الثورات فى تاريخ الشعوب مفاصل تغيير لا تموت بسهولة، بغض النظر عما إذا قادت الثورات الشعوب للنعيم أو الجحيم.. قد تكون ثورة يوليو 1952 آخر الأحداث الثورات الكبرى خلال القرنين التاسع عشر والعشرين.. الثورة الفرنسية 1989 غيرت أوروبا وامتد نورها للعالم، والثورة البلشفية روسيا 1917 وضعت أساس جغرافيا سياسية وثقافية جديدة للعالم فى القرن العشرين وما بعده.
ارتباط ثورة يوليو بالجيش أو المؤسسة العسكرية، حقيقة مشرفة للحركة الوطنية المصرية، خاصة اذا وعينا لحقيقة أن المصرى لم يتم تجنيده للدفاع عن بلده إلا فى عشرينيات القرن الماضى، وتردد محمد على باشا كثيرا أمام رغبة ابنه إبراهيم فى أن يتم تجنيد المصريين ليكونوا نواة لجيش وطنى.
جبهة الوطنية المصرية بدأت فى التشكل داخل الجيش مع الثورة العرابية، واتسعت الجبهة وبدأت تتشكل ملامحها الشعبية مع ثورة 1919 وقيادة سعد زغلول للوفد، الذى لم يكن حزبا بقدر ما كان تيار شعبيا جارفا يثق بأن مصر تستحق أن تكون بلدا حرا يحكمه أبناؤه.
الاستفادة من تاريخ الثورات داخل وخارج مصر وما أحدثته من تغيير، ليس باستدعاء هذه الثورات واستنساخها، ولكن هناك طريقين للتغيير باستمرار، الأول يتعلق بقدرة الثورات على التطور، والانتقال من حالة الانشطار إلى حالة الاندماج. والطريق الثانى يتعلق بالتحول من حقبة الأيديولوجيات إلى عصر العلم والأفكار الجديدة واعتبار فكر التغيير الخلاق المنطلق من حقائق العلم الجديدة بمثابة أيديولوجية أى ثورة كبيرة اليوم.. الصين العظيمة اليوم ليست صين ماوتسى تونج ولكنها امتداد لصين وروح ماو.. بلد مثل رواندا التى ذبحتها حرب أهلية مطلع تسعينيات القرن الماضى، لم تغيرها ثورة بالمفهوم التاريخى للثورة، ولكنها تغيرت بثورة أكبر عندما قادها شاب اختاره الروانديون للمرة الرابعة امس رئيسا لهم، لأنه ببساطة نجح فى بعث روح العصر فى جسد رواندا الذبيح.. الثورات الكبرى تقاس بقدر بما أضافته لشعوبها من قيمة تاريخية مضافة، وليس بتلال من الشعارات.
المصدر: بوابة الوفد
كلمات دلالية: كامل عبدالفتاح ثورة يوليو تاريخ الشعوب الثورات الشعوب أوروبا القرن العشرين ثورة یولیو
إقرأ أيضاً:
التخاذل الأمريكي لحظة مفتاحية في القرن 21
من منبر الجمعية العامة للأمم المتحدة قال الرئيس الفرنسي فرانسوا أولاند يوم 28 سبتمبر 2015: أرى أن بعض الأطراف (قاصدا بوتين) تبذل كل مساعيها الدبلوماسية لإدخال بشار الأسد طرفا في مسار التفاوض السياسي حول مستقبل سوريا. إلا أنه لا يمكن أن يكون ثمة تعامل وتعاون بين الضحايا والجلاد. الأسد هو أصل المشكلة، ولا يمكنه أن يكون طرفا في الحل. ثم قال في مؤتمر صحافي في اليوم ذاته: لا بد أن يرحل الأسد حتى تتمكن المعارضة وأجهزة النظام من التوصل للتوافق اللازم، ولا بد أن تتوقف فورا أعمال القصف التي يمارسها نظام بشار الأسد اليوم في ظروف بالغة الفظاعة.
صحيح أن العرب درجوا على الاستخفاف بمثل هذه المواقف الغربية وحسبانها مجرد كلام. ولكن الحقيقة أن أولاند كان جادا في إرادة إسقاط النظام الأسدي في أعقاب استخدامه للأسلحة الكيميائية ضد الشعب السوري. والدليل أن أولاند اتفق مع أوباما يوم الجمعة 23 أغسطس 2013 على شن غارات جوية على المواقع الاستراتيجية للنظام بهدف إسقاطه. وكان القرار أن تبدأ العملية في الواحدة من فجر الأحد. وفعلا أصدر أولاند الأمر لسلاح الجو الفرنسي بالاستعداد لشن الغارات في الموعد المحدد. إلا أنه فوجئ بأوباما يهاتفه يوم السبت قائلا: لقد فكرت في الأمر مليا وارتأيت آخر الأمر أن من الأفضل أن أطلب موافقة الكونغرس. عندها أجاب أولاند: هذا قرارك السيادي، ولكنك إذا عرضت الأمر على الكونغرس فهذا يعني أن العملية لن تقع!
ولهذا قالت الصحافة الفرنسية آنذاك إن أوباما خذل أولاند. إلا أن الأمر أخطر من مجرد خذلان رجل لرجل. إنه خيانة للعهد الذي قطعه على نفسه رئيس القوة العسكرية العظمى. فقد التزم أوباما بقَسَم سياسي لما توعّد سفاح دمشق بأن استخدام السلاح الكيميائي خط أحمر وبأن تجاوزه سوف يعرضه للعقاب العسكري. ولكن الرئيس الأمريكي نكص على عقبيه ونكث بقسمه السياسي. والغريب أن أوباما ظل في الأعوام التالية يعلن بملء فيه أنه «لا يجوز دعم طغاة من أمثال الأسد بذريعة أن البديل سيكون أسوأ»! أما الأغرب فهو أن أوباما قرر، مختارا، الحد من سلطاته وتعطيل قدرته على الفعل بينما يجمع المراقبون على أن كل الرؤساء الأمريكيين بلا استثناء قد عملوا، على مدى العقود الستة الماضية، على توسيع سلطاتهم على حساب الكونغرس.
وفي التعليق على ما حدث عام 2013، قال أولاند قبل أيام إن عدول أوباما عن شن العمليات العسكرية في سوريا لم يتح إطالة عمر نظام بشار فحسب، بل إنه مهد الطريق أيضا لتدخل روسيا وتمكنها في سوريا. ثم أصدر أولاند هذا الحكم: إن قرار أوباما عدم التدخل العسكري في سوريا إنما يمثل «لحظة مفتاحية في تاريخ القرن الحادي والعشرين، ذلك أن ثمة أحداثا لا نستطيع قياس أثرها عند حدوثها». فقد كان لهذا القرار، أو بالأحرى اللاّ-قرار، نتائج مشهودة في المنطقة مثلما نرى اليوم، ولكن كان له نتيجة أخرى هي أنه كشف لبوتين أن أمريكا، والدول الغربية عموما، لا عزم لها على التدخل في الخارج. ولهذا أقدم بعد شهور من ذلك على مهاجمة أوكرانيا والاستحواذ على جزيرة القرم والسيطرة غير المباشرة على منطقة دونباس.
ويقتضي الإنصاف القول إن أولاند كان أكثر من ساركوزي وماكرون ثباتا على المبدأ بشأن وجوب الحزم في التعامل مع كل من بشار وبوتين. صحيح أن الأحداث بدت كما لو أنها تفند موقفه، حيث بقي بشار في الحكم زمنا إضافيا بسبب القرار الروسي بتعويمه فوق بحر الدماء السورية التي أراقها وهو يقهقه بكل سماجة، ولكن سقوط النظام أثبت أن أولاند كان على صواب، وأن موقفه كان سائرا في الاتجاه الصحيح للتاريخ، بينما كان موقف أوباما المتخاذل منافيا للمبدأ الأخلاقي والمنطق التاريخي.
هذا، ورغم أن زعيمة اليمين المتطرف مارين لوبان وزعيم اليسار الراديكالي جان-لوك ميلنشون على طرفي نقيض، فإنهما كانا متحديْن في تأييد الطاغية وفي انتقاد موقف أولاند المناهض له. لوبان كانت تعدّه حصنا ضد «الجهاديين» وميلنشون كان معجبا بـ«علمانيته» ومناديا بضرورة التفاوض معه. ولكن الحقيقة هي أن لوبان ثابتة منذ القديم على تأييد الطغاة في كل مكان. أما ميلنشون، الألمعي التقدمي، فإن كراهيته المرَضية لكل ما هو أمريكي هي التي أعمته عن رؤية الآيات البيّنات.
(القدس العربي)