أدى توقف العديد من المطابخ الشعبية لتقلص فرص كثير من السودانيين في تناول وجبة واحدة على الأقل يومياً، مما يهددهم بالموت جوعاً.

تقرير: التغيير

كالعادة يستيقظ الطفل أحمد خالد ذو العشر سنوات، صباح كل يوم، للذهاب إلى المطبخ الشعبي الذي يعرف محلياً بـ”التكايا” بعد أن نزح برفقة والدته وشقيقاته الثلاث من منزلهم بأحد الأحياء الواقعة تحت نيران القتال المستمر بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع منذ 15 أبريل 2023م.

وقف خالد، مع أقرانه في الصف ينتظر حصته لإطعام أمه وشقيقاته، ولكن هذه المرة لم يفلح في ذلك نتيجة عدم توفر الأموال التي تساعد في استمرار عمل “التكايا”.

ورجع الصغير بـ”الماعون” الذي أتى به فارغاً، لا يدري ماذا يفعل لإطعام أسرته التي تنتظره لتناول الوجبة الوحيدة طوال اليوم، كحال كثيرين غيره بات يتهددهم خطر الجوع بعد تناقص المطابخ التي كانت توفر لقمة تسد الرمق.

تفشي الجوع

حالة الطفل أحمد، تجسد حال الكثير من الأسر التي تعتمد بشكل أساسي على هذه المطابخ، بعد أن فقد أرباب الأسر وسائل الدخل وتوقف المرتبات لأكثر من 14 شهراً، وأصبح توقف المطابخ يهدّد الأطفال وكبار السن خاصةً بالموت جوعاً.

ودقت المنظمة الدولية للهجرة، الثلاثاء، ناقوس الخطر، وقالت إن أكثر من 10 ملايين سوداني نزحوا من مدنهم وقراهم منذ بداية الحرب في أبريل 2023م، في حين يتفشى الجوع تفشياً كبيراً بين السكان.

ويمثل عدد النازحين 20% من سكان السودان، وقالت المنظمة في تقرير نصف شهري إن أكثر من 2.2 مليون شخص فروا إلى دول أخرى منذ أن تفجرت الحرب، في وقت نزح فيه نحو 7.8 ملايين داخلياً.

وأفادت المنظمة بأن نصف السكان البالغ عددهم نحو 50 مليون نسمة، يواجهون أزمة جوع وبحاجة إلى مساعدات إنسانية أكثر من أي دولة أخرى في العالم.

مجاعة مدمرة

والشهر الماضي تحدثت ثلاث وكالات أممية عن توقعات جديدة مثيرة للقلق بشأن الأمن الغذائي في السودان، وقالت إن هذا البلد يواجه “كارثة مجاعة مدمرة” لم يسبق لها مثيل منذ أزمة دارفور مطلع العقد الأول من القرن الحالي.

وحذّرت كل من منظمة الأغذية والزراعة (فاو) ومنظمة الأمم المتحدة للطفولة (يونيسف) وبرنامج الأغذية العالمي، من التدهور السريع في أوضاع الشعب السوداني، وخصوصا الأطفال، مع انهيار الأمن الغذائي جراء الحرب التي تعصف بالبلاد منذ أكثر من عام.

نفي حكومي

ورغم تلك التحذيرات التي أطلقتها المنظمات الدولية العاملة في هذا المجال، إلا أن الحكومة السودانية التي يسيطر عليها الجيش، نفت رسمياً وجود مجاعة في البلاد، وقالت إن معاناة المواطنين بسبب منع قوات الدعم السريع إدخال السلع والمعونات إلى بعض المناطق التي تسيطر عليها، خاصة ولايات الخرطوم والجزيرة ودارفور، بما شكّل تهديداً للأمن الغذائي.

وكانت الأمم المتحدة، أعلنت وصول وفدي الحكومة والدعم السريع إلى جنيف لحضور مباحثات غير مباشرة، يعقدها المبعوث الشخصي للأمين العام للسودان، بشأن الأوضاع الإنسانية.

وتعهدت بتذليل العقبات التي تواجه تقديم المساعدات الإنسانية للمواطنين، فيما أكد نائب رئيس مجلس السيادة الانقلابي مالك عقار، الإثنين، سعي وحرص الحكومة على إيصال المساعدات الإنسانية وتسهيل عمل فرق الإغاثة والفرق الطبية وموظفي المنظمات العاملة في المجال الإنساني.

توقف المطابخ

وبعد 15 شهراً من القتال في السودان بات خطر الجوع يهدد حياة الملايين من السكان الذين يعيشون تحت وطأة الفقر والجوع وتقزمت أحلام الكثيرين في الأمن الغذائي وليس هناك ما يسد الرمق ويحفظ النفس من الانقراض.

وفي أقل من اسبوع توالى خروج المطابخ الشعبية عن العمل بسبب انعدام المواد الغذائية وتوقف الدعم.

والثلاثاء، أعلن متطوعون في لجان مقاومة جنوب الحزام بالعاصمة الخرطوم، توقف جميع المطابخ المشتركة في عموم المنطقة، لعدم توفر الموارد المالية ونفاد مخزون المواد الغذائية.

وقال الناشط محمد يوسف لـ(التغيير)، إنهم كانوا يعتمدون على أبناء المنطقة بالداخل والخارج والخيرين في عمل المطبخ، ولكن بعد توقف التحويلات الخارجية والارتفاع الجنوني للأسعار في الأسواق التي تعمل بالمنطقة، اضطروا لإيقاف المطابخ التي تتكفل بإطعام آلاف الأسر.

وتخوف يوسف، من ارتفاع نسب الوفيات وسط الأطفال وكبار السن بعد انتشار سوء التغذية والأمراض.

وناشد المتطوع، المنظمات المحلية والدولية والخيرين بالداخل والخارج بمواصلة الدعم حتى تعود هذه المطابخ للعمل من جديد، حفاظاً على كثير من الأرواح التي أصبحت مهددة بالموت جراء الجوع  أكثر من الحرب.

مناشدات

كما توقف مطبخ الوادي الأخضر بمحلية شرق النيل لذات الأسباب التي ذكرها المتطوع بجنوب الحزام.

وقال المتطوع عباس محجوب عباس، إن منطقة الوادي الأخضر بها آلاف الأسر السودانية، لم يخرجوا منها لظروف مختلفة.

وأوضح أن المنطقة استقبلت الآلاف من النازحين، والمطبخ في اليوم يقدم خدماته لأكثر من 684 أسرة، وظل مستمراً لـ8 أشهر من الحرب، وأن أطول فترة لتوقف المطبخ كانت 13 يوماً بسبب توقف الدعم.

وأشار إلى وجود عدد من حالات سوء التغذية بالمنطقة والعشى الليلي وسط الأطفال، ولفت إلى أن أغلب الموجودين بالمنطقة فقدوا وظائفهم والمطبخ المنقذ الوحيد لهم، وأن عدداً من الأسر تعتمد طوال اليوم على الوجبة التي يقدمها المطبخ.

وناشد محجوب، المنظمات الدولية والمحلية وجميع السودانيين بالداخل والخارج لإسعاف منطقة الوادي الأخضر.

نقص الإمكانيات

وفي السياق، أعلنت غرفة طوارئ محلية الطويشة بولاية شمال دارفور، توقف مشروع المطبخ المشترك في مراكز الإيواء بالمدينة، وذلك لنقص الإمكانيات المالية.

واستمر المطبخ في تقديم خدماته للمواطنين لما يقارب 40 يوماً، بعد نزوحهم من الفاشر التي تشهد نزوحاً مستمراً بسبب القتال الدائر بين الجيش السوداني والحركات المتحالفة معه ضد قوات الدعم السريع والمليشيا المساندة لها.

وقالت الغرفة إن أوضاع النازحين المقيمين في مراكز الإيواء كانت بالفعل صعبة قبل توقف أعمال المطابخ الخيرية، ونوهت إلى تدهور الأوضاع بشكل أكثر حدة الآن. وناشدت جميع منظمات المجتمع المدني والمنظمات الإنسانية بتقديم الدعم لمساعدة النازحين في مراكز الإيواء.

تحرك الجميع

حالة الجوع المتفشية في البلاد أودت بحياة الكثيرين وأصابت من بقي منهم على قيد الحياة بسوء التغذية الحاد، قلة الغذاء وعدم توفره لعدة أشهر جعلت أصحاب الأمراض المزمنة يعانون الأمرين، حيث لجأ الأهالي لأكل ورق الأشجار، بحسب الناطق الرسمي باسم منسقية النازحين واللاجئين آدم رجال.

وأكد رجال لـ(التغيير)، أن النازحين أصبحوا يأكلون أوراق الشجر بعد توقف المساعدات الإنسانية منذ اندلاع الحرب في 15 أبريل من العام الماضي.

وأوضح أن أوضاع النازحين داخل المخيمات صعبة جداً ولم يتغير أي شئ رغم المناشدات المستمرة.

وناشد طرفي النزاع بفتح مسارات آمنة للمنظمات لإيصال المساعدات للإقليم.

وشدد رجال، على أن الوضع يحتاج إلى تحرك الجميع للضغط على طرفي النزاع لإيصال المساعدات الإنسانية لمواطني دارفور بشكل فوري دون قيد أو شرط.

يبقى أن توقف الدعم يجعل إغلاق أبواب المطابخ في وجه من هم في أشد الحوجة لها نتيجة حتمية، ولكن آمال الناس معلقة بفرج قريب ودعم آتٍ يبعد شبح الموت جوعاً.

المصدر: صحيفة التغيير السودانية

كلمات دلالية: المساعدات الإنسانیة الدعم السریع أکثر من

إقرأ أيضاً:

تمديد تمويل إقامة النازحين الإسرائيليين جراء حرب غزة

وافقت الحكومة الإسرائيلية، أمس الأحد 25 أغسطس 2024، على اقتراح رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو ، ووزير الأمن، يوآف غالانت، ووزير المالية، بتسلئيل سموتريتش، ووزير السياحة، حاييم كاتس، والذي ينص على تمديد فترة تمويل ودعم النازحين الإسرائيليين من جراء الحرب الذين لا يمكنهم العودة إلى منازلهم لأسباب أمنية، وذلك بناء على توصية الأجهزة الأمنية.

تابعوا الأخبار العاجلة بالصور والفيديو عبر قناة تليجرام وكالة سوا "اضغط هنا"

وذكرت هيئة البث العام الإسرائيلية ("كان 11")، اليوم الإثنين، أن القرار ينص على مواصلة الدعم المادي لهؤلاء النازحين حتى أيلول/ سبتمبر المقبل؛ وتقدر تكلفة القرار بحوالي 3.3 مليار شيكل، وعلى وزير المالية، وفقًا لقرار الحكومة، التصديق عليه في إطار تعديل قانون الميزانية الذي سيُعرض للتصويت في الكنيست .

كجزء من القرار، سيستمر تقديم منح الإسكان المستقل، ومنح الدعم للنازحين غير العاملين أو من بلدات تم إجلاء سكانها في إطار الحرب التي تشنها إسرائيلي على قطاع غزة من 7 تشرين الأول/ أكتوبر الماضي، ومنح تحفيز توظيفية لهذه الفئات.

ويشمل القرار ميزانية تقارب نصف مليار شيكل لتمويل تمديد الدعم الحكومي لاستضافة النازحين في سكن مؤقت - بيوت ضيافة وفنادق - لسكان بلدات المنطقة المحيطة في قطاع غزة الذين لم يعودوا إلى منازلهم لأسباب أمنية، وكذلك لسكان بلدات الشمال في نطاق يصل إلى خمسة كيلومترات من الحدود اللبنانية وذلك حتى 30 أيلول/ سبتمبر المقبل.

كما ينص القرار على زيادة ميزانية وزارة السياحة بمبلغ 894 مليون شيكل، والذي سيُخصص لدفع تكاليف الفنادق التي تستضيف السكان النازحين. بالإضافة إلى ذلك، يشمل القرار زيادة الميزانية المخصصة لدعم جنود الاحتياط وعائلاتهم في عام 2024 بمبلغ 200 مليون شيكل، وفقًا للخطط التي سيقدمها وزيري الأمن والمالية.

يذكر أن الحكومة في جلستها الأسبوعية بالأمس، اتخذت قرارا بتخصيص ميزانية لتمويل تمديد مدة عمليات الإخلاء حتى نهاية عام 2024، إذا لزم الأمر، وذلك رهنًا بتشريع إضافي في الكنيست.

المصدر : وكالة سوا

مقالات مشابهة

  • 500 يوم من الحرب.. سودانيون يتمسكون بضرورة إنهاء القتال
  • لن نرحل.. الفلسطينيون يواجهون اقتحام الاحتلال لمخيمات الضفة
  • برنامج الأغذية العالمي يحقق مع كبار مسؤولي عملياته في السودان
  • اليمنيون يواجهون خطر انتشار الامراض والالغام الارضية عقب الفيضانات
  • ليس أمامهم سوى الهرب.. معاناة غير مسبوقة يتعرض لها الفلسطينيون في غزة
  • الدفاع المدني: الاحتلال ينتهج سياسة النزوح تحت الموت بحق المواطنين
  • ليلة مرعبة في غزة.. هكذا أنقذت الأم ابنتها بجسدها
  • 500 يوم من الحرب.. أكثر من 100 وفاة جوعا والمجاعة تضرب 97 منطقة بالسودان
  • تمديد تمويل إقامة النازحين الإسرائيليين جراء حرب غزة
  • الأبيض تفقد خلية الازمة في بلدية بيروت