صيفنا بين الأدب والمجتمع
تاريخ النشر: 17th, July 2024 GMT
وداد الإسطنبولي
بين ثنايا الأدب والمُجتمع، يتشابك خيط رفيع يربط بينهما.. جسرٌ من التواصل والتشارك، من خلال هذا المعبر نلج ونتغلغل في عروسة الجنوب مدينة صلالة، وقد لبست حلتها الخضراء القشيبة على أنغام قيثارة فصل الخريف وسيمفونيته الطبيعية الفاتنة.
هكذا تزف الطبيعة بألحانها الأثيرة ظفار من أعالي الجبال نزولا إلى سهولها، مع تغريدات الطيور القادمة من الغرب والشرق تأتي مهاجرة لتستجم أو لرزق لها، وربما من جفاف حار يكتم أجواء تلك المناطق الآتية منها.
والأدب في جماله وحسنه فضاء واسع للتناغم والتساكن مع هذه اللوحة التي ترسمها الطبيعة في ظفار كل خريف؛ فهو يلتقط همهمة المحار، ونغمته الهادئة التي لا يسمعها إلا من عشق البحر وأمواجه ويتوه في عشق غروبه، فيدوِّن سطورا دافئة، متدثرا بورق تغري هذه الأجواء التي ينتظرها أهالي الجنوب بشغف.
العلاقة الوثيقة المتصلة غير مرئية بين الأدب والمجتمع، حيث يغوص القلم ويلتقط المتن من الأحداث والمفاجآت والمشاركات والفعاليات التي تشهدها المنطقة؛ لهذا نحاول جاهدين أن لا ننسى ذلك التراث العريق الذي يرتطم بالأمواج ليعود بنا إلى ماض تليد؛ الكيان المتأصل في الأجداد ليربطها بحاضر متجدد ومستقبل باهر.
عودة الماضي هُوية الشعب العريقة، والفن الشعبي الأصيل بيئة مصغرة من فعاليات الخريف تحمل في طياتها كل دلالات القديم والجديد.
تناصٌّ يحمل فقرات متراصة مع بعضها ومتابعة بفترات زمنية متلاحقة. نعم، فالخريف لا يثير فينا نشوة الرذاذ المتساقط فقط، وإنما يذكرنا بتلك الجدران المتشققة والبيوت العتيقة، والأكلات التي تعدها النساء في هذا الموسم والتي مازالت تتنفس رائحة السمن البلدي في العصيدة والمضروب والمسيبلي.
عودة الماضي تهتزُّ على صوت الكاسر في حي القوارب والسفن وصوت النانا يهز مواطن الجبل. وما زال هذا الخيط الرفيع ينحت سطوره لتلك الهوُية الوطنية وعلاقة الإنسان مع بيئته وموروثه من خلال علاقته بأنعامه وأشجاره.
الخريف بالنسبة للجنوب ليس موسمًا عاديًّا، وإنما عيد يماثل الأعياد المعتادة الرسمية. ولطبيعة البلد الباردة في هذا الصيف وخيراتها الوفيرة والغنية تأتي قصة حب بين القادمين من الشمال أو بين أشقائنا العرب من كل أنحاء الوطن العربي سياحة للتأمل والمعرفة والاستجمام. يبرز كل هذا من خلال الظهور الإعلامي ودوره، فيما يبثه من أحداث عبر الشاشة الفضائية أو من قلم عابر يدون الأحداث ليعود إلى نقطة بداية السطر.
إنَّ للأدب علاقة وثيقة بالمجتمع في كل أطيافه، وهذا هو سحر الصيف الفاتن، أو كما يُسمَّى "خريف ظفار". فبحلول هذا الموسم نسعى جاهدين دائمًا لتجهيز برامج متنوعة من قبل المختصين من جهات معنية، ويتم إشراك فئات من الجمعيات والأعمال الخيرية المتنوعة في مجال العمل والتنظيم من أجل راحة الزوار السائحين، ونحرصُ على إبراز هُويتنا لنقل التعارف بيننا وبينهم؛ سواء تعلق الأمر بالمقيم منهم والمغترب، ليتعرف على الهوية الوطنية والانتماء للبيئة والمجتمع.
رابط مختصرالمصدر: جريدة الرؤية العمانية
إقرأ أيضاً:
المقاومة الفلسطينية وغزة في الأدب والثقافة الإيرانيين
مع حلول الذكرى السنوية الأولى للعدوان الإسرائيلي على غزة منذ السابع من أكتوبر/تشرين الأول من العام الماضي، تتجدد النقاشات حول دور المقاومة الفلسطينية وتأثيرها العميق على المستويين السياسي والثقافي.
وفي هذا السياق، يُلاحظ تفاعل الأدب والثقافة الإيرانيين بشكل خاص مع قضية المقاومة في غزة، حيث لعبت القضية الفلسطينية، وخاصة أحداث غزة، دورا بارزا في تشكيل الخطاب الثقافي الإيراني على مر العقود الماضية.
اقرأ أيضا list of 2 itemslist 1 of 2ثلاثة أجيال تحت جسر الرئيس.. عمل روائي يؤرخ للثورة السوريةlist 2 of 2الأديبة الكويتية سعدية مفرّح: ممتنة للصحافة وكلنا خذلنا غزةend of list المقاومة في الأدبمنذ تأسيس الجمهورية الإسلامية في إيران عام 1979، أصبحت القضية الفلسطينية، وخاصة دعم المقاومة الفلسطينية، جزءا لا يتجزأ من الهوية السياسية والدينية لإيران، وقد انعكست هذه الرؤية في الأدب الإيراني الذي شهد تطورا كبيرا في تناوله لقضايا المقاومة والصمود الفلسطيني.
الشعر والمقاومة الفلسطينية: يحظى الشعر في إيران بمكانة عالية، وقد خصص العديد من الشعراء الإيرانيين قصائد تتغنّى بالمقاومة الفلسطينية وتندد بالاحتلال الإسرائيلي. وتمتزج في هذه القصائد مشاعر التضامن مع الفلسطينيين ودعمهم، وتُعبّر عن المقاومة كجزء من النضال العالمي في وجه الظلم. يُعدّ الشاعر الإيراني علي موسوي كرمارودي أحد أبرز الشعراء الذين خصصوا مساحة واسعة من أعمالهم لقضية فلسطين، فقد كتب قصائد تحمل رمزية قوية عن غزة وصمود أهلها. علي موسوي کرمارودي في اجتماع حضره الشعراء وأهل الثقافة والأدب مع آية الله السيد علي خامنئي في يونيو 2017 (مواقع التواصل)الرواية والسرد الفلسطيني في الأدب الإيراني: تأثرت الرواية الإيرانية، خاصة في العقود الأخيرة، بالصراع الفلسطيني الإسرائيلي، إذ أصبحت المقاومة الفلسطينية جزءا من السرديات الروائية التي تتناول قضايا العدالة والنضال ضد الاحتلال. وتظهر غزة في هذه الروايات رمزا للصمود والتحدي، مستعارةً كخلفية لأحداث تتناول الأبعاد الإنسانية للصراع.
الترجمة الأدبية للأعمال الفلسطينية: لم يقتصر الأمر على الإنتاج الأدبي الإيراني فقط، بل أسهمت دور النشر الإيرانية في ترجمة العديد من الأعمال الأدبية الفلسطينية، خاصة تلك التي توثق أحداث الحروب في غزة. ومن خلال هذه الترجمات، يسعى المثقفون الإيرانيون إلى تعزيز الروابط الثقافية مع الشعب الفلسطيني وإيصال صوتهم إلى القراء الإيرانيين. رواية "رجال في الشمس" للفلسطيني غسان كنفاني أول رواية ترجمت إلى الفارسية في هذا المجال (الجزيرة) المقاومة في الثقافة
إلى جانب الأدب، تلعب الثقافة الإيرانية دورا كبيرا في الاحتفاء بالمقاومة الفلسطينية، حيث تعد المقاومة جزءا من "الهوية الثورية" التي تتبنّاها الدولة وفئة من المجتمع.
السينما والتلفزيون: أنتجت السينما الإيرانية، المعروفة بدقتها الفنية ورسائلها العميقة، عددا من الأفلام الوثائقية والدرامية التي تتناول الاحتلال الإسرائيلي لفلسطين، مع التركيز على غزة كمحور لهذه الأفلام. وأحد أبرز هذه الأعمال هو فيلم "33 يوما" الذي يتناول العدوان الإسرائيلي على لبنان في يوليو/تموز 2006 ولكن مع إسقاط رمزية المقاومة فيه على الوضع في غزة. كذلك تركز الأفلام الوثائقية على قصص الأفراد والعائلات التي تعيش تحت الحصار والقصف، لتقدم صورة إنسانية لحياة الفلسطينيين اليومية. الفنون التشكيلية: الفنانون التشكيليون الإيرانيون أسهموا أيضا في تصوير المقاومة الفلسطينية في أعمالهم، حيث يبرز استخدام رموز مثل الأقصى ومدينة غزة في اللوحات الجدارية والمعارض الفنية. وغالبا ما تُعرض هذه الأعمال في المناسبات الوطنية والثقافية التي تحتفي بالقضية الفلسطينية، مثل "يوم القدس العالمي"، وهو فعالية سنوية تُنظم في آخر جمعة من رمضان تعبيرا عن التضامن مع الشعب الفلسطيني.المهرجانات الثقافية: تنظم إيران مهرجانات ثقافية تتناول القضية الفلسطينية، حيث تُعرض أفلام وكتب وقطع فنية تتناول موضوع غزة والمقاومة. وتعد هذه المهرجانات جزءا من إستراتيجية "القوة الناعمة" الإيرانية التي تهدف إلى إبراز دعمها السياسي والثقافي لفلسطين أمام المجتمع الدولي.
المقاومة في الخطاب الديني والثوري
اضطلعت المقاومة الفلسطينية في غزة بدور محوري في تشكيل الخطاب الديني والثوري في إيران، حيث تقدّم كجزء من "الجهاد ضد الظلم"، وهو مفهوم أساسي في الفكر السياسي الإيراني منذ الثورة الإسلامية.
تُعدّ غزة رمزًا للمقاومة الإسلامية ضد الاستعمار والظلم، ويروّج لهذا الخطاب في المساجد، وفي خطب الجمعة، وفي وسائل الإعلام الإيرانية. ويُنظر إلى قادة المقاومة الفلسطينية على أنهم حلفاء وشركاء في النضال ضد "الاستكبار العالمي" الذي تقوده إسرائيل وحلفاؤها.
الثقافة والفن يساندان السياسة
يشكل الأدب والثقافة الإيرانيان ركيزة أساسية في التعبير عن التضامن مع غزة والمقاومة الفلسطينية. فمن خلال الشعر والروايات والأفلام والفنون التشكيلية، تسهم إيران في تعزيز الوعي بالقضية الفلسطينية وترويج خطاب المقاومة.
كذلك فإن تفاعل هذه الأعمال الثقافية مع الأحداث الجارية في غزة يعكس مدى الارتباط بين المشهد السياسي الإيراني والبعد الثقافي الذي يسعى إلى تقديم دعم معنوي وأيديولوجي للقضية الفلسطينية.
وفي الذكرى السنوية الأولى لحرب غزة، يستمر الأدب والثقافة الإيرانيان بأداء دور محوري في إبراز المقاومة الفلسطينية كقضية إنسانية وسياسية، وتعزيز مكانة إيران كداعم رئيسي لهذه القضية في المنطقة وعلى المستوى العالمي.
ومع مرور عام على حرب غزة، تظل القضية الفلسطينية جزءا حيويا من المشهد الثقافي والإعلامي في إيران. يتجدد هذا الاهتمام سنويا من خلال أعمال أدبية وثقافية تُخلّد صمود الشعب الفلسطيني وتُبرز الأبعاد الإنسانية والسياسية للصراع، لتعزز من الروابط الثقافية والدينية بين إيران وفلسطين، وتؤكد استمرار الدعم الإيراني للمقاومة باعتبارها جزءا من سردية النضال ضد الظلم في العالم الإسلامي.
الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.