الوادي الكبير والتركيبة الديموغرافية
تاريخ النشر: 17th, July 2024 GMT
د. محمد العاصمي
الوادي الكبير تلك المنطقة القابعة بين أحضان جبال مسقط، والتي كانت أول الحواضر عندما خرج السكان من مسقط الداخل والمناطق الساحلية والولجة وروي القديمة، لتشهد هذه المنطقة الجميلة النزوح العمراني الحديث، وأضحت الصورة البهية للعاصمة ومركز الثقل السكاني المتطور، والموقع الإستراتيجي الذي يقع على مقربة من أهم المنطق الحيوية، سواءً المؤسسات الحكومية أو المؤسسات التجارية، فلا يفصل الوادي الكبير عن ولاية مسقط العاصمة الإدارية سوى عقبة البستان، ويقع الحي التجاري ملاصقاً لها من جهة الشمال.
هذه المنطقة الحصينة، وفد إليها أبناء سلطنة عُمان واستقروا جنباً إلى جنب مع من كانوا يقطنونها، ونشأت أهم حواضر محافظة مسقط في فترة السبعينيات والثمانينيات إلى مشارف التسعينيات، عندما بدأت الهجرة الداخلية والتوسع العمراني خارج هذه المناطق إلى المناطق الحديثة في أرجاء المحافظة، وفضَّل البعض البقاء، خصوصاً أولئك الذين تجذروا في المنطقة واعتادوا العيش فيها، وارتبطوا كثيراً كحال أي إنسان عندما يبني قصة عشق مع الأرض التي يسكنها.
التوسُّع العمراني وحتمية التطور الذي تشهده التجمعات السكانية، والنمو الذي تشهده المدن من خلال استحداث مخططات سكنية جديدة، إضافة للتغييرات التي تحدث في نسب السكان ونمو الأسر، كل هذه الظروف حتَّمت حدوث تغييرات في بنية وتركيبة السكان، خاصة في المناطق التي أصبحت مكتظة بالسكان والمؤسسات والمشاريع من جانب، ومحدودية المساحات من جانب آخر، وهذه الحال تنطبق على الوادي الكبير وغيره من المناطق التي نَمَت خلال الفترات السابقة، لقد تغيَّرت التركيبة السكانية في هذه المناطق بشكل ملحوظ، خُصوصاً مع وجود المنطقة الصناعية والمنطقة التجارية في قلب المنطقة.
لقد شكَّل الوافدون، خاصة من الجاليات الآسيوية، عدداً كبيراً من نسبة السكان في عموم ولاية مطرح؛ حيث تُشير الإحصائيات بحسب تقرير المركز الوطني للإحصاء والمعلومات إلى وجود ما يقارب 177.332 نسمة من الوافدين بنسبة 80.6% من إجمالي سكان ولاية مطرح، بينما لا يشكل العمانيون سوى 42 ألفًا و600 نسمة فقط، بنسبة لا تتعدى الـ19%، لقد تأثر سكان هذه المناطق بكل ذلك ولم يعد الأمر كما كان سابقاً، وهو ما دعا العديد منهم للمطالبة بالحد من تمركز الوافدين في وسط هذه المناطق، وتأثير ذلك على أبنائهم والمجتمع بشكل عام، حتى إنَّ بعض المناطق القريبة مثل "الولجة" أصبحت مناطق وافدين بنسبة كبيرة جدًّا، ولربما يكاد يكون هذا الوضع شبيهاً بما نراه في عديد دول العالم عندما تميل بعض الجنسيات للتجمع في مناطق محددة يصبغونها بصبغتهم الخاصة؛ مثل الأحياء الصينية في كثير من دول العالم، والأحياء اللاتينية التي تُعاني منها أمريكا الشمالية وبعض دول أوروبا.
إنَّ ما يصحب هذا التغيُّر في ديموغرافية المناطق بكل تأكيد له آثار سلبية وانعكاسات على البلد، خصوصاً على مستوى الأمن والخدمات والصحة والتعليم، وهذه التأثيرات لا يُمكن تجاهلها أو إغفالها وغض الطرف عنها، بل يجب أن تكون موضع متابعة مستمرة وبحث وتقصٍّ، ويجب أن تُوضع تحت السيطرة بمختلف الوسائل حتى نتجنَّب عواقبها، ولربما كانت حادثة الوادي الكبير التي لم يعتد المجتمع العماني المسالم على مثلها قد تكون نتيجة من نتائج هذه التغيُّر التركيبي السكاني، ونمو التجمعات الفئوية التي تمكنها -حسب اعتقادها الواهي- من تطبيق قوانينها الخاصة.
تقع على الجهات المختصة اليوم مسؤولية كبيرة في مواجهة هذه المشكلة خاصة في العاصمة مسقط، والتي توجد بها أكبر نسبة من التجمعات السكانية للوافدين، ووجود مناطق عديدة قد تكون بداية لتشكل تجمعات فئوية لجنسيات محددة بعينها، وعليها أن تضبط إيقاع تراخيص العمل ومتابعة الوافدين الذين لا يملكون تأشيرات أو المنتهية تراخيصهم والهاربين من كفلائهم؛ حيث تشكل هذه الفئة خطرًا، خاصة العمالة غير الماهرة، وتلك التي تمارس التجارة المستترة، وتتقن التكيف مع الظروف المعيشية السيئة.
إنَّ الأمن والأمان عنصران مهمان من عناصر التنمية، والنمو الاقتصادي، ولا يجب الاستهانة بالثمن الذي يُدفع من أجل تحقيقهما، وكما تقع على الجهات المختصة مسؤولية ترسيخهما تقع علينا كمواطنين مسؤولية أكبر في هذا الجانب، وعلينا أن نكون أول المساهمين في ذلك من خلال التزامنا بالقوانين والتشريعات التي تنظِّم وجود العمالة الوافدة؛ سواء من حيث التشغيل أو السكن أو الاستغلال الخاطئ لجلبهم دون عمل حقيقي، وهذا بحد ذاته كفيل بتجنيب المجتمع المشاكل التي تنتج عن المخالفات المرتكبة من هذه الجاليات.
المصدر: جريدة الرؤية العمانية
إقرأ أيضاً:
خطة ترامب بشأن غزة أذهلت المنطقة.. أسوشيتد برس تلقي نظرة على العقبات الخطيرة التي تواجهها
إن الاقتراح المذهل الذي قدمه الرئيس دونالد ترامب بنقل مئات الآلاف من الفلسطينيين قسراً من قطاع غزة وتطويره كوجهة سياحية يواجه عقبات كبرى.
ينظر الفلسطينيون وكثيرون آخرون إلى مثل هذه الخطط على أنها تطهير عرقي، ومحاولة لطردهم من وطنهم بعد أن أدى الهجوم الإسرائيلي الذي استمر 15 شهراً ضد حماس إلى جعل الكثير منه غير صالح للسكن. كما يُنظر إليها على أنها محاولة لتصفية نضالهم الذي دام عقوداً من الزمان من أجل دولة، والتي تحظى بدعم دولي واسع النطاق.
أدانت الدول العربية، بما في ذلك مصر والأردن - حلفاء الولايات المتحدة المقربين في سلام مع إسرائيل - مثل هذه الخطط ورفضت بشدة اقتراح ترامب باستقبال المزيد من اللاجئين الفلسطينيين.
أصدرت المملكة العربية السعودية بياناً نادراً بين عشية وضحاها ترفض فيه فكرة النقل وتؤكد أنها لن تطبع العلاقات مع إسرائيل - وهو هدف رئيسي لإدارة ترامب - دون إنشاء دولة فلسطينية بما في ذلك غزة.
كما يخاطر الاقتراح بتقويض وقف إطلاق النار في غزة والاستمرار في إطلاق سراح الرهائن الذين تم أسرهم في هجوم حماس في 7 أكتوبر 2023 والذي أشعل فتيل الحرب. لقد ادعى ترامب أنه هو من قام بالوساطة في الهدنة، ولكن مستقبلها أصبح الآن أكثر غموضا.
الفلسطينيون لا يريدون المغادرة
ينظر الفلسطينيون إلى غزة باعتبارها جزءا لا يتجزأ من وطنهم الوطني ويطمحون إلى دولة مستقلة في غزة والضفة الغربية والقدس الشرقية، الأراضي التي احتلتها إسرائيل في حرب عام 1967 في الشرق الأوسط.
معظم سكان غزة هم من نسل اللاجئين من حرب عام 1948 المحيطة بإنشاء إسرائيل، عندما فر مئات الآلاف من الفلسطينيين أو طردوا من ما هو الآن إسرائيل. لم يُسمح لهم بالعودة لأن عددهم كان ليفوق عدد السكان اليهود في الدولة الجديدة.
اقترح السفير الفلسطيني لدى الأمم المتحدة، رياض منصور، أنه إذا كان هدف ترامب هو إرسال الفلسطينيين إلى "مكان سعيد ولطيف"، فيجب عليهم العودة إلى ديارهم الأصلية في إسرائيل.
إن المثل الأعلى المتمثل في البقاء على أرض المرء على الرغم من التهديدات بالطرد هو جوهر نضال الفلسطينيين وهويتهم الذاتية، وقد ظهر ذلك جليا الأسبوع الماضي عندما عاد مئات الآلاف إلى شمال غزة على الرغم من تدميرها بالكامل تقريبا.
وقد أدانت حماس والسلطة الفلسطينية المدعومة من الغرب، والتي تعترف بإسرائيل وتتعاون معها في مجال الأمن، بشدة اقتراح ترامب.
لن تقبل الدول العربية اللاجئين الفلسطينيين
لقد رفضت مصر والأردن، اللتان عقدتا السلام مع إسرائيل قبل عقود من الزمان، مرارا وتكرارا المقترحات السابقة لإعادة توطين الفلسطينيين داخل حدودهما.
كما تخشى الدولتان أن إسرائيل لن تسمح للفلسطينيين بالعودة، وأن التدفق الجماعي للاجئين الفلسطينيين من شأنه أن يزعزع استقرار المنطقة مرة أخرى، كما حدث في العقود التي تلت عام 1948، عندما كان عاملا رئيسيا في الحرب الأهلية في لبنان وغزو إسرائيل مرتين لذلك البلد. كما يعاني كلا البلدين من اقتصادات متعثرة من شأنها أن تجد صعوبة في استيعاب أعداد كبيرة من اللاجئين.
واقترح ترامب أن تدفع دول الخليج الغنية لإعادة توطين الفلسطينيين، لكن هذا يبدو غير مرجح.
انضمت المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة وقطر إلى مصر والأردن في رفض أي خطط لنقل السلطة، كما رفضت السعودية الخطة على الفور تقريبًا.
وكرر البيان السعودي تصريحات أدلى بها ولي العهد الأمير محمد بن سلمان في سبتمبر/أيلول، والذي قال إن المملكة العربية السعودية لن تطبع العلاقات مع إسرائيل دون إنشاء دولة فلسطينية عاصمتها القدس الشرقية.
وقالت المملكة إن "موقفها الثابت غير قابل للتفاوض وغير قابل للتنازلات".
يتمتع ترامب بنفوذ، ولكن قادة الشرق الأوسط كذلك
كانت فكرة النقل الجماعي محصورة تاريخيًا في أقصى اليمين في إسرائيل، لكن يوم الأربعاء، قال زعماء التيار السائد إن خطة ترامب تستحق النظر.
أقر رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، في المؤتمر الصحفي مع ترامب، بأن "الفكوك تنفتح" عندما يقترح الرئيس الأمريكي أفكارًا غير تقليدية، ولكن بعد ذلك "يحك الناس رؤوسهم ويقولون،" كما تعلمون، إنه على حق ".
قال بيني غانتس، وهو سياسي وسطي وجنرال سابق يُنظر إليه منذ فترة طويلة على أنه بديل أكثر اعتدالًا لنتنياهو، إن اقتراح ترامب أظهر "تفكيرًا إبداعيًا وأصليًا ومثيرًا للاهتمام"، ويجب دراسته جنبًا إلى جنب مع أهداف الحرب الأخرى، "مع إعطاء الأولوية لإعادة جميع الرهائن".
يبدو أن ترامب يستمتع باستخدام التعريفات الجمركية والعقوبات وخفض المساعدات للضغط على الحلفاء والخصوم على حد سواء، ويمكنه ممارسة ضغوط اقتصادية على دول مثل مصر والأردن، التي اعتمدت منذ فترة طويلة على المساعدات الأمريكية.
لكن هذه الدول لديها نفوذها الخاص في مواجهة ما تراه تهديدًا كبيرًا لأمنها القومي. ويمكن لدول الخليج الغنية، التي قدمت أيضًا مساعدات تاريخية لمصر والأردن، أن تساعد في تخفيف أي ضربة اقتصادية.
حذرت مصر بالفعل من أن أي نقل جماعي للفلسطينيين إلى شبه جزيرة سيناء المتاخمة لغزة من شأنه أن يقوض معاهدة السلام مع إسرائيل - حجر الزاوية للاستقرار الإقليمي والنفوذ الأمريكي منذ ما يقرب من نصف قرن.
كما لعبت مصر وقطر دور الوسيط الرئيسي مع حماس في المحادثات التي أدت إلى وقف إطلاق النار، وكلاهما يعمل مع مبعوث ترامب إلى الشرق الأوسط، ستيف ويتكوف، لمحاولة تمديده.
الإسرائيليون يرحبون بالخطة، لكن الرهائن يشكلون أولوية
كانت فكرة النقل الجماعي محصورة تاريخيًا في أقصى اليمين في إسرائيل، لكن يوم الأربعاء، قال زعماء التيار السائد إن خطة ترامب تستحق النظر.
أقر رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، في المؤتمر الصحفي مع ترامب، بأن "الفكوك تنفتح" عندما يقترح الرئيس الأمريكي أفكارًا غير تقليدية، ولكن بعد ذلك "يحك الناس رؤوسهم ويقولون،" كما تعلمون، إنه على حق ".
قال بيني غانتس، وهو سياسي وسطي وجنرال سابق يُنظر إليه منذ فترة طويلة على أنه بديل أكثر اعتدالًا لنتنياهو، إن اقتراح ترامب أظهر "تفكيرًا إبداعيًا وأصليًا ومثيرًا للاهتمام"، ويجب دراسته جنبًا إلى جنب مع أهداف الحرب الأخرى، "مع إعطاء الأولوية لإعادة جميع الرهائن".
ولم يعترض زعيم المعارضة يائير لابيد، وهو منتقد شرس لنتنياهو والذي أعرب عن دعمه لحل الدولتين في الماضي، على الفكرة. وبدلاً من ذلك، قال في مقابلة مع وسائل الإعلام المحلية إنه من السابق لأوانه الرد على اقتراح ترامب لأنه لا توجد تفاصيل ملموسة، وأن إعادة الرهائن هي الأهم.
تنتهي المرحلة الحالية من وقف إطلاق النار في غزة، والتي من المقرر أن تطلق حماس بموجبها سراح 33 رهينة مقابل مئات السجناء الفلسطينيين، في أوائل مارس/آذار. ويجري التفاوض على المرحلة الثانية، والتي سيتم فيها إطلاق سراح الرهائن الستين المتبقين مقابل المزيد من السجناء.
وقالت حماس إنها لن تطلق سراح الرهائن المتبقين دون إنهاء الحرب وانسحاب إسرائيلي كامل - وهو ما من المرجح أن يمنع أي نقل قسري.
وقد هدد وزير المالية الإسرائيلي اليميني المتطرف بتسلئيل سموتريتش، الذي يدعم ما يطلق عليه "الهجرة الطوعية" لأعداد كبيرة من الفلسطينيين وإعادة إنشاء المستوطنات اليهودية في غزة، بالانسحاب من ائتلاف نتنياهو إذا لم يستأنف الحرب بعد المرحلة الأولى، وهو ما من المرجح أن يؤدي إلى انتخابات مبكرة. ورحب سموتريتش باقتراح ترامب.
إن استئناف الحرب من شأنه أن يعرض حياة الرهائن المتبقين للخطر، ولا يوجد ما يضمن القضاء على حماس، التي لا تزال تسيطر على معظم غزة. كما أنه من شأنه أن يلغي ما صوره ترامب على أنه إنجاز كبير ويؤخر أي تطبيع مع المملكة العربية السعودية.
مناورة افتتاحية؟
هناك احتمال آخر: أن اقتراح ترامب هو مناورة افتتاحية في عملية مساومة تهدف في نهاية المطاف إلى تأمين نوع الصفقة الكبرى في الشرق الأوسط التي يقول إنه يسعى إليها.
في الأسبوع الماضي فقط، هدد ترامب بفرض تعريفات جمركية كبيرة على كندا والمكسيك، أكبر شريكين تجاريين لأميركا، قبل تعليقها بعد أن اتخذ قادتهما خطوات لتهدئة مخاوفه بشأن أمن الحدود والاتجار بالمخدرات.
خلال فترة ولايته الأولى، غازل ترامب إمكانية ضم إسرائيل لأجزاء من الضفة الغربية المحتلة قبل أن يتم تأجيل الفكرة كجزء من اتفاقية التطبيع مع الإمارات العربية المتحدة.
قد يخفض ترامب في النهاية اقتراحه أو يعلقه في مقابل تنازلات من القادة العرب، ربما بشأن إعادة إعمار غزة أو التطبيع مع إسرائيل - على الرغم من أن البيان السعودي بدا وكأنه يستبعد ذلك.
قد يكون هناك مزيد من الوضوح عندما يزول الصدمة، وعندما يلتقي ترامب بالعاهل الأردني الملك عبد الله الثاني في البيت الأبيض الأسبوع المقبل.
*يمكن الرجوع للمادة الأصل: هنا