سوريا.. رصاصة صامتة تضع السويداء أمام منعطف خطير
تاريخ النشر: 17th, July 2024 GMT
منذ انطلاقة الحراك السلمي قبل قرابة العام في السويداء السورية لم يترك مرهج الجرماني ساحة التجمع الخاصة بالمحتجين والمعروفة باسم "الكرامة"، ودائما ما كان يعبّر عن مواقف تؤكد على مطالب الناس بإسقاط النظام السوري ورحيل رئيسه، وتطبيق القرارات الأممية الخاصة بالحل في البلاد.
وكان يظهر تارة وهو يخاطب جموع المحتجين داعيا إلى مواصلة ما بدأوه ضد النظام، وفي مشاهد أخرى وثقتها فيديوهات كان عاري الصدر ويردد عبارات مناهضة لـ"حزب البعث" ويتحدى إطلاق النار على المتظاهرين من قبل قوات النظام في المحافظة.
ورغم أنه كان قائدا لفصيل يعرف باسم "لواء الجبل" لم تَحرِف حالة العسكرة التي أحاطت بشخصيته سلوكه السلمي الذي التزم به في "ساحة الكرامة" وأكد عليه قبل يوم واحد من حادثة اغتياله برصاصة "صامتة"، ليلة الأربعاء.
وبحسب شبكات إخبارية وتقرير من الطب الشرعي خرجت الرصاصة من سلاح كاتم للصوت، ومن بعد يتراوح بين مترين إلى ثلاثة أمتار، قبل أن تستقر في جسد الجرماني وهو على فراش النوم داخل منزله.
وبينما لم تعرف الجهة التي نفذت عملية الاغتيال حتى الآن حمّل ناشطون وصحفيون من السويداء السورية المسؤولية للنظام السوري.
وقالوا في حديثهم لموقع "الحرة" إن الجرماني يعتبر من قادة الحراك السلمي البارزين، وكان له باع كبير في مناهضة النظام السوري وسياساته في المحافظة.
كما كان له موقف بارز في شهر يونيو الماضي، عندما احتجز عشرات الضباط والعناصر من الأجهزة الأمنية، ردا على اعتقال شابة من السويداء على خلفية نشاطها المدني. وتمكن بعد ذلك من تحريرها بعملية مقايضة.
حادثة اغتيال تهز السويداء السورية.. من هو مرهج الجرماني؟ هزت حادثة اغتيال استهدفت قائد فصيل محلي محافظة السويداء السورية صباح الأربعاء، وتفيد التحقيقات الأولية بإقدام مجهولين على تنفيذها داخل منزله وباستخدام سلاح كاتم صوت. "أمام منعطف خطير"وتعيش السويداء حالة كبيرة من الصدمة منذ لحظة الكشف عن اغتيال الجرماني، كما يشرح معروف لموقع "الحرة".
ويقول إن الحادثة تعتبر الأكبر والأشد صدمة منذ عام 2015، عندما اغتيل الشيخ وحيد البلعوس أحد رجال دين الطائفة الدرزية المعارضين، بسيارة ملغمة.
معروف يضيف أن "النظام السوري هو المتهم الأول في اغتيال الجرماني (أبو غيث)".
ويعتبر أنا ما حصل "رسالة لكل معارض في السويداء وحتى لبقية الفصائل المناهضة للأسد".
ونشرت حركة "رجال الكرامة" أبرز وأكبر فصيل محلي في السويداء بيانا عبر "فيس بوك" نعت فيه الجرماني، وقالت إنه سيدفن صباح الخميس في قرية أم الزيتون.
وبعدما تقدمت بالعزاء لعائلته، تابع بيانها أن "أبو غيث استشهد غدرا على أيدي خفافيش الظلام، وفي جريمة اغتيال تشكل منعطفا خطيرا للسويداء".
واعتبرت الحركة أن الجهة التي تقف وراء عملية الاغتيال "تسعى لجر السويداء إلى مستنقع الدم ودوامة العنف".
وأضافت أن "هذا التحول الخطير يستدعي وقوف كل صاحب كرامة وكل أبناء الجبل باختلاف توجهاتهم وكل المرجعيات الدينية والاجتماعية عند مسؤولياتهم".
ولم يصدر أي تعليق من جانب النظام السوري، ردا على الاتهامات التي وجهت له بالوقوف وراء عملية اغتيال الجرماني.
ومنذ اندلاع الحراك السلمي في المحافظة ذات الغالبية الدرزية، كان قد اتبع سياسة ابتعد بموجبها عن إصدار أي موقف سلبي أو إيجابي حيال ما ينادى ضده من هتافات وشعارات.
"النظام خصمه الأول"خلال تصدره الحراك السلمي في السويداء وقبل ذلك بسنوات قاد الجرماني فصيلا محليا مسلحا معروفا باسم "لواء الجبل".
وشارك الفصيل "في التصدي للتنظيمات المتطرفة التي هاجمت السويداء عدة مرات بعد عام 2014"، وفي المواجهات ضد مجموعات مدعومة من الأجهزة الأمنية، كما يوضح مدير شبكة "السويداء 24"، ريان معروف.
ويقول إن "الخصم الأول للجرماني بحسب المقربين منه هو النظام الأمني، الذي شن موجة تحريض ضده وسعى إلى تشويه لسمعته، طيلة الأشهر الماضية".
ومنذ وصول المحافظ الجديد للسويداء اللواء أكرم علي محمد، والذي كان ضابطا في جهاز المخابرات العامة، بدا واضحا اختلاف التعامل مع ملف المعارضة في المحافظة، كما يضيف الصحفي نورس عزيز.
ويقول لموقع "الحرة" إنه وبعد تعيين محمد "تم استقدام تعزيزات أمنية"، وجرت بعد ذلك سلسلة تحركات صبّت في إطار أمني بحت، بينها نصب حاجز على مدخل المحافظة.
وقبل يومين ووفقا لحديث عزيز أقدم عناصر الأمن والشرطة على إطلاق النار في الهواء لترهيب المتظاهرين وأصابوا أحد المارة.
وكل ما سبق لا يمكن فصله عن اغتيال الجرماني، وفق رؤيته.
ويوضح أن "حادثة الاغتيال كانت بطريقة احترافية وباستخدام كاتم صوت، ومن مسافة قريبة جدا وضمن فراش نومه"، و"يبدو أنه كان يخطط لها منذ فترة، وتم دراسة طريقة تنفيذها".
ويعتقد أن "ما عجل في عملية التنفيذ هو اكتشافه (الجرماني) لشبكة مرتبطة بالأمن مؤخرا تقوم بنشر البلبلة وتشويه صورة عائلات الجبل".
"أكبر من اغتيال شخصية"وحتى الآن لم تنقطع الوقفات والمظاهرات في "ساحة الكرامة" وسط السويداء، رغم أن النظام لم يستجب لأية مطالب.
وحمل متظاهرون صباح الأربعاء صورا للجرماني، واستنكروا حادثة اغتياله.
كما وثق تسجيل مصور لأحد رجال الدين الدروز يدعى الشيخ رزق وهو يهاجم النظام السوري ويحمله مسؤولية مقتل قائد "لواء الجبل".
وقال رزق أمام عدد من المحتجين في "ساحة الكرامة": "هذا أسلوب النظام.. النظام لا يمتلك إلا أسلوب العسكرة والمكائد والدسائس. يملك لغة القتل والتهجير وإلغاء الآخر".
وأضاف مستدركا: "رسالتنا من ساحة الكرامة موجهة للنظام اللعين: لن تستطيع أن تجرونا لساحتكم وتنتزعوا سلميتنا. سننتصر بغصن الزيتون وباقات الورود".
وتعتبر ريما فليحان وهي ناشطة حقوقية أن حادثة الجرماني هي "اغتيال سياسي لشخصية قيادية بالحراك بالسويداء".
وتقول لموقع "الحرة": "ربما يكون الهدف منها دفع المحافظة نحو دوامة العنف، لكن هذه الدوافع ليست بخافية على الأهالي بالسويداء ويدركون خطورتها".
وتعتقد فليحان أن "الجريمة لن تزيد الحراك السلمي إلا إصرارا على متابعة النضال السلمي".
وفي حين تشير إلى أن "الاغتيال جاء عبر التخطيط" وأن هدفه "أبعد من استهداف شخصية قيادية في الحراك" لا تستبعد أن تكون مرتبطة بمساعٍ "لجر المحافظة نحو العنف".
الباحث والصحفي، مازن عزي من جهته شارك منشورا عبر "فيس بوك"، وافتتحه لحديث للشيخ حكمت الهجري المؤيد للحراك السلمي، إذ قال في بداية الحراك: "نحنا بالليل بنسكر بواب بيوتنا وبنفوت بنام، بس الشر برا ما بينام".
وتابع عزي: "الشر اغتال اليوم مرهج الجرماني، قائد لواء الجبل، بتخته وعلى فراشه. الشر جبان. الشر عم بيحاول يخترق السويداء، عبر أدواته الأمنية والإعلامية، وراح ينجح بكثير محلات، وراح يقتل ويشوه ويضرب ويغتال، ويفتت الناس ويألبهم على بعض".
الكاتب والصحفي أشار أيضا إلى "مخطط للشر لإحداث حرب أهلية في المحافظة بين أهل البلد".
ووجه نداءا لأهالي المحافظة بقوله: "أهل السويداء لازم يعرفوا أنو هاي معركة مصير ووجود إلهم، كطائفة وجماعة، وكبشر. لازم الناس تحمي حالها، وتحكم حالها، وتتعلم كيف تدير خلافاتها، وتوصل لحلول مشتركة، وتنفض عنها جثة هالنظام المتعفن".
وتعتبر السويداء واحدة من بين المحافظات السورية الخاضعة لسيطرة النظام السوري منذ سنوات، وسبق وأن شهدت مظاهرات سلمية ضد الأسد لكنها لم تصل إلى النقطة التي هي عليها الآن.
وحتى الآن لا تعرف النقطة التي سيصل إليها الحراك الشعبي فيها، ولاسيما في ظل غياب أي تعليق أو تعاطي جدي من جانب النظام، إن كان بالسلب أو الإيجاب.
ويحظى الحراك السلمي منذ أشهر وحتى الآن بدعم من الشيخ الهجري والشيخ "أبو وائل الحناوي".
ويشارك فيه إلى جانب الشبان شريحة واسعة من النساء، وفئات مختلفة من السكان، من فلاحين وموظفين ومدرسين وغيرهم.
المصدر: الحرة
كلمات دلالية: السویداء السوریة النظام السوری الحراک السلمی ساحة الکرامة حادثة اغتیال فی السویداء فی المحافظة
إقرأ أيضاً:
سوريا الجديدة.. من خطاب التخويف إلى مشروع وطن للجميع
أحمد بن محمد العامري
المشهد السياسي في سوريا أربك الذهنية العربية؛ فلم يعتد العرب على أن يحدث تغيير دون إراقة الدماء، ولم يعتادوا دخول قادة جدد لا يقتلون على الهوية، فسوريا اليوم تعيش لحظة فارقة في تاريخها السياسي والاجتماعي، حيث يتبدل المشهد الذي هيمن عليه الخوف والانقسام لعقود طويلة، لتبرز ملامح وطن جديد يسع الجميع.
لعقود، اعتمد النظام السوري، بقيادة الراحل الرئيس حافظ الأسد ومن بعده ابنه بشار الأسد الذي غادر، استراتيجية تقوم على استثمار مخاوف الأقليات لضمان بقائه، فخلق النظام صورة ذهنية تربط أمن هذه المكونات باستمراريته، وروج لفكرة أن سقوطه سيؤدي إلى مذابح طائفية وانهيار للنسيج الاجتماعي.
هذا الخطاب زرع الهلع في نفوس الأقليات وعزز الانقسامات الطائفية، حيث أصبحت مفردات مثل "الأقليات" و"الأغلبية" جزءً من لغة سياسية يومية تهدف إلى تكريس التعصب والخوف المتبادل.
لكن مع بروز القادة الجدد، تغيرت المعادلة بشكل مفاجئ. تبنوا خطاباً سياسياً مغايراً يقوم على التسامح والشراكة الوطنية رافضين استخدام لغة الطائفية أو الاستقطاب، انتقل الحديث من "حماية الأقليات" إلى "بناء وطن مشترك"، ومن "الأمان تحت النظام" إلى "الأمان عبر سيادة القانون".
هذا التحول لم يكن مجرد تغيير في الخطاب، بل تم ترجمته إلى ممارسات فعلية تؤكد الالتزام بالمواطنة المتساوية وتنبذ الانتقام.
لأول مرة منذ عقود، بدأ السوريون يتنفسون الحرية في وطن يرى الجميع فيه مواطنين متساوين دون إقصاء أو تمييز.
في المقابل، واجه هذا التحول مقاومة شرسة من بعض قنوات الإعلام العربي الرسمي، الذي لعب دوراً محورياً في شيطنة القادة الجدد.
استثمر الإعلام في خلق صورة نمطية سلبية لكل من يحمل مرجعية إسلامية، وقدمهم كتهديد وجودي للأقليات وللمجتمع ككل، هذا الخطاب التضليلي كان يهدف إلى إقناع المواطن العربي بقبول استبداد العسكر كضمانة للاستقرار، ولكن مع مرور الوقت وانكشاف الحقائق، بدأ هذا الخطاب يفقد مصداقيته، وأدرك السوريون، ومعهم المواطنون العرب أن الاستبداد لم يكن أبداً ضمانة للأمن، بل كان السبب الرئيسي في تفكك النسيج الاجتماعي.
اليوم، تبدو سوريا على أعتاب مرحلة جديدة، حيث تتلاشى روايات التخويف لتحل محلها قيم المواطنة والشراكة الوطنية، الوطن لم يعد حكراً على فئة أو طائفة، بل أصبح فضاءً جامعاً يتسع للجميع دون استثناء.
هذه التحولات ليست مجرد إنجاز سياسي، بل هي بداية مشروع وطني يعيد بناء الهوية السورية على أساس التعددية والمساواة.
التجربة السورية تقدم درساً عميقاً للعالم العربي، إنها تبرز أن الخوف والانقسام ليسا قدراً محتوماً، وأن تجاوزهما ممكن بوجود رؤية جامعة وقيادة حكيمة.
سوريا اليوم تثبت أن الألم يمكن أن يتحول إلى أمل، والانقسامات إلى وحدة، والخوف إلى شراكة وطنية. إنها دعوة لإعادة التفكير في مفهوم الدولة والمواطنة، وبناء أوطان قائمة على العدالة والمساواة، "وطن للجميع وفوق الجميع ويتسع الجميع"، وطن فوق كل انتماء أو اختلاف.
ahmedalameri@live.com