام حزبه وعداء الرأي العام والقيد الدستوري الذي لن يمكنه من الترشح للرئاسة مرة أخرى يفقد ماكرون رأسماله السياسي في الأجل القصير إلى المتوسط ما لم ينجح في شق اليسار ويتمكن من الحفاظ على دور صغير ولكن مفتاحي لحزبه في ائتلاف مستقبلي.
مكانة فرنسا في العالم
الرئيس ماكرون الذي يمكنه البقاء في منصبه حتى مايو 2027 سيستخدم ما تبقى من دوره على المسرح الدولي لمحاولة الحفاظ على نفوذ فرنسا وإعادة بناء سمعته.
فبوصفه رأس الدولة سيظل ممثلا لفرنسا في المنابر الدولية بداية بقمة الناتو التي انعقدت في واشنطن الأسبوع الماضي وقمة الجماعة السياسية الأوروبية التي ستعقبها في قصر بلينهايم ببريطانيا يوم 18 يوليو.
وعلى الرغم من أن الشؤون الخارجية والدفاع من اختصاصه إلا أنه سيكون معتمدا على موارد الموازنة التي تتولى الحكومة تخصيصها.
وستتطلب التعيينات موافقة رسمية من رئيس الوزراء كما هو الحال في السابق، لكن الآن يجب أيضا التفاوض حولها حتى إذا كانت هنالك وزارة يشكلها ائتلاف كبير متعدد الأحزاب وأكثر توافقا مع الرئيس حول الشؤون الدولية والأوروبية من وزارة يقودها حزب التجمع الوطني.
استمرار الفوضى السياسية من شأنه الإضرار بالدور القيادي لفرنسا في الخارج. وهذا الاحتمال يثير قلق بلدان الاتحاد الأوروبي بداية من ألمانيا.
سيتَّسِم التعامل مع قدرة باريس على توليد أفكار جديدة بقدر محدود من الجدِّية، كما ستختبِر فترةُ الاضطراب السياسي القادمة مرونةَ الدبلوماسية الفرنسية العريقة وقدرتها على التعامل مع الأزمات العالمية.
القيود المالية
عبَّرت الأسواق المالية عن ارتياحها عقب الجولة الأولى للانتخابات بعد استبعاد تشكيل حكومة يقودها حزب التجمع الوطني. لكن أية وزارة قادمة سيلزمها إصلاح الحسابات العامة وربما إفشال الطموحات العريضة للحكومة.
فعجز الموازنة (حوالي 5.5% من الناتج المحلي الإجمالي في عام 2023) والدين العام (أكثر من 110% من الناتج الإجمالي) يستوجبان انضباطا ماليا صارما. وهذا متوقع في بروكسل وأيضا من شركاء فرنسا وليس أقلَّهم ألمانيا.
لن يكون للحكومة القادمة خيار خلاف طمأنة الأسواق المالية بأنها لا يزال في مقدورها إقراض فرنسا من دون مشاكل. والتحدي الذي يواجه هذه الحكومة سيكون الحفاظ على وضعها المالي في المسار الصحيح في مواجهة معارضة شرسة وغير راغبة في التوصل إلى تفاهمات قبل السباق الرئاسي في عام 2027. لذلك أي إصلاح هيكلي عميق قبل ذلك يبدو بعيدا عن الاحتمال.
المجتمع الفرنسي
الكُتَل الثلاث التي أظهرتها الانتخابات من جان لوك ميلنشون في أقصي اليسار والى لوبان في أقصي اليمين تَجَلٍّ (تَمَظْهُر) سياسي لمجتمع مستقطب ومُتشظٍّ إلى حَدِّ أن الرئيس ماكرون نفسه وصفه بأنه على شفا حرب أهلية.
مع تصويت أكثر من 9 ملايين ناخب لصالح التجمع الوطني كشفت الجولة الأولى للانتخابات مدى نجاح حزب مارين لوبان في تحوله إلى قوة سياسية جبارة يتعدى نفوذها إلى حد بعيد معاقلها التقليدية وصيرورته جزءا من تيار أوروبي أكبر. هذا وضع غير مسبوق وقد يثير إحباطا وسط ناخبي التجمع الوطني من تواطؤ النخبة الباريسية لمنع زعيمتهم من تولي الحكم عن جدارة واستحقاق، بحسب تصوُّرهم.
العداء نفسه يمكن أن يغذِّيه اليسار المتطرف بعد أن أدخلت الانتخابات المفاجئة المجتمع الفرنسي في صدمة، لقد كشف التصويت عن التوترات الاجتماعية في فرنسا على نحو مماثل لما فعلته احتجاجات السترات الصفراء في عام 2018.
سيكون التحدي الأكبر للحكومة القادمة وأيضا للسلطات المحلية والمجتمع المدني بشكل أعمّ مساعدة فرنسا على التعافي ببناء روابط بين الجماعات المنقسمة وتجديد إحساس شعبها بالوحدة.
سيباستيان ميارد زميل مشارك في برنامج أوروبا بالمعهد الملكي للشؤون الدولية (شاتام هاوس).
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: التجمع الوطنی
إقرأ أيضاً:
من المصارعة إلى التعليم.. هذه مرشحة ترامب للوزارة التي يريد إلغاءها
اختار الرئيس الأمريكي المنتخب دونالد ترامب، ليندا ماكمان، الرئيسة السابقة لاتحاد المصارعة العالمية الترفيهية "دبليو دبليو إي"، لتولّي حقيبة التعليم، الوزارة التي يعتزم إلغاءها والتي يدور حولها نزاع شرس بين التقدميين والمحافظين.
وقال ترامب في بيان إنّ ماكمان هي "مدافعة شرسة عن حقوق الوالدِين"، مضيفا "سنعيد التعليم إلى الولايات المتحدة، وليندا ستقود هذا الجهد".
ومنذ فوزه في الانتخابات التي جرت في الخامس من تشرين الثاني/ نوفمبر، بدأ الرئيس السابق الذي سيتسلم السلطة مجددا في 20 كانون الثاني/ يناير، بتعيين كوادر إدارته المقبلة، وقد اختار لملء بعض المراكز أسماء فاجأت كثيرين.
وفي بيانه اعتبر ترامب أنّه "بصفتها وزيرة للتعليم ستكافح ليندا بلا كلل" من أجل منح كل ولاية أميركية مزيدا من الحريات التعليمية و"تمكين الآباء من اتخاذ أفضل القرارات التعليمية لعائلاتهم".
وتشهد الولايات المتحدة انقساما حادا حول موضوع التعليم إذ ترفض الولايات التي يقودها جمهوريون نشر المبادئ التي يدافع عنها الديموقراطيون من مثل حقوق المرأة والأقليات وحقوق المثليين.
وماكمان، سيدة الأعمال البالغة من العمر 76 عاما، سبق لها وأن شغلت منصب وزيرة شؤون الشركات الصغيرة وذلك في مستهل ولاية ترامب الأولى، وتحديدا بين العامين 2017 و2019.
وتعتبر هذه المرأة أحد أركان الحلقة الضيقة لترامب الذي اختارها أيضا لتكون أحد قادة فريقه الانتقالي الذي سيتولى السلطة من الديموقراطيين.
ولا تتردّد ماكمان في وصف ترامب بـ"الصديق"، وهي مانحة رئيسية للحزب الجمهوري وقد ساهمت ماليا في دعم ترشيح ترامب للسباق الرئاسي منذ 2016، أولاً في الانتخابات التمهيدية الحزبية ومن ثم في الانتخابات الوطنية.
وهذه السيدة متزوجة من فينس ماكمان، وريث اتحاد المصارعة العالمية الترفيهية "دبليو دبليو إي".
وهذا الاتحاد هو شركة عملاقة تأسّست في خمسينيات القرن الماضي، قبل أن تصبح ماكمان في 1993 رئيستها ومن ثم مديرتها العامة في 1997.
واستقالت ماكمان من هذه المنظمة في 2009 لتجرب حظها في عالم السياسة.
أمام زوجها فقد بقي على رأس الاتحاد حتى كانون الثاني/يناير الماضي حين اضطر للاستقالة بعد أن تقدمت موظفة سابقة بشكوى ضده بتهمة الاعتداء جنسيا عليها.