لجريدة عمان:
2024-08-28@21:21:49 GMT

سوف تفاجئنا كثيرا شواطئ المستقبل

تاريخ النشر: 17th, July 2024 GMT

في ديسمبر الماضي هبَّت عاصفة مفاجئة على مقاطعة يابلس في فلوريدا، فاجتثت في طريقها الشواطئ، وسلبتها نصف الكثبان الرملية فيما بين سان بطرسبرج وكليرووتر. كان الضرر جسيما، وشديد الإيلام، لأن المقاطعة كانت قد أنفقت للتو قرابة ستة وعشرين مليار دولار على نقل الرمال دعما للكثبان بعد أن ضربها إعصار في أغسطس.

ولكن هذا الحدث أبعد ما يكون عن الاستثنائية.

فسكان الشواطئ في أرجاء العالم ينفقون مبالغ مذهلة لتعويض الرمال التي تأتي عليها العواصف الكبيرة ويجرفها ارتفاع منسوب البحار. فكان ذلك يستوجب صيانة تجري كل عشر سنوات تقريبا ثم باتت في الغالب حدثا سنويا.

بالنسبة لكثير من مجتمعات تلك الشواطئ، تستحق إصلاحات الشواطئ الثمن الباهظ الذي يبذل لحماية الممتلكات العقارية والسياحة فيها. لكن مع تسارع تآكل تلك الشواطئ بسبب التغير المناخي، من المرجح أن يكون نقل أو شحن كميات ضخمة من الرمال لتجديد الشواطئ أمرا غير محتمل اقتصاديا وغير عملي لوجستيا. وقد يجد صناع السياسات أنفسهم مرغمين عما قريب على قرارات أليمة بشأن الشواطئ والهياكل التي يمكن إنقاذها.

وليس هذا وبالا على محبي الشواطئ بالضرورة. فالشواطئ بطبيعتها تتنقل، ويحسن حالها ويسوء. وخلافا لبعض آثار التغير المناخي الأخرى التي تبدو أشد جهامة كلما أوغلنا النظر في المستقبل، يمكن للشواطئ المهاجرة في نهاية المطاف أن تجعل سواحل أمريكا أفضل صحة بتوفيرها مواطن جديدة تزدهر فيها الشعاب المرجانية والحياة البرية اللتان تتأثران سلبا بتجديد الرمال.

لقد تعين في السابق على أهالي الشواطئ أن يقوموا بصيانة الرمل على سواحلهم نظرا لتحول الشواطئ في بواكير القرن العشرين إلى مقاصد مثلى للإجازات. وبحلول أواسط ثلاثينيات القرن العشرين كان العمران الشاطئي في كوني آيلند ونيويورك ووايكيكي وهاواي وأطلنطيك سيتي بنيوجيرزي قد أتى على الشواطئ فاستوجب ذلك تلقيها الدفعات الأولى من الرمال.

وازدادت الحكومة الفيدرالية انخراطا في تلك الجهود بحلول منتصف القرن العشرين، حينما أصبحت حماية الشواطئ الأمريكية من الكوارث الطبيعية جزءا من تكليفات سلاح المهندسين الذي يتحمل في العادة أكثر من نصف تكاليف مشروعات تجديد الشواطئ، في حين تتولى وكالة إدارة الطوارئ الفيدرالية المهمة في الغالب عندما تتضرر الشواطئ بسبب الأعاصير.

وقد بات أهالي الشواطئ يعتمدون الآن أكثر من ذي قبل على هذا الدعم في جذب السياح المحبين للمنتجعات الشاطئية، وبيوت الإجازات، وتأجير العقارات. وفي الولايات المتحدة وحدها، تبلغ الضرائب المحصلة من السياحة الشاطئية ستة وثلاثين مليار دولار سنويا. وإذن فمن المنطقي أن تكون الحكومة قد أنفقت ما يقدر بـ8.2 مليار دولار على تجديد الشواطئ في هذا القرن وحده، مقارنة بما لا يزيد إلا عن 3.6 مليار دولار في كامل القرن العشرين.

وسوف تحتاج الشواطئ إلى المزيد من التغذية مع تفاقم العواصف التي تجرف رمالها، وازدياد صعوبة الحفاظ على هذه الرمال في أماكنها بسبب ارتفاع منسوب البحر، ولأن الإفراط في استخراج المياه الجوفية يؤدي إلى غرق الأرض وجفاف الأنهار التي كانت ذات يوم تنقل الرمال إلى الساحل. ونحن نشهد بالفعل أن الشواطئ القريبة من سان دييجو وسان كليمنت في كاليفورنيا تتقلص بمتوسط 4.75 أقدام في العام. وفي غياب هذه الشواطئ، لا يبقى شيء يقي البيوت والمنتجعات وغيرها من المباني المنتشرة على الشاطئ من غضب المحيط.

بل إن العثور على الرمال بات أكثر صعوبة، فكثير من مصادره البحرية استنزفت، مما أجبر سفن الجرف على الإيغال في البحر بحثا عن الرمل واستخراجه من قاع المحيط. في بعض الأماكن تحتم نقل الرمل بالشاحنات من البر بتكلفة أكبر كثيرا، بل تحتم في بعض الحالات شراؤه من بلاد أخرى. فقد استورد منتجع «جويل جراندي» في خليج مونتيجو على سبيل المثال رمالا من جزر البهاماس لصيانة شواطئه قبل افتتاحه للعمل في عام 2017.

تتنافس البلدات الشاطئية بالفعل مع الشركات التي تستعمل الرمل في تصنيع ما لا يقتصر على الخرسانة والزجاج والأسفلت بل يمتد إلى تصنيع الهواتف المحمولة وأشباه الموصلات والرقائق الدقيقة. لقد تزايد الطلب على الرمل خلال العقدين الأول والثاني من هذا القرن إلى ثلاثة أمثال ما كان عليه. وأدت المنافسة إلى ما يعرف بعصابات مافيا الرمل التي تجرفه بشكل غير شرعي في بلاد كثيرة من المغرب إلى إندونيسيا، مما أسفر إلى رفع أسعاره في العالم.

بالنسبة لكثير من المجتمعات الأمريكية التي يقوم اقتصادها على السياحة الشاطئية، قد يكون إنفاق أموال الضرائب على تجديد الشواطئ أمرا مستحقا الآن، ولكن هذه الاقتصادات تقل جاذبية من عام إلى عام. في جنوبي كاليفورنيا، من المرجح أن ترتفع كمية الرمال اللازمة لتجديد الشواطئ إلى ثلاثة أمثالها بحلول عام 2050، وقد ترتفع التكلفة إلى خمسة أمثالها، وفقا لدراسة حديثة. وكثير من المناطق الشاسعة في ساحل جيرزي تستوجب بالفعل إصلاحا كل سنة أو سنتين، وفي حال ارتفاع منسوب البحر هناك قدما واحدا خلال الأعوام الثلاثين القادمة، بحسب ما تنبأت به الإدارة الوطنية للمحيطات والغلاف الجوي، فسوف تتعاظم الحاجة. وسرعان ما ستستحيل المواكبة.

سوف تتوقف بعض المجتمعات الشاطئية في نهاية المطاف عن ترميم شواطئها، إما فجأة أو من خلال ما يعرف بالانسحاب المدار، وهو ابتعاد مرتب وتدريجي عن الشواطئ يجتنب إحداث صدمات لملاك العقارات والمقيمين فيها. في هذه الحالات، يمكن إعادة توجيه الأموال المخصصة حاليا لدعم الشواطئ إلى إقامة مبان مؤقتة كالمنازل النموذجية والخيام التي يسهل نقلها من أماكنها. كما يمكن توجيه التمويلات إلى برامج حكومية تشتري العقارات، وبخاصة من أصحاب المنازل الذين يمكن أن ينقلوا بيوتهم إلى أماكن أخرى أو يستأجرونها من الحكومة وتبقى في الوقت نفسه مرنة. والانسحاب المدار يتسبب في تثبيط التطوير خلافا لتجديد الشواطئ التي تشجع التطوير.

طبعا، سوف تختفي الشواطئ. لكنها قد تظهر في أماكن أخرى، وبهذا قد يفيد تآكل الشواطئ اليوم سواحل أخرى غدا.

وفي حين أن التغذية متجذرة في إصرارنا على أن تبقى الشواطئ في مكان معين، فالحقيقة هي أن الشواطئ لم تكن مثلما نتخيلها، فلو تركت الشواطئ وشأنها لأدواتها، فإنها ببساطة سوف تتنقل، مع ارتفاع منسوب البحر، وبعضها سوف ينجرف صعودا أو هبوطا، أو يتقلص ثم يعود فيتوسع في ظل أن قوة الرياح والأمواج والمد تمضي بالرمل في وجهات عديدة. بعض الشواطئ سيتوغل في البر، وسعيد الحظ منها سوف يتسع. ومثل هذه الهجرات طبيعية، بل هي صحية من وجهة النظر الجيولوجية، إذ تتيح للشواطئ دعم الطيور والأسماك والشعاب المرجانية التي تعتمد عليها.

في بعض الأماكن، يحدث هذا بالفعل. ففي جنوب لوس أنجلوس يتسع شاطئ هنتنتن كل عام. وفي هولندا، تتعامل جزيرة شيرمونيكوج بسهولة مع ثلاثمائة ألف زائر كل سنة وتتسع شواطئها سنويا. والجزر الحاجزة البرية قبالة ساحل جورجيا متماسكة تماما ومتاح لها من خلال المد والجزر التكيف مع الظروف الطبيعية المتغيرة. كما وجد الباحثون الذين درسوا 184 جزيرة غير مأهولة تقريبا في المالديف أن 42% منها تتآكل، لكن 39% مستقرة نسبيا و20% تنمو.

لا يمكننا أن نتنبأ لأي شاطئ معين كيف سيكون سلوكه حينما يترك وشأنه، ولا نعرف بالضبط أي شكل سوف تأخذه السواحل الجديدة. لكن إنهاء التغذية لا يعني أن نودع بهجة قضاء يوم على الرمل. فلو أننا تنحينا جانبا، سوف تستمر الشواطئ.

سارة ستودولا مؤلفة «الملاذ الأخير: وقائع الجنة والربح والخطر في الشاطئ».

خدمة نيويورك تايمز

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: القرن العشرین ارتفاع منسوب ملیار دولار الشواطئ فی

إقرأ أيضاً:

القرن الأفريقي في قلب صراع النفوذ بين مصر وإثيوبيا

كان من الممكن لاجتماع وزراء الخارجية العرب المنعقد في القاهرة في مارس/آذار 2020 أن يمر كغيره من الاجتماعات المماثلة مغلفًا بالرتابة والتوقعات المحدودة، غير أن معطيات التصويت في تلك الجلسة كانت تنطق عن واقع جديد يكشف توازنات القوى في القرن الأفريقي.

في ذلك الاجتماع، نُقل رفض الصومال مشروع قرار قدمته القاهرة لجامعة الدول العربية بشأن سد النهضة الإثيوبي يؤكد حقوقها التاريخية في مياه النيل. الموقف الصومالي ترددت أصداؤه في يونيو/حزيران من العام نفسه على إثر تحفظ كل من مقديشو وجيبوتي أيضًا هذه المرة على بند مدرج في قرار مماثل.

هذا النجاح الإثيوبي في استقطاب حلفاء القاهرة التاريخيين في شرق أفريقيا يعد بمثابة مولود شرعي لديناميكية السياسة الخارجية لأديس أبابا وقدرتها على بناء شبكة مصالح ربطتها بجيرانها، ولما وصفه الكاتب المصري فهمي هويدي في مقال له بغياب مصر عن أفريقيا واكتفائها بـ"الفهلوة" بديلًا عن الإستراتيجية.

ويكفي النظر على سبيل المثال في تاريخ التفاعلات بين مقديشو وأديس أبابا والقاهرة لاستكشاف عمق التحولات التي كانت تجري، فأحد الدبلوماسيين الصوماليين السابقين يصف العلاقة بين بلاده وإثيوبيا بأن كلا منهما يرى الآخر "تهديدًا وجوديًا" له، حيث خاض البلدان جولات حروب عنيفة عبر قرون من الزمان.

وفي المقابل، فإن مقديشو امتنعت عن مقاطعة القاهرة إثر اتفاقية كامب ديفيد، وسبقت ذلك بإرسال كتيبة مدفعية للمشاركة في الجبهة المصرية في حرب 6 أكتوبر 1937.

الطريق إلى القمة الإقليمية

في ورقته حول السياسة الإقليمية لبلاده، يرى الخبير الإثيوبي في شؤون السلام والأمن مدهني تادسي أن نفوذ أديس أبابا الإقليمي المتنامي خلال عهد حكم الجبهة الثورية الديمقراطية لشعوب إثيوبيا (1991-2016)، ارتكز على مجموعة من العوامل المتعاضدة داخليًا وإقليميًا ودوليًا.

ووفقًا لتادسي فقد تبلور لدى القيادة الإثيوبية منذ تسعينيات القرن الماضي رؤية مفادها أن حدوث تحول جيوسياسي إقليمي لمصلحتهم مشروط اقتصاديًا بتحويل "إثيوبيا من كارثة فقيرة إلى بلد أكثر إنتاجية"، فالدولة التي تتمتع باقتصاد قوي ستكون في وضع أفضل كثيرًا للتنافس ومواجهة التهديد الإستراتيجي القادم من مصر.

بدأ هذا التحول بالمحافظة على بيئة سياسية داخلية مستقرة نسبيًا بشكل واضح، فرغم التحديات العرقية والاضطرابات الدورية استطاعت الحكومة المركزية بقيادة زعماء مثل ملس زيناوي، الذي وصفه مسؤول أميركي سابق بأنه "أحد أذكى خمسة قادة في أفريقيا"، فرض سيطرتها والحفاظ على الأمن مما أتاح لها البيئة المناسبة لتنفيذ نقلة اقتصادية كبرى.

هذه النقلة التي يصفها بعض المختصين بأنها "إحدى القصص العظيمة في القرن الحادي والعشرين"، قفزت إثيوبيا بموجبها من ثالث أفقر دولة في العام عام 2000 إلى أحد أسرع اقتصادات العالم نموًا بمعدل بلغ 10% في بعض السنوات، وكان هذا نتاج الاستثمار الكثيف من الدولة في المشاريع الاقتصادية ولا سيما المتعلقة بالبنى التحتية، مما حوّل البلد إلى المركز الاقتصادي الأبرز في المنطقة.

بجانب ما سبق تمكنت الحكومة الإثيوبية من بناء قواتها المسلحة من ركام الحرب الأهلية إلى أحد أكبر الجيوش في القارة الأفريقية، ومن خلال هذه القوة العسكرية قامت بالدخول في شراكات أمنية مع قوى غربية لمكافحة ما سُمي الإرهاب، مما أهلها للحصول على دعم اقتصادي وسياسي وأمني جعلها شرطي المنطقة المسنود غربيًا لسنوات طوال.

إثيوبيا في الصومال

إقليميًا، استفادت إثيوبيا من انهيار الدولة في الصومال وتراجع الدور الإريتري على إثر العقوبات والحصار الدولي على أسمرة، مبادِرة لملء كل هذه الفراغات بأدوات مختلفة استطاعت من خلالها بناء شبكة من المصالح التي تربطها بجيرانها واستدراجهم إلى الفلك الإثيوبي بشكل مواز لتراجع وغياب دور أبرز خصومها في وادي النيل: مصر المشغولة بأزماتها الداخلية وتداعيات الربيع العربي في الشرق الأوسط.

ففي الصومال مثلت القوات الإثيوبية أهم مكونات البعثة الأفريقية لحفظ السلام في الصومال (أميصوم)، وخليفتها (أتميس)، حيث تجد مقديشو نفسها بحاجة ماسة إليها في حربها مع حركة الشباب.

كما بنت أديس أبابا علاقات وثيقة مع بعض الأقاليم الفدرالية الصومالية، مما مكنها من التحول إلى وسيط بينها وبين مقديشو من جهة، وسهل لها كذلك الضغط على الأخيرة للوصول إلى بعض التفاهمات من جهة ثانية، وما يزال الدور الإثيوبي هناك مشهودًا حيث لم تنصَع أديس أبابا لمطالبات مقديشو بإغلاق قنصليتيها في إقليمي بونت لاند وأرض الصومال.

كما استفادت إثيوبيا من ورقة المياه من خلال الضغط على الحكومة الفدرالية الصومالية بإنشاء مشاريع على نهر شبيلي الذي ينبع من الهضبة الإثيوبية ويعد -هو وتوأمه جوبا- مورد الحياة الرئيسي في جنوب الصومال.

 

جيبوتي رئة إثيوبيا البحرية

من جانب آخر، مثلت جيبوتي المنفذ البديل للسوق الإثيوبي الضخم بعد حرب 1998-2000 التي أدت إلى قطيعة كاملة بين إثيوبيا وإريتريا، حيث تحول ميناء جيبوتي إلى معبر لـ95% من الواردات والصادرات الإثيوبية، وقدرت أرباح جيبوتي من هذا التعاون بمليار دولار سنويًا.

ومع تحول جيبوتي إلى رئة إثيوبيا البحرية، شهدت العلاقات بين البلدين توثقا مطردا، إذ تم ربط ميناء دوراليه الجيبوتي بأديس أبابا من خلال خط سكة الحديد البالغ طوله 756 كيلومترًا والذي يعمل بالكهرباء.

كما يوفر مشروع الربط الكهربائي بين البلدين 80% من حاجة جيبوتي من الكهرباء، وتم الإعلان عام 2019 عن توقيع اتفاقية في العاصمة الإثيوبية لمد خط أنابيب لتصدير الغاز الطبيعي بتكلفة 4 مليارات دولار.

ولمواجهة معاناة جيبوتي من توفير المياه العذبة للشرب والزراعة نتيجة البيئة الصحراوية القاحلة تم عام 2017 إطلاق مشروع بهدف ضخ 100 ألف متر مكعب من المياه يوميًا من الإقليم الصومالي في إثيوبيا إلى إقليم علي صبيح الجيبوتي، حيث تقدر كمية الضخ اليومي الآن بـ20 ألف متر مكعب.

من ذروة المد إلى الانحسار

مثّل قيام التحالف الثلاثي الذي ضم كلًا من إثيوبيا وإريتريا والصومال ذروة لحظة التفاؤل التي بدا فيها الإقليم متجهًا نحو طي صفحة الخلافات الماضية والانتقال إلى حالة من التكامل الاقتصادي والتنسيق السياسي الذي تقوده القاطرة الإثيوبية.

شكل هذا التحالف درعًا إقليميا لحماية إثيوبيا، حيث انقطع آخر تهديد يستهدفها بالمصالحة مع إريتريا، والتي فقدت القاهرة بموجبها مخلب قط متقدمًا في الخاصرة الإثيوبية، حيث تشير ورقة للصحفي الإثيوبي أنور إبراهيم إلى أن عامي 2013 و2014 شهدا محاولات تخريبية استهدفت سد النهضة وانطلقت من إريتريا.

لكن سرعان ما قادت التطورات اللاحقة إلى تغير ملامح المشهد في القرن الأفريقي، حيث أدت مخرجات حرب التيغراي (2020-2022) واتفاقية بريتوريا بين أديس أبابا والجبهة الشعبية لتحرير تيغراي إلى توتر بين الأخيرة وأسمرة التي اعتبرت أن هذا الاتفاق "مكيدة أميركية" تستهدفها.

في حين دفعت المطامح الإثيوبية في الحصول على منفذ بحري إلى زيادة منسوب التوتر في العلاقات مع أسمرة والمخاوف في جيبوتي، وإلى اندلاع أزمة ما تزال تتصاعد منذ أشهر عقب توقيع رئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد مذكرة تفاهم مع إقليم أرض الصومال الانفصالي، وصفها الرئيس الصومالي حسن شيخ محمود "بالمساس المباشر بسيادة" بلاده، طاردًا السفير الإثيوبي من البلاد وواضعًا إلغاء المذكرة شرطًا رئيسيًا لإعادة تطبيع العلاقات مع أديس أبابا.

العودة المصرية

يمكن ملاحظة تصاعد نشاط الدبلوماسية المصرية في منطقة القرن الأفريقي منذ مايو/أيار 2021 مع هبوط طائرة الرئيس عبد الفتاح السيسي على مدرجات مطار جيبوتي في أول زيارة يقوم بها رئيس مصري إلى هذه الدولة ذات الموقع الإستراتيجي الحساس.

وبينما يرى العديد من المراقبين أن غيوم التوتر التي تخيم على المنطقة تمثل بيئة مثالية لتزايد الحضور المصري، يذهب الباحث الصومالي الشافعي أبتدون، إلى أن أهم أسباب الانعطافة المصرية نحو القرن الأفريقي تتمثل في فشل المسار التفاوضي مع أديس أبابا في الوصول إلى تفاهمات نهائية حول ملف سد النهضة.

بجانب أن التوترات الأمنية في جنوب البحر الأحمر وتداعياتها على الاقتصاد والأمن المصريين، طرحت أسئلة ملحة على القاهرة حول كيفية التعامل مع الواقع المستجد، حيث تطل بعض دول القرن على باب المندب الذي يعد البوابة الجنوبية لقناة السويس.

وفي سياق التنافس المصري الإثيوبي، يعتقد أبتدون أن جانبًا من التحرك المصري مرتبط بالتهديدات التي تراها القاهرة ماثلة في احتمالات حصول أديس أبابا على منفذ بحري وقاعدة عسكرية في إقليم أرض الصومال، مما يلقي بظلاله على مصالح مصر في المنطقة وعلى حركة التجارة العابرة إلى قناة السويس أيضًا.

السيسي يزور جيبوتي في أول زيارة يقوم بها رئيس مصري إلى هذه الدولة (موقع الرئاسة المصرية) الأدوات المصرية

وضمن محاولاتها للاستفادة من الواقع الجديد في القرن الأفريقي، تستخدم القاهرة العديد من الأدوات، إذ تبرز الدبلوماسية المتمثلة في الزيارات المتبادلة لكبار المسؤولين بين الطرفين، فكانت كل من جيبوتي ومقديشو أولى وجهات وزير الخارجية المصري الجديد بدر عبد العاطي.

كما أن القاهرة أعلنت عن نيتها افتتاح مبنى جديد لسفارتها في العاصمة الصومالية مقديشو، بجانب إطلاق خطوط طيران مباشرة بين العاصمة المصرية وكل من جيبوتي والصومال.

ويشير أستاذ الدراسات الأفريقية بدر شافعي إلى أن أمام القاهرة فرصة تاريخية لمحاولة تشكيل تحالف إقليمي بقيادتها يضم دول الجوار الإثيوبي، مستغلة حالة التوتر بين هذه الدول وأديس أبابا، وهو ما بدأت ملامحه بالظهور مع الأنباء التي ترددت مطلع هذا العام حول تزايد احتمالات تكوُّن تحالف مصري إريتري صومالي.

في حين يظل الانخراط في شراكات أمنية عسكرية مع دول المنطقة أحد الخيارات المتاحة أمام القاهرة، إذ أقر مجلس الوزراء في كل من الصومال ومصر اتفاقية أمنية دفاعية ستتيح للأخيرة -ضمن أشياء أخرى- تدريب القوات الصومالية ودعم المؤسسات الأمنية الصومالية تقنيًا ولوجستيًا.

كما أن القاهرة طالبت بالمشاركة في بعثة الاتحاد الأفريقي الجديدة لدعم الاستقرار في الصومال والتي ستبدأ مهامها العام القادم.

وفي منطقة تتسم التحالفات فيها بسرعة البناء والتفكك، فإن فعالية هذه الأدوات المصرية وديمومتها مرتبطان بوجود إستراتيجية واضحة قادرة على استقطاب دول القرن الأفريقي، وموازنة أدوات النفوذ الإثيوبي في المنطقة، ومزاحمة القوى الدولية والإقليمية الأخرى المحتشدة هناك، وهو ما ستتكفل قادمات الأيام بكشفه.

مقالات مشابهة

  • القرن الأفريقي في قلب صراع النفوذ بين مصر وإثيوبيا
  • وزير الري: دراسات جارية مع هولندا "لنقل الرمال من منطقة الدلتا البحرية" لحماية الشواطئ
  • «شواطئ خالية من البلاستيك» حملة بجنوب الشرقية
  • أعيان زوارة: تفاجئنا بهجوم على المعتصمين المدنيين بمنطقة أبوكماش من قبل قوة غير منضبطة
  • برج الثور.. حظك اليوم الأربعاء 28 أغسطس مهنيا وعاطفيا: لا تفقد أعصابك
  • المصطافين تودّع شواطئ الإسكندرية استعدادا للمدارس
  • دولفين مكتئب يهاجم رواد شواطئ اليابان
  • بطولة الرمال الذهبية لكرة السلة برعاية ذهبية من سيريتل
  • حنين الشواطئ وزاوية وسوالف.. 3 برامج جديدة على شاشة الشرقية
  • تاريخ مدينتي القضارف وسنّار: (من منظور أثيوبي)