رغم أن أهوال الحرب على غزة تستدعى التكاتف وعدم الدخول فى معارك فرعية، إلا أن موقف البعض والذى يبدو مناصرا ومتطابقا مع الرؤية الإسرائيلية يفرض عدم السكوت فى ضوء التأثير السلبى لذلك الموقف على مسار الأوضاع الخاصة بالمواطنين الفلسطينيين القابعين تحت نيران الاحتلال.
يتمثل هذا الموقف فى قطاع من العرب سواء فى موقع القيادة أم الإعلام أم النخب يتبنى المواقف الصهيونية بشكل يتجاوز ربما مواقف الإسرائيليين الذين يعيشون تحت كنف حكومة نتانياهو.
تنصب أغلب مواقف هؤلاء فى محاولة خلط الأوراق بشأن أبعاد ما جرى فى 7 أكتوبر وإلقاء اللوم على المقاومة الفلسطينية باعتبارها أس البلاء فيما جرى ويجرى وما يعانيه فلسطينيو غزة من نكبة بسبب الوحشية الإسرائيلية. ويتغافل أمثال هؤلاء عن بعد مهم يتمثل فى أن طوفان الأقصى مهما كان هناك من تحفظات عليه إنما يعتبر نتيجة وليس سببا، وأنه يأتى كرد فعل على الاحتلال الإسرائيلى ومساعى تل أبيب للقضاء على القضية الفلسطينية.
من جانب ثانٍ يتماهى البعض الآخر مع الرؤية الإسرائيلية فى العداء لحماس باعتبارها امتدادا للتيار الإسلامى، متناسين أنه مهما كانت الاختلافات الفكرية مع الحركة فإنها تحارب فى المعركة الصحيحة. على جانب آخر فإن البعض من هؤلاء يحاول تأليب المواطنين فى غزة ضد المقاومة، وهى مهمة فشلت فيها اسرائيل، بدعوى أنها السبب فى كل هذا الخراب الذى لم يشهدوه ربما منذ 48.
للأسف فإن أصوات هؤلاء منتشرة وعالية فى عالمنا العربى باتساعه وللأسف أيضا فإنه يتم إفساح المجال لهم فى بعض فضائياتنا المعروفة والمعروف توجهاتها التى تؤاخذ عليها. غير أنهم لا يشعرون بالخجل مما يقولونه ولعل فى تبنى اعلام عربى وغير عربى بل وهيئات أجنبية لهم ما يوفر لديهم مثل هذا الشعور بالاستقواء والعمل بجهد لنشر أفكارهم أو تلك التى يفرض عليهم أو يطلب منهم نشرها.
من هؤلاء للأسف كاتب سعودى معروف بمواقفه المناوئة للمقاومة يدعى عبدالعزيز الخميس راح يعلن دون أن يرف له جفن أن حركة حماس يجب أن تنتهى وأنه اذا انتهت الحرب الجارية حاليا فى غزة دون القضاء على حماس فهو انتصار لها وهزيمة لإسرائيل وهزيمة للعالم الحر. ليس ذلك فقط بل إن الرجل لا فض فوه يقول بثقة يحسد عليها إن حماس يجب أن تنتهى لكى تعيش غزة فى أمان واستقرار.
لك أن تستغرب مثل هذا الموقف من كاتب عربى لكن استغرابك ودهشتك ستزولان عندما تعلم أنه وسط أهوال الحرب والتى تمثل أحدث أشكال الإبادة الجماعية لم يشعر خميس بالخجل من أن يشارك فى مؤتمر هيرتسيليا الذى عقد فى جامعة رايخمان الإسرائيلية يومى 25 و26 من شهر يونيو الماضى تحت شعار الرؤية والإستراتيجية فى عصر عدم اليقين.
واذا كان هذا نموذج فجا، فبعض وسائل إعلامنا العربى من فضائيات وصحف تمتلئ بأمثال هؤلاء حتى يحق لك أن تتساءل عما اذا كنت تقرأ صحفا عربية أم عبرية وعما إذا كنت تشاهد قناة عربية أم عبرية.
ربما يكون كشف زيف هذه الرؤى هو السبيل الأمثل فى إطار معركة الصراع على عقول العرب والمسلمين بخصوص وضع إسرائيل فى المنطقة ومحاولات فرض مخطط تصفية القضية الفلسطينية.
[email protected]
المصدر: بوابة الوفد
كلمات دلالية: د مصطفى عبدالرازق تأملات أهوال الحرب نيران الاحتلال الرؤية الإسرائيلية
إقرأ أيضاً:
رغم إنها حربكم ربما تفصد السموم التي حقنتم بها الوطن!
رغم إنها حربكم ربما تفصد السموم التي حقنتم بها الوطن!
رشا عوض
إنها قوانين متواترة في الاجتماع السياسي بكل أسف!
الحركات الفاشية تظن أن استعبادها المستدام للشعوب بواسطة القوة العسكرية هو قانون طبيعي لا يناقش ناهيك عن المطالبة بتغييره!
عندما تتزاوج الفاشية الدينية مع الفاشية العسكرية كحال المنظومة الكيزانية يصبح التمسك بنظام الاستعباد أكثر شراسة كما نرى في هذه الحرب!
الذي جعل هذه الحرب القذرة حتمية هو إصرار الكيزان على استدامة استعبادهم للشعب السوداني عبر القوة العسكرية الأمنية ممثلة في الأخطبوط الأمنوعسكري بأذرعه المتعددة: جيش ودفاع شعبي وكتائب ظل وأمن رسمي أمن شعبي واحتياطي مركزي ووووووووووو
ظنوا أن العقبة الوحيدة أمام هيمنتهم العسكرية هي الدعم السريع، غرورهم وحساباتهم الرغائبية التي زادتها الأطماع وتضليل دوائر إقليمية خبيثة، كل ذلك جعلهم يظنون أن ضربة عسكرية خاطفة وقاضية تدمر الدعم السريع في سويعات أو أسبوع أسبوعين ممكنة!
ولكن هل يعقل أن الكيزان لم يضعوا احتمال أن الحرب يمكن أن تطول وتدمر البلاد؟
مؤكد ناقشوا هذا الاحتمال ولكن ذلك لن يجعلهم يترددوا في الحرب! لأن التضحية بالسلطة الاستبدادية المحمية بالقوة العسكرية غير واردة مطلقا، والخيار الافضل حال فشلت الحرب في إعادتهم إلى السلطة والتحكم في السودان كاملا هو تقسيم السودان وتقزيمه أرضا وشعبا إلى المقاس المناسب لقدرتهم على التحكم! وإن لم ينجحوا في ذلك فلا مانع من إغراق البلاد في حرب أهلية طويلة تؤدي إلى تدمير السودان وتفتيته وطي صفحته كدولة (يا سودان بي فهمنا يا ما في سودان) كما قال قائلهم!
الانعتاق من استعباد الكيزان مستحيل دون تجريدهم من قوتهم العسكرية! لن يتنازلوا عن السلطة الاستبدادية إلا إذا فقدوا أدواتها! لن يكفوا عن نهش لحم الشعب السوداني إلا إذا فقدوا أنيابهم ومخالبهم!
وحتما سيفقدونها!
لأن المنظومة الأمنية العسكرية التي راهنوا عليها أصابها ما يشبه المرض المناعي الذي يصيب جسم الإنسان، فيجعل جهاز المناعة يهاجم أعضاء الجسم الحيوية ويدمرها إلى أن يقضي على الجسم نهائيا!
الدعم السريع الذي يقاتل الجيش وكتائب الكيزان كان ذراعا باطشا من أذرع المنظومة الأمنية العسكرية الكيزانية حتى عام ٢٠١٨، وحتى بعد الثورة لم يكف الكيزان عن مغازلته ولم يقطعوا العشم في احتوائه! ولكنه “شب عن الطوق” فأرادوا ترويضه بحرب خاطفة والنتيجة ماثلة أمامنا!
المرض المناعي ليس فقط مهاجمة الدعم السريع للجيش والكتائب! بل المنظومة الأمنية نفسها انقسمت بين الطرفين ومعلومات التنظيم الكيزاني والدولة السودانية بيعت في سوق النخاسة المخابراتية الإقليمية والدولية والنتيجة هي واقع الهوان والهشاشة الماثل الذي لا يبشر بأي نصر عسكري حاسم في المدى المنظور!
المؤلم في كل ذلك هو أن المواطن السوداني البريء هو الذي يدفع الثمن الأكبر في هذه الحرب القذرة قتلا واعتقالا وتعذيبا وسلبا ونهبا وتشريدا وجوعا ومهانة في حرب صراع السلطة لا حرب الكرامة ولا حرب الديمقراطية كما يزعمون.
هذه الحرب هي عملية تفكك مشروع الاستبداد العسكر كيزاني وانشطار نواته المركزية عبر مرض مناعي أصاب منظومته الأمنية والعسكرية نتيجة تراكمات الفساد وغياب الحد الأدنى من الكفاءة السياسية والأخلاقية المطلوبة للحفاظ ليس على الدولة والشعب، فهذا خارج الحسابات منذ أمد بعيد، بل من أجل الحفاظ على النظام الفاسد نفسه!! حتى عصابات تجارة المخدرات تحتاج إلى قدر من الأخلاق والانضباط بين أفرادها للحفاظ على أمن العصابة وفاعليتها!! هذا القدر افتقده نظام الكيزان!!
ومع ذلك يرفعون حاجب الدهشة ويستغربون سقوط نظامهم صبيحة الحادي عشر من أبريل ٢٠١٩ !!
يعاقبون الشعب السوداني بهذه الحرب على ثورته ضدهم!!
يعاقبونه على أنه أكرم جنازة مشروعهم منتهي الصلاحية بالدفن لأن إكرام الميت دفنه!!
تفادي الحرب بمنطق البشر الأسوياء عقليا واخلاقيا لم يكن مستحيلا، وهو الهدف الذي سعت إليه القوى المدنية الديمقراطية بإخلاص ولكن الكيزان اختاروا طريق الحرب مع سبق الاصرار والترصد! وفرضوه على البلاد فرضا!
المصلحة السياسية الراجحة للقوى السياسية المدنية هي استبعاد البندقية كرافعة سياسية لأنها ببساطة لا تمتلك جيوشا ولا بنادق!!
والتضليل الفاجر بأن هذه القوى المدنية متحالفة مع الدعم السريع لاستغلال بندقيته كرافعة سياسية لا ينطلي على عاقل! بندقية الدعم السريع التي تمردت على صانعيها هل يعقل أن تضع نفسها تحت إمرة مدنيين عزل يرفعون راية الجيش المهني القومي الواحد وإنهاء تعدد الجيوش!
الحرب ليست خيارنا وضد مصالحنا! اشتعلت غصبا عنا كمواطنين وكقوى مدنية ديمقراطية سلمية ومسالمة!!
الحرب قهرتنا وأحزنتنا وأفقرتنا وفجعتنا في أعز الناس وأكرمهم، ومنذ يومها الاول لم نتمنى شيئا سوى توقفها وعودة العقل لمشعليها ولكن ذهبت امنياتنا ادراج الرياح!
ليس أمامنا سوى مواصلة مساعي السلام، والتماس العزاء في أن قسوة هذه الحرب وجراحها المؤلمة ونزيف الدم الغزير الذي روى أرض الوطن ربما نتج عنه “فصد السم” الذي حقنه نظام الكيزان في شرايين الوطن على مدى ثلاثة عقود!
إخراج السموم من جسد الأوطان عملية شاقة ومؤلمة!!
تمنينا أن يتعافى جسد الوطن من سموم الاستبداد والفساد والفتن العنصرية بالتدريج وبأدوات نظيفة ورحيمة وعقلانية عبر مشروع انتقال مدني ديمقراطي سلمي يفتح للبلاد طريقا لعهد جديد يضعها في خانة القابلية للتغيير والحياة المستقرة!
الكيزان أشعلوا الحرب ضد تعافي جسد الوطن من سمومهم! أشعلوها لإعادة الوطن إلى حظيرتهم البائسة! يظنون أن عجلة التاريخ يمكن أن تدور إلى الخلف!
ربما تكون نتيجة هذه الحرب على عكس ما أرادوا وخططوا!! فتفصد السم الزعاف بآلام مبرحة ولكن بشفاء كامل!!
أليست المزايا في طي البلايا والمنن في طي المحن!
ألم يسخر كتاب الله من المجرمين والظالمين على مر العصور “يمكرون ويمكر الله والله خير الماكرين”.
الوسومالدعم السريع ثورة ديمسبر حرب الكيزان