هناك العديد من الأدوية التي يمكن لأطباء التخدير استخدامها لإفقاد المرضى وعيهم، لكنّ سؤالا مهما يتبادر للباحثين وهو: كيف تتسبب هذه الأدوية بالضبط في فقدان الدماغ للوعي؟
هذا ما عكف على دراسته علماء الأعصاب في معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا بالنسبة لأحد الأدوية المستخدمة بشكل شائع في التخدير. وباستخدام تقنية جديدة لتحليل نشاط الخلايا العصبية، اكتشف العلماء أن دواء البروبوفول يُفقد الوعي عن طريق تعطيل التوازن الطبيعي للدماغ بين الاستقرار والاستثارة، ويتسبب الدواء بأن يصبح نشاط الدماغ غير مستقر بشكل متزايد حتى يفقد الوعي.
وفي موقع يوريك أليرت، يقول إيرل كي ميلر أستاذ علم الأعصاب في بيكوور وأحد أعضاء معهد بيكوور للتعلم والذاكرة في معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا وأحد الباحثين الرئيسيين في الدراسة: "يجب أن يعمل الدماغ على هذه الحافة الحادة بين الاستثارة والفوضى. يجب أن يكون مستثارا بما يكفي لتؤثر خلاياه العصبية في بعضها البعض، ولكن إذا أصبح مستثار جدا فإنه يدور في الفوضى. يبدو أن البروبوفول يعطل الآليات التي تحافظ على الدماغ في هذا النطاق الضيق للعمل".
ويمكن لنتائج الدراسة الجديدة التي نشرت بمجلة نيورون في 15 يوليو/تموز الحالي، أن تساعد الباحثين على تطوير أدوات أفضل لمراقبة المرضى أثناء خضوعهم للتخدير العام.
هناك العديد من الأدوية التي يمكن لأطباء التخدير استخدامها لإفقاد المرضى وعيهم (الألمانية) هل السبب الاستثارة أم الاستقرار؟البروبوفول دواء يرتبط بمستقبِلات في الدماغ تسمى مستقبلات جابا، الأمر الذي يثبط الخلايا العصبية التي تحتوي على هذه المستقبلات. وتعمل أدوية التخدير الأخرى على أنواع مختلفة من المستقبلات، ولم تُفهم الآلية التي تُنتج بها كل هذه الأدوية فقدان الوعي بشكل كامل.
وافترض الباحثون أن البروبوفول -وربما أدوية التخدير الأخرى- تتداخل مع حالة الدماغ المعروفة باسم "الاستقرار الديناميكي"، ففي هذه الحالة تُستثار الخلايا العصبية بصورة كافية للاستجابة للمدخلات الجديدة، ولكن يمكن للدماغ بسرعة استعادة التحكم ومنعها من أن تصبح تفرط في الاستثارة.
ووجدت الدراسات السابقة عن كيفية تأثير أدوية التخدير في هذا التوازن نتائج متضاربة، فأشارت بعض الدراسات إلى أن الدماغ أثناء التخدير يتحول ليصبح مستقرا جدا وغير مستجيب مما يؤدي إلى فقدان الوعي، بينما وجدت دراسات أخرى أن الدماغ يصبح مستثار جدا مما يؤدي إلى حالة فوضوية ينتج عنها فقدان الوعي.
وجزء من سبب هذه النتائج المتضاربة صعوبة قياس الاستقرار الديناميكي في الدماغ بدقة، فقياس الاستقرار الديناميكي مع فقدان الوعي يساعد الباحثين على تحديد ما إذا كان فقدان الوعي يَنتج عن استقرار مفرط أو استقرار قليل جدا.
وفي الدراسة الجديدة التي نحن بصددها حلل الباحثون التسجيلات الكهربائية التي أجريت في أدمغة الحيوانات التي تلقت البروبوفول على مدار ساعة، وفقدوا خلالها الوعي تدريجيا. وتمكن الباحثون من قياس كيفية استجابة الدماغ للمدخلات الحسية مثل الأصوات، أو للاضطرابات العفوية للنشاط العصبي.
وفي الحالة الطبيعية يستجيب النشاط العصبي للدماغ بعد أي مدخل، ثم يعود إلى مستوى نشاطه الأساسي. ومع ذلك، بمجرد أن بدأت جرعة البروبوفول، بدأ الدماغ يأخذ وقتا أطول للعودة إلى خط الأساس بعد هذه المدخلات، ويظل في حالة استثارة بشكل مفرط. وأصبحت هذه الظاهرة أكثر وضوحا حتى فقدت الحيوانات الوعي.
ويشير ذلك إلى أن تثبيط نشاط الخلايا العصبية بواسطة البروبوفول يؤدي إلى عدم استقرار متزايد، مما يتسبب بفقدان الدماغ للوعي، حسب الباحثين.
تحسين التحكم في التخديروللتحقق مما إذا كانوا يستطيعون تكرار هذا التأثير في نموذج حسابي، أنشأ الباحثون شبكة عصبية بسيطة، وعندما زادوا من تثبيط بعض العقد في الشبكة كما يفعل البروبوفول في الدماغ، أصبح نشاط الشبكة غير مستقر، وهو ما يشبه النشاط غير المستقر الذي رآه الباحثون في أدمغة الحيوانات التي تلقت البروبوفول.
يقول خريج في معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا والباحث ما بعد الدكتوراه في المعهد وأحد باحثي الدراسة آدم إيسن: "نظرنا إلى نموذج دائرة بسيط للخلايا العصبية المترابطة، وعندما زدنا التثبيط فيها رأينا عدم استقرار. لذا فإن أحد الأشياء التي نقترحها هو أن زيادة التثبيط يمكن أن تولّد عدم استقرار، وهذا مرتبط بفقدان الوعي".
ويشتبه الباحثون في أن أدوية التخدير الأخرى التي تعمل على أنواع مختلفة من الخلايا العصبية والمستقبلات، قد تتجمع على التأثير نفسه بآليات مختلفة، وهو احتمال يدرسه الباحثون الآن.
وإذا تبين أن هذا صحيح، فقد يكون مفيدا لجهود الباحثين المستمرة لتطوير طرق للتحكم بشكل أكثر دقة في مستوى التخدير الذي يعاني منه المريض. وتعمل هذه الأنظمة -التي يعمل عليها ميلر المشار إليه سابقا مع إيمري براون أستاذ الهندسة الطبية في معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا- عن طريق قياس ديناميكيات الدماغ ثم ضبط جرعات الأدوية وفقا لذلك في الوقت الفعلي.
يقول ميلر: "إذا وجدت آليات مشتركة تعمل عبر أدوية التخدير المختلفة، فيمكنك جعلها جميعا أكثر أمانا عن طريق تعديل بعض الأزرار، عوضا عن الاضطرار إلى تطوير بروتوكولات أمان لكل تخدير مختلف على حدة. لا نريد نظاما مختلفا لكل تخدير يستخدمونه في غرفة العمليات، نريد نظاما واحدا يناسب الجميع".
كما يخطط الباحثون لتطبيق تقنيتهم لقياس الاستقرار الديناميكي على حالات الدماغ الأخرى، بما في ذلك الاضطرابات النفسية العصبية.
تقول إيلا فيتي أستاذة علوم الدماغ والعلوم الإدراكية ومديرة مركز كي ليزا يانغ للتكامل الحسابي لعلوم الأعصاب وأحد أعضاء معهد ماكغفرن لأبحاث الدماغ في معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا وأحد الباحثين الرئيسيين في هذه الدراسة: "هذه الطريقة قوية جدا، وأعتقد أنه سيكون من المثير جدا تطبيقها على حالات الدماغ المختلفة، وأنواع مختلفة من التخدير، وأيضا حالات أخرى من الاضطرابات النفسية العصبية مثل الاكتئاب والفصام".
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: حراك الجامعات حريات فی معهد ماساتشوستس للتکنولوجیا الخلایا العصبیة أدویة التخدیر فقدان الوعی
إقرأ أيضاً:
تفاصيل الزيارة المفاجئة لرئيس جامعة أسيوط لمستشفى الأمراض العصبية والنفسية الجامعي
الدكتور
قام الدكتور أحمد المنشاوي رئيس جامعة أسيوط اليوم الأربعاء بزيارة مفاجئة لمستشفى الأمراض العصبية والنفسية وجراحة المخ والأعصاب، ووحدة الاستقبال العام الجديدة، بالمستشفي الجامعي الرئيس؛ لمتابعة سير العمل، والاطمئنان علي جودة، وكفاءة الخدمات الطبية المقدمة؛ للمترددين على المستشفيات الجامعية من مختلف محافظات الصعيد
ورافقه في جولته الدكتور علاء عطية عميد كلية الطب ورئيس مجلس إدارة المستشفيات الجامعية، والدكتور محمد عبد الباسط مدير مستشفى العصبية والنفسية الجامعي، والدكتور محمد عبد الرحمن وكيل كلية الطب لشئون التعليم والطلاب، والدكتور خالد البيه نائب مدير المستشفى للشئون الطبية والعلاجية، ولفيف من الأساتذة، والأطباء بالمستشفى، إلي جانب الدكتورة دينا علي مدير وحدة الاستقبال العام الجديدة.
واستهل الدكتور المنشاوي، جولته؛ بتفقد عدد من الأقسام والوحدات، المتخصصة داخل مستشفى الأمراض العصبية والنفسية، ومنها: وحدة العناية المركزة، ووحدة السكتة الدماغية، وتابع خلالها؛ انتظام العمل، والانضباط الإدارى داخل المستشفى، مطلعًا على كشوف، وتواريخ دخول، وخروج المرضى، ومدي التزام جميع الأطقم الطبية، وأطقم التمريض، والعاملين، بالحضور اللائق، والمنتظم؛ انطلاقًا من حرص الجامعة على تقديم أفضل خدمة ممكنة؛ وفق أحدث النظم الطبية المتقدمة.
واطمأن رئيس جامعة أسيوط، خلال الجولة؛ علي الحالة الصحية للمرضي داخل المستشفي، وأبرز العمليات الجراحية التي تم إجراؤها -بنجاح- خلال الآونة الأخيرة، ومنها؛ سيدة في العقد الثالث من عمرها، من محافظة المنيا، والتي نجح الفريق الطبي بالمستشفي؛ في إجراء عملية جراحية لها؛ لاستئصال ورم بالمخ، بعد معاناتها من أعراض ارتفاع في ضغط المخ، وحالة تشنج عصبي، مُثمنًا في ذلك؛ التدخل الفوري، والعاجل للفريق الطبي، واتخاذ الإجراءات اللازمة بدقة، وإجراء العملية الجراحية بنجاح.
وفي أعقاب ذلك، تابع الدكتور المنشاوي؛ آليات العمل داخل وحدة الاستقبال العام الجديدة، بالمستشفى الجامعي الرئيس، والتى تم افتتاحها أواخر الشهر الماضي، بطاقة استيعابية 60 سريرًا، وذلك بما تتضمنه من غرف للفحص الخارجي، وفرز المرضى، وعناية مركزة، وإنعاش رئوي، إلى جانب؛ الأقسام التشخيصية، والعلاجية، والتي تشمل؛ الأشعة، والمعامل، والكثير من الغُرف المستحدثة التي تواكب أحدث ما وصل إليه العالم، من التطوير الطبي الشامل، والمستمر.
وأكد الدكتور المنشاوي: إن مستشفيات جامعة أسيوط؛ تمثل مركزًا طبيًا متميزًا في صعيد مصر، والتي تقدم خدماتها لملايين المرضى سنويًا فى مختلف التخصصات الطبية، وتضم أفضل الكفاءات الطبية، مشيرًا إلى حرص إدارة الجامعة علي توجيه خطط التطوير، والتوسع في المستشفيات الجامعية؛ بشكلٍ مستمر؛ لرفع كفاءة الخدمات المقدمة، والمساهمة في رفع نسب الشفاء للمرضي، وتقليل قوائم الانتظار