كلما اشتدّت حرارة الشمس نرفع أنظارنا لأعلى أشجار النخيل، وحين نرى الخَلال وقد اصفرّ من شدّة الحرارة، نشعر بالاطمئنان، إذ يكون قد اقترب قطف الرطب، اللذيذ، وعندما يفيض عن أعذاق النخيل، يغمر الجميع ذلك الفيض الحلو، وكثيرا ما يطرق باب بيتي صديق يحمل لي ما يجود به من هذا الفيض، بما يؤكد كرم النخلة، والإنسان الذي يزرعها، ويعتني بها، وحتى أصحاب مزارع النخيل يتهادون، فيما بينهم، الرطب الجني، وهو ما طاب من التمر، وصلح للاجتناء، وأصناف التمور كثيرة، وكلّ مزارِع يتباهى بالصنف الذي يكثر في مزرعته، فيهديه لمزارع آخر يملك أصنافا أخرى، وفي كلّ وقت من الصيف ينضج نوع من التمور، وتكثر الأصناف، والكميات، وفي سلطنة عُمان، أينما تذهب تجد التمر والقهوة بانتظارك، في البيوت والمكاتب والمحلات التجارية، ما عليك سوى أن تجلس أمام المائدة المفروشة بالمحبّة، و(تتقهوى) أي تأكل بضع حبّات من التمر وتشرب فنجانا أو أكثر من القهوة، بما يمدّك بطاقة لإنجاز أعمالك، وتمضي إلى مقصدك، فالنخلة، تهب ثمارها التي كثيرا ما تكون مشاعة، بسخاء، يقول السري الرفاء:
فالنخل من باسق فيه وباسقة
يضاحك الطلع في قنوانه الرطبا
ووصفها أبو العلاء المعري بأشرف الشجر بقوله:
وردنا ماء دجلة خير ماء
وزرنا أشرف الشجر النخيلا
وللنخلة منزلة عالية بين الأشجار، وقد ذُكرت غير مرّة في القرآن الكريم، قال تعالى: «وهُزِّي إليكِ بجِذِع النَّخلَةِ تُساقِط عَلَيْكِ رُطَبًا جَنِيًّا» سورة مريم ٢٥، لذا وضُعت الكثير من الكتب عنها من بينها: (كتاب النخلة) لأبي حاتم سهل بن محمد السجستاني، و(النخلة) للشيخ سالم بن حمد الحارثي، وأهداني الباحث والشاعر خميس المويتي كتابه الذي وضعه عن النخل، وحمل عنوان (النخلة والإنسان على مرّ الزمان) والمويتي كما يصفه السيد قحطان بن ناصر البوسعيدي في تقديمه للكتاب «أبو الفنون الشعبية فهو قائد في الرزحة وله باع طويل في التغرود والميدان والمسبّع وغيرها من الفنون الشعبية العمانية، ويعتبر مرجعا في هذه الفنون»، وجاء كتابه عن النخلة ليتتبّع علاقة الإنسان العماني بالنخلة، وهي علاقة مشيميّة؛ فالنخلة قديمة وأقدم ذكر للنخلة ورد في الحضارة البابلية، وعمرها يمتدّ، كما يقول المويتي «إلى حوالي أربعة آلاف سنة قبل الميلاد ولا يستبعد أن يكون النخل معروفا قبل هذا التاريخ.
لقد اختصر المويتي النخلة بثلاث كلمات جعلها عنوانا فرعيا لكتابه هي (غذاء.. إيواء.. دواء) «فالعماني سعى للاستفادة من هذه النّعمة الربّانية في شتى شؤون معاشه؛ فهو يأكل منها، ويدّخر، ويُطعم حيواناته، كذلك يصنع منها منزله الذي يسكنه وحظيرة بهائمه، والمصائد التي يصطاد بها بعض الطيور وصغار الأسماك والحبال التي يربط بها، وبعض ألعاب أطفاله» كما يقول.
فثمرها، طعام غنيّ ذو قيمة غذائية عالية، من معادن وأملاح وفيتامينات وسكريات، وكالسيوم، وبوتاسيوم وفوسفور، ومغنيسيوم ودهون، وحديد، وهو الغذاء الرئيسي لسكان الصحراء ويعطي الجسم مناعة ويقويه فهو غذاء كامل، وغير ذلك من العناصر المفيدة لجسم الإنسان، ذات الفوائد العلاجية، وكذلك تقي من بعض الأمراض، كالسرطان، وارتفاع ضغط الدم والتهاب القولون وحساسية الجلد، أما جذعها فيُستخدم في البناء، وكل جزء فيها له فائدة؛ الخوص، الليف، الجريد، والسعف.
ويفصّل المويتي في طرق زراعتها، وكتبَ أسماء أصناف النخيل حسب الفترة الزمنية من الموسم؛ بدايته، وسطه ونهايته، ويذكر معلومات تفصيلية مدعومة بصور عن كيفية الاستفادة من أجزاء النخلة في التصنيع كالجذع، والخوص ذاكرا تفاصيل دقيقة، تجعل من كتابه بحثا علميا، مع أنه أفرد فصلا للأشعار المتوارثة، والأمثال التي ذُكرت باللهجة العامية التي قيلتْ في النخلة والمواسم التي تصاحبها والأشعار التي يردّدها ويترنم بها الحرفي أثناء عمله.
وقد اعتمد المويتي في كتابه على اللقاءات الشخصية التي أجراها مع عدد من كبار السن وأصحاب الخبرة بلغ عددهم (28) شخصا مع اعتماده على مصدرين هما كتاب (النخلة) للشيخ سالم بن حمد الحارثي المطبوع عام 1990 وحتى الصور فمعظمها من تصويره، فهو بحث ميداني، يُضاف إلى سلسلة بحوث ميدانية أنجزها المويتي في الفنون الشعبية وأسفرت عن عدد كبير من الكتب.
المصدر: لجريدة عمان
إقرأ أيضاً:
في ظلال المشروع القرآني: رسائل السيد القائد.. خارطة الانتصار على خُطى معركة “الفتح الموعود والجهاد المقدّس”
يمانيون../
في زمنٍ تكالبت فيه قوى الطغيان العالمي على شعوب الأمة الإسلامية، وتكشّفت فيه تفاصيل المؤامرة على فلسطين واليمن وكل مفازةٍ يشمخ عليها صوتٌ حرّ يأبى الضيم، ويأنف السقوط في براثن العمالة والارتزاق، تأتي هذه الورقة البحثية لتحليل واستجلاء الرسائل المحورية التي تضمنتها كلمة السيد القائد عبدالملك بدر الدين الحوثي – يحفظه الله – في مناسبة افتتاح الأنشطة والدورات الصيفية لعام 1446هـ.
الكلمة التي جاءت في سياقٍ إقليميّ ودوليّ بالغ الحساسية، قد شكّلت خارطة طريق استراتيجية الانتصار بكل ما تحمله الكلمة من معنى، حيث عالج فيه السيد القائد تطورات العدوان الصهيوني على فلسطين، وتوسّع العدوان الأمريكي على اليمن، وأضاء بوعيٍ تربويّ وإيمانيّ على دور الدورات الصيفية في بناء وعي الأجيال.
يتناول هذا الملف قراءة أربعة محاور أساسية:
1.المحور السياسي
2.المحور العسكري
3.المحور التربوي
4.البعد الدولي والإعلامي
ركّز الملف في المعالجة على تفكيك مضامين الكلمة وتحليل أبعادها التعبوية والسياسية والتربوية، في سبيل فهمٍ أعمق لدورها في صياغة الوعي المقاوم، وترسيخ مفاهيم الهوية والكرامة والاستقلال، وإعادة توجيه البوصلة الجماهيرية في وجه الغطرسة الصهيونية وأوهام الهيمنة الأمريكية.
أسهم هذا الملف في تسليط الضوء على مدرسةٍ خطابيةٍ تعبويّةٍ تستحق الدراسة والتأمل، لبناء جيلٍ واعٍ وصامد، يرسم طريق الانتصار بعقيدته وثباته وبصيرته.
سبأ|| مركز البحوث والمعلومات|| زهران القاعدي
لقراءة التفاصيل على الرابط التالي:
في ظلال المشروع القرآني،رسائل السيد القائد..خارطة الانتصار على خطى معركة الفتح الموعود والجهاد المقدس