لجريدة عمان:
2025-04-23@18:41:43 GMT

صعودُ الصين.. فرصةٌ للغرب أم تهديدٌ له؟

تاريخ النشر: 17th, July 2024 GMT

إن تنمية بُلدان الجنوب العالمي، ومجموعة البريكس، ودولِ الحزام والطريق تمثل التحول من العالم القديم أحادي القطب إلى عالم متعدد الأقطاب، وهذا تحول يسهم بشكل كبير في الاقتصاد العالمي، ولا يمكن إيقافه.

ومن المؤسف أن الغرب ينظر غالباً إلى التطور السريع الذي تشهده الصين بعين الريبة، إذ يواصل استراتيجياته التي غالبا ما تكون محصلتُها صِفراً في العلاقات الدولية والتجارة الدولية.

هناك طريق آخر تستطيع البلدان من خلاله التعامل مع بعضها البعض، وهو ما يسمى النهج المربح للجانبين، إذ إنّ النمو والتنمية في دولة ما يجلب فوائد لبلدان أخرى أيضا. إنني أدرك أن العلاقات بين الدول يمكن أن تتخذ شكل المنافسة أو الشراكة. إن المنافسة من أجل المنافسة ستكون محصلتـُها صفرا، ومن المؤسف أن الغرب أصبح ينظر إلى العلاقات بين الدول باعتبارها منافسة. ومن ناحية أخرى، فإن الدول التي تسعى إلى تحقيق المنفعة المتبادلة، تنظر إلى العلاقات بينها وبين الدول الأخرى على أنها شراكات.

لقد أدى النمو الاقتصادي في الصين إلى تحسين حياة الشعب الصيني، وأوجد سوقا ضخمة تتميز بارتفاع الطلب على السلع والخدمات. وقد وفّر هذا التوسع الديموغرافي سوقا مربحة للمنتجات الغربية عالية الجودة لفئة الدخل المتوسط، التي تشهد ارتفاعا في عدد المنتمين إليها في الصين.

ولذلك، يتعين على الغرب بقيادة الولايات المتحدة أن يتقبل أن التجارة ليست لعبة محصلتها صفر. إنّ نمو الاقتصاد الصيني يعمل على تحفيز الطلب العالمي، مما يفيد شركائها التجاريين من خلال توفير سبل جديدة للصادرات. والواقع أن شركات الاتحاد الأوروبي كانت تستفيد (وتستطيع أن تستمر في الاستفادة) من الطلب الصيني على السلع الفاخرة، ومنتجات السيارات، والتصنيع المتطور. ومن خلال تعزيز العلاقات التجارية وتقليص الحواجز التجارية، يستطيع الاتحاد الأوروبي والصين تحقيق الرخاء الاقتصادي المتبادل.

إن عقلية الاستراتيجيّة التي محصلتها صفر، التي ترى أنّ مكسب أحد الأطراف هو خسارة لطرف آخر، عفا عليها الزمن وتؤدي إلى نتائج عكسية. وبدلا من ذلك، يتعين على البلدان أن تتبنى نهجا مربحا للجانبين في العلاقات الدولية. ومن خلال التعاون مع الصين، يستطيع الاتحاد الأوروبي وبقية الغرب أن يجدوا مصالح مشتركة تعود بالنفع على الأطراف كافّة. وتعزز هذه العقلية التعاونية مناخا إيجابيّا يتقاسم فيها الأطراف الابتكارات والموارد والنمو، مما يؤدي إلى مزيد من الرخاء الشامل.

لقد حولت الاستثمارات الكبيرة في التكنولوجيا والابتكار الصين إلى دولة رائدة عالميًا في مجالات مثل الجيل الخامس والطاقة المتجددة والذكاء الاصطناعي. ومن الممكن أن يؤدي التعاون مع الصين في هذه المجالات إلى تحفيز التقدم التكنولوجي في الغرب، ومن الممكن أن تؤدي المشاريع المشتركة والتعاون البحثي إلى إنتاج معرفة مشتركة، وتطوير التكنولوجيا، والمزيد من الإبداع.

ومن الممكن أن تستفيد أوروبا من التقدم الذي أحرزته الصين في مجال تكنولوجيا الطاقة المتجددة لتحقيق أهدافها المناخية الطموحة، إذ يمكن للجهود التعاونية في مجال البحث والتطوير أن تعمل على التعجيل بتبني التكنولوجيا الخضراء، مما سيسهم في الاستدامة العالمية. وهذا هو جوهر النهج المربح للجانبين، حيث يعمل الطرفان على تطوير قدراتهما التكنولوجية والتصدي للتحديات العالمية معًا.

كما أدى تطور الصين إلى توسع سوقها المالية، مما أوجد فرصا جديدة للمستثمرين الغربيين. إن تحرير القطاع المالي في الصين يسمح بزيادة المشاركة الأجنبية، الأمر الذي يوفر فرصاً استثمارية جذابة. وعلى هذا النحو، تستطيع المؤسسات المالية في الاتحاد الأوروبي أن تستفيد من تنويع محافظها الاستثمارية في واحد من أكثر اقتصادات العالم ديناميكية.

علاوة على ذلك، خلقت مبادرة الحزام والطريق، على الرغم من محاولات بعض الدول الغربية تشويهها، فرصا كبيرة للاستثمار في البنية التحتية والتنمية. يمكن لشركات الاتحاد الأوروبي المشاركة في مشاريع الحزام والطريق الوصول إلى أسواق جديدة والمساهمة في النمو الاقتصادي العالمي. تجسد المبادرة قيمة مشاركة جميع الأطراف في المشاريع التعاونية، مما يعزز فلسفة الفوز للجميع.

يعد التبادل الثقافي مجالا آخر توفر فيه التنمية في الصين فرصا كبيرة. ومن الممكن أن يعمل زيادة هذا التبادل الشعبي والسياحي، والتعاون في المجال التعليمي على تعزيز التفاهم المتبادل وحسن النية، في حين يمكن للدبلوماسية الثقافية أن تقوم بدور حاسم في الحد من التوترات وتعزيز العلاقات بين الصين والغرب.

علاوة على ذلك، من الممكن أن يساعد التبادل التعليمي في سد الفجوات الثقافية، وخلق جيل من القادة الذين يفهمون وجهات النظر الغربية والصينية. وهذا التفاهم المتبادل ضروري للتصدي بشكل تعاوني للتحديات العالمية.

إن واحدة من أكبر المشاكل التي تعوق تصور الغرب للتنمية في الصين تتلخص في انتشار المفاهيم الخاطئة والخوف بشأن نوايا البلاد. ومن أجل تبديد مثل هذه المفاهيم الخاطئة والمخاوف، وتعزيز التعاون، يحتاج الجانبان إلى الدخول في حوار مفتوح، وبناء الثقة.

لذا يتعين على الغرب أن ينظر إلى صعود الصين باعتباره فرصة لمزيد من التعاون، وليس تصعيدا للمنافسة والمواجهة. إنّ المشاركة البناءة وحدها، والبعد عن سياسة التقييد، من الممكن أن تؤدي إلى نتائج مفيدة للطرفين، لذلك فإن الفهم الشامل لأهداف التنمية في الصين ومواءمتها مع المصالح الغربية قد يساعد في بناء نظام عالمي أكثر استقرارا وازدهارا.

هناك فوائد كبيرة محتملة للتعاون الاقتصادي والابتكار التكنولوجي والاستثمارات والتبادلات الثقافية وبناء الثقة. ومن خلال اغتنام الفرص للقيام بذلك، يستطيع الغرب أن يعزز براعته الاقتصادية والتكنولوجية في حين يسهم في الاستقرار والرخاء العالميين. وبدلاً من الاستسلام للمخاوف والشكوك غير الضرورية، يتعين على الاتحاد الأوروبي وبقية الغرب أن يتعاملوا مع الصين بروح من التعاون والاحترام المتبادل.

إن مستقبل التنمية العالمية يكمن في الشراكات، وليس في العزلة. إنّ اعتماد نهج الفوز للجميع بدلا من الوقوع فريسة لعقلية المحصلة صِفر أمرٌ ضروريٌّ لتعزيز عالم أكثر ترابطا وازدهارا.

ميشيل جيراسي وكيل وزارة الخارجية الأسبق في وزارة التنمية الاقتصادية الإيطالية.

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: الاتحاد الأوروبی من الممکن أن یتعین على الغرب أن فی الصین من خلال

إقرأ أيضاً:

مسؤول بالاتحاد الأوروبي لـ«الاتحاد»: ندعم حل الدولتين ونساهم في تحقيق الاستقرار والسلام

عبدالله أبوضيف (رام الله، القاهرة)

أخبار ذات صلة البابا فرنسيس يندد بالوضع الإنساني المأساوي في غزة تحذير أممي من «كارثة وشيكة» في غزة جراء الحصار

قالت رئيسة بعثة الاتحاد الأوروبي لدعم الشرطة الفلسطينية، وسيادة القانون، كارين ليمدال، إن الأولويات الحالية تنعكس في توجهات الاتحاد لدعم حل الدولتين، ضمن حدود التفويض وبما يتماشى مع أجندة الإصلاح الحكومية الفلسطينية، والتي ندعمها من خلال المشورة الاستراتيجية والتقنية، بما في ذلك أنشطة التدريب.
وأوضحت ليمدال في تصريح خاص لـ «الاتحاد»، أن البعثة تساهم في تحقيق الاستقرار والسلام إذ أن سيادة القانون والأمن يمثلان شرطًا أساساً للاستقرار، بغض النظر عن المنطقة الجغرافية، علاوة على ذلك، لا يمكن إجراء الانتخابات أو جذب الاستثمارات لتحقيق التنمية الاجتماعية والاقتصادية دون وجود منظومة أمن وعدالة فعالة. 
وقالت: «يعد الاتحاد الأوروبي أكبر مقدم للمساعدات الخارجية للفلسطينيين، وتماشياً مع هدف التوصل إلى حل الدولتين عن طريق التفاوض، تهدف جهود الاتحاد إلى تعزيز سيطرة الفلسطينيين واستقلالهم وقدرتهم على ممارسة المسؤولية استعداداً لإقامة الدولة الفلسطينية، كما يدعم الاتحاد الأوروبي جهود تعزيز شفافية السلطة الفلسطينية ومساءلتها».
وأشارت ليمدال إلى أن عمل البعثة يمتد ليشمل جميع محافظات الضفة الغربية، وفي ظل غياب المجلس التشريعي، يتم تقديم المشورة للسلطة القضائية الفلسطينية لتعزيز استقلالها، من خلال إنشاء عملية تشاور عامة وبين الوزارات مما يعزز كفاءة النظام القضائي. وذكرت أنه يتم دعم تطوير عملية تشريعية تشاركية واستشارية لمجلس الوزراء الفلسطيني، ونوفر تحليلات تقنية حول قانون السلطة القضائية، وقانون العقوبات، وقانون الإجراءات الجنائية، كما تم دعم إنشاء شبكات للنساء الفلسطينيات بين ضباط الشرطة والمحامين والمدعين العامين والقضاة، ومواصلة دعم بناء الدولة في فلسطين مع التركيز على قطاعي الأمن والعدالة. وكشفت المسؤولة الأوروبية عن تركيز عمل البعثة بشكل أساس على تقديم المشورة، حيث يتم تنظيم أنشطة تدريبية تهدف إلى تعزيز القدرات في عدة مجالات مثل المساءلة وجرائم الإنترنت والجرائم البيئية وحماية الأسرة وحقوق الإنسان في العمل الشرطي. وأضافت، أن الهدف هو الوصول إلى أكبر عدد ممكن من المحافظات الفلسطينية التي تحتاج إلى الدعم، من خلال برنامج «تدريب المدربين» في مواضيع متعددة، ونعمل وفق نهج تقييم الاحتياجات المستمر، من خلال تفاعل دائم مع شركائنا. وتضمنت أحد أنشطة البعثة ورشة عمل تناولت سلسلة العدالة والأمن في محافظة بيت لحم، بعنوان «بناء الجسور في بيت لحم»، تضمنت إنشاء شبكة استراتيجية بين الجهات الفلسطينية التي تمثل منظومة العدالة الجنائية، لتعزيز سيادة القانون والاستقرار والثقة والتماسك المجتمعي.

مقالات مشابهة

  • الاتحاد الأوروبي يفرض غرامات على «آبل» و«ميتا»
  • زيارة ترامب إلى الخليج.. فرصة عربية أم تهديد لفلسطين؟
  • بعد تهديد واشنطن.. بريطانيا: أوكرانيا هي التي تقرّر مستقبلها.
  • الاتحاد الأوروبي يغرّم آبل وميتا 700 مليون يورو لانتهاكهما القواعد الرقمية للتكتّل
  • قمة سمرقند: لماذا يتزايد الاهتمام الأوروبي بآسيا الوسطى؟
  • الخارجية الروسية: مطالبة الاتحاد الأوروبي بعدم الذهاب إلى موسكو 9 مايو تشير إلى سقوط الغرب
  • "تايمز": ستارمر يقترب من التوصل إلى اتفاق تجاري كبير مع الاتحاد الأوروبي
  • باتروشيف: الصين أصبحت الآن القوة الاقتصادية البحرية الأولى في العالم
  • معدل البطالة في الاتحاد الأوروبي يسجل أدنى مستوى له منذ بداية الألفية
  • مسؤول بالاتحاد الأوروبي لـ«الاتحاد»: ندعم حل الدولتين ونساهم في تحقيق الاستقرار والسلام