محمد حامد جمعة: قد تقتلونا لكن لن تهزمونا
تاريخ النشر: 8th, August 2023 GMT
الحرب قاسية . ومرهقة . أضافت سنوات الى أعمارنا . بأثقال من خليط القلق والترقب . واليأس والرجاء . ساعة وساعة . لكنها والله العظيم ما قتلت او أطفأت شمعة الحياة وما قطعت وريد الدم المقوي للنبض . نعاني نعم . فرضيات الموت والأذى أرجح من السلامة وكلها أقدار الله . لكن فيما ارى لم تدفن ارواحنا في الركامات .
المساء عندنا خاصة مع إنقطاع الكهرباء مساحة لطقوس التأمل . القائم على دروس الصبر القوى على الظلام وارتفاع الحرارة . وإنعدام النسيم الذي مرات يعطف بأمر الله فيرسل نفحة نتلقاها بالشكر النبيل . وكما قلت الناس لا يزالون هم انفسهم . يتقون على مراهق اللحظات بكثير من العشم . الضحك والطرافة وإيمانيات اليقين والرضا . نتزاور نتفقد المريض والجريح المقنوص او المقضوم بقذيفة . اكثر من هذا الناس تشق المسافات للتعازي . لا يزال النسوة ينحن على الموتى حتى للغرباء الذين يلتقطون من قارعة الحتوف . صارت بعض منعطفات الحارات وزوايا الجدران مقابر ! حيث يساس اللحد في شق على مسارات النهارات . ويكون الشاهد ظلال الاكف بالدعاء .
في حالنا هذا لا تزال بعض اللحظات يتسلل منها صوت مغني . لاحظت كثيرا كأنما كل موروث حقيبة الموسيقى عندنا نسجت غيبا من القديم لهذه اللحظة . الناس كلما سمعوا صوتا يغني ينصتون ، يعلوهم شجن غريب . صدق ذاك المصري الذي كتب عن بكاء حشد من السودانيين لحظة سماعهم اغنية ادارها ليسري عنهم . هنا في قلب الخرطوم الحال ذات . غير مرة سمعت صائح يطلب وقف الاغنية لانه على وشك التداعي !
اكتب الان والمآذن ترفع صوتها للسماء . كانه ترسله فوق مدى المضادات ! اصوات كأنها ضاعفت صوت قوتها وصداه . ورغم المحاذير نتدافع بعد قليل للصحون والمحاريب . سكينة الصف الذي تقلص كأنها توقينا لبقية الليلة ومطلع الصباح حيث يسلمنا (العشاء) لبشارة (الفجر) . لا يزال الناس فيهم ذاك التواصل المدهش . امس بعد الثامنة طرق جاري الباب . حينما خرجت والرجل من أهل دار تنبت النخل والقصيد والنشيد . قال لي افتقد ضجيج حركتك فاتيت اتفقدك . قالها وهو يدفع لي بإبناء عتيق (كورية) مغطاة بإحسان . قال تذوق هذه البليلة العدسية . ثم اعتذر بلطف ما قدرت اظبطها بمحسنات قتقبلها هكذا ! اصررت عليه ليدخل فإعتذر بشدة . عدت للداخل . التقطت من ذاكرة جوالي بعض اغاني استمع وفمي يتلقى الحبيبات المباركة .
هذه الازمة قد تكون اوجعتنا في كثير لكن لا نزال كلما تشتد نشتد على انفسنا قربا وتماسكا . نحن بالخير اقوى من ظلامات الموت والفجيعة لكنه سينتهي وسنعود ..سنعود . حتى إن متنا . سنكون فيمن بقى . نحن هم وهم نحن …لن تهزمونا .. قد تقتلونا لكن لن تهزمونا .
محمد حامد جمعة
المصدر: موقع النيلين
إقرأ أيضاً:
جمعة: "رسول الله ربّانا على القوة والمبادئ السامية"
أكد الدكتور علي جمعة، عضو هيئة كبار العلماء ومفتي الجمهورية السابق، أن سيدنا محمد صلى الله عليه وآله وسلم أرشدنا إلى قيم القوة والسعي للارتقاء بالنفس والمجتمع، وشدد على أن العجز مرفوض في الإسلام، خاصة إذا كان مرتبطًا بالتقصير في عبادة الله أو عمارة الأرض، ورغم ذلك، فإن المؤمن العاجز خير عند الله من الفاجر القوي، لأن المؤمن يمتلك القيم والأخلاق التي تعزز الحضارة الحقيقية.
العجز والقوة: رؤية إسلامية متوازنةأوضح جمعة أن الإسلام يدعو إلى الجمع بين الإنجاز والقيم، مشيرًا إلى أن الإنجاز الذي يخالف الأخلاق والقيم مرفوض تمامًا. وأضاف أن الإنجاز الحقيقي يتطلب الالتزام بالمبادئ والثوابت، وليس فقط تحقيق النجاح المادي أو الظاهري. وذكر أن الأمم السابقة، مثل قوم عاد، وقعوا في فخ الغرور بإنجازاتهم، كما ورد في القرآن الكريم.
قال الله تعالى:
(أَتَبْنُونَ بِكُلِّ رِيعٍ آيَةً تَعْبَثُونَ وَتَتَّخِذُونَ مَصَانِعَ لَعَلَّكُمْ تَخْلُدُونَ)،
مشيرًا إلى أن نبي الله هود عليه السلام حاول تذكيرهم بأن نعم الله تزيد بالإيمان والتقوى، لكنهم تمسكوا بباطلهم وقالوا:
(سَوَاءٌ عَلَيْنَا أَوَعَظْتَ أَمْ لَمْ تَكُن مِّنَ الوَاعِظِينَ).
التوازن بين الكم والكيفأكد الدكتور جمعة أن الإسلام يُعلي من شأن الكيف على الكم، والقيم الإنسانية على الإنجازات المادية. وأوضح أن المسلم الحقيقي هو من يقدّم التقوى على الإنجاز، ويراعي حقوق الإنسان قبل بناء المنشآت.
وما ترك الله لنا طريقًا يبلغنا رضاه وجنته إلا وقد أرشدنا إليه، وحثنا عليه رسوله الكريم ﷺ ، وما ترك لنا طريقا يؤدي بنا إلى النار إلا وحذرنا منه وأحدث لنا منه ذكرا، وتركنا رسول الله ﷺ على المحجة البيضاء ليلها كنهارها لا يزيغ عنها إلا هالك.
فلما زاغ الناس عن المحجة البيضاء شاع الفساد، وفشت الفتن من حولنا، تلك الفتن التي وصفها سيدنا رسول الله ﷺ فقال : (يخرج في آخر الزمان رجال يختلون الدنيا بالدين، يلبسون للناس جلود الضأن من اللين، ألسنتهم أحلى من السكر، وقلوبهم قلوب الذئاب، يقول الله عز وجل : أبي يغترون ؟ أم علي يجترئون ؟ فبي حلفت، لأبعثن على أولئك منهم فتنة تدع الحليم منهم حيرانًا) [رواه الترمذي]. وفي ذلك تصديق لقوله تعالى : (وَاتَّقُوا فِتْنَةً لاَّ تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنكُمْ خَاصَّةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ العِقَابِ) .
رسالة للمسلمين اليوماختتم جمعة حديثه بالدعاء أن يرزق الله المسلمين الرشد والصواب في أعمالهم، ويحقق التوازن بين الإنجاز المادي والروحي، مشددًا على أهمية تقديم القيم الإنسانية والدينية كمعيار أساسي للنجاح والتقدم.