لجريدة عمان:
2024-08-28@22:52:19 GMT

صعودُ الصين.. فرصةٌ للغرب أم تهديدٌ له؟

تاريخ النشر: 17th, July 2024 GMT

إن تنمية بُلدان الجنوب العالمي، ومجموعة البريكس، ودولِ الحزام والطريق تمثل التحول من العالم القديم أحادي القطب إلى عالم متعدد الأقطاب، وهذا تحول يسهم بشكل كبير في الاقتصاد العالمي، ولا يمكن إيقافه.

ومن المؤسف أن الغرب ينظر غالباً إلى التطور السريع الذي تشهده الصين بعين الريبة، إذ يواصل استراتيجياته التي غالبا ما تكون محصلتُها صِفراً في العلاقات الدولية والتجارة الدولية.

هناك طريق آخر تستطيع البلدان من خلاله التعامل مع بعضها البعض، وهو ما يسمى النهج المربح للجانبين، إذ إنّ النمو والتنمية في دولة ما يجلب فوائد لبلدان أخرى أيضا. إنني أدرك أن العلاقات بين الدول يمكن أن تتخذ شكل المنافسة أو الشراكة. إن المنافسة من أجل المنافسة ستكون محصلتـُها صفرا، ومن المؤسف أن الغرب أصبح ينظر إلى العلاقات بين الدول باعتبارها منافسة. ومن ناحية أخرى، فإن الدول التي تسعى إلى تحقيق المنفعة المتبادلة، تنظر إلى العلاقات بينها وبين الدول الأخرى على أنها شراكات.

لقد أدى النمو الاقتصادي في الصين إلى تحسين حياة الشعب الصيني، وأوجد سوقا ضخمة تتميز بارتفاع الطلب على السلع والخدمات. وقد وفّر هذا التوسع الديموغرافي سوقا مربحة للمنتجات الغربية عالية الجودة لفئة الدخل المتوسط، التي تشهد ارتفاعا في عدد المنتمين إليها في الصين.

ولذلك، يتعين على الغرب بقيادة الولايات المتحدة أن يتقبل أن التجارة ليست لعبة محصلتها صفر. إنّ نمو الاقتصاد الصيني يعمل على تحفيز الطلب العالمي، مما يفيد شركائها التجاريين من خلال توفير سبل جديدة للصادرات. والواقع أن شركات الاتحاد الأوروبي كانت تستفيد (وتستطيع أن تستمر في الاستفادة) من الطلب الصيني على السلع الفاخرة، ومنتجات السيارات، والتصنيع المتطور. ومن خلال تعزيز العلاقات التجارية وتقليص الحواجز التجارية، يستطيع الاتحاد الأوروبي والصين تحقيق الرخاء الاقتصادي المتبادل.

إن عقلية الاستراتيجيّة التي محصلتها صفر، التي ترى أنّ مكسب أحد الأطراف هو خسارة لطرف آخر، عفا عليها الزمن وتؤدي إلى نتائج عكسية. وبدلا من ذلك، يتعين على البلدان أن تتبنى نهجا مربحا للجانبين في العلاقات الدولية. ومن خلال التعاون مع الصين، يستطيع الاتحاد الأوروبي وبقية الغرب أن يجدوا مصالح مشتركة تعود بالنفع على الأطراف كافّة. وتعزز هذه العقلية التعاونية مناخا إيجابيّا يتقاسم فيها الأطراف الابتكارات والموارد والنمو، مما يؤدي إلى مزيد من الرخاء الشامل.

لقد حولت الاستثمارات الكبيرة في التكنولوجيا والابتكار الصين إلى دولة رائدة عالميًا في مجالات مثل الجيل الخامس والطاقة المتجددة والذكاء الاصطناعي. ومن الممكن أن يؤدي التعاون مع الصين في هذه المجالات إلى تحفيز التقدم التكنولوجي في الغرب، ومن الممكن أن تؤدي المشاريع المشتركة والتعاون البحثي إلى إنتاج معرفة مشتركة، وتطوير التكنولوجيا، والمزيد من الإبداع.

ومن الممكن أن تستفيد أوروبا من التقدم الذي أحرزته الصين في مجال تكنولوجيا الطاقة المتجددة لتحقيق أهدافها المناخية الطموحة، إذ يمكن للجهود التعاونية في مجال البحث والتطوير أن تعمل على التعجيل بتبني التكنولوجيا الخضراء، مما سيسهم في الاستدامة العالمية. وهذا هو جوهر النهج المربح للجانبين، حيث يعمل الطرفان على تطوير قدراتهما التكنولوجية والتصدي للتحديات العالمية معًا.

كما أدى تطور الصين إلى توسع سوقها المالية، مما أوجد فرصا جديدة للمستثمرين الغربيين. إن تحرير القطاع المالي في الصين يسمح بزيادة المشاركة الأجنبية، الأمر الذي يوفر فرصاً استثمارية جذابة. وعلى هذا النحو، تستطيع المؤسسات المالية في الاتحاد الأوروبي أن تستفيد من تنويع محافظها الاستثمارية في واحد من أكثر اقتصادات العالم ديناميكية.

علاوة على ذلك، خلقت مبادرة الحزام والطريق، على الرغم من محاولات بعض الدول الغربية تشويهها، فرصا كبيرة للاستثمار في البنية التحتية والتنمية. يمكن لشركات الاتحاد الأوروبي المشاركة في مشاريع الحزام والطريق الوصول إلى أسواق جديدة والمساهمة في النمو الاقتصادي العالمي. تجسد المبادرة قيمة مشاركة جميع الأطراف في المشاريع التعاونية، مما يعزز فلسفة الفوز للجميع.

يعد التبادل الثقافي مجالا آخر توفر فيه التنمية في الصين فرصا كبيرة. ومن الممكن أن يعمل زيادة هذا التبادل الشعبي والسياحي، والتعاون في المجال التعليمي على تعزيز التفاهم المتبادل وحسن النية، في حين يمكن للدبلوماسية الثقافية أن تقوم بدور حاسم في الحد من التوترات وتعزيز العلاقات بين الصين والغرب.

علاوة على ذلك، من الممكن أن يساعد التبادل التعليمي في سد الفجوات الثقافية، وخلق جيل من القادة الذين يفهمون وجهات النظر الغربية والصينية. وهذا التفاهم المتبادل ضروري للتصدي بشكل تعاوني للتحديات العالمية.

إن واحدة من أكبر المشاكل التي تعوق تصور الغرب للتنمية في الصين تتلخص في انتشار المفاهيم الخاطئة والخوف بشأن نوايا البلاد. ومن أجل تبديد مثل هذه المفاهيم الخاطئة والمخاوف، وتعزيز التعاون، يحتاج الجانبان إلى الدخول في حوار مفتوح، وبناء الثقة.

لذا يتعين على الغرب أن ينظر إلى صعود الصين باعتباره فرصة لمزيد من التعاون، وليس تصعيدا للمنافسة والمواجهة. إنّ المشاركة البناءة وحدها، والبعد عن سياسة التقييد، من الممكن أن تؤدي إلى نتائج مفيدة للطرفين، لذلك فإن الفهم الشامل لأهداف التنمية في الصين ومواءمتها مع المصالح الغربية قد يساعد في بناء نظام عالمي أكثر استقرارا وازدهارا.

هناك فوائد كبيرة محتملة للتعاون الاقتصادي والابتكار التكنولوجي والاستثمارات والتبادلات الثقافية وبناء الثقة. ومن خلال اغتنام الفرص للقيام بذلك، يستطيع الغرب أن يعزز براعته الاقتصادية والتكنولوجية في حين يسهم في الاستقرار والرخاء العالميين. وبدلاً من الاستسلام للمخاوف والشكوك غير الضرورية، يتعين على الاتحاد الأوروبي وبقية الغرب أن يتعاملوا مع الصين بروح من التعاون والاحترام المتبادل.

إن مستقبل التنمية العالمية يكمن في الشراكات، وليس في العزلة. إنّ اعتماد نهج الفوز للجميع بدلا من الوقوع فريسة لعقلية المحصلة صِفر أمرٌ ضروريٌّ لتعزيز عالم أكثر ترابطا وازدهارا.

ميشيل جيراسي وكيل وزارة الخارجية الأسبق في وزارة التنمية الاقتصادية الإيطالية.

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: الاتحاد الأوروبی من الممکن أن یتعین على الغرب أن فی الصین من خلال

إقرأ أيضاً:

روسيا تسيطر على قرية بدونيتسك وأوروبا تبحث حرب أوكرانيا

أعلنت روسيا، اليوم الأربعاء، سيطرتها على قرية بمنطقة دونيتسك، في الوقت الذي يجتمع فيه وزراء خارجية الاتحاد الأوروبي غدا لبحث الأوضاع الراهنة في أوكرانيا.

فقد ذكرت وكالة تاس للأنباء أن وزارة الدفاع الروسية أعلنت سيطرة قواتها على بلدة كوميشيفكا بمنطقة دونيتسك شرقي أوكرانيا.

وفي السياق ذاته، قتل 6 أشخاص اليوم بقصف روسي على منطقة دونيتسك، وفق ما أعلن الحاكم المحلي.

وقال فاديم فيلاتشكين على تليغرام "في الصباح، قتل الروس 4 أشخاص ودمروا منزلا في قرية إزماييلفكا القريبة جدا من الجبهة".

وأضاف أن هجوما آخر أدى إلى مقتل شخصين قرب تشاسيف يار، وتدمير عشرات المنازل.

ودعت كييف سكان المنطقة التي تسيطر عليها جزئيا قوات موالية لروسيا منذ عام 2014، إلى إخلائها بعد بدء موسكو حربها على أوكرانيا.

ومؤخرا، أمرت السلطات المحلية بعمليات إجلاء إلزامية واسعة النطاق مع تقدم القوات الروسية نحو بوكروفسك، وهي مدينة لوجستية كان يقطنها حوالى 60 ألف شخص.

اجتماع أوروبي

وفي سياق آخر، يجتمع وزراء خارجية الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي بالعاصمة البلجيكية بروكسل، غدا الخميس، لبحث الأوضاع الراهنة في أوكرانيا وقطاع غزة.

ومن المقرر أن يتبادل الوزراء وجهات النظر بشأن القضايا الدولية الراهنة في اجتماع "غيمنيش" غير الرسمي.

وتعقد اجتماعات غيمنيش، وهي منصة تشاورية، بغرض تطوير رأي وإستراتيجية مشتركة بين الدول الأعضاء من غير اتخاذ قرارات، في عاصمة الدولة التي تتولى حاليا رئاسة مجلس الاتحاد الأوروبي.

ومن المتوقع أن يبحث الوزراء في هذه الجلسة كيفية دعم كييف استعدادا لفصل الشتاء في إطار الهجمات الروسية على خطوط الطاقة الأوكرانية، وطريقة مواصلة الجهود في إطار مؤتمر السلام الدولي الذي عقد في سويسرا يونيو/حزيران الماضي.

كما سيتم بحث زيادة المساعدات العسكرية لأوكرانيا، بما في ذلك الوسيلة المالية الجديدة للاتحاد الأوروبي والتي تسمى "صندوق مساعدات أوكرانيا".

وفي موضوع آخر، حذر متحدث الرئاسة الروسية (الكرملين) ديمتري بيسكوف من أن أوروبا ستتضرر إذا لم تمدد أوكرانيا اتفاقية نقل الغاز الطبيعي مع موسكو.

جاء ذلك في تصريحات صحفية، الأربعاء تعليقا على إعلان الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي عزم بلاده عدم تمديد اتفاقية نقل الغاز الطبيعي مع روسيا التي تنتهي أواخر العام الجاري.

وقال بيسكوف إن هناك طرقا بديلة لشحن الغاز الروسي إلى أوروبا، مثل إنشاء مركز للغاز الطبيعي في تركيا.

وأشار إلى أن اتخاذ أوكرانيا قرارا بعدم تمديد اتفاقية نقل الغاز مع روسيا من شأنه أن يضر بشكل كبير بمصالح المستهلكين الأوروبيين، وفق تعبيره.

مقالات مشابهة

  • مهمة الاتحاد الأوروبي بالبحر الأحمر: لا تسرب للنفط بمحيط الناقلة سونيون
  • ألمانيا وبريطانيا.. سعي لتعزيز العلاقات التجارية
  • الاتحاد الأوروبي يبحث فرض عقوبات على وزيرين إسرائيليين
  • روسيا تسيطر على قرية بدونيتسك وأوروبا تبحث حرب أوكرانيا
  • من برلين.. ستارمر يعد بتحسين العلاقات مع الاتحاد الأوروبي وشولتس يرحب
  • رئيس وزراء بريطانيا يؤكد: لن نعود مجددًا للاتحاد الأوروبي
  • ستارمر يستبعد عودة بلاده إلى الاتحاد الأوروبي
  • كيف ردت الصين على ضرائب الاتحاد الأوروبي على سياراتها الكهربائية
  • فايننشال تايمز: قصة القناة الخلفية السرية بين الولايات المتحدة والصين
  • الاتحاد العربي للجودو: البطولة العربية بالعلمين فرصة ثمينة لتطوير مهارات الناشئين